الربع سنوية لماكنزي

مرحلة مصيرية: السبل التي تتيح للرؤساء التنفيذيين في أوروبا تعزيز المرونة وتحقيق النمو في ظل الاضطرابات الاقتصادية الراهنة

| مقالة

ملاحظة: إننا نبذل قصارى جهدنا للحفاظ على جميع التفاصيل الدقيقة عند ترجمة المقالة الإنجليزية الأصلية، ونعتذر عن أي جزئية مفقودة في الترجمة قد تلاحظونها من حين لآخر. نرحب بتعليقاتكم على البريد الإلكتروني التالي reader_input@mckinsey.com

ألقى تراكم الأزمات والاضطرابات المختلفة بظلاله الثقيلة على القارة الأوروبية. فبينما تتفاقم أزمة الطاقة في أوروبا، تستمر الحرب في أوكرانيا مخلّفةً مأساةً إنسانية عميقة. كما ارتفعت أسعار السلع الأساسية بشكلٍ حاد وصل إلى ثمانية أضعافٍ في بعض الدول، ويشهد قطاع الأعمال تراجعًا كبيرًا. من ناحيةٍ أخرى، سجلت مؤشرات مديري المبيعات في شهري يوليو وأغسطس الماضي الانكماش الأول لها منذ عام 2021، كما تعاني الصين، أحد أهم الموردين والعملاء للقارة الأوروبية، من مشاكلها الاقتصادية الخاصة. ويضاف إلى ذلك كله تأثير التغير المناخي الذي يطال القارة بأكملها، حيث أدى الجفاف والحر الشديد إلى تراجع إنتاج الطاقة الكهرومائية وتعريض الإنتاج الصناعي للخطر. وتهدد أزمة الطاقة هذه بتأجيل خطط الاتحاد الأوروبي الرامية للانتقال نحو الحياد الكربوني، بالتزامن مع استمرار النقص الحاصل في أشباه الموصلات والتكنولوجيا المتطورة والقوى العاملة. وترجّح إحدى أحدث الدراسات الصادرة عن ماكنزي بالشراكة مع مؤسسة أكسفورد إيكونوميكس إمكانية حدوث انكماشٍ في الناتج المحلي الإجمالي للمنطقة الأوروبية بحلول عام 2023 (الشكل 1).

1
A defining moment: How Europe’s CEOs can build resilience to grow in today’s economic maelstrom Arabic version

وبالتالي، كيف يمكن لقادة الشركات الأوروبية الاستجابة لهذه الظروف؟ نعيش حاليًا مرحلة حاسمة وغير مسبوقة بالنسبة للمسؤولين التنفيذيين الحاليين. فقد سبق لقادة الأعمال مواجهة الأزمة المالية العالمية، وأزمة الديون الأوروبية، ونتائج استفتاء بريكست، وأزمة كوفيد-19، والتي ترافقت جميعها مع تحدياتها الخاصة، وتطلّبت معالجة كل واحدة منها التحلي بمستوياتٍ عالية من الخبرة والعزيمة والتصميم. ونجح الكثير من القادة بمواجهة هذه التحديات بطريقةٍ جيدة جدًا، ولكنهم أصبحوا اليوم في مواجهة تركيبة فريدة من الأزمات المتلاحقة ذات التأثيرات الضخمة، والتي لم تعد القواعد القديمة مجدية في التعامل معها.

المزيد من الرؤى والتقارير من ماكنزي باللغة العربية

شاهد مجموعة المقالات الخاصة بنا باللغة العربية، واشترك في النشرة الإخبارية العربية الشهرية

تصفح المجموعة

ويحتّم هذا الواقع على الشركات اتباع منهجيات جديدة تتيح لها بناء المرونة اللازمة لمواكبة متطلبات هذه المرحلة الحاسمة، من خلال بناء استجابة مدروسة للتحديات الراهنة، واستشراف الموجة التالية من الاضطرابات المتوقعة، وامتلاك القدرة على التكيف الذي يساعد الشركات على إرساء الأسس لتحقيق نمو ناجح.

مرحلة حاسمة للقادة

تختلف كل أزمة عمّا سبقها، وهو ما يحتّم اتباع طرق مختلفة لإدارتها. وبالمثل، تؤثر الأزمات المختلفة على القطاعات بشكل متباين (الشكل 2). وباستثناء قطاع الصناعات الدوائية، لم ينجح أي قطاع بتحقيق نمو إيجابي في العائدات خلال الجائحة العالمية والاضطرابات الجيوسياسية التي ظهرت مؤخرًا. وسجلت معظم الشركات تراجعًا كبيرًا في العائدات خلال الأزمات المتلاحقة التي نشهدها اليوم.

2
A defining moment: How Europe’s CEOs can build resilience to grow in today’s economic maelstrom Arabic version

استجاب المسؤولون التنفيذيون لكل أزمةٍ على حدة، وهي منهجيةٌ مرهقةٌ تقوم على التعامل مع الأزمات بعد نشوئها، وسرعان ما ظهرت أزماتٌ جديدةٌ قبل أن يتمكنوا من التعافي من سابقتها. وتعد هذه المنهجية غير مستدامة للتعامل مع الاضطرابات المستمرة، لذا أصبحت المرونة محور نقاشات القادة بوصفها ضرورةً رئيسية. بالتالي ما هي السبل التي تتيح للمؤسسات التحلي بالمرونة، وتوقّع الأزمات التي تلوح في الأفق، والاستعداد للاضطرابات الشديدة، والانتقال بسرعة نحو الواقع الجديد؟

يعتقد البعض بأن المرونة هي القدرة على التعافي بسرعة، إلا أن تعريفها الحقيقي لا يقتصر على ذلك. فالمرونة هي القدرة على التعامل مع الصعوبات والصدمات القوية، والتكيّف معها بشكلٍ مستمر بما يضمن تسريع وتيرة النمو. وانطلاقًا من ذلك، تتمتع المؤسسات المرنة بالقدرة على التعافي بشكلٍ أفضل من السابق، ومواصلة تحقيق الازدهار في بيئات العمل الصعبة، إضافةً إلى القدرة على تطبيق آليات دفاعية جيدة، والانتقال من الدفاع إلى الهجوم.

وتشكل الفترة الحالية مرحلةً حاسمة بالنسبة لقادة الشركات، حيث تُعتبر أزمة الطاقة في سبعينيات القرن الماضي أقرب الأزمات التي يمكن مقارنتها بالوضع الراهن، وهو واقع لم يسبق لأي رئيس تنفيذي اليوم اختباره أثناء وجوده في منصبه القيادي. ونقدم في ما يلي عددًا من الممارسات التي يعتمدها كبار المسؤولين التنفيذيين مؤخرًا:

  1. عدم اتباع القواعد القديمة. كان تشكيل فرق عمل الأزمات، على سبيل المثال، يمثل الخطوة الأولى التي يتم اتخاذها في الأعوام الماضية، ولكنه يُعد اليوم خيارًا غير فعالٍ بسبب السرعة الكبيرة لتطور الأحداث والمستجدات. ويتعين على قادة الأعمال إيجاد طرقٍ أكثر مرونة وقابلية للاستمرار، بالإضافة إلى تفعيل مشاركة المؤسسة بأكملها من خلال اتباع منهجيةٍ مخصصة لمقاومة الأزمات بمرور الزمن.
  2. الاستعداد لمواجهة الركود الاقتصادي، مع التحضير في نفس الوقت للتعافي منه. قد تكون حالات الركود خفيفةً وقصيرة المدة، وهو ما يتيح للشركات تسريع وتيرة عملها خلال فترة الانكماش الاقتصادي. وتنطوي هذه الميزة على أهميةٍ كبيرة، حيث تمتاز المؤسسات المرنة بأفضلية تنافسية - بصرف النظر عن حجمها - بالمقارنة مع نظيراتها. ويمكن توسيع هذه الأفضلية بشكلٍ كبير خلال مرحلة التعافي التالية وفترة تحقيق النمو، وهو ما يمنح الشركات القدرة على تحقيق النجاح على المدى الطويل.
  3. استخدام السيناريوهات المحتملة بدلًا من وضع التوقعات. أخفقت التوقعات خلال العقود القليلة الماضية في توقع الكثير من الأحداث المهمة، بما في ذلك تباطؤ العولمة، وظهور أزمة كوفيد-19، واضطرابات سلسلة التوريد، وعودة التضخم. لذا يتعين على المسؤولين التنفيذيين تعلّم كيفية تخطيط السيناريوهات وعوامل نشوء الاضطرابات، ومراجعتها وتعديلها بانتظام.
  4. تطوير أجندة للمرونة لمعالجة القضايا الملحّة على المدى القصير (مثل التدفقات المالية واضطرابات سلسلة التوريد)، بالإضافة إلى التحديات طويلة الأمد (مثل التغيرات الجيوسياسية أو سرعة التكيف التنظيمي). كما ينبغي الحرص على قياس مستويات المرونة، بحيث يمكن متابعة مقدار التقدم الحاصل، وزيادة العائدات على الاستثمار في المرونة.
  5. التركيز على تحقيق النمو المرن من خلال استعادة الحضور التنافسي، والعثور على فرصٍ استراتيجية في بيئة العمل الحالية (مثل عمليات الاستحواذ أو طرح أفكار حول إنشاء أعمالٍ جديدة).

الإجراءات النموذجية

تبذل الشركات الرائدة جهودًا لتحقيق المرونة على أرض الواقع، حيث تدافع عن امتيازاتها وتسعى لتسريع النمو في بيئة العمل المضطربة. ونستعرض في ما يلي بعض الإجراءات التي تتخذها الشركات في الفترة الحالية:

  • إعادة هيكلة الميزانية العمومية. سعت إحدى الشركات المتخصصة بتوريد السيارات إلى تحقيق تصنيفٍ ائتماني معيّن، وهو ما تطلب زيادة حجم الديون التي يمكن تأمينها تحت الضغوط. ونجحت الشركة، من خلال تقديم هيكلية جديدة لرأس المال إلى المستثمرين ومحللي الأسهم ووكالات التصنيف، بتأمين 3 مليارات يورو إضافيةٍ من الأصول القابلة للاستثمار بهدف تطبيق استراتيجيةٍ تمتد خمسة أعوام.
  • إعادة هيكلة سلسلة التوريد. عملت إحدى الشركات العالمية المتخصصة بإنتاج الأجهزة الإلكترونية، والتي تمتلك أكثر من عشرة مصانع وتتمتع بقاعدة إمدادٍ ضخمة ومتعددة المستويات، على تقييم نقاط الضعف النسبية لـ5,000 مجموعةٍ فريدة من الموردين والمصانع بهدف تحقيق المرونة التشغيلية. وحددت الشركة حوالي 100 مورّدٍ من ذوي المخاطر المرتفعة، ثم اكتشفت بأن هذه الشريحة تستحوذ على 25% من نفقاتها. ونجحت الشركة بتخفيض النفقات عالية المخاطر بأكثر من 40% من خلال إعادة هيكلة شبكة مورديها.
  • تحقيق الحياد الكربوني في الأصول الرئيسية. سعت إحدى شركات التعدين العالمية، التي تمتلك عشرات المناجم حول العالم، إلى دمج المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة ضمن سلسلة القيمة الخاصة بها وصولًا إلى أعمالها الأساسية. وحددت الشركة أهدافها والمبادرات الاستراتيجية الرامية لبناء بيئة عملٍ تخلو من الانبعاثات الكربونية في جميع أقسامها. ووضعت الشركة خططًا مفصّلة لتحقيق الحياد الكربوني في كل موقع، إلى جانب اتخاذ خطواتٍ لتقليص انبعاث الغازات الدفيئة بنسبة 30% بحلول العام 2030. وستفضي هذه الخطط بمجرد تطبيقها إلى تحقيق انخفاضٍ كبير في نفقات التشغيل ورأس المال.
  • تخفيض مخاطر تحليلات التصنيع. أرادت إحدى الشركات العالمية الرائدة بمجال المنتجات الزراعية نشر تقنيات التحليلات المتقدمة ضمن عملياتها التصنيعية وسلسلة التوريد الخاصة بها. وانطلاقًا من إدراكها للمخاطر المرتبطة بالبيانات والتحليلات ذات الصلة، سعت الشركة للتخفيف من المخاطر وحماية البيانات والتحليلات الحساسة من خلال حوكمة البيانات، ودمج إدارة المخاطر كعنصرٍ رئيسي في هذه الجهود. وأفضت هذه الخطوة إلى تعزيز الثقة بمرونة التحليلات على المستوى المؤسسي، وأتاحت للشركة الاستفادة بشكلٍ كامل من جهودها في هذا الإطار.
  • التخطيط المتقدم للسيناريوهات. قامت إحدى شركات السيارات الرائدة بوضع سيناريوهين افتراضيين (يشملان حدوث اضطرابٍ تقني وانهيارٍ في السوق)، ثم تقييم التأثيرات السلبية المحتملة على الشركة، إضافةً إلى محفّزات المرونة التي يمكنها تخفيف هذه التأثيرات إلى أعلى حدٍّ ممكن. وأشارت هذه التحليلات إلى إمكانية تخفيف الخسائر في المبيعات بنسبةٍ تصل إلى 60%، وهو ما قاد إلى اتخاذ قرارٍ بتحقيق التنوع الجغرافي والتخفيف من مخاطر الاعتماد على مواقع فردية بعينها، فضلًا عن إنشاء عددٍ من الآليات الخاصة بالتوقعات، وتقليص التكاليف الثابتة في بعض مواقع الإنتاج.
  • استشراف المستقبل. واجهت إحدى مؤسسات المرافق، التي تبلغ تكاليفها السنوية 5 مليارات دولارٍ أمريكي، ارتفاعًا في الأسعار من جانب الموردين، ولا سيما أسعار المواد الأساسية. وسعيًا منها لمعالجة ضغوط التكلفة على المستوى الاستراتيجي، قامت هذه المؤسسة بإنشاء "مركز لمراقبة التضخم" باستخدام التحليلات القائمة على التقنيات المتقدمة. وتولى المركز عملية تحديد أولويات الإنفاق، والمخاطر التضخمية المتوقعة والمحددة كميًا، بالإضافة إلى إنشاء لوحات تحكمٍ توضح التأثير التضخمي، وتطوير عمليةٍ استباقية ومجموعةٍ من الأدوات لإدارة الضغوط التضخمية. وساعدت هذه الإجراءات المؤسسة على فهم حجم المخاطر التضخمية ضمن قاعدة التكاليف الخاصة بها باستخدام منهجية قائمة على التحليلات.
  • تحويل الأزمات إلى فرص للنمو. نجحت إحدى شركات الأدوية العالمية بمعالجة الاضطرابات التي حدثت مؤخرًا في سلاسل التوريد، والخدمات الصحية، وقدرات الوصول إلى المتخصصين بقطاع الرعاية الصحية. وصممت الشركة نظام توصيل إلى المنازل بهدف مساعدة المرضى الذين يعانون من أمراضٍ نادرة على مواصلة تلقي العلاج بشكلٍ آمن في منازلهم، كما عقدت شراكة مع إحدى الشركات الناشئة لتزويد المرضى ببرامج العلاج الطبيعي من خلال القنوات الافتراضية. وساهمت هذه الابتكارات في مساعدة الشركة على تخصيص وتوزيع الموارد بشكل أكثر فاعلية، كما دفعتها لإجراء تحوّلٍ مؤسسي مرن وسهل على مستوى المجموعة.

أهمية المرونة: الإجراءات الفعالة وغير الفعالة

لا يمكن للشركات الاستجابة بفعالية للأزمة الاقتصادية الحالية بنفس الطرق التي اتبعتها خلال الأزمات السابقة. ولكن يمكننا بالمقابل استخلاص بعض الدروس والعِبَر من التجارب السابقة. وبيّن بحث ماكنزي حول الأزمة المالية العالمية لعامي 2007-2008 بأن الشركات المرنة لم تتفوق على نظيراتها من ناحية الأداء القوي أثناء حالات الانكماش والانتعاش فحسب، وإنما نجحت أيضًا بالتكيف بسرعةٍ مع الواقع الجديد بخلاف الشركات غير المرنة (الشكل 3).

3
A defining moment: How Europe’s CEOs can build resilience to grow in today’s economic maelstrom Arabic version

وأشار البحث كذلك إلى أن الشركات التي تحقق الأرباح بفضل مرونتها يمكنها اتخاذ ثلاثة إجراءات رئيسية في بيئة العمل المضطربة، والتي تشمل:

  1. اتخاذ إجراءاتٍ أكثر سرعةً وتأثيرًا في ما يتعلق بالإنتاجية، وبالتالي المحافظة على قدرات النمو الخاصة بالشركة.
  2. إنشاء المزيد من الخيارات التشغيلية والمالية في ميزانيتها العمومية، وتعديل رافعتها المالية أو التخلص من الموروثات القديمة.
  3. سرعة تنفيذ عمليات التخارج في مرحلة الانكماش الناجمة عن الاضطرابات، وسرعة تنفيذ عمليات الاستحواذ في بداية حدوث الانتعاش.

وتتميز الشركات الرائدة بالقدرة على تنفيذ هذه الإجراءات الثلاثة بالصورة المطلوبة وفي أصعب الظروف لضمان مستقبل مزدهر. كما تمتاز هذه الشركات بسرعة الاستجابة للانكماش في الوقت المناسب، لذلك فهي تتمتع بالقدرة على التصرف واتخاذ زمام المبادرة في وقت مبكر بالمقارنة مع نظيراتها، حيث يمكنها توسيع نطاق هذه الإجراءات بدرجة كبيرة خلال فترة الانتعاش والنمو. وغالبًا ما تكون فترات التعافي والنمو التي تعقب فترات الركود أطول من فترة الانكماش الفعلي، لذا تكون الشركات الرائدة مؤهلةً بشكلٍ أفضل لتحقيق التفوق على نظيراتها على المدى الطويل. ويتطلب التحول في دورة الأعمال قيادة ناجحة لبدء اتخاذ الإجراءات الهجومية أو الدفاعية. إلا أن الشركات ذات الأداء الأفضل لا تنتظر حدوث ذلك التحول حتى تقوم باتخاذ الإجراءات، وإنما تتصرف بشكلٍ مدروس وجرأةٍ عالية لمواجهة حالات انعدام اليقين المتعلقة بالاقتصاد الكلي.

الارتقاء بالمرونة إلى مستوياتٍ جديدة

تتطلب الاضطرابات المتداخلة والأوضاع الأوروبية المعقدة من المسؤولين التنفيذيين تحديد نقاط قوتهم للوقت الراهن، وخلال الأشهر الستة القادمة وما بعدها. كما يتعين عليهم تقديم إجاباتٍ على مجموعةٍ من الأسئلة الرئيسية المتعلقة بآليات الاستجابة والتوقعات والتكيف، بما يشمل:

  1. الاستجابة: هل نتمتع بالقدرات الملائمة؟ وهل يمكننا التصرف استنادًا إلى جميع أدوات المرونة للاستجابة بشكلٍ مناسب للظروف الحالية؟
  2. التوقعات: هل يمكننا توقع الأحداث التالية؟
  3. التكيف: هل يمكننا التكيف مع الظروف الجديدة؟

كي يتمكن قادة الأعمال من الإجابة على هذه الأسئلة، يتعين عليهم استخلاص الدروس من الماضي وتطبيق رؤيةٍ شاملة حول المرونة. وبدأت الشركات التي تخطط للمستقبل بهيكلة أجندتها الخاصة بالمرونة عبر الأنشطة الثلاثة المذكورة سابقًا. وتعمل هذه الشركات على تحقيق التميز في أساليبها الخاصة بالاستجابة، واستهداف الأنشطة ضمن الأبعاد الستة الرئيسية للمؤسسات. وسواء كان هدف تلك الشركات اتباع آلياتٍ دفاعية أو هجومية، يمكنها الاختيار من مجموعةٍ واسعة من محفزات المرونة المصممة خصيصًا لمواكبة المتطلبات المحددة للهوية المؤسسية والقطاع والظروف القائمة. ويمكن للشركات من خلال التكيف السريع تحقيق أهدافها طويلة المدى للنمو المستدام والشامل بالنسبة للعملاء والموظفين والمستثمرين والمجتمع عمومًا.

وسنلقي في ما يلي نظرة معمّقة على مجالات الاستجابة والتوقعات والتكيف.

الاستجابة

يتعين على الشركات بدايةً معالجة مجالات المرونة التي تتطلب حلولًا مستعجلة. فقد تواجه الشركات تحدياتٍ مالية مثل الضغوط على السيولة، أو قد يتعين عليها معالجة الاضطرابات في سلاسل توريدها، مثل الافتقار إلى وجود مكونات الإنتاج الأساسية. وقبل انتقالها إلى مرحلة اتخاذ التدابير، يتعين على الشركات النظر في التقييمات الأولية للمرونة بهدف الحصول على الرؤى اللازمة حول الأبعاد الستة للمرونة المؤسسية (الشكل 4).

4
A defining moment: How Europe’s CEOs can build resilience to grow in today’s economic maelstrom Arabic version

ومن الضروري تحديد مدى استعداد الشركات لتحمّل الصدمات والاضطرابات المتكررة، وفرص النمو المتاحة والجهود اللازمة، بالإضافة إلى التغييرات التي تمكّن الشركات من اتخاذ خطوةٍ حاسمة لتسريع وتيرة تكيفها مع الظروف الجديدة. يوفر التقييم إمكانية تحديد الحاجة إلى الاستثمار في المرونة ضمن المجالات والقدرات المختلفة، بالإضافة إلى الإجراءات الكفيلة بردم الفجوات، والحفاظ على القيمة، وتحقيق التقدم نحو النمو المنشود.

وكما هو موضّح في الشكل، يكون لكل واحدٍ من أبعاد المرونة الستة مجموعته الخاصة من المحفزات التي تتيح للشركة إمكانية اتخاذ خطوات هجومية أو دفاعية. وعلى سبيل المثال، يمكن تحقيق المرونة الرقمية اعتمادًا على إطار عمل قوي في مجالات التقنيات الرقمية والتحليلات والمخاطر السيبرانية، والذي يساعد الشركات على اتخاذ إجراءات دفاعية وحمايتها من حالات الفشل الرقمية أو الهجمات الإلكترونية أثناء وقوعها؛ بينما يمكن للشركات الانتقال نحو منهجيةٍ هجومية وتحقيق أرباح كبيرة عن طريق إنجاز التحول الرقمي على نطاق واسع، من خلال اعتماد تطبيقاتٍ موثوقة وقابلة للتطوير للبيانات والتحليلات.

وينبغي أن تتمكن الشركات من بناء فهمٍ واضح حول محفزات المرونة المتاحة لها في الأبعاد أو القدرات الهجومية أو الدفاعية المختلفة، والفترة التي يتطلبها تحقيق التأثير المنشود. وتشكل الطبيعة المحددة لمحفزات المرونة وأهميتها النسبية أيضًا إحدى الوظائف المتعلقة بالقطاع الذي تعمل فيه الشركة.

التوقعات: عدم الاكتفاء بالاستجابة الموجهة

في ظل التقلبات الشديدة التي نشهدها اليوم، يتوجب على الشركات أيضًا وضع التوقعات والاستعداد للأحداث القادمة الأكبر والأكثر غرابة. وقد أثبتت عمليات تحليل السيناريوهات المتوقعة بأنها الأداة الأكثر فاعلية لتوقع الأزمات والفرص المستقبلية والاستجابة لها، شريطة أن تكون مدعومةً بالبيانات اللازمة والتحليلات فائقة التطور. ويجب تطوير السيناريوهات المحتملة وفقًا لذلك، واختبار مستويات الضغوط المتوقعة من خلال عمليات محاكاة قائمة التحليلات، وربطها بأنظمة الإنذار المبكّر استنادًا إلى مؤشراتٍ رئيسية.

كما يجب أخذ المتغيرات المهمة بعين الاعتبار عند وضع تلك السيناريوهات، بما في ذلك على سبيل المثال تغيّر أسعار أشباه الموصلات، وتكاليف الطاقة، ومدى توافر المواد الخام الأساسية. ويجب أن ترتكز قرارات الإدارة على مناقشات نوعيّة معمّقة. وتوفر المنهجيات القائمة على التحليلات حقائق دقيقة تستند إلى البيانات المتاحة في الوقت المناسب، بغرض بلورة فهم واضح حول تأثير السيناريوهات الافتراضية على النتائج المالية (مثل الأرباح قبل الفوائد والضرائب والاستهلاك وإطفاء الدين).

وهذه هي المنهجية التي اتبعتها المؤسسات المالية استجابةً للقواعد التنظيمية الصارمة (مثل متطلبات اختبار تحمل الضغوط) والناجمة عن الأزمة المالية في بداية القرن الحادي والعشرين. ويمكن للشركات اتباع هذه المنهجية كنقطة انطلاق، وتوسيع نطاق السيناريوهات الممكنة، وتقديم أفكارٍ مبتكرة حول المدخلات المحتملة، وتعميق تأثير محركات التحليلات ضمن عددٍ كبيرٍ من القطاعات المختلفة.

وينبغي دمج هذه المنهجية، بما يشمل السيناريوهات واختبارات تحمل الضغوط القائمة على البيانات والتحليلات، في عمليات التخطيط الاستراتيجي ومناقشات الإدارة. كما يجب مراجعة هذه العملية بصورة منتظمة، وتعديل الافتراضات والسيناريوهات مع تغير بيئة العمل؛ ما يضمن استخلاص إجراءات التخفيف والإدارة الملائمة بشكلٍ منتظم، لأن إجراء التحليلات لمرة واحدة لن يكون كافيًا.

التكيف: تجاوز التحديات وصولًا إلى الازدهار

يساعد تحديد التوقعات الشركات على استشراف النتائج المستقبلية المحتملة من خلال عمليات المحاكاة واستخدام مؤشرات الإنذار المبكر. ولكن من الصعب توقّع جميع الأحداث القادمة والاستعداد لها، وهنا يأتي دور التكيف، الإجراء الثالث لتحقيق المرونة. ولا تقتصر قدرات المؤسسات المرنة على الاستجابة الفاعلة، وإنما يمكنها أيضًا التكيف مع الأوضاع الجديدة، ولا سيما الظروف غير المتوقعة.

ويتطلب التكيف مع بيئات العمل الجديدة توظيف استثماراتٍ كبيرة في المرونة، لذا تتمتع الشركات المتكيفة بالقدرة على اغتنام فرص النمو المتاحة في مختلف الظروف. ويجب أن يتمتع قادة الأعمال بآليات تفكيرٍ قوية مرنة لمواجهة المواقف الصعبة، وأن يكونوا قدوةً تُحتذى لغيرهم، فضلًا عن المساهمة في نشر روح المبادرة، والتشجيع على أنماط التفكير الحرة في مختلف أقسام المؤسسة المرنة. ويتعين على القادة تقديم الرسائل المناسبة، وتوفير الوضوح الاستراتيجي والتصرف استنادًا إلى معطيات أنظمة الإنذار المبكر وتحليلات التوقعات. كما وينبغي أن يركّز القادة على بناء المرونة المؤسسية في المجالات الخمسة التالية:

  • سرعة الاستجابة. ينبغي إعداد الهيكل التنظيمي ونموذج التشغيل بما يحقق المرونة العالية ويدعم الأنشطة التعاونية بين الفرق المختلفة، مع التركيز على العمل الفاعل بدلًا من الإجراءات البيروقراطية. كما يجب اتخاذ القرارات وإجراءات التصعيد بسرعةٍ عالية، وتوضيح الأدوار الوظيفية، وتنفيذ القرارات بمجرد اتخاذها.
  • اتباع فلسفة "الملكية". ينبغي العمل على نشر شعورٍ قوي بالملكية في المؤسسة، إلى جانب إثارة الفضول وترسيخ قيم التواضع، ومواصلة تعزيز التعلّم والتكيف. ويجب تشجيع الموظفين على الابتكار واستكشاف الفرص الجديدة بدلًا من التركيز على تجنّب التحديات. ويتعين على الشركات فتح آفاقٍ جديدة لها، ومراجعة حالتها الراهنة ومعتقداتها القديمة بشكلٍ مستمر. وينبغي أيضًا تحفيز الأفراد على التفكير وتحقيق التطور عن طريق التحلي بروح ريادة الأعمال، فضلًا عن إعادة صقل مهاراتهم لمواكبة تغيرات بيئة العمل. ويتم تشجيع تبادل المعارف بين مختلف أقسام الشركة من خلال التعاون بين الوظائف المتعددة، وتقديم الإرشاد والتوجيه، وتعزيز أنشطة التواصل المفتوحة. كما أنه من الضروري دعم التمكين واللامركزية الإدارية بحيث تقتصر مهمة فريق الإدارة العليا على اتخاذ القرارات المهمة ذات الطابع الاستراتيجي فقط.
  • تخطيط القوى العاملة وتطوير المهارات اللازمة للمستقبل. يتعين على الشركات تخطيط الموارد بهدف تنفيذ استراتيجيات تكيّفٍ جديدة. وينبغي البحث عن الموظفين ذوي المهارات الأفضل، ومنحهم الموارد التي يحتاجونها لمواكبة المتطلبات الراهنة والمستقبلية. وتكمن القوة الحقيقية للمرونة في الموظفين، لذا يتعين على القادة سماع آرائهم وتقدير خبراتهم، وإفساح المجال أمامهم للتكيف مع الأوضاع الجديدة، بحيث يمكن إعادة تخصيص المواهب بشكلٍ استراتيجي مع تغيّر الاحتياجات. وتسهم هذه التقييمات الإيجابية إلى استقطاب المزيد من المواهب المتميزة إلى الشركة.
  • إعادة توزيع رأس المال. تتمتع المؤسسات المرنة بالقدرة على اتخاذ قراراتٍ استثمارية وإعادة تخصيص رأس المال بسرعةٍ كبيرة استنادًا إلى السيناريوهات المتغيرة. ويمكن اتخاذ هذه القرارات بناءً على السيناريوهات المتوقعة، ثم توصيل القرارات بشكلٍ فاعل إلى مختلف أنحاء المؤسسة.
  • الاستجابة للأزمات. ينبغي تفعيل الاستجابات الواضحة والفعالة في الأزمات. وتمتلك الشركات المرنة مجموعة أدواتٍ محددة وعالية الوضوح للاستجابة بحيث يتم تحديد الأدوار والمسؤوليات المختلفة. وتضمن إمكانية حشد الموارد بسرعة تحقيق الاستجابة الفاعلة في الوقت المناسب، بالإضافة إلى ضرورة تحديد المسؤوليات القيادية بوضوح ومشاركتها، بما يحقق التوافق الكامل في عمليات تفويض الصلاحيات وآليات التصعيد في حال حدوث اضطراباتٍ. كما يجب أن يتولى القادة مسؤولية إجراء تقييم للمخاطر في جميع مراحل سلسلة القيمة، بالإضافة إلى التأكد من دمج المرونة في جميع عمليات الشركة.

من التكيف نحو النمو

تساعد عمليات تقييم المرونة في الشركات على تحديد مجالات المرونة القوية، والتي تشكل عادةً المحفز الرئيسي لتطبيق مبادرات النمو. وينبغي أن يتم قياس مستويات المرونة بحيث يمكن تتبع التقدم الحاصل لضمان تحقيق العائد المنشود على الاستثمار في المرونة. وعلى سبيل المثال، قد تتصرف الشركات من موقعٍ يتمتع بمرونةٍ مالية عالية مع ميزانية عمومية وسيولة نقدية قوية لإفساح المجال أمام تحقيق نمو غير عضوي، ولا سيما عندما تكون التقييمات المستهدفة منخفضة في القطاعات التي تعمل فيها. أما على صعيد الاستدامة، فيمكن للشركات الاستفادة من تفوقها على نظرائها في مجال المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة لمضاعفة فرص النمو الجديدة. وقد يتضمن ذلك تحولًا أكبر نحو محافظ الأصول والمنتجات الصديقة للبيئة، والتي تحمي الشركات من حالات خسارة العملاء نتيجة مواصلة تشديد المعايير، ويساعد ذلك الشركات على تحقيق التميز والاستحواذ على حصة كبيرة من السوق أو السعي لتقديم أفضل الأسعار. من ناحيةٍ أخرى، يسهم توفير أسسٍ رقمية مرنة وراسخة في الارتقاء بطموحات الشركات نحو اعتماد أجندةٍ رقمية قوية، تساعد على تحسين نماذج الشركة التشغيلية وأساليب عملها وصولًا إلى مستوياتٍ جديدة وأكثر تنافسية.

وإلى جانب ظروف "العمل الاعتيادية"، تتجلى قوة الشركة المرنة في الأزمات والاضطرابات، حيث تستفيد من توقعاتها لتسريع وتيرة استجابتها، وتجنّب المخاطر، والمسارعة إلى اغتنام الفرص الجديدة من خلال قدرتها على التكيف. وتتمثل آليات التمكين في التصميم التنظيمي المرن، وهيكليات اتخاذ القرار في الشركات، والتي تتيح إمكانية تحديد الأدوار والمسؤوليات بوضوح، انطلاقًا من ضرورة أن يعرف جميع الموظفين أدوارهم عند حدوث الاضطرابات. وسواء أدت المرحلة الراهنة إلى تحوّل دورة الأعمال أو استمرار التوجهات التضخمية التي ظهرت مؤخرًا، فقد حان الوقت بالنسبة للشركات لاتباع منهجيةٍ جديدة تقوم على المرونة التي تعزز مسار النمو خلال الأعوام القادمة.

ويواجه قادة الأعمال في أوروبا حالة من الاضطراب الاقتصادي الشديد، مع مخاطر وجودية محتملة تطال الشركات التي تعاني من ضعفٍ في ميزانيتها العمومية ونموذج عملها خلال الأزمات. وتوصلنا إلى أن معظم المسؤولين التنفيذيين يتمتعون بقدراتٍ عالية على اتخاذ تدابير وقائية في بيئات العمل المضطربة والمتقلبة. ولا شك في أهمية هذه التدابير، ولكن يجب أيضًا اغتنام فرص النمو الناشئة. ويتمتع القادة الاستثنائيون بالقدرة على توسيع نطاق المرونة إلى آفاقٍ جديدة، واتخاذ القرارات الضرورية حول استخدام التدابير الوقائية أو الاستعداد للمستقبل. ويساعد إطار عمل المرونة الذي يقدمه قادة الأعمال على بناء فهمٍ أفضل حول الفجوات وتحديد فرص النمو حتى عند وجود اضطراباتٍ شديدة في الأسواق.

Explore a career with us