ويُعد رأس المال البشري المورد الأهم في جميع الاقتصادات والشركات، ويشمل المعارف الجماعية لدى القوى العاملة ومزاياها ومهاراتها وخبراتها وسلامتها. ويبدأ تطور رأس المال البشري منذ الطفولة المبكرة ويستمر خلال مراحل التعليم الرسمية، لذا أطلق مركز ماكنزي العالمي للأبحاث وقطاع الموظفين والأداء المؤسسي في ماكنزي دراسة جديدة ركزت على المرحلة التالية والتي تشمل جميع محطات الحياة المهنية.
ويتخطى رأس المال البشري مجرد كونه مفهومًا في الاقتصاد الكلي، لأن كل شخص يتمتع بمجموعة من القدرات الفريدة التي تتيح له اختيار المكان المناسب للاستفادة منها، ولكن ضمن خيارات محدودة. وتنطوي البيئة التي ينشأ فيها الموظفون، من المنطقة الجغرافية والعائلة وسوية التعليم، على أهميةٍ قصوى، كما تتوقف الخيارات المهنية المتاحة لهم على قدراتهم ومزاياهم وشبكات علاقاتهم وقيمهم الأسرية وسلامة سوق العمل الشاملة والعوامل المجتمعية.
كما تمثل التنقلات المهنية وسائل مهمة لتوسيع نطاق مهاراتهم وتعزيز دخلهم. وتكشف الأنماط في بياناتنا بأن الانتقال إلى منصب مهني جديد يقدم نتائج إيجابية، ولا سيما لدى نيل الموظف منصبًا جديدًا يساهم في تعزيز قدراته أو يتيح له الاستفادة من مهاراته بشكل أكبر.
وتشير بياناتنا إلى أن نحو ثلث الموظفين في الولايات المتحدة وألمانيا والمملكة المتحدة، ونحو ربع الموظفين في الهند، يتجهون إلى الارتقاء بمرتبة أو أكثر من شرائح الدخل مدى الحياة المقدرة منذ بدء مسيرتهم المهنية. وتمتاز هذه المجموعة من الموظفين بالإقدام دومًا على انتقالات مهنية نوعية وأكثر جرأة. ويحمل التغيير المهني أهميةً كبيرةً في تعزيز الدخل بالنسبة للأشخاص الذين يباشرون مسيراتهم المهنية بوظائف منخفضة الأجر دون مؤهلات تعليمية.
ويساعد الارتقاء الوظيفي على مواصلة تحسين الموظفين لمهاراتهم وزيادة دخلهم وبناء مسيرات مهنية تعود عليهم بالفائدة، إلا أنه لا يمكن للموظفين القيام بنقلة نوعية جريئة بدون شركات تدرك قيمتهم وقدراتهم وتمنحهم الفرصة التي يبحثون عنها. ويتيح الانضمام إلى شركة تركز على تعزيز التطور المهني للموظفين السبيل الأفضل الذي يتيح لهم الاستفادة القصوى من خبرتهم العملية.
الخبرة العملية تعزز قيمة رأس المال البشري
يركز بحثنا على مدى ارتباط الخبرة العملية بالتعليم الرسمي ومساهمتها في تحسين قيمة رأس المال البشري (يرجى مراجعة الشريط الجانبي، "تحديد العلاقة بين الارتقاء الوظيفي ودور المهارات في تعزيز الدخل مدى الحياة"). ويتم تعريف الخبرة العملية عادةً بأنها المعارف التراكمية التي يكتسبها الموظف بعد دخوله في سوق العمل. ويأتي ذلك عن طريق تأدية الموظف لمهامه الوظيفية أو مشاركته في برامج التطوير والتعلم التي توفرها الشركات والتنقل الوظيفي الذي يتلاءم مع مهارات الموظف الحالية أو يتيح له اكتساب مهارات جديدة.
وتدعم الشركات بيئات العمل لديها بأنظمة وممارسات تساعد على تعزيز إنتاجية الموظفين، وتضمن تحقيق قيمة كبيرة بمجرد دخول الموظفين إلى هذه البيئات. كما يحصل الموظفون على رواتب مادية لقاء عملهم، ويكتسبون معارف وقدرات جديدة يمكنهم الاستفادة منها طوال مسيرتهم المهنية. في حين تتطلب العديد من المناصب إلمام الموظفين بأنواع جديدة من المعدات أو البرامج. ويستفيد الموظفون من برامج التعليم المنظمة والتدريب اليومي خلال أيام العمل. ويتعين اكتساب بعض الأفكار من متابعة كيفية تعامل زملائهم مع المواقف الصعبة ببراعة أو بطريقة خاطئة، والسبل التي يمكن من خلالها للمدراء تحفيز أو إحباط فرقهم.
ويحظى الموظف الذي يبدأ العمل كنادل في مطعم وجبات سريعة مثلًا بفرصة تعلم كيفية التعامل مع العملاء الذين يصعب إرضائهم، ويكتسب المرونة اللازمة للتعامل مع ضغط العمل. ويستطيع الموظف الذي يبدأ العمل في قطاع تكنولوجيا المعلومات بالرد على استفسارات العملاء وكسب المعارف التقنية التي يمكنه الاستفادة منها عندما يصبح مشرفًا على شبكة الاتصالات. ويمكن لأمين مستودعات أن يتابع كيفية حل مديره للمشكلات اللوجستية ليقوم بتطبيق هذه المنهجيات في وظيفة مستقبلية كمدير للمستودع أو وكيل مشتريات.
وتساهم الخبرة العملية بنسبة تتراوح بين 40% و60% من إجمالي معارف الموظف
وتشير تقديراتنا إلى أن قيمة رأس المال البشري تعادل نحو ثلثي إجمالي مصادر دخل الفرد. وتشكل المهارات المكتسبة أو التي يتم الاستفادة منها معدل 46% من هذه القيمة خلال المسيرة المهنية النموذجية، وهي نسبة تمثل المعدل الوسطي للدول الأربع التي تركز عليها الدراسة وتشمل مجموعة واسعة من الاختلافات (الصورة 1).
ويبدو تأثير الخبرة العملية شبه متطابق في جميع الاقتصادات المتقدمة التي درسناها. وكشفت تحليلاتنا بأن الخبرة العملية تساهم بنسبة 40% من متوسط الدخل مدى الحياة في الولايات المتحدة وبنسبة 43% في كل من ألمانيا والمملكة المتحدة، في حين ترتفع هذه النسبة إلى 58% في الهند.
ويبقى الوصول إلى التعليم تحديًا رئيسيًا في الهند مع حصول 12% فقط من السكان على التعليم الجامعي حتى عام 2020، ما يمنح الخبرة المهنية أهمية أكبر في مستوى الدخل للقوى العاملة هناك عمومًا. كما يُرجح ظهور أنماط مماثلة من حيث الدخل مدى الحياة في الاقتصادات الناشئة التي تتسم بمستويات منخفضة من التحصيل العلمي وارتفاع سوية الإنتاجية وانخفاض الحد الأدنى للأجور.
الخبرات العملية عامل حاسم لدى الأشخاص الذين تسلموا وظائفهم دون مؤهلات تعليمية عالية
يحقق الأشخاص الذين يبدؤون مسيراتهم المهنية في وظائف تتطلب مؤهلات تعليمية عالية، مثل المحامين وأطباء الأسنان، مستويات أعلى من الدخل مدى الحياة مقارنةً بغيرهم. وتساعد مهارات المبتدئين غالبيتهم على تحقيق نسبة أكبر من هذا الدخل مقارنةً مع المهارات المكتسبة.
ويأتي ذلك على نقيض الأشخاص الذين يبدؤون مسيراتهم المهنية بناءً على مؤهلات تعليمية منخفضة، حيث يحققون دخلًا أقل خلال حياتهم، بينما تساهم الخبرة العملية بالحصة الأكبر منه. ويستند دخل غاسل الصحون الذي يصبح طاهي تحضير ثم طاهي رئيسي ثم طاهي تنفيذي مساعد على التقنيات والخبرات التي اكتسبها من هذه المهن. وتمنح الخبرة العملية الأفراد الفرصة لاكتساب المهارات إلى جانب السجل الحافل بالتجارب الذي يعتبر عاملًا مهمًا في تولي الوظائف المستقبلية.
ويتنوّع تأثير مستوى الخبرة على حسب المهن الأولى للموظفين في الولايات المتحدة على سبيل المثال. ويُعد أخصائيو تقويم العظام الأقل اعتمادًا على الخبرة العملية؛ حيث يتعين عليهم قبل البدء باستقبال المرضى استكمال برنامج الدكتوراه في تقويم العمود الفقري الذي يستغرق بين ثلاث إلى خمس سنوات ثم اجتياز سلسلة من اختبارات رخصة مزاولة المهنة. مما يعني بأن مهاراتهم المبدئية تساهم بنسبة 85% من دخلهم مدى الحياة. ويأتي المتخصصون في تشغيل المعدات التي تمزج المكونات لتحضير الأغذية على النقيض تمامًا. وتنخفض احتمالات التحصيل التعليمي العالي لدى الأشخاص الذين يبدؤون مسيرتهم المهنية في هذا النوع من المهن، حيث تساهم الخبرات التي يكتسبونها بمرور الوقت بنسبة 90% من دخلهم مدى الحياة.
ويتناسب ارتفاع مستوى التحصيل العلمي طردًا مع مقدار الدخل مدى الحياة، ولكن بعض الأشخاص ينجحون في كسر هذه القاعدة.
ويضطر الأشخاص الذين يحصلون على تعليم مدرسي سيّء ويفتقرون للتعليم الجامعي أو التدريب إلى بدء مسيرتهم المهنية من أسفل السلم الوظيفي. وتعتمد الكثير من الشركات على الدرجات الجامعية كمؤشر موثوق على أهلية الموظفين المحتملين.
وينجح البعض في تخطي العائق التعليمي، حيث تُظهر توقعاتنا للدخل مدى الحياة في الولايات المتحدة مثلًا مجموعة من الأشخاص الذين حققوا ذلك. ويجدر ذكره بأن 28% من خريجي المدارس الثانوية يحققون دخلًا أعلى من حاملي شهادة الدبلوم الجامعي من أصحاب المعدلات المتوسطة، ويمكن أن يكسب 37% من حاملي درجة الدبلوم أكثر من حاملي درجة البكالوريوس من أصحاب المعدلات المتوسطة خلال حياتهم.
وتستعد مجموعة كبيرة من الأشخاص في جميع الدول المشمولة بالدراسة إلى التقدم بمعدل شريحة دخل واحدة أو أكثر مقارنةً مع دخلهم الأولي. وينطبق ذلك على ثلث العاملين في الاقتصادات المتقدمة تقريبًا (30% في الولايات المتحدة و32% في ألمانيا و34% في المملكة المتحدة) وتنخفض النسبة إلى 23% في الهند. ويحظى نحو 6.1% من الموظفين في الولايات المتحدة بفرصة الانتقال من شريحة الدخل الأدنى إلى نسبة 20% الأعلى من الدخل.
ويبدو أن المجموعة التي ترتقي في شرائح الدخل تجمع خبرات عملية بطريقة تعود عليها بفوائد فعلية. وتكشف عينة الموظفين التي درسناها بأن الخبرة العملية تساهم بنسبة تتراوح بين 60% و80% من الدخل مدى الحياة لدى المجموعة التي ارتقت بشريحة الدخل، في حين تتراوح نسبة العاملين الذين بقوا على حالهم أو انخفضت شريحة دخلهم بين 35% و55%. وعجز بعض الأشخاص عن تحقيق هذه الانتقالات نتيجة الحواجز التنظيمية والاجتماعية، مثل التحيزات الشخصية والتأثيرات المديدة لعدم تكافؤ فرص التعليم والافتقار إلى العلاقات المهنية.
الارتقاء الوظيفي يوفر مهارات جديدة ودخلًا أعلى، وينتقل الموظفون في معظم الحالات إلى شركات جديدة
يُعد التنقل بين الوظائف والمهن سمة غالبة على أسواق العمل، حيث كشفت مجموعات البيانات بأن الشخص العادي يغير منصبه كل عامين إلى أربعة أعوام مع متوسط فارق مهارات يتراوح بين 25% و45% وفقًا لكل دولة. وتنبع أهمية ذلك من دور الارتقاء الوظيفي في تمكين الموظفين من بناء أو تعزيز مهاراتهم.
وتشمل التنقلات الموظفين الذين يتولون مناصب جديدة في شركاتهم الحالية، أو ينتقلون إلى شركات جديدة، أو يغيرون اختصاصاتهم أو مهنتهم، أو يجمعون بين أي مما سبق. ويأتي قسم كبير من التنقلات المهنية في جميع الأوقات نتيجة الفصل والتسريح إلى جانب تغيير الوظائف الطوعي.
وتعكس مجموعات بياناتنا زيادة الدخل مع كل انتقال ما بين 6% و10% كمعدل وسطي. ويشمل ذلك الأشخاص الذين انتقلوا إلى منصب أقل دخلًا سواء بإرادتهم أو للضرورة.
وتضمنت نسبة تتراوح بين 40% إلى 50% من عمليات الارتقاء الوظيفي خلال السنوات العشر الماضية زيادة في الأجور. وتمكّن الأشخاص الذين قاموا بهذه التنقلات من تعزيز دخلهم بمعدل يتراوح بين 30% إلى 45% في كل مرة.
كشفت بياناتنا عن أن أكثر من 80% من عمليات الارتقاء الوظيفي تضمنت الانتقال من شركة إلى أخرى. وشملت تنقلات أخرى الترقية إلى مناصب أعلى أو التوجه إلى تخصصات أخرى ضمن الشركة نفسها. وينطبق هذا المستوى العالي من الانتقال خارج الشركات على كل مجموعات الموظفين. مما يشير إلى افتقار العديد من الشركات إلى مسارات ارتقاء وظيفي داخلية قادرة على ضمان تطور معظم الموظفين نحو مناصب ورواتب أعلى مع الوقت. ويتعين غالبًا على الأشخاص الراغبين بإحداث نقلة نوعية في مسيرتهم المهنية وشغل مناصب أعلى الانتقال إلى بيئة جديدة.
وتتناسب جرأة الخطوة طردًا مع قوة الحافز الذي توفره
إذ يحظى الذين يتولون مناصب جديدة تتضمن تغييرات أو تحديات أكبر برواتب أعلى. ونحرص على دراسة المسار المهني لكل شخص مع التركيز على ارتقائهم الوظيفي، وعادة ما تتطلب المناصب الجديدة مهارات مختلفة عن المنصب السابق وفقًا لمراجعتنا لإعلانات الشواغر. وتمثل نسبة الاختلاف بين المنصبين فارق المهارة، ويتناسب مقدار هذه النسبة مع الجرأة التي يتطلبها هذا الانتقال.
ويكشف المثال التوضيحي في الشكل 2 أدناه عاملًا ألمانيًا بدأ مسيرته المهنية كلحّام ثم بدّل مهنته مرتين. وعندما أصبح مشرفًا على أعمال الصيانة تطلبت هذه الخطوة اكتساب مهارات إضافية بنسبة 33%، ثم أصبح مدير إنتاج ما تطلب منه فارق مهارة بنسبة 47%. ويبلغ معدل فارق المهارة لديه 40% ما يمثل الموظف الألماني النموذجي.
وكشفت مجموعات بياناتنا بأن الانتقال بهدف زيادة الراتب يتطلب متوسط فارق مهارة يتراوح بين 35% إلى 50% في جميع الدول، وهو أعلى من نسبة الانتقال لأسباب عامة التي تتراوح بين 25% إلى 45% في جميع الدول. فعند انتقال موظف بهدف الحصول على راتب أكبر فإن عمله الجديد يتطلب مجموعة أعلى من المهارات والمسؤوليات مقارنةً مع عمله السابق.
ويفرض هذا النوع من الانتقال على الشركات محاولة الاستفادة من إمكانات الموظف حتى مع اختلاف مهامه الحالية عن التي أداها في وظيفته السابقة. ويمكن أن يوفر المنصب الجديد للموظف فرصةً مهمة لاكتساب معارف جديدة أو سبيلًا يتيح له استخدام مهاراته الحالية التي لم يستخدمها سابقًا. ويحمل الانتقال التدريجي في المناصب تأثيرًا أقل لأنه ينطوي على متطلبات متشابهة.
وتقوم المجموعات الأكثر ارتقاءً بالمناصب بتنقلات تتطلب جرأة أكبر بوتيرة أعلى. (الشكل 3) نأخذ مثالًا من الولايات المتحدة، حيث قام الموظفون الذين انتقلوا إلى شرائح دخل أعلى بمعدل 4.6 تنقلات خلال هذه الفترة، بينما بلغ هذا المعدل 3.7 خطوة لدى الأشخاص الذين استمروا في مناصبهم. واحتاج الأشخاص الذين حصلوا على ترقيات في الولايات المتحدة والهند إلى فارق مهارة بمعدل يتراوح بين 30% إلى 40%؛ بينما احتاج الأشخاص الذين استمروا في مناصبهم إلى معدل يتراوح بين 20% إلى 30%. ويؤدي ازدياد تطور المهارات مع كل ترقية إلى تحولات كبيرة في الإمكانات والمسؤوليات على مدار الحياة المهنية.
التنقلات المهنية المجدية تسهم في تعزيز دخل الموظفين ”كثيري التنقل“ و”الباحثين عن اكتساب الخبرات الجديدة“
قمنا خلال دراستنا بالتعمق في بيانات مجموعة صغيرة من الأشخاص الذين يتمتعون بمسيرة مهنية تمتد 10 سنوات ولاحظنا وجود أربعة نماذج مختلفة. وتصف هذه النماذج أنماط الانتقال بين الوظائف ونتائجها مع أمثلة توضيحية بعيدًا عن الظروف والمحفزات الفردية.
- ويبدأ الباحثون عن اكتساب خبرات جديدة، مسيراتهم المهنية بأجور أقل من المعدل، ولكنهم ينجحون في الارتقاء بالمناصب أسرع من أقرانهم وتعزيز إمكاناتهم بشكل كبير مع كل منصب. ويضمن تراكم الخبرات لديهم نمو أجورهم بشكل أكبر من باقي النماذج. لنأخذ مثلًا موظفة تتولى منصب مساعدة إدارية في مؤسسة غير ربحية ثم تنتقل إلى منصب مدير شؤون المتبرعين ضمن قسم التطوير في مؤسسة أخرى. وتنتقل بعدها إلى مستشفى بحث علمي بمنصب كاتبة منح ثم إلى منصب أعلى في قسم التواصل والعلاقات العامة. وتصبح في نهاية المطاف مديرة قسم العلاقات الإعلامية في جامعة مرموقة. نرى أن هذه الموظفة الطموحة نجحت في دخول قطاعات وتخصصات جديدة.
- ويحقق الموظفون كثيرو التنقل نقلات نوعية خلال الجزء الأول من مسيرتهم المهنية، كأن يباشر موظف العمل في مجال معين ليدرك بأن طموحاته تأخذه إلى شركة أخرى ليقوم بنقلة نوعية نحو المسار الصحيح. ويمكن أن تصبح مصممة الجرافيك التي تصنع إعلانات مطبوعة مثلًا مصممة تجارب مستخدمين في بداية مسيرتها المهنية.
- ويبقى الموظفون ويبقى الموظفون قليلو التنقل في أماكنهم أو يتخذون خطوات تدريجية في المرحلة الأولى من حياتهم المهنية ثم يقومون بخطوات أكثر جرأة. ونأخذ مثلًا صحفيًا متمرسًا ينتقل للعمل في قسم الاتصالات المؤسسية بإحدى الشركات، أو وسيطًا عقاريًا ينتقل للعمل في منصب مسؤول قروض رهن عقارية في مصرف. ويمثل هؤلاء الفئة الأكبر في هذه العيّنة.
- ويغير الموظفون الملتزمون مع شركات محددة وظائفهم بوتيرة أقل ويقومون بتغييرات بسيطة، ولا يعود ذلك دومًا إلى خوفهم أو عجزهم بل ربما تكون تلك استراتيجية جاءت نتيجة اختيار الوظائف التي تناسبهم منذ البداية. اختار المعلمون مثلًا التخصص في مجال التعليم وربما كان هذا المجال الأنسب لهم. كما تخلو بياناتنا من مؤشرات عن أشخاص حاولوا القيام بخطوات جريئة وفشلوا. ويسجل الموظفون الملتزمون مع شركات محددة النمو الأبطأ في الأجور سواء باشروا وظائفهم برواتب قريبة من الحد الأدنى أو الحد الأعلى، حيث يباشر الأطباء مثلًا عملهم برواتب عالية جدًا ويندر أن يجربوا تغيير مناصبهم. وتساهم الخبرة العملية بنسبة تتراوح بين 60% و70% من الدخل مدى الحياة لدى الموظفين كثيري التنقل أو الباحثين عن الخبرة، في حين تنخفض هذه النسبة إلى 30% لدى الموظفين الملتزمين مع شركات محددة.
يمكن للشركات استقطاب أصحاب المواهب واستبقائهم من خلال إدراك إمكاناتهم وتوفير فرص الترقية وتعزيز فرص التعلم
تختلف قدرة الشركات على تطوير الموظفين، حيث اكتشفنا بأن العامل الأهم هنا لا يرتبط بحجم الشركة، إذ يمكن للشركات الصغيرة إظهار قدرات تضاهي نظيراتها الكبيرة في المجال نفسه. وتكون الشركات التي تتمتع بأعلى معايير السلامة التنظيمية وتوفر فرص تدريب أكثر لموظفيها فضلًا عن مزيد من فرص الارتقاء الوظيفي أكثر تميزًا عن غيرها. وتستقطب هذه الشركات الموظفين لبناء المعارف وشبكات العلاقات انطلاقًا من إدراكهم بأن خبراتهم تمنحهم مزايا قيّمة تساعدهم على تحسين فرص عملهم المستقبلية. ويساعد اكتساب الخبرات العملية مبكرًا في هذه الشركات الموظفين على الارتقاء بالمناصب بشكل أسرع.
ويمكن للشركات دعم نمو الموظفين وتعزيز موقعها بوصفها مراكز متميزة للتعلم واجتذاب المواهب. وتبرز هنا ثلاث أولويات، هي:
- اكتشاف قدرات الموظفين وسوية معارفهم ومهاراتهم الحالية. يمكن لغالبية الشركات الاستفادة من تغيير أساليبها المستخدمة حاليًا في اختيار الموظفين، حيث تقوم الشركات الرائدة بإنشاء أنظمة لتقييم المرشحين للمناصب استنادًا على قابليتهم للتعلم وقدراتهم الأساسية ومهاراتهم القابلة للنقل، بدلًا من البحث عن مرشحين من خارج الشركة ممن يتمتعون بخبرات مثالية لمتطلبات المنصب. ويستلزم ذلك تصميم برامج تقييم تتلاءم مع الهدف والتركيز على بعض المهارات الأساسية المهمة لنجاح الموظف في هذا المنصب. كما يتعين التخلص من التحيزات التي تعيق خروج الموظفين عن نطاق المناصب التي يشغلونها حاليًا؛ وتحمل هذه النقطة أهمية كبيرة بالنسبة للموظفين الحاليين في الشركة. وتُظهر العينة التي درسناها بأن أكثر من نصف عمليات تغيير المناصب تطلبت من الموظفين فارق مهارة يتخطى نسبة 25%، مما يعكس امتلاك الموظفين قدرات كامنة غير معروفة لدى شركاتهم الحالية. ويعكس امتلاك الموظف سجلًا حافلًا باكتساب مهارات جديدة بمرور الوقت قدرته على تعلم المزيد. ويجب على الشركات إظهار مرونة أكبر في توظيف المرشحين أصحاب الخبرات والمؤهلات التقليدية ومنح مزيد من الفرص للموظفين ممن يمتلكون مسارات مهنية غير تقليدية.
- توفير فرص الترقية. كشفت بياناتنا عن أن أكثر من 80% من تغييرات المناصب تضمنت الانتقال من شركة إلى أخرى. ما يفرض على الشركات اجتذاب أكبر عدد من المواهب التي تسعى للترقية الوظيفية. ويمكن للشركات السعي إلى كسر الممارسات النمطية لتحقيق الاستفادة القصوى، حيث بوسعهم استقطاب أفضل المرشحين من بين مجموعة المواهب التي تبحث عن فرص الترقية الوظيفية دومًا من جهة، وتعزيز إنتاجية ومشاركة الموظفين المتميزين الذين يقررون البقاء في الشركة من جهة أخرى. وتستطيع الشركات ضمان عدم خسارة الموظفين الموثوقين الساعين إلى إحراز التقدم عن طريق تكليف المدراء بتطوير الأشخاص الراغبين بالتغيير. وينبغي أن يتم تحديد مسارات ترقية مستقبلية واضحة لكل منصب مع إبراز المهارات المطلوبة في جميع المراحل. ويمكن للشركات الكبيرة تحقيق ذلك بطريقة واحدة تتمثل في إنشاء منصة رقمية داخلية تتيح وصول الموظفين إلى نماذج تعليمية والعثور على فرصتهم التالية للترقية. وينطوي الارتقاء في المناصب على اكتساب الخبرات وليس مجرد تقدم مهني. وتغفل غالبية الشركات عن أهمية الارتقاء الوظيفي داخلها، رغم أنه يتعين دومًا الاحتفاء بترقية الموظفين الموهوبين بوصفهم قصص نجاح وإفساح المجال أمامهم لشغل مختلف الوظائف في المستقبل.
- رفع معايير التدريب مع التركيز على بداية عمل الموظفين لدى الشركات. يكتسب الموظفون قسمًا كبيرًا من المهارات خلال أداء مهامهم اليومية، ويمكن للتدريب المهني وفترات التأهيل تعزيز هذه العملية. وتشير أبحاثنا إلى الأهمية المحورية للسنوات الأولى من دخول مهنة ما، وهو ما ينطبق أيضًا على السنة الأولى في كل وظيفة جديدة. وتتخطى عملية تأهيل الموظفين الرسمية حدود جلسات التوجيه، بل هي فترة تمتد تتراوح بين ستة أشهر وعام كامل وتتضمن تجربة مصممة بدقة. ويمكن للشركات توفير الأدوات اللازمة لتحقيق انطلاقة سريعة، بما في ذلك وجود مدير يلتزم بتوفير التدريب وتسهيل التواصل. وينبغي تزويد الموظفين بفرص التعلم المستمر حتى بعد نجاحهم في إحراز التقدم، ما يساهم في تعزيز الروح المعنوية لديهم وتقليل استنزاف طاقاتهم. وكشف استبيان صادر عن شركة جالوب في يونيو 2021، بأن نسبة 65% من الموظفين في الولايات المتحدة يعتبرون تعلم مهارات جديدة محفزًا مهمًا أو فائق الأهمية للانتقال إلى وظيفة جديدة، في حين قال 61% منهم إنه عامل مهم أو فائق الأهمية لناحية البقاء في وظائفهم الحالية. وتلعب برامج التدريب والتطوير الرسمية لتأهيل الموظفين لمناصبهم المستقبلية دورًا في هذا السياق، رغم صعوبة تعزيز كفاءتهم. وتحرص الشركات التي تمثل مؤسسات تعليمية فاعلة على إنشاء الهيكليات الخاصة بها والتي تتلاءم مع احتياجاتها.