تدوينة ماكنزي الصوتيّة

القيادة تبدأ من الداخل: لماذا يحتاج الرؤساء التنفيذيون إلى وقفة للتأمل الذاتي؟ 

| تدوينة صوتية

ملاحظة: إننا نبذل قصارى جهدنا للحفاظ على جميع التفاصيل الدقيقة عند ترجمة المقالة الإنجليزية الأصلية، ونعتذر عن أي جزئية مفقودة في الترجمة قد تلاحظونها من حين لآخر. نرحب بتعليقاتكم على البريد الإلكتروني التالي reader_input@mckinsey.com

في عالم الأعمال المعاصر، لم تعد الخصائص التقليدية كالحزم والثقة بالنفس والقدرة على القيادة هي العناصر الوحيدة التي تُعتبر ضرورية للرؤساء التنفيذيين لتحقيق النجاح. هذا ما أكده "راميش سرينيفاسان" و "هانس-فيرنر كاس"، شريكان قديمان بمؤسسة ماكنزي، من خلال كتابهما الجديد "رحلة القيادة: كيف يمكن للرؤساء التنفيذيين أن يطوروا مهارات القيادة من الداخل والخارج". يشير الكتاب إلى أهمية المهارات الشخصية مثل الوعي الذاتي، والتواضع والتعاطف في تحفيز الفرق وقيادتها بفاعلية أكبر. في حلقة خاصة من بودكاست ماكنزي، ناقش "سرينيفاسان" و "كاس" مع "روبرتا فوسارو"، مديرة التحرير، كيف يمكن لهذه المهارات الناعمة أن تعزز من قدرات القيادة للرؤساء التنفيذيين وتساهم في إعادة ابتكار أنفسهم وشركاتهم للأفضل.

القائد الحكيم يبدأ بفهم نفسه

روبرتا فوسارو: أصدرتم مؤخرًا كتاباً جديداً بعنوان " رحلة القيادة: كيف يمكن للرؤساء التنفيذيين أن يطوروا مهارات القيادة من الداخل والخارج". هل يمكنكم توضيح مفهوم القيادة من الداخل إلى الخارج بشكل مبسط؟

راميش سرينيفاسان: يشهد العالم تحولات سريعة ومعقدة في عدة مجالات، أبرزها تزايد تعقيد الجغرافيا السياسية، والتأثير الكبير للتكنولوجيا على حياتنا اليومية، إلى جانب التغيرات المناخية التي أصبحت واقعًا مستمرًا لا يمكن تجاهله. في هذا السياق المتسارع والمليء بالتحديات، أدركنا أن العالم بحاجة إلى نموذج جديد للقيادة يتماشى مع هذه التحولات. ولهذا السبب، قدمنا مفهوم القيادة الإنسانية، الذي يركز على القائد كإنسان قبل كل شيء. في هذا النموذج، نعتقد أن على القادة أن يتأملوا في غاياتهم الشخصية والقيادية، ويطرحوا على أنفسهم أسئلة حول من يكونون، وكيف يظهرون في العالم، وكيف يمكنهم أن يصبحوا مصدر إلهام لفريقهم وللمؤسسات التي يديرونها.

هانس-فيرنر كاس: إن القيادة التي تركز على الجانب الإنساني هي بمثابة بوصلة ثابتة توجه القادة من مختلف المستويات والخلفيات نحو تحقيق تأثير حقيقي وفعّال. هذه البوصلة لا تعتمد فقط على المبادئ النظرية، بل تترجم إلى أفعال وخطوات عملية يتخذها القادة للوصول إلى مستوى عالٍ من القيادة التي تتمحور حول احتياجات الإنسان وتجعلها في صميم القرارات. وعندما يتبنى القادة هذه المبادئ ويظهرون التزامهم بها في تصرفاتهم اليومية، فإنهم يصبحون نموذجًا ملهمًا ليس فقط لزملائهم داخل المؤسسة، بل أيضًا للشركاء الخارجيين وأصحاب المصالح المشتركة.

مفهوم القيادة من الداخل إلى الخارج يعني أن أي تغيير حقيقي يبدأ أولاً من داخل الشخص نفسه. ولتحقيق ذلك، يجب على القائد أن يكون على دراية تامة بذاته، وأن يدرك مدى تأثير كلماته وسلوكياته وأفعاله. هذا الوعي الذاتي يساعده على تحديد نقاط القوة التي يتميز بها ونقاط الضعف التي يحتاج إلى تطويرها. ويمكن وصف هذه العملية بالتطوير الذاتي، وهي تتطلب من القائد تبني مجموعة من السلوكيات الإنسانية مثل التعاطف مع الآخرين، والاهتمام بهم، وإظهار الرحمة والتواضع، وحتى القدرة على إظهار الضعف عند الحاجة. في المقابل، هناك أوقات تتطلب منه إظهار الحزم والثقة بالنفس، بالإضافة إلى التحلي بالمرونة لمواجهة التحديات الصعبة. التحدي الأكبر هو تحقيق التوازن بين هذه السلوكيات المختلفة، والذي يعتمد بشكل كبير على طبيعة الموقف الذي يواجهه القائد.

ما الذي يجعل هذا التوجه ضروريًا الآن؟

روبرتا فوسارو: لماذا نحتاج لهذا النهج في التوقيت الحالي؟ "راميـش"، لقد لمحت إلى بعض الأسباب، ولكن أشرح لنا بشكل أعمق ما الذي تغير في عالم القيادة عام 2024؟ ما هي التحديات الجديدة التي تجعل هذا النوع من القيادة أكثر أهمية الآن مقارنة بالماضي؟ وكيف أثرت هذه التغيرات على طريقة تفكير القادة وأدوارهم؟

راميش سرينيفاسان: العالم اليوم أصبح أكثر تعقيدًا على الصعيد الجيوسياسي، كما أن التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي التوليدي، تُحدث تأثيرًا كبيرًا في مختلف جوانب حياتنا. وفي ظل هذه التغيرات السريعة والمستمرة، يحتاج القادة إلى وعي عميق بذواتهم؛ بمعنى أن يكون لديهم فهم واضح لهويتهم، وما هو هدفهم، وما الذي يحفزهم حقًا في هذا العالم المتغير. ليس ذلك فحسب، بل يجب على القادة أن يسألوا أنفسهم: كيف يظهرون للآخرين؟ وما هي الرسائل والأفكار التي يعبرون عنها؟ وكيف يمكنهم فهم أعضاء فريقهم بشكل أعمق كأشخاص، وليس فقط كموظفين، حتى يتمكنوا من إلهامهم وتحفيزهم على العمل بروح الفريق وتحقيق الأهداف المشتركة؟ بالتوازي مع ذلك، يُفترض أن يستفيد القادة من هذا الفهم العميق للنفس وللفريق لإلهام المؤسسات التي ينتمون إليها.

يحتاج القادة إلى وعي عميق بذواتهم؛ بمعنى أن يكون لديهم فهم واضح لهويتهم، وما هو هدفهم، وما الذي يحفزهم حقًا في هذا العالم المتغير.

راميش سرينيفاسان

روبرتا فوسارو: "هانس-فيرنر"، لقد ذكرت سابقًا أن نهج القيادة من الداخل إلى الخارج يعتمد بشكل كبير على الجانب الشخصي. ونرى أن الكتاب يُشجع القادة على أن يتعمقوا في فهم نقاط ضعفهم وحتى مخاوفهم، وهو أمر قد يكون مثيرًا للقلق للبعض. ما يثير فضولي هو كيف يمكن للكتاب أن يجعل هذه العملية أسهل للرؤساء التنفيذيين والقادة الآخرين؟ كيف يمكن أن يساعدهم في تجاوز هذا الخوف والتعامل مع هذه الجوانب الشخصية بفعالية أكبر؟

هانس-فيرنر كاس: يتضمن الكتاب قصصًا شخصية لـ 24 رئيسًا تنفيذيًا، حاليين وسابقين، يتحدثون فيها بصراحة عن مخاوفهم وتحدياتهم الشخصية. كما يشاركون كيف واجهوا تلك التحديات، وما هي الأساليب التي اعتمدوها للتغلب عليها. والمثير للاهتمام أن أياً من هؤلاء الرؤساء التنفيذيين لم يزعم أنه وصل إلى قمة الكمال أو تحقيق كل شيء في مسيرته القيادية. بدلاً من ذلك، أكدوا جميعًا أنهم ما زالوا في مرحلة تطور مستمرة، وهم على الطريق الصحيح ليصبحوا قادة أكثر فاعلية وإنسانية.

ويتضمن الكتاب أيضًا "دليلًا لإعادة الابتكار" خطوة بخطوة، يهدف إلى مساعدتك بشكل عملي على إحداث تحول جذري في شخصيتك وتطوير قدراتك القيادية بشكل فعّال.

مزيج من القرارات المتوازنة

روبرتا فوسارو: الكتاب مقسّم بشكل عملي إلى جزأين رئيسيين: الجزء الأول يركز على الجوانب النفسية والعاطفية التي تتعلق بتطوير الذات بينما يتناول الجزء الثاني الجانب الإنساني المتعلق بقيادة الآخرين. وتتناول الفصول الأخرى موضوعات مثل التواضع، الثقة بالنفس، الإيثار، القدرة على إظهار الضعف، المرونة، والتكيف. لذا أود أن أسألك، "راميـش": هل هناك صفة معينة أو جانب محدد من هذه الصفات تشعر أنه أكثر أهمية أو صعوبة في تحقيقه مقارنة بالآخرين؟

راميش سرينيفاسان: نعتقد أن جميع الصفات القيادية الواردة في الكتاب بالغة الأهمية، ولكن الصفة التي أود البدء بها هي الموازنة بين الشجاعة والفضول. على سبيل المثال، يشارك "ستيفان بانسل"، الرئيس التنفيذي لشركة "موديرنا"، في الكتاب تجربته خلال ذروة جائحة كوفيد-19. في ذلك الوقت، كان عليه اتخاذ قرار جريء بتطوير وتصنيع لقاح، وهو أمر لم تقم به شركة "موديرنا" من قبل.

أظهر "ستيفان بانسل" شجاعة كبيرة من خلال وضع رؤية جريئة وطموحة لتطوير وتصنيع لقاح لمواجهة جائحة كوفيد-19. لم يقتصر دوره على إلهام فريقه لتحقيق هذا الهدف الضخم، بل كان لديه أيضًا فضول استثنائي. فقد أدرك تمامًا أن هناك العديد من الجوانب التي تفتقر إليها الشركة، مثل خبرتها في تصنيع اللقاحات، ناهيك عن التحدي الأكبر وهو إنتاج مليار جرعة.

الصفة الثانية التي تستحق التركيز هي الموازنة بين الثقة بالنفس والتواضع. استطاعت "لين إلسنهانس"، كقائدة ملهمة، أن تجسد هذا التوازن بمهارة فائقة. عندما كانت تشغل منصب الرئيسة التنفيذية، حيث وجدت نفسها في مواقف كانت فيها المرأة الوحيدة في الغرفة. لكن رغم ذلك، كانت تحمل معها ثقة عميقة بأنها تستحق تلك المكانة القيادية، وهو ما منحها القدرة على التعامل بثقة عالية وفرض وجودها في تلك المواقف. كانت تعاملاتها القيادية دائمًا ما تعكس ثقتها الراسخة بنفسها وبقدرتها على اتخاذ القرارات الحاسمة. وفي المقابل، ما يجعل "إلسنهانس" مميزة هو تواضعها الكبير، فهي رغم ثقتها الكبيرة لا تتعالى على فريقها. بدلاً من ذلك، تبقى متواضعة في أسلوب إدارتها، مما يكسبها احترام وإلهام من يعمل معها.

هانس-فيرنر كاس: من الأمثلة الأخرى التي أود ذكرها هو "مارك فيلدز"، الرئيس التنفيذي السابق لشركة "فورد موتور". عندما تولى منصب الرئيس التنفيذي لشركة "مازدا موتور" في عام 2000، وهي جزء من مجموعة "فورد" آنذاك، والذي قرر أنه من الأفضل أن يُظهر التواضع خلال الأشهر الستة الأولى، حيث اختار أن يبدأ بالاستماع والتعلم بدلاً من التصرف وكأنه يمتلك جميع الحلول، رغم أنه كان لديه رؤى واضحة وافتراضات حول كيفية حل التحديات التي تواجه الشركة. ما فعله "فيلدز" كان مزيجًا ذكيًا بين إظهار الثقة والتواضع، وأيضًا الشفافية. فقد اعترف بأنه لا يمتلك كل الإجابات، وأنه بحاجة إلى جهد جماعي وتعاوني مع الفريق للوصول إلى الحلول. كان هذا التوازن بين الثقة والتواضع، إلى جانب إقراره بضعفه في بعض الجوانب، مفتاح نجاحه في قيادة الشركة نحو التطور.

ومن الأمثلة المهمة التي تناولها الكتاب هو مفهوم 'التعلم بلا خوف' الذي يشرحه "الأدميرال إريك أولسون"، القائد السابق لقيادة العمليات الخاصة الأمريكية وعضو قوات البحرية الخاصة. ركز "أولسون" على ضرورة أن يكون القائد مستعدًا لقبول فكرة أن افتراضاته قد تكون خاطئة، وألا يخشى تغيير تلك الافتراضات إذا تطلبت الظروف ذلك. يقول "أولسون" إن أي خطة، مهما كانت محكمة، لا تبقى على حالها عند أول مواجهة مع التحديات أو 'العدو'. وهنا يبرز أهمية المرونة: عندما تختلف الظروف الواقعية عما هو متوقع في الخريطة أو الخطة، يجب على القائد أن يتبع الواقع ويعيد تقييم خطته. بعبارة أخرى، التكيف مع المتغيرات وإعادة صياغة الافتراضات يزيد من فرص النجاح في المهمة.

استكشاف الذات من الداخل

روبرتا فوسارو: "هانس-فيرنر"، تحدثت عن أن الوعي الذاتي هو مفتاح النجاح في رحلة القيادة التي تبدأ من فهم القائد لنفسه. ولكن بالنظر إلى الجداول المزدحمة والمليئة بالمسؤوليات للرؤساء التنفيذيين والقادة العسكريين، كيف يمكنهم إيجاد الوقت اللازم للتوقف عن الروتين اليومي؟ كيف يستطيعون الخروج من دوامة المهام اليومية لتخصيص بعض الوقت للتأمل الذاتي وتطوير هذا الوعي؟

هانس-فيرنر كاس: من الصعب للغاية تحقيق التوازن بين المسؤوليات اليومية والتأمل الذاتي، ونحن جميعًا نواجه هذا التحدي في وظائفنا وأدوارنا المختلفة. في الكتاب، نتناول ما نطلق عليه 'الممارسات الصغيرة'. هذه الممارسات هي خطوات بسيطة يمكن دمجها في الروتين اليومي للقادة، بحيث تساعدهم على تطوير الوعي الذاتي دون الحاجة إلى تخصيص وقت كبير.

لتحقيق الوعي الذاتي، علينا أولاً أن نفهم لماذا نجد صعوبة في تخصيص الوقت اللازم للتأمل في أنفسنا. ما الذي يجعل من الصعب علينا أن نبتعد عن انشغالاتنا اليومية ونفكر في أفعالنا وأفكارنا؟ بمجرد أن نفهم هذه الأسباب، يمكننا البدء في اتخاذ خطوات عملية لتغيير ذلك. على سبيل المثال، يمكنك اتخاذ قرار بعدم استخدام أي أجهزة إلكترونية في الساعة الأولى من استيقاظك. بدلاً من الانغماس في التواصل مع الآخرين أو الاطلاع على الأخبار، خصص هذا الوقت لنفسك فقط. اجلس بهدوء وتفكر في يومك القادم، دون تدخلات خارجية. هذه اللحظات تمنحك الفرصة للتفكير في أولوياتك وأهدافك الشخصية. استغل هذا الوقت للتأمل فيما حققته في الفترة الماضية، سواء في اليوم السابق أو الأسبوع الأخير، وفكر في تأثير كلماتك وسلوكياتك على من حولك. هل كانت تصرفاتك مفيدة؟ هل حققت النتائج التي كنت تطمح إليها؟ بهذه الطريقة، يمكنك تقييم تأثير أفعالك وتعزيز وعيك الذاتي بشكل مستمر.

الوعي الذاتي مهم للغاية لأنه يساعدك على فهم تأثير كلماتك وأفكارك على الآخرين. هذا الفهم أساسي في القيادة، حيث يمكّن القادة من التواصل بفعالية وتحسين علاقاتهم مع فريق العمل. أمّا الخطوة التالية بعد الوعي الذاتي هي 'التأمل الذاتي'، وهي ممارسة تركز على مراجعة سلوكياتك وتحديد النقاط التي يمكن تحسينها. والهدف من هذه الخطوة هو تطوير ممارسات سلوكية تساعدك على النمو كقائد. بعبارة أخرى، الترتيب المنطقي هو أن تبدأ أولاً بالوعي بتأثير كلماتك وأفكارك، ثم تنتقل إلى التأمل الذاتي لتعديل وتحسين سلوكياتك بشكل مستمر.

راميـش سرينيفاسان: أود أن أضيف فكرة مهمة. ضمن صفحات الكتاب، يتحدث رئيس تنفيذي سابق لشركة إعلامية عن أهمية وجود أشخاص داخل المؤسسة يجرؤون على قول الحقيقة للقادة. مع تقدمك في المناصب القيادية، قد تجد أن الموظفين لا يخبرونك بالحقيقة الكاملة أو لا يقدمون اقتراحات مباشرة حول كيفية تحسين قيادتك. لذلك، من الضروري خلق ثقافة في الشركة يشعر فيها الموظفون بالأمان للحديث بكل صراحة وأريحية. كما أن التواصل مع الموظفين في المناصب الأدنى، خاصة أولئك الذين يعملون مباشرة مع العملاء، هو أمر بالغ الأهمية لفهم ما يحدث فعلاً داخل الشركة. هؤلاء الأشخاص لديهم رؤية واقعية حول التحديات والفرص التي قد لا يراها القادة بأنفسهم. الاستماع إلى هؤلاء الموظفين يمكن أن يكون مصدرًا قيّمًا لرؤى جديدة تساعدك كقائد على التأمل في أدائك والتفكير في كيفية التحسين.

لا يزال الإنسان هو المتحكم الرئيسي

روبرتا فوسارو: "راميـش"، لقد تحدثت عن الذكاء الاصطناعي التوليدي كأحد أكبر التحولات التي يواجهها القادة اليوم. كما أشرت إلى أهمية القيادة التي تركز على العنصر البشري في ظل هذه التحولات السريعة. هل يمكنك أنت وزميلك أن تستفيضا بشكل أكثر في كيفية تماشي القيادة مع تطورات الذكاء الاصطناعي التوليدي والتكنولوجيا المتقدمة الأخرى؟ ما أود معرفته هو كيف يمكن للقادة أن يتعاملوا مع هذه التقنيات المتقدمة بشكل فعّال، وفي نفس الوقت يحافظون على الاهتمام بالجانب الإنساني في القيادة؟ كيف يمكن للتكنولوجيا أن تدعم العمل القيادي دون أن تطغى على التواصل الإنساني أو تقلل من أهمية القيم الإنسانية في التعامل مع الفرق والأفراد؟

راميش سرينيفاسان: أرى أن التكنولوجيا لها تأثير هائل على العالم، ولكن من خلال أبحاثنا وتجاربنا، نعتقد أن قيمة الدور البشري في هذه المعادلة لن تختفي. سيظل وجود البشر في دائرة اتخاذ القرار أمرًا مهمًا ولا يمكن الاستغناء عنه. ويتمثل التحدي الأكبر الذي يواجه القادة اليوم في فهم كيفية تأثير التكنولوجيا على أنفسهم، وفرقهم، وأعمالهم. بمعنى آخر، يجب على القادة استيعاب التغييرات التي تحدثها التكنولوجيا في بيئة العمل، وتحديد كيفية الاستفادة منها لتعزيز قدراتهم وفعالية فرقهم، دون أن يفقدوا الدور الحيوي للعنصر البشري في تحقيق النجاح.

أما فيما يتعلق بتطور دور القادة والبشر في ظل التقدم التكنولوجي، يشير "هانس-فيرنر" إلى أهمية القيم الإنسانية مثل التعاطف، والاستماع الكامل، والإبداع. هذه القيم لا تزال مهمة للغاية في القيادة ولن تختفي مع تطور التكنولوجيا. ويتجسد التحدي الذي يواجه القادة اليوم في كيفية توظيف هذه المهارات الإنسانية في قيادتهم، بحيث يتمكنون من استخدام التكنولوجيا لخدمة المجتمع، والعملاء، والموظفين. بعبارة أخرى، السؤال هو: كيف يمكن للقادة المزج بين التكنولوجيا والمهارات الإنسانية لضمان أن التكنولوجيا تُستخدم بشكل يخدم الناس جميعًا، ويحقق فائدة حقيقية للمجتمع والمؤسسات على حد سواء؟

يتجسد التحدي الذي يواجه القادة اليوم في كيفية توظيف هذه المهارات الإنسانية في قيادتهم، بحيث يتمكنون من استخدام التكنولوجيا لخدمة المجتمع، والعملاء، والموظفين.

راميش سرينيفاسان

هانس-فيرنر كاس: كما ذكر "راميـش"، هناك جانبين أساسيين لا يمكن للذكاء الاصطناعي التوليدي تحقيقهما. أولاً، الذكاء الاصطناعي لا يمكنه تطوير أو تعويض اللمسة العاطفية الإنسانية، والتي تعد جوهرية في القيادة. فالتفاعل العاطفي والتعاطف بين البشر هما عناصر لا يمكن للتكنولوجيا تقليدها أو استبدالها. ثانيًا، رغم أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون أداة فعّالة لدعم القادة في العديد من المجالات، يجب على القادة أن يدركوا جيدًا حدود استخدامه. كما يجب أن يفهموا أين تكمن تطبيقاته الأكثر تأثيرًا، وألّا يبالغوا في تقدير قدراته أو يتعاملوا معه على أنه الحل الشامل لجميع تحديات القيادة، لأنه ليس كذلك.

عصر جديد للأعمال يعني عصر جديد من القيادة

روبرتا فوسارو: "هانس-فيرنر"، يتحدث الكتاب عن فكرة 'الرئيس التنفيذي الإمبراطوري'، مثل "جاك ويلش" و "لي إياكوكا"، اللذان كانا يعتبران قادة ذوي شخصيات استثنائية ويهيمنون على شركاتهم بشكل كامل. ومع ذلك، يبدو أن هذا النوع من القادة لم يعد موجودًا اليوم كما كان في الماضي. فمتى بدأ هذا التغيير، وما الأسباب التي أدت إلى تراجع هذا النموذج القيادي؟

هانس-فيرنر كاس: كما أوضح "راميـش" في بداية حديثنا، هناك قوى كُبرى تعمل على تغيير المشهد الحالي، سواء كانت تتعلق بالجغرافيا السياسية، والحركات الاجتماعية، والاستدامة البيئية، أو التكنولوجيا. فقد شهدت هذه العوامل المؤثرة تحولات هائلة مقارنة بما كانت عليه في الثمانينيات والتسعينيات.

إن عصر الرئيس التنفيذي الذي كان يتحكم بكل شيء قد انتهى. اليوم، يجب على القادة التركيز على القيادة التي تبدأ بتطوير الذات والاهتمام بالجانب الإنساني. هذا يعني أن القادة بحاجة إلى أن يكونوا أكثر اهتمامًا بالأشخاص وبناء علاقات قائمة على الاحترام والتفاهم. وبهذا النهج، يصبح الموظفون وأصحاب المصلحة أكثر حماسًا لتقديم أفكارهم والمشاركة بفعالية، بدلاً من العمل في بيئة تعتمد على الأوامر والتحكم. فالقيادة القائمة على التواصل الإنساني تشجع الجميع على المشاركة بدلاً من الشعور بأنهم مجرد موظفين يتلقون التعليمات.

إن عصر الرئيس التنفيذي الذي كان يتحكم بكل شيء قد انتهى. اليوم، يجب على القادة التركيز على القيادة التي تبدأ بتطوير الذات والاهتمام بالجانب الإنساني. هذا يعني أن القادة بحاجة إلى أن يكونوا أكثر اهتمامًا بالأشخاص وبناء علاقات قائمة على الاحترام والتفاهم. وبهذا النهج، يصبح الموظفون وأصحاب المصلحة أكثر حماسًا لتقديم أفكارهم والمشاركة بفعالية، بدلاً من العمل في بيئة تعتمد على الأوامر والتحكم. فالقيادة القائمة على التواصل الإنساني تشجع الجميع على المشاركة بدلاً من الشعور بأنهم مجرد موظفين يتلقون التعليمات.

هانس-فيرنر كاس

روبرتا فوسارو: إذا نظرنا إلى المستقبل على مدى عام أو عامين، ما التأثير الذي تأملون أن يُحدِثهُ هذا الكتاب في مجتمع الأعمال؟

راميش سرينيفاسان: نأمل أن يستفيد كل من قادة الأعمال والقادة العاملين في مجالات التأثير الاجتماعي من الأفكار المطروحة في الكتاب. كما نتمنى أن يستفيد القادة من جميع الخلفيات والأجناس مما قدمناه في الكتاب. هذا هو هدفنا المنشود.

كما نطمح إلى المساهمة في الحوار المستمر حول القيادة. ونأمل أيضاً أن تضيف أبحاثنا ومعرفتنا قيمة إضافية لهذا النقاش. علاوة على ذلك، نريد أن يكون الكتاب محفزًا للتفاعل مع القادة والمؤسسات حول هذا الموضوع، ليس فقط لمساعدتهم على المستوى الفردي، بل أيضًا لدعم فرقهم وتحسين أداء مؤسساتهم في جميع أنحاء العالم.

هانس-فيرنر كاس: أريد أن أعلق على النقطة الثالثة التي ذكرها "راميـش". فالهدف من الكتاب هو أن يصبح كل شخص يقرأه، أو حتى يقرأ جزءًا منه، أكثر تركيزًا على الجانب الإنساني. وهذا لا ينطبق فقط على حياتهم الشخصية، بل نأمل أن يطبقوه أيضًا في حياتهم المهنية وفي مختلف المجالات التي يعملون بها. بمعنى آخر، نريد أن يساعد الكتاب القراء على أن يكونوا أكثر إنسانية في تعاملاتهم، سواء مع أنفسهم أو مع الآخرين في العمل، مما سيؤدي إلى تأثير إيجابي في جميع جوانب حياتهم.

في الفصل الأخير من الكتاب، بعنوان 'الرحلة لا تنتهي'، يتم التركيز على أهمية التفكير في النفس وتطوير الذات باستمرار. الفكرة هنا هي أن كل قارئ يجب أن يحدد لنفسه الطريقة المناسبة لمراجعة وتطوير ذاته بشكل مستمر. ويمكن أن تتم هذه العملية في أجواء مريحة ومطمئنة، سواء مع أفراد الأسرة أو الشريك، أو حتى مع عدد من الأشخاص الموثوقين في فريق العمل أو داخل الشركة. كما يمكن الاستعانة بمدربين خارجيين لمساعدة الشخص في هذه الرحلة. والهدف هو أن يجد كل شخص 'مكاناً' خاصًا به للتأمل وإعادة الابتكار، أي بيئة تساعده على مراجعة نفسه وتطوير مهاراته بشكل منتظم، سواء في الحياة الشخصية أو المهنية.

Explore a career with us