يشهد العالم اليوم بداية الثورة الصناعية الرابعة التي تتميز بتسارع الابتكار وتبني أكثر التقنيات تطورًا في مجال الأتمتة، ويبرز مستقبل الوظائف من جديد كقضية جوهرية بالنسبة لواضعي السياسات وقادة الأعمال والعاملين والجمهور بشكل عام في جميع أنحاء العالم وفي منطقة الشرق الأوسط بكل تأكيد.
ركزت معظم الأبحاث الحالية على تأثير الأتمتة في الدول الصناعية المتقدمة وتأثيرات هذا التحوّل على السياسة والمجتمع. إلا أنّ فهم الأثر المحلي للأتمتة في منطقة الشرق الأوسط يعدّ أمرًا محوريًا لواضعي السياسات والعاملين، وذلك للحد من التأثيرات السلبية المحتملة الناتجة عن تبني التكنولوجيا واستغلال الفرص الاقتصادية التي يعد بها مستقبل الوظائف. وفي ضوء ما سبق، شمل تحليلنا على ست دول في المنطقة، وهي البحرين ومصر والكويت وسلطنة عُمان والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، من أجل تحديد مدى تأثير الأتمتة على العمال في المنطقة.
هل تود معرفة المزيد عن مكتب الشركة في الشرق الأوسط؟
تشهد القطاعات التي تحتاج إلى مستويات كثيفة من العمال فقدانًا للوظائف منذ عدة عقود، وذلك بينما تعمل الدول على التحوّل نحو تقديم وتنفيذ خدمات وأنشطة ذات قيمة مضافة أعلى. وتتوقع دراستنا بأن هذا الأمر سيتسارع بين اليوم وبحلول عام 2030، وأن 45 بالمائة من الوظائف الموجودة حاليًا في الشرق الأوسط ستكون مؤتمتة على الأرجح (انظر الشكل 1). إلا أن دول المنطقة تبدو مستعدة للتمتع بمزيد من النمو وزيادة في الإنتاجية في حال تبنيها للذكاء الاصطناعي والأتمتة وتزويد القوى العاملة بالمهارات المناسبة للاستفادة من هذا التحوّل.
ومع السرعة التي تدخل فيها تقنيات مثل الذكاء الاصطناعي والأتمتة والروبوتات مرحلة النضج، بات على دول المنطقة أن تستعد لموجة أخرى من التحوّلات الجذرية لكي تحصد ثمار هذه التقنيات. وتنعكس إمكانات الأتمتة بقيمة اقتصادية هائلة وفرص جديدة. إذ يرتبط 366.6 مليار دولار أمريكي من الأجور و20.8 مليون موظف بدوام كامل بأنشطة مؤتمتة حاليًا بالفعل ضمن العينة المأخوذة من دول منطقة الشرق الأوسط الست المختارة مجتمعة (انظر الشكل 2).
وستكون الأتمتة عبارة عن عملية تدريجية في ظل تفاوت إمكانياتها تفاوتًا كبيرًا بين مختلف القطاعات والدول. وعلى الرغم من أن وتيرة التغيير كانت تدريجية إلى الآن، فهي تتقدّم بسرعة بنفس الوقت، كما أن مستوى تبني الأتمتة المتوقع في دول مثل الإمارات والبحرين والكويت بحلول عام 2030 يزيد عن المتوسط العالمي المتوقع بنسبة 32 بالمائة.
في حين أن ما يجب أن يلفت انتباه واضعي السياسات والجمهور بشكل عام هي الصلة بين الخطر المحتمل لفقدان الوظائف بسبب تقنيات الأتمتة والمستويات المنخفضة إلى المتوسطة من التعليم والخبرة. ويتمثل التحدي بالنسبة للدول التي عايناها في أن حوالي 57 بالمئة من العاملين فيها حاصلين على تعليم ثانوي أو مؤهل علمي أدنى. وهذه المجموعة بالتحديد تكون أكثر عرضة للصدمات المرتبطة بتقنيات الأتمتة. بينما ينخفض مستوى احتمال الأتمتة إلى النصف تقريبًا ليصل إلى 22 بالمئة للموظفين الحاصلين على شهادات بكالوريوس أو شهادات عليا. وفي الوقت الحالي، أصبحنا فعلًا تنقلات في القوى العاملة ضمن قطاعات مختلفة في المنطقة، وذلك مع تغيّر الوظائف بسبب ظهور شركات عالمية ومحلية تحل محل مزودين تقليديين لخدمات النقل وتجارة التجزئة والإعلام والسفر وغيرها الكثير من القطاعات.
كيف سيؤثر مستقبل العمل على الوظائف والمهارات والأجور
ويتوقع تحليلنا أن يكون العاملون الوافدون في المنطقة أكثر عرضة لفقدان وظائفهم نتيجة للأتمتة، حيث قد يفقد أكثر من 60 بالمائة من الوافدين العاملين في قطاعات من بينها الخدمات والإدارة والحكومة والصيانة والإنشاءات لوظائفهم بسبب الأتمتة. أما بخصوص العاملين في القطاعات التي تتطلب تفاعلًا بشريًا أكبر كالفنون والترفيه والتسلية والرعاية الصحية والتعليم فستشهد تأثيرًا أقل سرعةً وصدمة من حيث فقدان الوظائف.
ستُحدّد الطريقة التي سيتعامل من خلالها واضعو السياسات وقادة الأعمال مع هذا التحوّل الجذري ما إذا كانت الأتمتة ستُشكّل نعمة أم نقمة للاقتصادات والمجتمعات المحلية.
ولاغتنام فرصة الأتمتة السانحة للقوى العاملة، والتي نتوقع أن تضيف من 0.3 إلى 2.2 بالمائة من نمو الإنتاج السنوي المركب إلى الاقتصاد العالمي بحلول عام 2030، سيكون على القادة مواكبة سرعة التقدم التكنولوجي، وتزويد العاملين بالمهارات التي يحتاجونها، وتوفير وظائف جديدة مدعومة تقنيًا، وبناء ميزات تنافسية جديدة، وإعادة الاستثمار في المجتمعات الأكثر تأثرًا بهذا التغيير من خلال الإنتاجية المدعومة بالذكاء الاصطناعي.
إن المخاطر عالية، وهذا التحوّل سيتوّج جهود الكثير من الفائزين ويمثل خسارة لغيرهم، وبالتالي، فإن على الحكومات والعاملين في المنطقة أن يتأهبوا من الآن لمواجهة سيناريوهات صعبة متنوّعة وإيجاد سبل لفتح مصادر جديدة للابتكار والنمو في اقتصادٍ يجمع بين الإنسان والآلات بطرقٍ جديدة.
حمّل التقرير الكامل الذي استند إليه هذا المقال، هل تتواءم مهارات العمال في منطقة الشرق الأوسط مع الأثر الذي ستحدثه الأتمتة؟ (PDF–1.4MB).