الربع سنوية لماكنزي

مهمة مزدوجة: كيف يحقق الرؤساء التنفيذيون التوازن بين مواكبة متطلبات الحياد المناخي والحفاظ على المرونة في الوقت نفسه

| مقالة

ملاحظة: إننا نبذل قصارى جهدنا للحفاظ على جميع التفاصيل الدقيقة عند ترجمة المقالة الإنجليزية الأصلية، ونعتذر عن أي جزئية مفقودة في الترجمة قد تلاحظونها من حين لآخر. نرحب بتعليقاتكم على البريد الإلكتروني التالي reader_input@mckinsey.com

شهد العام الماضي العديد من الأحداث الفارقة. حيث استقطب مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي (كوب26)، الذي انعقد في مدينة جلاسكو في نوفمبر 2021، مشاركة الكثير من قادة الأعمال الذين تعهدوا بالعمل لتحقيق أهداف الحياد المناخي بحلول العام 2050. وعلى الرغم من إدراك جميع الأطراف للتحديات المرتبطة بالحياد المناخي، شهد المؤتمر تقديم التزامات بتخفيض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنسبة حوالي 90%، الأمر الذي يؤكد جديّة القطاع الخاص في تحقيق هذا الهدف. ولكن سرعان ما ظهرت مجموعة من التحديات والظروف المعاكسة، بما فيها ارتفاع مستويات التضخم، واندلاع الحرب في أوروبا، وانعدام أمن الطاقة، والركود العالمي المحتمل. ومع ذلك، مضت الحكومات قدمًا في خططها لمواجهة التغير المناخي، وأقرت حزمًا من التشريعات في أوروبا والولايات المتحدة. وأعلنت أكثر من 3 آلاف شركة عن التزامات بمواصلة السعي لتحقيق الحياد المناخي.

المزيد من الرؤى والتقارير من ماكنزي باللغة العربية

شاهد مجموعة المقالات الخاصة بنا باللغة العربية، واشترك في النشرة الإخبارية العربية الشهرية

تصفح المجموعة

وأصدرت ماكنزي بالتزامن مع مؤتمر كوب26 بحثًا حول المتطلبات اللازمة لتحقيق الانتقال نحو الحياد المناخي. ويوضح البحث أن المسار نحو تحقيق هذا الهدف لن يكون سهلًا، وقد يواجه الكثير من التأخير والمعوقات بالنظر إلى التحديات المتعلقة بتوزيع رأس المال على نطاق واسع، وإدارة الاضطرابات الاقتصادية، وتوسيع نطاق سلاسل التوريد والبنية التحتية. وتوصّل البحث إلى أن المنظومات المستدامة توفر قيمة أكبر بالمقارنة مع نظيراتها التقليدية، ولكن يتعين على الدول والشركات تحقيق التوازن بين الالتزامات المتعلقة بالحياد المناخي، وقدرة المواطنين على تحمل التكاليف، وأمن إمدادات الطاقة والمواد.

وانطلاقًا من كونهم المسؤولين عن تنسيق الجهود ضمن المؤسسات، يواجه الرؤساء التنفيذيون اليوم اضطراباتٍ شديدة تحتّم عليهم السعي لتحقيق هدف مزدوج بالغ الصعوبة. ففي الوقت الذي أصبح فيه الحياد المناخي أحد المبادئ الرئيسية في عمل المؤسسات، يتعين على المسؤولين التنفيذيين توضيح خططهم للانتقال نحو الحياد المناخي، مع الحرص في الوقت نفسه على التحلي بالمرونة في مواجهة التقلبات الناتجة عن الصدمات الاقتصادية والسياسية. وقد تدفع التقلّبات الحالية بعض قادة الأعمال نحو اختيار حلول استثنائية، مثل مضاعفة الاعتماد على الوقود الأحفوري على حساب تقنيات الطاقة المتجددة الناشئة والجديدة. وسيواجه قادة الأعمال الكثير من القضايا التي تستحوذ على اهتمامهم، بالإضافة إلى العديد من المخاوف حول سرعة المضي قدمًا في أجندة الاستدامة.

في الوقت الذي أصبح فيه الحياد المناخي أحد مبادئ الأعمال الرئيسية بالنسبة للمؤسسات، يتعين على المسؤولين التنفيذيين توضيح خططهم للانتقال نحو الحياد المناخي، مع الحرص في الوقت نفسه على التحلي بالمرونة في مواجهة التقلبات الناتجة عن الصدمات الاقتصادية والسياسية.

ونعتقد أن الاستجابة الصحيحة لهذه التحديات تتمثل في "الجمع" بين الإجراءات المختلفة وليس "الاختيار" منها؛ أي مواصلة التركيز على الأهداف بعيدة المدى بالتوازي مع التكيف مع الظروف القائمة. ويتيح اتباع المنهجيات المرنة، إلى جانب القدرة على تحمل الصدمات والتكيف السريع مع الظروف المتغيرة، للشركات إمكانية الصمود أمام الظروف القائمة والاضطرابات المستقبلية التي قد تواجهها في عالم تتصاعد فيه المخاطر.

ولا شك أن تحقيق هذا الهدف هو مهمة صعبة ومعقدة. ولكن، وبينما يستعد القادة للاجتماع في مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي (كوب27) الذي ينعقد في مصر، هناك أخبار تدعو إلى التفاؤل تتمثل في تحقيق توافق غير مسبوق بين الاستدامة، والتنافس الاقتصادي، وخفض التكاليف، والأمن الوطني. ولتحقيق الاستفادة القصوى من هذه الظروف، يمكن للرؤساء التنفيذيين اليوم بناء استراتيجية مخصصة للمرونة بهدف الاستفادة من الأعمال التي توفر القيمة مستقبلًا، بالتوازي مع مضي العالم نحو تحقيق الحياد المناخي على المدى الطويل. ونقدم في هذه المقالة خمسة إجراءات للمساعدة على مواكبة هذه المتطلبات المزدوجة وإدراجها في صميم الاستراتيجية الجديدة للاستدامة.

مرحلة من الاضطرابات

لطالما كان المسار نحو تحقيق الحياد المناخي مليئًا بالتعقيدات. وشهدنا مؤخرًا ظهور المزيد من التقلبات الجديدة، وهو ما يفرض تحديات كثيرة أمام القادة في القطاعين العام والخاص.

توافر الطاقة وأمنها

يذكّرنا الغزو الروسي لأوكرانيا، والذي أدى إلى نشوء أزمة الطاقة في أوروبا، بأن الاضطرابات في أسواق الطاقة يمكن أن يترتب عليها عواقب وخيمة على الاقتصاد العالمي. وتسعى الدول لمعالجة هذه التحديات من خلال زيادة استخدام الوقود الأحفوري، بما في ذلك النفط والغاز، وإطالة عمر البنى التحتية لقطاع الطاقة التقليدي الذي يرزح تحت ضغوطات متزايدة.

تشهد الفترة الحالية أيضًا تنامي المخاطر المادية، حيث شهدت أوروبا خلال هذا الصيف ارتفاعًا قياسيًا في درجات الحرارة، بينما اجتاحت الفيضانات باكستان خلال الخريف الماضي، وتعرضت اليابان والكوريتان والصين لعواصف استوائية قاسية. أما في الولايات المتحدة، فقد شهدت ولاية تكساس تعطلًا غير مسبوق في شبكتها الكهربائية في عام 2021، وكادت كاليفورنيا أن تشهد تعطلًا مماثلًا خلال هذا العام. وثمة الكثير من القرارات المهمة التي ينبغي اتخاذها، والتي يستلزم بعضها المفاضلة بين التخفيف من تأثيرات التغير المناخي والتكيف معه - مثل إعادة البناء مقابل إعادة التموضع، والاستثمار في خفض درجات الحرارة مقابل الحفاظ على تخفيض استهلاك الطاقة - والتي يتم إجراؤها جميعًا ضمن إطار تمويل محدود للبنية التحتية.

القدرة على تحمل التكاليف

ترتفع الأسعار حول العالم نتيجة لأزمة الطاقة الأوروبية، وتصاعد أزمة الغذاء الناجمة عن الغزو الروسي لأوكرانيا، إضافة إلى التعافي السريع وغير المتوقع من تداعيات أزمة كوفيد-19، والذي تسبب بضغوطات كبيرة على سلاسل التوريد. وتعزز هذه الظروف بمجموعها التوقعات التي تشير إلى إمكانية حدوث الركود.

وثمة تصور مفاده أن تحقيق الحياد المناخي يأتي على حساب القدرة على تحمل التكاليف، مع غياب وجود منافع حقيقية تعوض عن ذلك. وتؤدي المشكلات العالمية المتعلقة بسلاسل التوريد والنقص في المواهب إلى تعقيد هذه المعادلة، لا سيما عند نشر الأصول والبنى التحتية الجديدة اللازمة للانتقال نحو تحقيق الحياد المناخي. وقد ينجم عن ذلك بالمقابل ارتفاعات حادة في أسعار المواد الأساسية اللازمة للتحول نحو الحياد المناخي. كما تواجه الشركات تحدياتٍ متنامية في تأمين المواد والعمالة والمهارات الاختصاصية التي تحتاجها لتنفيذ التزاماتها المتعلقة بالحياد المناخي. وتبذل الشركات جهودًا حثيثةً لتحقيق التوازن بين الطلب ومتطلبات العملاء، بدءًا من مضخات استخراج الطاقة الحرارية، ومرورًا بالمنسوجات المعاد تدويرها، ووصولًا إلى الاستعانة بعلماء مختصين ببيانات إدارة الكربون.

ثمة تصور مفاده أن تحقيق الحياد المناخي يأتي على حساب القدرة على تحمل التكاليف، مع غياب وجود منافع حقيقية تعوض عن ذلك. وتؤدي المشاكل العالمية المتعلقة بسلاسل التوريد والعمالة والنقص في المواهب إلى تعقيد هذه المعادلة، لا سيما عند نشر الأصول والبنى التحتية الجديدة واللازمة للانتقال نحو تحقيق الحياد المناخي.

الحوكمة واللوائح التنظيمية

يعتمد الانتقال المنظّم نحو تحقيق أهداف الحياد المناخي على مواصلة جهود الحوكمة والتعاون بين مؤسسات القطاعين العام والخاص، والوفاء بالالتزامات، واستمرار الدعم الحكومي بهدف دعم التقدم الحاصل في مجال خفض انبعاث غازات الدفيئة. إلا أن الحرب في أوكرانيا حدّت من إمكانية حدوث هذا التعاون. كما تواجه الولايات المتحدة انتقادات متزايدة بشأن المتطلبات الموحدة للإبلاغ عن المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة، إلى جانب التشكيك بجدوى الصناديق الاستثمارية المتمحورة حول هذه المعايير، والتي يعتقد البعض بأنها تضر بمنتجي الوقود الأحفوري والاقتصادات المحلية. كما أصبحت التوقعات بشأن توافق المعايير والمتطلبات والدعم الحكومي أكثر ضبابية.

بناء استراتيجية استدامة مرنة

يسود تصور متنامٍ بأنه يتعين على قادة الأعمال اتخاذ خطوات تحقق التوازن بين مواجهة تحديات التغير المناخي من جهة، والوفاء بالتزاماتهم المتعلقة بالانتقال المنظّم نحو تحقيق الحياد المناخي من جهة أخرى. ولكن على الرغم من صعوبة الانتقال نحو الحياد المناخي، واضطرار بعض المناطق إلى التراجع عن التزاماتها المتعلقة بهذا الشأن على المدى القصير، ما يزال هذا المسار ثابتًا وواضحًا على المدى البعيد.

وتؤدي هذه المعوقات من ناحية أخرى إلى ظهور الكثير من الفرص والمتطلبات. ونعتقد بوجود إمكانية كبيرة لبناء استراتيجية استدامة مرنة توفر إدارة سليمة للصدمات على المدى القصير، وتعزز القدرة على الوصول إلى مستقبل آمن ونظيف ومنخفض التكلفة لقطاع الطاقة، فضلًا عن تحسين القدرات التنافسية للشركات على المدى الطويل ودعم قدرتها على تحقيق القيمة. ويعود ذلك جزئيًا إلى أن الشركات المنافسة قد تميل إلى إيقاف جهودها المناخية مؤقتًا خلال هذه الفترة الحافلة بالاضطرابات، الأمر الذي يوفر فرصة للشركات التي تحافظ على هذا المسار لتحقيق تفوق استراتيجي كبير من خلال ما يلي:

  • تحقيق استقلالية في مجال الطاقة من خلال تسريع وتيرة استخدام مصادر الطاقة المتجددة والنظيفة، والاستفادة الكاملة من إمكانيات كفاءة استهلاك الطاقة وتوزيع الكهرباء. يساعد تنويع إمدادات الطاقة، باستخدام مصادر الطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر ومصادر الطاقة الصديقة للبيئة، على دعم أمن الطاقة الوطني وتعزيز القدرات التنافسية للاقتصاد. وساهم الغزو الروسي لأوكرانيا، والجهود الأوروبية لبناء مستقبل غير معتمد على إمدادات الغاز الروسية، في دفع القارة الأوروبية نحو زيادة التزاماتها المتعلقة باعتماد مصادر الطاقة المتجددة (إلى جانب اعتماد واردات الغاز الطبيعي على المدى المتوسط وإمكانية استخدام الطاقة النووية على المدى الطويل). كما ينبغي العمل على زيادة مرونة قطاع الطاقة بالتزامن مع هذه الجهود، مثل اتخاذ إجراءات تشمل تحفيز جهود تعزيز قدرات إنتاج الطاقة في الأسواق بالتزامن مع نمو حصة توليد الطاقة المتجددة المتغيرة. وحتى قبل الغزو الروسي لأوكرانيا، ركزت السياسات الصناعية في الاقتصادات الأوروبية الكبيرة على تقنيات الطاقة النظيفة كمصدرٍ لتعزيز القدرات التنافسية الوطنية. وتشمل الأمثلة على ذلك سياسات تصدير تقنيات الطاقة النظيفة، ودعم استخراج المعادن النادرة لدعم التقنيات الجديدة في مجال مواجهة التغير المناخي، والتمويلات الوطنية الرامية لتعزيز نمو الصناعات المحلية بمجال الطاقات الجديدة (مثل إقرار قانون الاستثمار في البنية التحتية والوظائف في الولايات المتحدة). وتتمتع الشركات التي تعمل في هذا المجال، أو تساعد مؤسساته المتخصصة، بإمكانيات نمو كبيرة على المدى الطويل.

وثمة الكثير من القرارات المهمة التي ينبغي اتخاذها، والتي يستلزم بعضها المفاضلة بين التخفيف من تأثيرات التغير المناخي والتكيف معه - مثل إعادة البناء مقابل إعادة التموضع، والاستثمار في خفض درجات الحرارة مقابل الحفاظ على تخفيض استهلاك الطاقة - والتي يتم إجراؤها جميعًا ضمن إطار تمويل محدود للبنية التحتية.

  • تحقيق قيمة جديدة من الأنظمة القائمة. أصبح من الواضح اليوم إمكانية إعادة استخدام أساليب العمل الحالية التي تُنتج كميات كبيرة من الكربون بالاعتماد على تقنيات تمكين جديدة تواكب متطلبات الغد لضمان الوصول إلى مستقبل مستدام. وتوجد الكثير من الأمثلة على ذلك، تشمل تعديل منشآت الإنتاج الصناعية لالتقاط الكربون واستخدامه وتخزينه؛ واستخدام خلائط الهيدروجين في ناقلات غاز الميثان؛ والاستفادة من تقنية الاحتجاز المباشر للهواء، والتي تمثّل تقنيات تسهم في تقليص كثافة الكربون وتحويل منظومات العمل القائمة إلى أنظمة بديلة نظيفة. ويمكن تحقيق مكاسب كبيرة من قبل الشركات المالكة أو المشغلة لهذه البنى التحتية، والتي تستثمر في تقنيات تواكب المتطلبات المستقبلية من خلال التقاط الكربون واستخدامه وتخزينه أو الاحتجاز المباشر للهواء أو غيرها من التقنيات. وتتيح إعادة استخدام هذه الأصول خفض التكاليف وتعزيز مرونة الأنظمة، كما توفر للشركات القائمة أيضًا ثقة أكبر بجدوى إزالة الكربون من أصولها القديمة.
  • تسهيل انتقال المواد المستدامة. يتطلب إنجاز التحول المنشود في الطاقة تسهيل انتقال المواد اللازمة. فعلى سبيل المثال، سيؤدي الارتفاع المتوقع في الطلب على السيارات الكهربائية إلى زيادة الطلب على معادن الكوبالت والنحاس والليثيوم والنيكل والمعادن النادرة، مما يفاقم الضغوطات على أسعار هذه السلع. كما تؤدي التزامات إزالة الكربون في قطاعات السيارات، والسلع الاستهلاكية، وعمليات التغليف وغيرها إلى زيادة الفجوة بين العرض والطلب على مواد الألمنيوم والبلاستيك والفولاذ. وتشير توقعاتنا، على سبيل المثال، إلى إمكانية حدوث نقص بنسبة 50-60% في المواد البلاستيكية المعاد تدويرها بحلول العام 2030، ما يؤدي إلى ارتفاع كبير في تكاليف التقنيات الصديقة للبيئة. وفي حال نجحت مستويات العرض بمواكبة معدلات الطلب في نهاية المطاف، فستكون المكاسب الأكبر من نصيب الشركات التي اغتنمت الفرص المتاحة مبكرًا. ومع وصول دورة السلع الحالية إلى ذروتها، يمكن إعادة استثمار السيولة النقدية لاغتنام الفرص المتاحة لشراء المواد التي سيزداد الطلب عليها على المدى الطويل.
  • توفير موارد جديدة لرأس المال. بدأ المستثمرون والشركات القائمة موجة جديدة من عمليات استثمار رأس المال لتحقيق الحياد المناخي، بما في ذلك الاستثمارات في تطوير المواد والتقنيات الجديدة، وبناء سلاسل توريد ذات قدرة أكبر على التكيّف. وتتبع هذه الاستثمارات نموذج "الملكية الخاصة الإضافية"، حيث يساعد المستثمرون المشاركون بقوة على بناء منافسين جدد في المجال البيئي من نقطة الصفر. كما تشكل الدول والمناطق التي تضم القطاعات التي يصعب انتقالها نحو الحياد المناخي مصادر مهمة لتقنيات المناخ ورأس المال الانتقالي نتيجة سعيها لإزالة الكربون مع الحفاظ على النمو الاقتصادي. ولا تزال هذه المشاريع في مراحلها الأولى، حيث يساهم الطلب الطوعي والقائم على السياسات في تطويرها ونموها. مع ذلك، تعكس هذه المشاريع وجود مجموعة أكبر من الاستثمارات النظيفة تواصل تحقيق النمو على الرغم من الانتقادات الموجهة للمعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة.
  • تطوير سوق طوعية للكربون. تمثل القدرة على تقييم الكربون بالسيولة النقدية ركيزةً أساسيةً في تمكين الحياد المناخي وتمويل عمليات إزالة الكربون من الأصول. وتلعب الأسواق الطوعية للكربون دورًا محوريًا في هذا السياق. وعلى الرغم من عدم استقرار الأوضاع حاليًا، فإننا نشهد إطلاق حوارات واتخاذ مزيد من الإجراءات الملموسة لإنشاء أسواق طوعية للكربون على مستويات الدول والتمويلات الخاصة. وتقوم العديد من حكومات جنوب شرق آسيا، على سبيل المثال، بإنشاء أسواق طوعية لتداول الكربون، كما نشهد زيادة في التزامات الشركات تجاه مفهوم الكربون الطوعي.

بدأ المستثمرون والشركات القائمة موجة جديدة من عمليات استثمار رأس المال لتحقيق الحياد المناخي، بما في ذلك الاستثمارات في تطوير المواد والتقنيات الجديدة، وبناء سلاسل توريد ذات قدرة أكبر على التكيف. وتتبع هذه الاستثمارات نموذج "الملكية الخاصة الإضافية"، حيث يساعد المستثمرون المشاركون بقوة على بناء منافسين جدد في المجال البيئي من نقطة الصفر.

  • إعادة تشكيل سلاسل القيمة وبناء القدرات الصناعية للدول. تساهم السياسات المبتكرة لدى بعض الاقتصادات المتقدمة في دعم نشوء سلاسل قيمة جديدة تخلو من الانبعاثات الكربونية. إذ يلتزم قانون خفض التضخم الأمريكي بإنفاق 370 مليار دولار أمريكي على مواجهة التغير المناخي، ويهدف إلى إنشاء قطاعات مستدامة جديدة في مختلف أنحاء الدولة، فضلًا عن تسريع وتيرة تطوير التقنيات النظيفة مثل الهيدروجين الأخضر. بينما من المقرر أن يسهم قانون البنية التحتية، المدعوم من الحزبين، في تحفيز عملية إعادة بناء القدرات الصناعية، واستبدال سلاسل القيمة القائمة على محركات الاحتراق الداخلي ببدائل تعتمد على الكهرباء والبطاريات الكهربائية. ومن جانبها، تهدف حزمة فيت فور 55 وخطة ريباور أي يو في الاتحاد الأوروبي إلى إنشاء شركات رابحة جديدة في مختلف القطاعات، وإعادة تشكيل سلاسل القيمة على نحو يضع القدرة على تحمل التكاليف في مقدمة الأولويات. ولهذا السبب، ثمة حاجة ملحّة لعقد أشكال جديدة من الشراكات بين القطاعين العام والخاص. وتساعد زيادة مستويات التحكم في المناطق والدول المختلفة على تمكينها من حماية مواطنيها من الارتفاعات الحادة في الأسعار.

وإذا تم تنفيذ هذه الإجراءات بشكل صحيح، فإن اغتنام هذه الفرص سيفضي إلى بناء دائرة اقتصادية إيجابية تتميز بالقدرة على تحمل التكاليف، وإزالة الكربون، وتعزيز أمن الطاقة، وتوفير فرص العمل، وزيادة مستويات المرونة. وتشكل الطاقة المتجددة إحدى الأمثلة الواضحة على إمكانية تعزيز أمن الطاقة، وتوفير فرص عمل رفيعة المستوى، وخفض الانبعاثات الكربونية في نفس الوقت. ويمكن لمصادر رأس المال الجديدة والأسواق الطوعية للكربون أن تدعم الاستثمارات المستدامة لتصبح أقل تكلفة، وطرحها في الأسواق بسرعة أكبر، ودعم التنفيذ الناجح لهذه المشاريع؛ ما يساعد بالمقابل على تعزيز العائدات وجذب رؤوس أموال إضافية. كما تسهم المواد المستدامة في تسهيل عملية التحول في قطاع الطاقة، فضلًا عن توفير قيمة جديدة من المنظومات والبنية التحتية القائمة، إلى جانب الكثير من المنافع الأخرى. وتوضح هذه الأمثلة بمجموعها مدى أهمية وإمكانية "الجمع" بين الحلول المختلفة، وتوفير تأثيراتٍ إيجابيةٍ دائمة لتحقيق أهداف الأمن والاستدامة والأهداف الاجتماعية والاقتصادية بالتوازي.

وتوفر هذه الفرص الكثيرة للشركات القائمة إمكانية تحقيق النجاح في معظم الأحيان. وتتاح لجميع الشركات القائمة، لا سيما في القطاعات التي يصعب إنجاز انتقالها نحو الحياد المناخي، مجموعتين من الفرص تتمثلان في تطوير أعمال مستدامة جديدة، وإزالة الكربون أثناء توسيع نطاق الأعمال الأساسية القائمة على الوقود الأحفوري (مع إمكانية تحقيق وفورات في تكاليف التقنيات الصديقة للبيئة نتيجةً لذلك، كما هو الحال بالنسبة للشركات التي سارعت للاستفادة من المواد المستدامة). ويمكن للشركات القائمة استخدام التدفقات النقدية المتاحة والميزانيات العمومية القوية لتمويل أعمال مستدامة جديدة ترسي الأسس لتحقيق النمو المستقبلي. وتتمتع هذه الشركات بالقدرة على تحمل تكاليف الاستثمار على المدى الطويل، والمجازفة باستخدام العديد من التقنيات النظيفة الجديدة، ما يوفر ميزة أخرى في الحالات التي تتجلى بعدم وضوح المسار اللازم اتباعه لتحقيق الأهداف النهائية.

تحقيق المرونة اليوم والقيمة في المستقبل: خمسة إجراءات تساعد الرؤساء التنفيذيين على تحقيق هذا الهدف

تواجه الشركات ضغوطًا متنامية لإحراز تقدم ملموس وتحقيق قيمة إيجابية بالاعتماد على الاستدامة. ودخل العالم مرحلة تتزايد فيها التحديات أمام الرؤساء التنفيذيين وقادة الأعمال. ونشهد اليوم ظهور نموذج استراتيجي جديد يمتاز بقدر معقول من اليقين حول التوجه المستقبلي العالمي على المديين المتوسط والطويل، مع وجود تباينات كبيرة في كيفية وتوقيت الوصول إلى الأهداف المرجوة.

ويحتّم ذلك على قادة الأعمال تعزيز المرونة لمواجهة الصدمات اليوم لبناء شركات ناجحة في المستقبل. وتوفر بعض المنهجيات حلولًا أسهل من غيرها وتقدم مسارات مباشرة نحو تحقيق الأهداف.

تسريع عملية توزيع رأس المال استنادًا إلى عقلية قائمة على الملكية الخاصة

تستلزم القيادة المرنة أثناء الانتقال نحو الحياد المناخي المشاركة المبكرة في تحول المواد وتوجهات بناء الأعمال الخضراء لضمان الوصول إلى الابتكارات الواعدة (الشكل). وتحمل دورات الاستثمار المبكرة مخاطر أكبر، لكنها توفر أيضًا عوائد أعلى لأنها تستفيد من سياسات التمويل المبكرة، والرغبة الكبيرة بالمشاركة لدى الأطراف المختلفة (على سبيل المثال، من خلال عقود وقود الطيران المستدامة التي تضمن توافر الطلب من شركات الطيران بما يتيح الاستثمار في العرض)، والمواهب الجديدة، والفرصة لاكتساب ميزة الحضور المبكر في مجال سلاسل القيمة الجديدة والناشئة.

A devilish duality: How CEOs can square resilience with net-zero promises

سيكون هنالك الكثير من الشركات الناجحة بمجال الاستدامة في الكثير من القطاعات. وعلى سبيل المثال، تشير توقعاتنا إلى أن المركبات العاملة بوقود الهيدروجين والكهرباء ستشكل جزءًا من منظومة النقل البري في عام 2050. ويوفر هذا سببًا إضافيًا لاعتماد العقلية الاستثمارية والمجازفة بتوظيف العديد من الاستثمارات المحتملة في وقت مبكر. ويمكن للشركات إدارة مخاطر التحول نحو الحياد المناخي بشكل أفضل من خلال المضي قدمًا في الإجراءات التشغيلية الخاصة بإزالة الكربون، والتي توفر إيرادات تغطي تكاليفها (من خلال تعزيز كفاءة استهلاك الطاقة على سبيل المثال)، مع القيام باستثمارات طويلة الأمد في البنية التحتية المستدامة وتطوير أعمال جديدة. وستتحول المساعي الرامية لتعزيز كفاءة استهلاك الطاقة، والتوسع السريع في منظومات التدفئة النظيفة الموزعة (مثل استخدام المضخات الحرارية)، إلى عامل دعم أساسي في مساعدة أوروبا على إدارة أزمة الطاقة.

اتخاذ زمام المبادرة من خلال اتباع استراتيجية مستدامة لبناء القيمة

يجب أن ينصب التركيز على هدفين أساسيين هما توسيع نطاق الأعمال الأساسية وإزالة الكربون منها، وتطوير أعمال مستدامة جديدة في سلاسل القيمة المعاد تشكيلها. ويمكن لهذه الإجراءات إحداث نقلة نوعية في الكثير من القطاعات، بحيث لا تقتصر على إجراء تحسينات تدريجية فحسب، وإنما تشمل إعادة النظر بشكل كامل في كيفية بناء وتشغيل وصيانة كل واحد من قطاعات الاقتصاد. ويتعين على قادة الأعمال اتخاذ خطوات واسعة لمواكبة المتطلبات الراهنة، من خلال المسارعة لاعتماد التقنيات المناخية الذكية، والمشاركة الفاعلة في منظومة الابتكار، والاستفادة من مواهبهم الهندسية والمتخصصة بتطوير الأعمال. وبالمثل، يُعد التركيز على الاستدامة، والمعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة على نطاق أوسع، خطوةً منطقيةً وواقعيةً ومطلوبةً بشدة. ويمكن للرؤساء التنفيذيين توضيح منهجياتهم المتعلقة بالمعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة بشكل استباقي من خلال التركيز على المرونة وبناء القيمة، وليس من مبدأ الرغبة بالمشاركة والتخفيف من المخاطر.

يجب أن ينصب التركيز على هدفين أساسين هما توسيع نطاق الأعمال الأساسية وإزالة الكربون منها، وتطوير أعمال مستدامة جديدة في سلاسل القيمة المعاد تشكيلها.

تجاوز الأهداف المتعلقة بالحياد المناخي

يتعين على الرؤساء التنفيذيين السعي لأن تترك شركاتهم تأثيرًا إيجابيًا على الطبيعة. وتشمل الإجراءات اللازمة في هذا الإطار المضي قدمًا في حماية التنوع الحيوي، وحرصهم على حماية الموارد المائية والهوائية المشتركة، وضمان توفير سلسلة توريد مسؤولة، والمساهمة في تحقيق انتقال عادل نحو الحياد المناخي إلى جانب عدد من الخطوات الأخرى. كما تلعب الاستثمارات الرامية لدعم القدرة على التكيف بهدف معالجة المخاطر المادية دورًا بالغ الأهمية. ولا شك أن الشركات التي تتمتع بالقدرة على الصمود في وجه التقلبات الشديدة ستحصل على الكثير من المزايا الملموسة.

وقد يحدث تعارض في أهداف الاستدامة في بعض الحالات. فعلى سبيل المثال، ينجم عن عمليات استخراج الليثيوم من المحاليل الملحية انبعاثات كربونية أقل كثافة بالمقارنة مع استخراجه من الصخور الصلبة، إلا أنها تتطلب كميات أكبر من المياه. وينبغي أن يقوم الرؤساء التنفيذيون بإجراء مقارنة قياسية دقيقة، والاستثمار في الابتكارات التي يمكنها تحقيق أهداف متعددة، وبالتالي الوصول إلى إنجازات استثنائية في بيئة عمل بالغة التعقيد. ويتعين على الشركات اعتماد خطط خاصة بهذه الإجراءات وغيرها من العوامل الأخرى وحتى تتمكن من الارتقاء بمعايير الاستدامة.

بناء الشراكات وقدرات منظومة العمل

يجب أن يدرك الرؤساء التنفيذيون عدم إمكانية اعتماد منهجية منفردة للحفاظ على المرونة بالتوازي مع المضي نحو الحياد المناخي. وستكون هناك حاجة ملحّة لعقد الشراكات بين القطاعين العام والخاص، لأن الكثير من سلاسل القيمة للطاقة والمواد ستتطلب تطوير منظومات العمل بأكملها. وتشمل الأمثلة على ذلك الاتحادات المتخصصة بالوقود النظيف، مثل الاتحادات التي تتمحور حول مراكز وقود الهيدروجين، والشبكات المشتركة والمتخصصة بالتقاط الكربون واستخدامه وتخزينه. كما تتاح فرص للشراكات بين المتنافسين من خلال إرساء خرائط طريق مشتركة للتكنولوجيا بهدف التخفيف من مخاطر التقنيات وتوجيه تمويلات الابتكار بشكل أفضل.

إعادة تأهيل الفرق القيادية ومجالس الإدارة وموظفي الخطوط الأمامية بوتيرة عالية

تحتاج الشركات إلى اكتساب مهارات جديدة لدعم مساعيها نحو تحقيق المستقبل المستدام. إذ يتطلب قطاع الأزياء المستدام، على سبيل المثال، إعادة النظر في عمليات التصميم والتصنيع والشراء والتسويق وإدارة النفايات، بالإضافة إلى متابعة الانبعاثات الكربونية ودورات الكربون بشكل أفضل. ويتعين على المواهب في المؤسسات المختلفة إعادة صقل مهاراتها لمواكبة هذه المتطلبات الجديدة. كما يتعين على الشركات تحديد المهارات اللازمة لنماذج أعمالها المستدامة، والعمل على اكتسابها وبنائها داخليًا.


يتطلب الانتقال إلى تحقيق أجندة الحياد المناخي خلال فترة الاضطرابات الحالية توفير استجابات مؤقتة قد تبدو في بعض الأحيان كما لو أنها حالات تعثّر، ولكن ينبغي ألا تكون كذلك. ويدرك الرؤساء التنفيذيون الذين يتمتعون بفهمٍ وافٍ حول منافع المرونة الاستراتيجية أن معالجة الصعوبات الراهنة وبناء المستقبل المستدام يمكن - ويجب - أن يتم في وقت متزامن. ويمكن لقادة الأعمال ضمان مستقبل أفضل لأعمالهم ولكوكب الأرض من خلال اعتماد رؤية واضحة، والتحرك بمرونة، واتخاذ تدابير استباقية، واغتنام الفرص المتاحة بدلًا من السعي لتنجب المخاطر.

Explore a career with us