دور الذكاء الاصطناعي في تطوير الاستراتيجية

| تدوينة صوتية

ملاحظة: إننا نبذل قصارى جهدنا للحفاظ على جميع التفاصيل الدقيقة عند ترجمة المقالة الإنجليزية الأصلية، ونعتذر عن أي جزئية مفقودة في الترجمة قد تلاحظونها من حين لآخر. نرحب بتعليقاتكم على البريد الإلكتروني التالي reader_input@mckinsey.com

هل يمكن للآلات أتمتة عمليات تطوير الاستراتيجية؟ الإجابة باختصار "لا"؛ غير أنه يمكن للذكاء الاصطناعي وأدوات التحليل المتقدمة توفير فائدة كبيرة للخبراء الاستراتيجيين في العديد من الجوانب. "يوفال أتسمون" هو شريك رئيسي ومدير مركز ماكنزي للابتكار الاستراتيجي الجديد، والذي يستكشف كيف تساهم التقنيات الجديدة في تعزيز مبادئ الاستراتيجية. وفي هذه الحلقة من بودكاست من غرفة الاستراتيجية، يتحدث "أتسمون" عن دور الذكاء الاصطناعي في إحداث نقلة نوعية في تطوير الاستراتيجيات، والآفاق المتوقعة في هذا السياق. نقدم فيما يلي نسخة كتابية منقحة. لمزيد من المحادثات حول أبرز المواضيع في مجال الاستراتيجية، يمكنكم متابعة جميع الحلقات على منصة البودكاست المفضلة لديكم.

المزيد من الرؤى والتقارير من ماكنزي باللغة العربية

شاهد مجموعة المقالات الخاصة بنا باللغة العربية، واشترك في النشرة الإخبارية العربية الشهرية

تصفح المجموعة

"جوانا باتشنر": ماذا يعني الذكاء الاصطناعي في مجال تطوير الاستراتيجية؟

"يوفال أتسمون": يشمل موضوع الذكاء الاصطناعي عادةً التحليلات والأتمتة وتحليل البيانات. وأشار "مارفن مينسكي"، رائد أبحاث الذكاء الاصطناعي في ستينيات القرن الماضي، إلى أن الذكاء الاصطناعي مصطلح مفتوح يستوعب مختلف الحقائق، وما يزال هذا الوصف صحيحًا حتى اليوم. وتمثّل هذه الصفة أمرًا جيدًا بالنسبة لنا، لأننا نعتقد أنه يتعين على الشركات استخدام جميع إمكانات التحليل التقليدية بالتوازي مع تعزيز جهود الأتمتة في تطوير الاستراتيجية، بما يساهم في تمكين المدراء والمحللين من إنجاز مهام أخرى، وتوفير أدوات تدعم التفكير البشري.

"جوانا باتشنر": يُستخدم الذكاء الاصطناعي في العديد من المهام في قطاع الأعمال، لكن يبدو أن تطوير الاستراتيجية ما يزال بعيدًا عن ذلك، فما هو رأيك؟

"يوفال أتسمون": بالفعل، ما يزال اعتماد الذكاء الاصطناعي في تطوير الاستراتيجية محدودًا. وأشار 7% فقط من المشاركين في استبياننا حول استخدام الذكاء الاصطناعي إلى أنهم يستخدمون الذكاء الاصطناعي في تطوير الاستراتيجية أو حتى في التخطيط المالي، بينما تراوحت هذه النسبة بين 25% و30% في مجالات التسويق وسلسلة التوريد والخدمات. ويمكن تفسير هذه النسبة بأن تطوير الاستراتيجية هو أحد الممارسات المعرفية الأكثر تكاملًا. وعندما يفكر المسؤولون التنفيذيون في آفاق أتمتة تطوير الاستراتيجية، يتطلع الكثير منهم لاستخدام إمكانات الذكاء الاصطناعي في اختيار الاستراتيجية المناسبة بدلًا من القادة. ويفوّت هؤلاء القادة بذلك فرصة الاستفادة من الذكاء الاصطناعي لبناء أجزاء الاستراتيجية التي بوسعها تحسين النتائج بشكل ملحوظ.

ويمكنني هنا الاستعانة بمثال المساعد الافتراضي، حيث يستخدم كثيرون أليكسا وسيري، ولكن قلة فقط يعتمدون عليها في أمور تتعدى كتابة رسالة نصية أو إطفاء الأضواء. ويعود السبب في ذلك لأننا ما زلنا غير واثقين بقدرة التكنولوجيا على فهم سياق الكلام في التطبيقات المتطورة. وينطبق هذا الواقع أيضًا على استخدام الذكاء الاصطناعي في تطوير الاستراتيجية، حيث يصعب على تطبيقاته مضاهاة معارف المسؤول التنفيذي، ولكنها قادرة على مساعدته في مهام محددة.

"عندما يفكر المسؤولون التنفيذيون في آفاق أتمتة تطوير الاستراتيجية، يتطلع الكثير منهم لاستخدام إمكانات الذكاء الاصطناعي في اختيار الاستراتيجية المناسبة بدلًا من القادة. ويفوّت هؤلاء القادة بذلك فرصة الاستفادة من الذكاء الاصطناعي لبناء أجزاء الاستراتيجية."

"جوانا باتشنر": ما هي المهام التي يمكن للخبراء الاستراتيجيين الاعتماد فيها على مساعدة الذكاء الاصطناعي اليوم؟

"يوفال أتسمون": تطور الذكاء الاصطناعي وفق ست مستويات، كان أولها التحليلات البسيطة، التي يُشار إليها بالذكاء الوصفي. وتستخدم الشركات لوحات التحكم هذه في التحليل التنافسي أو تقييم الأداء في مختلف مراحل العمل، مع تحديث هذه المعطيات بشكل آلي. وتتمتع بعض لوحات التحكم بقدرات تفاعلية لتحسين النتائج وتقييمها.

ويتمثل المستوى الثاني في الذكاء التشخيصي، أي القدرة على مراجعة تاريخ أداء الشركة وفهم العوامل الرئيسية ومحفزات الأداء. أما المستوى الثالث فهو الذكاء التنبؤي: أي القدرة على توقع خيارات أو سيناريوهات محددة وتحديد القيمة المستقبلية بناءً على تجارب سابقة ومؤشرات مستمدة من السوق. وأصبح بإمكان الذكاء الاصطناعي المساهمة بقوة في تطوير مجالات التشخيص والتنبؤ. ويمكن لأدوات الذكاء الاصطناعي دعم تحليلات المسؤولين التنفيذيين لتتحول إلى مجالات تتيح تطوير الإمكانات. مثلًا، يتيح الذكاء التشخيصي للشركات تنسيق محفظتها وفق فئات للإلمام بشكل كامل بعوامل تعزيز الأداء، مع القيام بذلك بوتيرة متواصلة تتخطى قدرة المحللين. ويمكن تجربة 20 طريقة مختلفة خلال ساعة واحدة بدلًا من توظيف 100 محلل لمعالجة المشكلة.

ويعد الذكاء التنبؤي أكثر صعوبة وخطورة، إذ يجب على المسؤولين التنفيذيين عدم الاعتماد عليه بشكل كامل، إنما اعتباره مجرد وجهة نظر شاملة أخرى. ويترتب على القرارات الاستراتيجية تبعات كبيرة، لذا يجب مراعاة استخدام الذكاء الاصطناعي مع فهم أسباب تقديم التوقعات المحددة، وربط الاستنتاجات التي يوفرها بالمعلومات التي يعتمد عليها. ويمكن بعدها تقييم مدى موثوقية هذا التنبؤ. كما يتيح الذكاء الاصطناعي إمكانية تتبع تطور الافتراضات التي تقوم عليها التوقعات.

تمثل التطبيقات الثلاثة السابقة المستويات المتاحة اليوم، ومن المتوقع أن يستغرق تطوير التطبيقات الثلاثة التالية بعض الوقت. وتوجد الآن مجموعة من التطبيقات الأولية التي تقدّم استشارات قائمة على الذكاء الاصطناعي للمسؤولين التنفيذيين، والقادرة على توفير قيمة إيجابية بناءً على التحليلات. ومن هنا يمكن تكليف الذكاء الاصطناعي باتخاذ قرارات محددة وفق ضوابط وإشراف بشري. وفي نهاية المطاف سنصل إلى مرحلة يتولى فيها الذكاء الاصطناعي المؤتمت بالكامل مسؤولية التحليل واتخاذ القرار دون تدخل بشري.

"يترتب على القرارات الإستراتيجية تبعات كبيرة، لذا يجب مراعاة استخدام الذكاء الاصطناعي مع فهم أسباب تقديم التوقعات المحددة، وربط الاستنتاجات التي يوفرها بالمعلومات التي يعتمد عليها".

"جوانا باتشنر": ما هي الشركات والقطاعات التي يمكنها تحقيق الاستفادة القصوى من اعتماد الذكاء الاصطناعي في مستوى تطوره الحالي؟

"يوفال أتسمون": يمكن أن تحظى جميع الشركات بفرصة تعزيز استخدامها لإمكانات الذكاء الاصطناعي. ويتعين بدايةً دراسة مدى توفر بيانات الأداء وإمكانية تنظيمها بطريقة منهجية. وستكون فرصة الاستفادة الأكبر من الذكاء الاصطناعي من نصيب الشركات التي تملك بيانات معمقة وشاملة حول محافظها وخطوط الأعمال فيها، وصولًا إلى وحدات التخزين والمخزون والمواد الخام، والتي ستستفيد من القدرات الآلية للحصول على تحليلات دقيقة تتخطى القدرات البشرية.

بينما ستكون الاستفادة الأقل من الذكاء الاصطناعي من نصيب الشركات التي تعتمد في استراتيجياتها على بعض القرارات الهامة والبيانات المحدودة. كما تبرز فوائد الذكاء الاصطناعي بشكل أكبر لدى الشركات التي تملك محافظ ممنهجة ومخططة بالمقارنة مع الشركات التي تواجه التقلبات والضعف أمام الأحداث الخارجية. ويمكن استخدام الذكاء الاصطناعي لتوقع هذه الأحداث بشكل أفضل وتحديد الجوانب التي يمكن التحكم بها.

كما تحدد سرعة اتخاذ القرارات مدى الاستفادة من قدرات الذكاء الاصطناعي. وتعمل غالبية الشركات على تطوير استراتيجياتها كل ثلاث إلى خمس سنوات، ثم بشكل سنوي. ويقتصر دور الذكاء الاصطناعي في هذه الحالة على المساهمة في تسريع توفير التحليلات التي تُستخدم لإعداد الاستراتيجية. وبالمقابل، تقوم بعض الشركات بإعادة النظر في القرارات المهمة نتيجة تغير الفرضيات التي اعتمدت عليها، الأمر الذي يؤثر على العائد الاستثماري المتوقع للمبادرات المختلفة. وتنعكس هذه التحولات على كيفية توظيف قدرات المواهب والمسؤولين التنفيذيين، وكيفية الإنفاق وتركيز جهود المبيعات، ويمكن أن يقدم الذكاء الاصطناعي إسهامات كبيرة في هذا الشأن. كما يمكن تحقيق قيمة أكبر من الذكاء الاصطناعي عند اتخاذ القرارات خلال فترة قصيرة من تخصيص الموارد، حيث يمكن لهذه التقنيات التنبيه إلى تغير الافتراضات التي تعتمد عليها الخطط.

"جوانا باتشنر": هل يمكنكِ تقديم أمثلة عن شركات تستخدم الذكاء الاصطناعي لمعالجة تحدياتٍ استراتيجية معينة؟

"يوفال أتسمون": تستخدم الشركات المتخصصة بالذكاء الاصطناعي والشركات التكنولوجية الجديدة إمكانات الذكاء الاصطناعي بطريقة أكثر ابتكارًا من نظيراتها. وحقق عدد من هذه الشركات مزايا ضخمة من إمكانات الذكاء الاصطناعي دفَعتها لتوسيع نطاق استخدامه في باقي أقسامها. وتقوم إحدى الشركات العاملة في قطاع التنقل بتعديل خططها المالية بناءً على أنماط التسعير التي تلحظها في السوق. وتتمتع أعمال الشركة بمرونة عالية نسبيًا تجاه الطلب، ومرونة أقل تجاه العرض، لذا تستخدم الذكاء الاصطناعي لتبقى مطلعة على توجهات التسعير السلبية أو ارتفاع الطلب. ويتيح ذلك للشركة الاستجابة سريعًا وتوفير مزيد من الإمكانات، نظرًا لأن ربحيتها تتأثر بشكل كبير بالتوازن بين العرض والطلب.

"جوانا باتشنر": نظرًا لسرعة تغير العالم من حولنا في الوقت الراهن، هل يمكننا اعتبار الذكاء الاصطناعي أداة تكتيكية توفر بيانات فورية حول كل من عناصر الاستراتيجية، أكثر من كونه أداةً استراتيجية بحدّ ذاتها؟

"يوفال أتسمون": أعجبني تمييزك بين الجانب التكتيكي والاستراتيجي. ولا شك أن كل قرار يتفرع عنه قرارات أصغر، ويمكن الاستفادة من الذكاء الاصطناعي اليوم في بناء أركان الاستراتيجية بتكاليف معقولة. قد ينظر البعض إلى الذكاء الاصطناعي على أنه أداة تكتيكية، ولكنه قادر على إحداث نقلات نوعية وفوارق كبيرة. وعلى سبيل المثال، بدأت إحدى شركات الاستثمار الرائدة عالميًا باستخدام الذكاء الاصطناعي لدراسة أنماط محددة عوضًا عن تحليل شركات فردية بشكلٍ مباشر. فمثلًا يبحث الذكاء الاصطناعي في أنماط استخدام المستهلكين للهواتف المحمولة التي تعكس إقبالًا سريعًا على التكنولوجيا الخاصة بإحدى الشركات، وهو ما يمنح شركة الاستثمار فرصة الوصول قبل غيرها للاستثمار في تلك الشركة. وساهمت هذه الميزة في إعطاء الشركة أسبقية استراتيجية كبيرة، على الرغم من أن الأداة نفسها تحمل صفة تكتيكية نسبيًا.

"جوانا باتشنر": نشرت ماكنزي العديد من الأبحاث حول الانحيازات المعرفية و المتغيرات الاجتماعية التي تتسبب في عرقلة مسار عملية صنع القرار. فهل يساعد الذكاء الاصطناعي على معالجة هذه التحديات؟

"يوفال أتسمون": عند الحديث حول اعتماد الذكاء الاصطناعي في تطوير الاستراتيجية، غالبًا ما تكون ردة فعل المسؤولين التنفيذيين الأولى هي أن "هذه القرارات حساسة للغاية وقد يخطئ الذكاء الاصطناعي في اتخاذها". ولكنّ المفارقة هي أن الإنسان أيضًا يخطئ كثيرًا في اتخاذ تلك القرارات. وأثبت "عاموس تفيرسكي" و"دانيال كانمان" وغيرهم من الباحثين أن بعض تلك الأخطاء منهجية لدى صانع القرار ويمكن ملاحظتها وتوقعها. ويستطيع الذكاء الاصطناعي في بادئ الأمر تحديد الحالات التي قد تقود إلى نشوء الانحيازات. فلنتصور مثلًا أن الذكاء الاصطناعي يستمع إلى جلسة خاصة بالاستراتيجية يقترح خلالها الرئيس التنفيذي للشركة تطبيق شيءٍ ما ويحصل على موافقة أحد أعضاء الجلسة دون نقاش أو حوار. حينها سيخبر الذكاء الاصطناعي جميع من في غرفة الاجتماع أن "هذه الحالة هي تحيّز أعمى لقرار الرئيس التنفيذي"، ما قد يثمر عن نقاشات إضافية ويذكّر قائد الشركة أنه ليس من صالحه تشجيع الموظفين على دعم قراراته الخاطئة.

نشهد أحيانًا حالات من الانحياز التأكيدي، حيث يصمم الأفراد تحليلاتهم بهدف إثبات صحة قراراتهم عوضًا عن اعتماد منهجية واقعية قائمة على الأدلة. لذا من المفيد استخدام الذكاء الاصطناعي لإجراء تحليل واقعي وغير منحاز لتفضيلات قائد الشركة، ومن ثم يمكن للفريق الإحاطة بأسباب اختلاف نتائج تحليل الذكاء الاصطناعي عن فرضية الإدارة، الأمر الذي يفتح الباب لحوارٍ غني أكثر.

وفيما يخص المتغيرات الاجتماعية، قد تقود مشاكل الوكالة إلى تضارب المصالح، لا سيما أن جميع قادة أقسام الشركة يرون أنهم يستحقون الحصول على الحجم الأكبر من الموارد وأنهم سيوفرون القيمة الأعلى، أو على الأقل يشعرون بضرورة الوقوف في صالح قسمهم. وهنا يوفر الذكاء الاصطناعي وسيلة حيادية قائمة على بيانات منهجية لمعالجة تلك الخلافات، ويمثّل أداةً مفيدة لصناع القرار لأنهم يتخذون قرارات في نهاية العام تختلف عن بدايته بسبب الضغوط قصيرة الأمد وضرورة إجراء الحسابات الربعية والسنوية. وبالتالي، يمكن الاستعانة بالذكاء الاصطناعي للتذكير بالقرارات التي كنا نريد اتخاذها قبل عدة أشهر. ويبقى الرئيس التنفيذي المسؤول الأول عن اتخاذ القرارات، فيما يقدم الذكاء الاصطناعي المساعدة الإضافية اللازمة.

"جوانا باتشنر": يبدو الأمر وكأن الذكاء الاصطناعي مجرد مساعد متجرّد يتسم بالنزاهة والقدرة على التحليل.

"يوفال أتسمون": إنه تشبيه قريب للغاية.

"جوانا باتشنر": هل تفضل استخدام الذكاء الاصطناعي لتطوير الاستراتيجية في مجال محدد؟

"يوفال أتسمون": عملتُ بصورة مكثفة في مجال تخصيص الموارد، ومن أهم التحديات التي لمستها تفاؤل المسؤولين التنفيذيين المبالغ فيه حول المستقبل، وهو ما نسميه ظاهرة "عصا الهوكي"، أي النمو الكبير والسريع بعد فترة من الركود. ويدرك هؤلاء القادة أن تخصيص الموارد مرهون بهذا التفاؤل، وليس بأدائهم السابق. وهنا يقدم الذكاء الاصطناعي إمكانية توقع الأداء بصورة موضوعية انطلاقًا من السيناريو الأساسي: استنادًا إلى الأحداث السابقة وبعض المؤشرات المستقبلية، ما هي توقعات الأداء في حال عدم اتخاذ أي إجراء أو تغيير الشروط الحالية؟ ويتعين معرفة هذه التوقعات قبل توظيف أشخاص جدد أو تطوير منتج ما أو تحسين عملية التسويق، وهي أمور يظن جميع القادة أنها تساعدهم على تحقيق نتائج أفضل من السابق. ويستطيع الذكاء الاصطناعي دراسة السيناريو الأساسي بطريقة آلية محايدة، وبالتالي تغيير مفهوم عملية دراسة تخصيص الموارد. ويُعد هذا النوع من الذكاء الاصطناعي أحد أنماط الذكاء التنبؤي المتوفرة اليوم؛ ولكنه ليس أداةً حاسمة وقطعية بالضرورة، إنما يوفر قاعدة لاتخاذ قرارات أكثر اتزانًا وحكمة.

"جوانا باتشنر": هل تعتبر أن الوصول إلى مواهب التكنولوجيا هو أحد عوائق اعتماد الذكاء الاصطناعي في تطوير الاستراتيجية، وخصوصًا ضمن الشركات الكبرى؟

"يوفال أتسمون": يجب أن نميز هنا بين الحالات المختلفة. فبالتأكيد يصعب الوصول إلى المواهب في مجالات تعلم الآلة وعلم البيانات ومهندسي البرمجيات المسؤولين عن تطوير الأدوات الرقمية. ولكن يمكن للشركات زيادة اعتمادها على المنصات التي توفر وصولًا إلى أدوات الذكاء الاصطناعي وتحتاج متطلبات أقل من هذه الشركات. كما أن هذا المجال جذاب للمواهب الشابة مما يجعل استقطابها مهمة أسهل.

ويكمن التحدي الأكبر في إيجاد خبراء استراتيجيين أو أشخاص يتمتعون بخبرة في مجال الأعمال لدعم هذه الجهود، لأنه من المستحيل معالجة مشاكل الاستراتيجية بالاعتماد على الذكاء الاصطناعي وحده دون مشاركة أشخاص لديهم خبرة واسعة بتجربة العملاء وأهداف الشركة. كما لا يجد الأخصائيون، مثل كبار المسؤولين التنفيذيين، الوقت لتأدية دور مدراء الإنتاج لفريق الذكاء الاصطناعي. ويتمثل أحد أكبر التحديات في دفع الموظفين للمشاركة في مبادرات الذكاء الاصطناعي التي قد تقلل من أهمية وظائفهم بحد ذاتها. وتتوفر الكثير من الفرص لدمج الذكاء الاصطناعي في الوظائف الحالية، إلا أن ذلك يحتاج إلى دراسة معمقة من الشركات. وقد تكون المنهجية الأفضل في هذا السياق إنشاء مصنع رقمي يتيح لفريق مستقل اختبار تطبيقات الذكاء الاصطناعي وبناءها بإشراف أهم الجهات المعنية.

"يكمن التحدي الأكبر في إيجاد خبراء استراتيجيين أو أشخاص يتمتعون بخبرة في مجال الأعمال لدعم هذه الجهود، ويتمثل أحد أكبر التحديات في دفع الموظفين للمشاركة في مبادرات الذكاء الاصطناعي التي قد تقلل من أهمية وظائفهم بحد ذاتها."

"جوانا باتشنر": هل تعتقد أن القلق بشأن الأمن الوظيفي وقدرة الذكاء الاصطناعي على أتمتة عملية تطوير الاستراتيجية هي وجهات نظر واقعية؟

"يوفال أتسمون": لا يسعني الحكم على احتمالية هيمنة الذكاء الاصطناعي على الوظائف واستبدال العامل البشري، لأنها من القضايا الدقيقة التي أودّ تركها للخبراء الآخرين.

ويتركز السؤال الأهم بهذا السياق حول الأتمتة قصيرة الأمد، لأن الاستراتيجية، نظرًا لتعقيدها، ستكون من أواخر المجالات المتأثرة بهذه الأتمتة. بينما نلاحظ انتشار الأتمتة في العديد من المجالات الأخرى. وأسهم التحول نحو الاعتماد على الآلات منذ أكثر من 200 عام في توفير فرص عمل جديدة تتطلب مهارات مختلفة. ولكنّ هذه الحقيقة لا تزيل المخاوف من أخطاء الآلات أو تفوقها على الإنسان في إنجاز المهام.

"جوانا باتشنر": نشرنا مؤخرًا مقالةً حول الجرأة الاستراتيجية خلال فترات الاضطرابات، والتي تناولت ثلاثة أنواع من الأفضليات التي ينبغي على قادة الشركات تطويرها. وتمثّل الخبرة في التحليلات إحدى هذه الأفضليات. فهل تعتقد أن الذكاء الاصطناعي يلعب دورًا في توفير أفضلية حصرية من ناحية التحليلات؟

"يوفال أتسمون": إن التعقيد الكبير الذي تتسم به بيئات العمل يمثّل أحد أكبر التحديات التي تواجه الخبراء الاستراتيجيين، بما فيها الجوانب المجهولة الكثيرة والكم الهائل من المعلومات. وقد يبدو أن الذكاء الاصطناعي سيرفع مستوى هذا التعقيد، ولكنه في الواقع أداة فعالة في إزالة الغموض السائد. ويكمن السؤال في قدرة الذكاء الاصطناعي على تسهيل حياة الأفراد من خلال توفير تحليلات أسرع وأكثر سهولة.

"جوانا باتشنر": يتركز عملك في مجال وضع الاستراتيجيات منذ سنوات طويلة. فما الذي جذب اهتمامك لاستكشاف هذه العلاقة بين الاستراتيجية والتكنولوجيا الحديثة؟

"يوفال أتسمون": لطالما كنتُ مهتمًا بالأشياء التي تتحدى حدود الممكن. ويشير كاتب الخيال العلمي السير آرثر تشارلز كلارك في قانونه الثاني إلى أن استكشاف حدود الممكن يتطلب الدخول في مجال المستحيل، وهذا أكثر ما يجذبني فيما يتعلق بالذكاء الاصطناعي.

ورغم أن اعتماد الذكاء الاصطناعي في تطوير الاستراتيجية ما يزال في مراحله الأولى، يحظى هذا المجال بأهمية كبيرة للشركات والمجالات التي تختص بها. ويرى قادة الشركات أن القرارات الاستراتيجية هي السبيل الأهم لإحداث تأثير إيجابي في شركاتهم، إضافة إلى بناء فريق يتمتع بمهارات عالية في بعض الحالات، لذا يدهشني الاعتماد المحدود على التكنولوجيا في هذا المجال اليوم. ولا شك أن وجود مسؤولين تنفيذيين قادرين على تطبيق أدوات الذكاء الاصطناعي بالشكل الأمثل سيساهم في تعزيز المزايا التنافسية للشركات. ونشهد هذا التوجه في بعض المجالات، مثل الاستثمار، حيث تختلف العائدات بصورة كبيرة وصادمة بين الشركات. لذا فإن مساعدة الشركات على اللحاق بركب التطور هو من أبرز المزايا الفريدة لعملي في هذا المجال.

Explore a career with us