بدا خلال العقدين السابقين للأزمة المالية العالمية التي بدأت عام 2008 ، أن الاقتصاد العالمي أخذ يسير في مسار لا رجعة فيه نحو تعميق العولمة. هذا وكانت التجارة العالمية قد شهدت توسعاً بنحو ثمانية أضعاف في تسعينات القرن الماضي والعقد الأول من القرن الحالي، كما تضاعفت كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. إلا أن الحكومات والشركات في جميع أنحاء العالم تواجه في الوقت الحالي شكوكاً جديدة بشأن النمو المستقبلي للتجارة؛ فعلى الرغم من أن حجم ونسبة تجارة السلع والخدمات واصل الارتفاع في أعقاب الأزمة (إذ بلغ مستويات تاريخية عام 2017)، إلا أن قيمة هذه التدفقات انخفضت خلال العامين المنصرمين، كما انخفضت التجارة كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي من نحو 30 % خلال الفترة ما بين عامي 2009 - 2014 إلى نحو 27 % تقريباً في 2016 ، ومن غير المتوقع أن تسجل ارتفاعاً خلال الأعوام المقبلة وفقاً لتوقعات منظمة التجارة العالمية. وتثير هذه الاتجاهات والتوقعات تساؤلات بشأن الدور الذي يمكن أن تؤديه التجارة في المستقبل كمحرك للنمو الاقتصادي العالمي.
ستتحدد معالم مستقبل التجارة على المدى الطويل بتغيرات عالمية كبيرة، بما في ذلك التوسع الحضري، وصعود الطبقة الوسطى المستهلكة في الاقتصادات الناشئة، والتعقيدات الجيوسياسية، وتطور التدفقات المالية الدولية. ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى اتجاهين على صعيد درجة عدم اليقين الذي يكتنف الأثر المستقبلي للتجارة، وهما التحولات التقنية المستمرة والتغيرات في مناخ سياسة التجارة الدولية.
وستواصل التقنيات المتغيرة إحداث آثار عميقة في وتيرة وتركيبة النمو التجاري. وفي حين أن التقنيات القائمة في الوقت الحالي مثل الرموز الشريطية والشحن بالحاويات قد حققت بالفعل معظم إمكاناتها، فقد بدأت مجموعة من التقنيات الجديدة نسبياً بما في ذلك الطباعة ثلاثية الأبعاد، والتشغيل الآلي، ومنصات التجارة الإلكترونية بالانتشار على الإنترنت، وهي تَعِد بإحداث آثار تحولية مساوية، إن لم تكن أكبر، على التجارة.
هل تريد معرفة المزيد عن ممارسات القطاع العام الخاصة بنا؟
ويُعدّ تطور بيئة السياسات العالمية مصدراً رئيسياً آخر لحالة عدم اليقين، ففي ظلّ الاستفتاء على خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، والتداعيات السلبية على الشعور الشعبي تجاه العولمة في البلدان الغربية الأخرى، فقد تجاوزنا الأفق الواضح للاندماج الدولي المتنامي. كما تتزايد في الوقت نفسه مستويات الحماس تجاه تعميق العلاقات التجارية في العديد من الاقتصادات الناشئة، إذ تتطلع الصين وغيرها من بلدان الأسواق الناشئة إلى قيادة مبادرات طموحة جديدة للتعاون التجاري تكون قادرة على «حمل الشعلة » حتى لو تباطأت وتيرة جهود التحرير التي يقودها الغرب.
ويقيّم بحثنا الأثر المحتمل لهذه الاتجاهات على التجارة، ويسلط الضوء على إمكانية الاستفادة منها لتحقيق ميزات تنافسية. ومن خلال البحث نقوم بتفحص مدى نضج التقنيات الحالية والمشاكل المحتملة التي تحدثها الابتكارات الجديدة وتؤثر على التجارة. من ثم نتناول موضوع الشكوك بشأن السياسات، حيث نصف أربعة سيناريوهات بأنماط معينة لثورة تحرير سياسات التجارة الإقليمية، مع توفير تحليلات حول أثر التغيرات في السياسات على المستويين الإقليمي والعالمي لكل واحد من السيناريوهات. وأخيرًا، نقوم باكتشاف المقاييس والاستراتيجيات المعاصرة المحتملة التي يمكن للحكومات تطبيقها للدخول في السياق التجاري العالمي المتغير.
تنزيل البحث في الوقائع الجديدة للتجارة الدولية، التقرير الكامل الذي بني عليه هذا التقرير (PDF–1.4MB).