تقف منطقة الشرق الأوسط في الوقت الراهن على عتبة مرحلة محورية من التحول الرقمي الهائل. فقد تضاعف معدل تدفق البيانات عبر الحدود التي تربط الشرق الأوسط ببقية دول العالم خلال العقد الماضي بما يتجاوز 150 ضعفًا. وتصدرت عدة دول من مجلس التعاون الخليجي، لا سيما الإمارات العربية المتحدة والبحرين وقطر، القفزة الواسعة التي شهدها قطاع الاستهلاك الرقمي من حيث ارتفاع معدلات الاعتماد على الهواتف الذكية واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي. ومع ذلك، تتفاوت معدلات التحول الرقمي من دولة إلى أخرى، وتكافح الشركات والحكومات لمواكبة هذا التطور في شتى المجالات. وبناءً على التاريخ العريق للمنطقة في مجال الابتكار، فإن أمامها فرصة لتحويل اقتصادها إلى اقتصاد رقمي رائد وتحقيق فوائد اقتصادية واسعة النطاق إذا تمكنت من توحيد جهود كافة الأطراف المعنية وحشد طاقاتهم للتركيز على تطوير نماذج رائدة من الحوكمة والأعمال والتمويل والمواهب البشرية في المنطقة.
يساهم المواطنون أنفسهم في قيادة التحول الرقمي في منطقة الشرق الأوسط. فمن منظور الانتشار الرقمي بين الأفراد، نجد أن دولة الإمارات العربية المتحدة ودولة قطر ومملكة البحرين تأتي في صدارة الدول على مستوى العالم، إذ تشهد معدلات استخدام للهواتف الذكية بنسبة 100%، ووسائل التواصل الاجتماعي بنسبة تزيد عن 70%، وهي معدلات تتجاوز حتى مثيلاتها في الولايات المتحدة نفسها.
وعلى الرغم من استعداد الأفراد لاحتضان واستخدام الوسائل الرقمية في شتى جوانب الحياة، فإن الشركات والحكومات لم تغتنم فرصة التحول الرقمي بشكل كامل حتى الآن. ويُعد مؤشر ماكنزي للتحول الرقمي في الشرق الأوسط أول مبادرة لتقييم مستوى التحول الرقمي والأثر الناتج عنه في تسع دول بمنطقة الشرق الأوسط وهي: البحرين، ومصر، والأردن، والكويت، ولبنان، وسلطنة عمان، وقطر، والمملكة العربية السعودية، ودولة الإمارات العربية المتحدة. ولكن رغم التطلعات الحكومية الطموحة تجاه التحول الرقمي، فإن 6% فقط من شعوب منطقة الشرق الأوسط ما زالت تنعم بتطبيق أنظمة الحكومة الذكية الرقمية، وهذا بدوره يؤكد على المكانة المتأخرة التي تحتلها المنطقة بالمقارنة مع الدول المتقدمة في مجال التحول الرقمي في قطاع الأعمال (لأغراض هذا التقرير، هذه الدول هي النرويج وسنغافورة وكوريا الجنوبية والسويد والمملكة المتحدة)، بدءًا من انخفاض قيمة رأس المال المغامر المتاح لتمويل الشركات الناشئة وانتهاءً بحجم القوى العاملة في الوظائف والصناعات الرقمية.
هل ترغب بمعرفة المزيد حول ماكنزي الرقمية?
وبالفعل، بدأت بعض حكومات الشرق الأوسط، وعلى رأسها دولة الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين، بتنفيذ مبادرات التحول الرقمي الأساسية، إلا أن حكومة دولة الإمارات العربية المتحدة تحتل الصدارة بين دول الشرق الأوسط في تبني التحول الرقمي، بل ارتقت إلى المراكز الأولى في العديد من المقاييس في مؤشر التحول الرقمي. وقد أعلنت دول أخرى عن طموحات كبيرة وحققت تقدمًا كبيرًا في هذا المجال. ولكن رغم ذلك، ما زالت جهودها الرامية إلى تشجيع الابتكار والارتقاء بمعدلات الاعتماد الرقمي في القطاع العام إلى مستويات أعلى تواجه تحديات كبيرة في التنفيذ مثل افتقارها إلى هيكل الحوكمة اللازم لتحقيق التغيير المنشود.
مما لا شك فيه أن للقطاع الرقمي مستقبل واعد، فحماسة الأفراد تجاه استخدام الوسائل الرقمية تشير إلى إمكانية تحقيق معدلات نمو قوية في المستقبل القريب، وذلك في ظل الاستعداد الجلي من جانب هؤلاء الأفراد لاحتضان المنتجات الرقمية الجديدة. وعلى هذا الأساس، يتعين على قادة المنطقة زيادة عدد طلبات براءات الاختراع في مجال تقنية المعلومات والاتصالات وتطوير البنية التحتية لتحسين المعروض من منتجات تقنية المعلومات والاتصالات وتعزيز الابتكارات.
ينطوي القطاع الرقمي على فوائد كبيرة، فمثلًا تكشف نتائج تحليلاتنا عن وجود علاقة قوية بين حجم نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي للدولة ونقاطها في مؤشر ماكنزي للتحول الرقمي، إذ يتيح ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي للدولة تخصيص ميزانية أكبر للتحول الرقمي، مما يثمر عن رفع ترتيب الدولة في مؤشر التحول الرقمي. وبوجه عام، يساهم التحول الرقمي في تحقيق النمو الاقتصادي، ما يؤدي بدوره إلى ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي. وفي الواقع، تشير نتائج تحليلاتنا إلى أن توحيد ودمج السوق الرقمي في جميع أنحاء الشرق الأوسط (160 مليون مستخدم رقمي محتمل بحلول عام 2025) يمكن أن يساهم بما يصل إلى 3.8% سنويًا في الناتج المحلي الإجمالي، أي ما يعادل 95 مليار دولار أمريكي تقريبًا. كما أن التحول الرقمي قد يكون له أثر إيجابي على الشمول المالي والاجتماعي، والقضاء على الفقر، وزيادة فرص الحصول على خدمات رعاية صحية وتعليمية عالية الجودة، فضلًا عن الحد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.
الكسب من تدفق خدمات البيانات في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا
ولتسريع جهود التحول الرقمي في الشرق الأوسط، تقدم ماكنزي في هذا التقرير عشر توصيات ملموسة في أربعة مجالات رئيسية وهي: الحكومة، وشركات القطاع الخاص، والتمويل، والمواهب البشرية. وتتميز هذه التوصيات بكونها شاملة وطموحة وتدعم بعضها البعض. كما تهدف أيضًا لاستكمال وتعزيز المبادرات الجارية في العديد من الدول. يستلزم المستقبل الرقمي في الشرق الأوسط تضافر جهود جميع الأطراف المعنية من قادة حكوميين وكيانات فردية وقطاع خاص ومجتمع مدني. ونظرًا لتسارع وتيرة التقنيات الحديثة وقدرتها المستمرة على رسم أنماط الحياة وتشكيل ممارسات قطاع الأعمال ونماذج الإدارة لسنوات عديدة قادمة، فإن هذه هي اللحظة المناسبة لأخذ أولى الخطوات نحو المستقبل.
لتحميل التقرير الكامل الذي تستند عليه هذه المقالة الاقتصاد الرقمي في الشرق الأوسط: تحويل المنطقة إلى اقتصاد رقمي بارز (PDF-10.7 MB)