في قلب كل مؤسسة كبيرة تقريبًا ، يكون هناك عائق كبير يعرقل تقدم الأعمال ويبطئ حركتها ويتمثل في: عبء التكنولوجيا المتجسد في الأنظمة القديمة لتقنية المعلومات. فلا تزال هذه الأنظمة، التي تم تطويرها منذ عقود مضت، تشكل العمود الفقري التقني للشركات في مختلف القطاعات، حيث تعتمد عليها بشكل رئيسي في إدارة العمليات والوظائف الحيوية. وتشير الإحصائيات إلى أن حوالي 70% من البرمجيات المستخدمة حاليًا في شركات "فورتشن 500" تم تطويرها منذ أكثر من 20 عامًا1. (للمزيد من التفاصيل، اطلع على العمود الجانبي بعنوان "ما هي الأنظمة القديمة وكيف تُعيق تطور المؤسسات؟").
تُعدُّ عملية تحديث الأنظمة القديمة والتخلص من عبء التكنولوجيا المتراكم تحديًا طالما تم تصنيفه كمجرد "مشكلة تقنية" تخص فرق تقنية المعلومات. نتيجة لذلك، فضل العديد من قادة الأعمال تجاهل هذه المسألة أو تأجيلها مرارًا، معتبرين أنها ليست ذات أولوية مُلحّة. كان هذا النهج يعزو لأسباب تبدو مألوفة للجميع. وأبرز هذه الأسباب هو التكلفة الباهظة (التي غالبًا ما تصل إلى مئات الملايين من الدولارات)، مما يجعل المشروع يبدو عبئًا ماليًا ثقيلًا. كما أن الجدول الزمني الطويل الذي قد يمتد (من خمس إلى سبع سنوات) يُعدّ عائقًا إضافيًا، خاصة في بيئة عمل تتطلب قرارات سريعة وحلولًا فورية. علاوة على ذلك، يُخشى أن تؤدي عمليات التحديث إلى اضطرابات تؤثر على سير الأعمال اليومية. ولعل أكثر الأسباب تأثيرًا هو الغموض المحيط بالعائد الاستثماري المتوقع من هذه المشاريع، حيث يجد القادة صعوبة في تبرير الاستثمار عندما تبدو الأنظمة الحالية "تعمل بشكل جيد" رغم تقادمها.
ومع انتشار التكنولوجيا في كافة جوانب الأعمال وارتباطها الوثيق بقدرة الشركات على تحقيق القيمة وإحداث التأثير، أصبحت عملية تحديث أنظمة تقنية المعلومات ضرورة استراتيجية لا يمكن تأجيلها. هذا التحدي لم يعد مجرد مسؤولية تقنية بل تحول إلى أولوية يجب أن يتبناها الرؤساء التنفيذيون كجزء أساسي من رؤية الشركات المستقبلية. لقد فتحت التطورات التكنولوجية المتسارعة، مثل الذكاء الاصطناعي التوليدي، والحوسبة السحابية، والروبوتات، آفاقًا جديدة وفرصًا هائلة للنمو والابتكار، لكنها في الوقت ذاته فرضت تحديات تتطلب وجود بنية تحتية تقنية حديثة ومرنة. في الواقع، تُظهر الإحصائيات أن التكنولوجيا تُشكل حوالي 71% من القيمة التي تحققها الشركات من عمليات التحول الكُبرى2، مما يجعلها العنصر الأكثر أهمية في تحقيق النجاح المستدام. إلى جانب ذلك، يتفاقم هذا الوضع مع اقتراب المبرمجين الذين قاموا بتطوير وصيانة هذه الأنظمة القديمة من سن التقاعد، وهو ما يزيد من خطورة الاعتماد على أنظمة عفا عليها الزمن. هذا الواقع يخلق حاجة ملحة لتحديث الأنظمة التقنية القديمة واستبدالها بمنصات حديثة قادرة على التكيف مع متطلبات السوق والتغيرات المستقبلية.
تُحدث التطورات الجديدة في الذكاء الاصطناعي، وخاصة الذكاء الاصطناعي التوليدي، تغييرًا جذريًا في حساب التكاليف والفوائد المرتبطة بتحديث الأنظمة القديمة وتقليل عبء التكنولوجيا. هذه التطورات ليست مجرد تحسينات تقنية، بل تمثل جزءًا من تحولات أوسع في طريقة عمل تقنية المعلومات داخل المؤسسات. لنأخذ على سبيل المثال نظام معالجة المعاملات لدى إحدى المؤسسات المالية الرائدة. قبل ثلاث سنوات، كانت تكلفة تحديث هذا النظام تتجاوز 100 مليون دولار. أما اليوم، وبفضل تطبيقات الذكاء الاصطناعي التوليدي، فقد انخفضت التكلفة إلى أقل من نصف ذلك المبلغ. هذا التغيير يفتح الباب أمام العديد من جهود التحديث التي كانت في السابق تُعتبر مكلفة جدًا أو تستغرق وقتًا طويلًا، مما يجعلها الآن أكثر قابلية للتنفيذ من أي وقت مضى. علاوة على ذلك، أصبح بالإمكان قياس وتتبع التكلفة المباشرة لعبء التكنولوجيا وتأثيره على نتائج الأرباح والخسائر (في بعض الحالات، قد تصل هذه التكلفة إلى 40 أو 50 بالمائة من إجمالي الإنفاق الاستثماري). هذا النوع من القياس يُمكن الشركات من مراقبة القيمة المضافة الناتجة عن تقليل عبء التكنولوجيا وتحديث الأنظمة.
رغم أن هذه التقنية لا تزال في مراحلها الأولى، إلا أن تجربتنا تشير إلى أن الاستفادة من الذكاء الاصطناعي التوليدي يمكن أن تقضي على جزء كبير من العمل اليدوي. هذا يؤدي إلى تسريع جداول تحديث الأنظمة التقنية بنسبة تتراوح بين 40 إلى 50%، مع تقليل التكاليف الناجمة عن عبء التكنولوجيا بنسبة تصل إلى 40%، إلى جانب تحسين جودة النتائج المُنتَجة. ومع ذلك، فإن القيمة الحقيقية لهذه التكنولوجيا لا تكمن في التقنية ذاتها بقدر ما تعتمد على كيفية استخدامها. لتحقيق هذه القيمة، يتم التركيز بشكل خاص على العناصر التالية:
- تحسين نتائج الأعمال: لا يقتصر تحديث الأنظمة القديمة على مجرد تحويل الأكواد البرمجية إلى لغات تقنية حديثة، لأن هذا النهج، المعروف بمشكلة "النسخ والتحميل" يؤدي فقط إلى نقل عبء التكنولوجيا من نظام قديم إلى نظام حديث دون معالجة التحديات الأساسية. ولتجنب هذا الفخ، يأتي دور الذكاء الاصطناعي التوليدي كأداة حيوية تُمكّن المؤسسات من اتخاذ قرارات استراتيجية أكثر ذكاءً فيما يخص عمليات التحديث.
- تمكين وكلاء الذكاء الاصطناعي التوليدي المستقلين: أصبحت عملية بناء وتدريب مجموعة من وكلاء الذكاء الاصطناعي التوليدي، القادرين على العمل بشكل مستقل أو بالتعاون مع الفرق البشرية، نقلة نوعية في تحسين جهود تحديث الأنظمة التقنية. يتيح هذا النهج للوكلاء الذكيين إدارة العمليات الشاملة من البداية إلى النهاية، مما يؤدي إلى تحسين الكفاءة وتسريع الإنجاز بشكل غير مسبوق. وبفضل هذه الوكلاء، يمكن تنفيذ عمليات معقدة تتطلب تنسيقًا دقيقًا بين المهام المختلفة، مع الحفاظ على جودة المخرجات. (راجع العمود الجانبي بعنوان "ليجاسي إكس").
- التركيز على توسيع نطاق القيمة: يتمثل جوهر قيمة نموذج الوكلاء المتعددين في إمكانية تحويله إلى عملية صناعية قابلة للتوسع والتطبيق على مختلف جوانب الأعمال. هذا النهج يتيح للمؤسسات استخدام النموذج في مجالات متعددة، مما يُسهم في تحسين الكفاءة التشغيلية وتوجيه الجهود نحو تقليل عبء التكنولوجيا بشكل مستدام.
كيف يُحدث وكلاء الذكاء الاصطناعي التوليدي تحولًا في البرمجة ونتائج الأعمال؟
المزيد من الرؤى والتقارير من ماكنزي باللغة العربية
شاهد مجموعة المقالات الخاصة بنا باللغة العربية، واشترك في النشرة الإخبارية العربية الشهرية
إن تحديث التكنولوجيا هو عملية أساسية تهدف إلى تحويل التطبيقات الحالية للاستفادة من التقنيات الحديثة والأطر المتطورة والهياكل المعمارية المبتكرة. يشمل هذا التحول عدة خطوات مهمة، مثل استبدال لغات البرمجة القديمة بأخرى أكثر سهولة وكفاءة، والاعتماد على أطر عمل حديثة توفر وظائف متقدمة، وإعادة هيكلة الأنظمة لتصبح أكثر مرونة وقابلة للتجزئة، وحتى تحسين التطبيقات ونقلها إلى بيئات الحوسبة السحابية الأقل تكلفة. يأتي الذكاء الاصطناعي التوليدي ليكون ركيزة أساسية في هذه العملية، حيث يساهم بشكل مباشر في تنفيذ هذه التحسينات بفعالية وسرعة. يساعد الذكاء الاصطناعي التوليدي الشركات على تقليل عبء التكنولوجيا القديم، وتحقيق عائد استثماري أكبر على برامج الحوسبة السحابية، وتسريع عمليات التحديث بطريقة مبتكرة ومستدامة. ولكن لتحقيق أقصى استفادة من هذا التحول والحد من عبء التكنولوجيا ، يجب التركيز على العناصر الثلاثة المذكورة أعلاه.
تحسين نتائج العمل
تميل العديد من الشركات إلى استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي بشكل سطحي ومباشر، مثل إدخال الأكواد البرمجية القديمة إلى أدوات الذكاء الاصطناعي لتحويلها إلى لغات برمجية حديثة. ورغم أن هذا النهج، المعروف بـ"نسخ وتحميل الأكواد" ، يبدو حلاً سريعاً، إلا أنه يحمل مخاطرة كبيرة تتمثل في نقل عبء التكنولوجيا القديم إلى بيئة تقنية حديثة دون معالجة المشكلات الأساسية. هذا الفخ يذكرنا بالخطأ الشائع الذي ارتكبته العديد من الشركات في بدايات الحوسبة السحابية، حيث اعتمدت على نهج "النقل المباشر" (Lift-and-Shift)، أي ترحيل التطبيقات القديمة إلى السحابة كما هي، دون معالجة المسائل المتعلقة بتقادم الأنظمة. النتيجة في كلتا الحالتين كانت بقاء المشكلات الجوهرية دون حل، مما أدى إلى تعقيد العمليات التشغيلية وزيادة التكاليف على المدى الطويل.
لا ينبغي أن يكون الهدف من جهود تحديث التكنولوجيا القديمة مجرد تحويل أكبر عدد ممكن من الأكواد البرمجية إلى لغات حديثة. لأن الهدف الحقيقي هو تحسين الأنظمة والعمليات بطريقة تُمكّن الشركات من تحقيق قيمة أكبر لأعمالها. يتطلب هذا النهج استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي لفهم الأكواد الحالية بشكل مفصل وأكبر، بدلاً من الاكتفاء بتحويلها. يجب أن يكون التركيز على تحديد العناصر التي تحتاج إلى التحديث بهدف تحقيق قيمة مباشرة للأعمال. وبناءً على هذا الفهم، يتم تحديث العمليات والأنظمة الضرورية فقط لضمان تحقيق النتائج المرجوة.
عند تطبيقه بشكل صحيح، يمتلك الذكاء الاصطناعي التوليدي القدرة على تبسيط التعقيدات المرتبطة بالأنظمة القديمة. ويمكنه تحليل مكونات يصعب فهمها مثل الوثائق الغامضة، والأكواد البرمجية القديمة، وبيانات المراقبة، وسجلات المكالمات، وأساليب البرمجة، وتحويلها إلى وصف واضح ومبسط للإجراءات باللغة الطبيعية خلال دقائق معدودة. فعلى سبيل المثال، في إحدى شركات الخدمات المالية، قامت الفرق الهندسية بإجراء مقابلات مع عدد من الخبراء لجمع المعلومات الإضافية لتعويض النقص في الوثائق المتاحة. بعد ذلك، تم إدخال هذه المعلومات إلى نموذج الذكاء الاصطناعي التوليدي، مما أتاح تقديم تفسير دقيق وواضح للأنظمة. هذا التوضيح لم يساعد المهندسين فقط على فهم كيفية عمل الأنظمة القديمة، بل مكّن أيضًا خبراء الأعمال من تحديد الاحتياجات الحقيقية للنظام. هذا النهج يسهل التعاون الفعّال بين فرق الأعمال والهندسة، حيث يمكنهم معًا تحديد الأولويات بشكل واضح: ما الذي يجب تحديثه، وما الذي يمكن الاستغناء عنه.
تمكين وكلاء الذكاء الاصطناعي التوليدي المستقلين لتحقيق كفاءة أعلى
في مقالات سابقة، أشرنا إلى كيف يمكن لوكلاء الذكاء الاصطناعي التوليدي أن يدعموا المطورين في كتابة الأكواد، مما يؤدي إلى زيادة ملحوظة في إنتاجيتهم3. ومع ذلك، تُظهر خبراتنا أن المستقبل يحمل إمكانيات أكبر بكثير، حيث تتمثل المرحلة التالية في تمكين مئات الوكلاء من العمل بشكل مستقل، مع توفير إشراف بشري لضمان الجودة والدقة ولاسيما عندما تتوسع هذه النماذج وتُطبق على نطاق أوسع (الشكل).
يعتمد نهج الوكلاء المستقلين على نشر مجموعة متنوعة من وكلاء الذكاء الاصطناعي المتخصصين، حيث يتمتع كل وكيل بدور محدد وخبرة متخصصة تسهم في تنفيذ المهام المعقدة بكفاءة. يعمل هؤلاء الوكلاء معًا بتنسيق وانسجام لتنفيذ عمليات دقيقة تتطلب تعاونًا متعدد المستويات. تشمل المهام التي يمكن أن ينفذها هؤلاء الوكلاء تحليل البيانات بفعالية لتوفير رؤى قيمة، وإدارة التكاملات المتقدمة بين الأنظمة، وتصميم وتنفيذ اختبارات متطورة للتأكد من دقة العمليات وفعاليتها. بالإضافة إلى ذلك، يتمتع الوكلاء بقدرة استثنائية على تحسين النتائج بشكل مستمر بناءً على الملاحظات والتعليقات المباشرة التي يقدمها الأشخاص.
ومع ذلك، لا تقتصر القيمة الحقيقية لوكلاء الذكاء الاصطناعي التوليدي على تنفيذ المهام الفردية فقط، بل تمتد لتشمل القدرة على تنسيق العمل بين وكلاء متخصصين لإدارة عمليات تطوير البرمجيات بالكامل بكفاءة عالية. هذه الوكلاء تعمل بتناغم لتغطية كافة جوانب العملية، مما يحقق نتائج متكاملة وفعالة. على سبيل المثال، يتولى وكلاء تحليل وتخزين البيانات مجموعة من المهام الحيوية، مثل تحليل البيانات بدقة، ومراجعة الامتثال للسياسات التنظيمية، وضمان الجودة، وإعداد الوثائق اللازمة التي تُسهم في تنظيم العمل وتوثيقه بشكل احترافي. في الوقت ذاته، يعمل هؤلاء الوكلاء جنبًا إلى جنب مع وكلاء تصميم عناصر الأمان، الذين يركزون على تحليل التهديدات الأمنية، وتطوير سياسات أمان المعلومات، وتصميم حلول أمان متقدمة، وضمان جودة العمليات الأمنية. فمن خلال دمج هذه الوكلاء المتخصصة، يصبح تطوير البرمجيات عملية شاملة تتم إدارتها بسلاسة، حيث يتم ضمان أمان الأنظمة، تحسين فعاليتها، والارتقاء بجودة النتائج النهائية.
لضمان تحقيق وكلاء الذكاء الاصطناعي التوليدي لنتائج دقيقة وفعالة، من الضروري تطبيق مجموعة من الضوابط والآليات التي تضمن جودة الأداء والتزامه بالمعايير المطلوبة. أحد هذه الضوابط هي تصميم آليات بنّاءة تتيح للوكلاء مراجعة أداء بعضهم البعض بشكل مستمر. ويمكن أيضًا برمجة وكلاء الذكاء الاصطناعي لتعلم كيفية حل المشكلات بشكل ذاتي، مع إمكانية تصعيد الحالات التي تعجز عن حلها إلى مدير بشري. بل إن بعض الوكلاء يمكنهم التواصل مباشرة مع المدير من خلال طرح أسئلة واضحة للحصول على الإرشادات اللازمة. ولتحقيق إدارة فعالة، يُفضل تخصيص معرفات (IDs) لكل وكيل ذكاء اصطناعي، مما يُسهل على المديرين تتبع مصدر أي مشكلة ومعالجتها بسرعة ودقة. وبالمثل، يمكن للمؤسسات تطوير وكلاء متخصصين لإجراء اختبارات تلقائية على مخرجات الوكلاء الآخرين، مع تصحيح أي أخطاء قد تظهر، بما في ذلك المسائل المتعلقة بالأخلاقيات والتحيزات المحتملة.
رغم التقدم الكبير في قدرات وكلاء الذكاء الاصطناعي التوليدي، سيظل دور البشر عنصرًا أساسيًا في توجيه هذه الوكلاء وإدارتها بكفاءة لتحقيق الأهداف المطلوبة. سيتطلب ذلك مشاركة خبراء متخصصين، مثل مديري المنتجات، والمهندسين، والمعماريين التقنيين، الذين تقع على عاتقهم مسؤولية فهم الأهداف الأساسية للأنظمة القديمة وتحديد العمليات الأكثر أهمية للأعمال، وكذا تطوير الأهداف المستقبلية وتحديد حالات التشغيل المستهدفة.
أثبت نهج وكلاء الذكاء الاصطناعي التوليدي المُنظم فعاليته بشكل واضح في إحدى شركات البنوك الكُبرى، التي كانت تواجه تحديات مستمرة في تحديث أنظمتها القديمة لسنوات دون نجاح. وعندما تبنت هذه الشركة مجموعة كبيرة من وكلاء الذكاء الاصطناعي، تمكنت أخيرًا من ترحيل وتحسين عدد من مكونات النظام الأساسي القديم ضمن عملية تحديث شاملة باستخدام تقنيات حديثة مثل ( Java و Angular UI وPostgreSQL ). كانت الشركة تخطط لتحديث 20,000 سطر من الأكواد، وقدرت أن العملية ستستغرق بين 700 و800 ساعة لإتمامها. لكن بفضل النهج المنسق لوكلاء الذكاء الاصطناعي، انخفض الوقت المطلوب بنسبة 40%. على سبيل المثال، كانت مرحلة رسم العلاقات بين مكونات النظام والتي تُعرف تقنيًا باسم (Relationship Mapping) تستغرق عادةً من 30 إلى 40 ساعة، لكنها اختُصرت لتستغرق حوالي خمس ساعات فقط باستخدام الذكاء الاصطناعي.
في حالة أخرى، قامت إحدى أكبر 15 شركة من شركات التأمين العالمية بتطبيق نهج الذكاء الاصطناعي التوليدي لتحديث التطبيقات والخدمات القديمة. بدأت العملية بالخطوة الأولى وهي تحليل الأكواد البرمجية باستخدام تقنيات الهندسة العكسية، وذلك لفهم المواصفات التقنية بشكل أعمق وتحديد احتياجات التحديث بدقة. بعد ذلك، تم استخدام وكلاء الذكاء الاصطناعي لتوليد أكواد جديدة وأتمتة عمليات اكتشاف وتحويل البيانات. هذا النهج لم يُسرّع فقط من عملية التحديث، بل حقق تحسينات كبيرة في كفاءة التحديث والاختبار بنسبة تجاوزت 50%. كما أدى إلى تسريع مهام البرمجة بنسبة تزيد عن 50%، مما وفر وقتًا وجهدًا كبيرين للفريق التقني.
التركيز على تحقيق قيمة أكبر وانتشار أوسع
أثار الذكاء الاصطناعي التوليدي حماسة كبيرة في أوساط الشركات، مما دفعها إلى تخصيص وقت كبير لتقييم الأدوات واختيار الأنسب منها. ورغم أهمية هذه الخطوة، إلا أنها لا تقارن بالتحدي الأكبر والفرصة الحقيقية التي تكمن في توسيع نطاق استخدام الذكاء الاصطناعي. كما قال أحد كبار مسؤولي المعلومات مؤخرًا: "لا أبحث عن أداة لحل مشكلة واحدة، بل أحتاج إلى قدرات شاملة لحل مئات المشكلات." وهذه الرؤية تعكس حاجة الشركات إلى تجاوز الحلول المحدودة والتركيز على بناء نظام متكامل يُمكنها من استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي بفعالية لمعالجة التحديات المتعددة وتعزيز كفاءتها.
يتطلب نجاح الشركات في توظيف الذكاء الاصطناعي التوليدي توجيه القيادة التقنية نحو تطوير نظام مركزي ومستقل يتمتع بقدرات متقدمة لإنشاء عمليات شاملة ومعقدة تعتمد على وكلاء متعددين. وتتألف هذه القدرة من عنصرين أساسيين يشكلان حجر الأساس لنجاح هذا النهج:
- المصنع. يشير مفهوم "المصنع" إلى فريق متخصص من الخبراء يعمل على تطوير وإدارة مجموعة من وكلاء الذكاء الاصطناعي التوليدي لتنفيذ عملية شاملة من البداية إلى النهاية. والهدف الأساسي من هذا المصنع هو توحيد وتبسيط العمليات المختلفة المتعلقة بتطوير ونشر وإدارة وكلاء الذكاء الاصطناعي، مما يضمن تحقيق الكفاءة والفعالية في كل مرحلة. يعمل المصنع على إنشاء مجموعة موحدة من الأدوات والمنهجيات التي تُسهم في تسهيل إدارة الوكلاء وتحسين أدائهم. تشمل هذه الأدوات مراقبة الأداء، تتبع العمليات، وإدارة الوثائق، وإتاحة الوصول إلى النماذج اللغوية الكبيرة . في المراحل الأولى من بناء قدرات الذكاء الاصطناعي التوليدي، يُوصى بأن تقوم المؤسسات بإنشاء ما بين خمسة إلى عشرة مصانع وكلاء، مما يتيح لها تطوير بنيتها التحتية التقنية بشكل متدرج وفعال.
- المنصة. تمثل منصة الذكاء الاصطناعي التوليدي مجموعة موحدة من الخدمات والقدرات القابلة لإعادة الاستخدام، والتي يمكن للمصانع الوصول إليها لتعزيز كفاءتها وتحسين عملياتها. يجب أن تحتوي المنصة على واجهة مستخدم سهلة الاستخدام، وواجهات برمجة تطبيقات (APIs) تتيح الربط بين خدمات الذكاء الاصطناعي التوليدي والخدمات المؤسسية، (مثل Jiraأو ServiceNow) بالإضافة إلى ذلك، ينبغي أن تتضمن المنصة مجموعة من الخدمات الداعمة، (مثل خدمة استيراد البيانات أو خدمة تنسيق وكلاء الذكاء الاصطناعي)، فضلاً عن مكتبة متكاملة من الوكلاء القادرين على تنفيذ مهام محددة عند الحاجة. ولضمان فعالية هذه المنصة، يُفضل أن تبدأ الشركات بإنشاء مصنع أو مصنعين لتطوير وكلاء الذكاء الاصطناعي بهدف تحديد الخدمات والقدرات المشتركة التي يحتاجها المصنعون. بناءً على ذلك، يتم توحيد هذه العناصر وتقديمها من خلال المنصة. ويتطلب نجاح هذه المنصة وجود فريق متخصص من الخبراء يتولى الإشراف على تطويرها وإدارتها، مع مراقبة دقيقة لاستخدامها بناءً على مؤشرات أداء رئيسية (KPIs) مثل معدل استخدام الخدمات أو الميزات المتوفرة.
الخطوات التالية
يجب أن تاخذ الشركات التي تسعى لتطبيق نموذج التنسيق متعدد الوكلاء في الاعتبار أربع خطوات رئيسية:
- مراجعة أي مقترح تكنولوجي يتطلب جدولاً زمنياً طويلاً أو فريقاً كبيراً لتنفيذه. في الماضي، اعتمدت العديد من المشاريع التقنية واسعة النطاق على فرق ضخمة عملت لسنوات لتحقيق النتائج المرجوة. لكن مع تطور تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي، بات من الضروري التعامل مع هذا النهج التقليدي بشيء من الشك والتحليل الدقيق. يجب أن تشمل هذه المراجعة جميع المبادرات والمقترحات القائمة لتحديد كيفية استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي لتقليل التكاليف وتسريع الإنجاز. فعند مراجعة البرامج أو المقترحات التي تدعي استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي، يجب التدقيق بعناية. قد تكون القدرات المقترحة محدودة أو ذات دور ثانوي، مما يجعل تأثيرها ضعيفاً ولا يضيف قيمة تُذكر للمشروع.
- تسليط تركيز الذكاء الاصطناعي التوليدي على أكثر المشكلات تحديًا. فبدلاً من التركيز على المبادرات الصغيرة التي تحقق نتائج محدودة، يجب أن تستغل الشركات إمكانيات الذكاء الاصطناعي التوليدي لإعادة تعريف معادلة التكلفة والفائدة في تحديث الأنظمة وتقليل عبء التكنولوجيا. لتحقيق ذلك، ينبغي تحديد المشكلات التقنية الكُبرى والمعقدة التي تُكلف مئات الملايين من الدولارات، وتتطلب جداول زمنية طويلة، وتساهم بشكل كبير في تراكم عبء التكنولوجيا. هذه المشكلات يجب أن تكون محور تطوير حلول الذكاء الاصطناعي التوليدي. ويتضمن هذا النهج أيضًا مراجعة خطط التحديث التقني السابقة التي تم تأجيلها بسبب تكلفتها العالية أو استغراقها وقتًا طويلاً.
- ربط خطة العمل بالقيمة ومتابعتها بدقة لتحقيق الأهداف. على الرغم من أن العديد من الشركات تعتمد على خطط عمل عند تنفيذ جهود تحديث الأنظمة، فإن هذه الخطط غالبًا ما تكون سطحية أو محدودة النطاق، (على سبيل المثال التركيز على الجانب التقني فقط دون الاهتمام بالنموذج التشغيلي الشامل). ولتحقيق النجاح المطلوب، يجب أن تكون خطة العمل مبنية بشكل واضح ومفصل، مع وضع القيمة المضافة في صميم العملية وتحديد كيفية تحقيقها بمرور الوقت. يجب أن تتضمن الخطة رؤية متكاملة تعكس الفوائد المحتملة وتوضح القيمة المستهدفة بدقة. كما يجب أن تأخذ في الاعتبار (التكاليف المستمرة، مثل تكاليف تشغيل البنية التحتية الحالية والمستقبلية، والتكاليف المؤقتة مثل تحديث الأكواد البرمجية). بالإضافة إلى ذلك، ينبغي أن تحدد الخطة جميع الأنشطة والعمليات الضرورية لتحقيق هذه القيمة، مع وضع جدول زمني يشمل نقاط التحول الرئيسية، بما في ذلك نقطة التعادل التي تبدأ عندها العوائد بتجاوز التكاليف. ولكن الأهم من وضع الخطة هو مراجعتها باستمرار لضمان أن التقدم الفعلي يتماشى مع الأهداف والقيمة المستهدفة. بدون هذا النهج المنظم، يمكن أن تفقد الخطة تركيزها تدريجيًا، وتتحول الجهود إلى مجرد إنجاز تقني بدلاً من تحقيق القيمة المضافة الفعلية.
- الاستعداد للتغيرات في المواهب والتكنولوجيا ونموذج التشغيل. مع توسع نطاق تطبيق نهج الوكلاء المتعددين، يصبح من الضروري أن تستعد الشركات للتعامل مع التبعات التجارية لهذا التحول. يشمل ذلك إعادة النظر في استراتيجيات استقطاب وتطوير المواهب، بما في ذلك تصميم برامج إعادة التأهيل المهني لتجهيز الموظفين بالمهارات المطلوبة لمواكبة التحولات التكنولوجية. إلى جانب ذلك، تحتاج الشركات إلى تعديل نموذج التشغيل الخاص بها ليتماشى مع متطلبات الأتمتة المتقدمة، مما يتطلب إعادة هيكلة العمليات والعمليات المالية. هذه التعديلات تشمل تحديد تأثيرات التحول على النفقات التشغيلية والرأسمالية ووضع استراتيجيات مبتكرة لضمان التوازن المالي وتعظيم العوائد. هذه التحديات تتطلب اهتمامًا مباشرًا من الرؤساء التنفيذيين ومجالس الإدارة، إذ إنها مسائل استراتيجية تتطلب التخطيط بعناية ودقة.
لا تزال الشركات في مراحلها الأولى عندما يتعلق الأمر باستخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي بفعالية لتحديث التكنولوجيا القديمة وتقليل عبء التكنولوجيا المتراكم. رغم الإمكانات الهائلة لهذه التقنية، فإن تحقيق التأثير الحقيقي يتطلب التركيز على كيفية تنسيق وكلاء الذكاء الاصطناعي لمعالجة الفرص التقنية التي ترتبط بشكل مباشر بأهداف الأعمال. والطريقة الوحيدة التي يمكن للشركات من خلالها تقليل عبء التقنية وتحويل بنيتها التكنولوجية إلى منصة تدعم الابتكار وتولد القيمة هي بتوجيه الجهود نحو استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي بطريقة استراتيجية. هذا النهج لا يُحدث فقط تحسينات تقنية، بل يفتح آفاقًا جديدة للنمو والابتكار المستدام.