كسر الحواجز التشغيلية لتحقيق أعلى مستويات الإنتاجية

| استبيان

ملاحظة: إننا نبذل قصارى جهدنا للحفاظ على جميع التفاصيل الدقيقة عند ترجمة المقالة الإنجليزية الأصلية، ونعتذر عن أي جزئية مفقودة في الترجمة قد تلاحظونها من حين لآخر. نرحب بتعليقاتكم على البريد الإلكتروني التالي reader_input@mckinsey.com

المزيد من الرؤى والتقارير من ماكنزي باللغة العربية

شاهد مجموعة المقالات الخاصة بنا باللغة العربية، واشترك في النشرة الإخبارية العربية الشهرية

تصفح المجموعة

بات العالم اليوم في حاجةٍ ماسّة لتحفيز الإنتاجية ورفع معدلات النمو. وهو ما أشار إليه تقريرٌ حديثٌ لمعهد ماكنزي العالمي، والذي أكّد على أن زيادة الإنتاجية هي الحل الأمثل للعديد من التحديات الاقتصادية، منها على سبيل المثال قدرتها على تقليص الفجوة بين الثروات، خفض معدلات التضخم، فضلًا عن كونها وسيلةً فعالة للحد من تصاعد الديون. بالإضافة إلى ذلك، فإن زيادة الإنتاجية توفّر التمويل اللازم للتحوّل نحو نظامٍ اقتصادي نظيف يدعم الوصول إلى أدنى حدٍ ممكنٍ من الانبعاثات الكربونية، بما يُحسّن من مستويات المعيشة ويحقق الاستدامة البيئية والاجتماعية.

ورغم ذلك لا نزال نشهد تراجعًا ملحوظًا في نمو الإنتاجية منذ الأزمة المالية العالمية في الفترة ما بين 2007 -2009، خاصةً لدى الاقتصادات الأكثر تقدمًا (الشكل 1).

1
Breaking operational barriers to peak productivity

إن الأسباب الكلية لتراجع نمو الإنتاجية، وهي الظاهرة التي نلمس آثارها في حياتنا اليومية، يمكن تلخيصها في نقطتين رئيسيتين، الأولى تباطؤ وتيرة التقدم التكنولوجي الذي طالما كان المحرك الرئيسي للنمو الاقتصادي في العقود الماضية. فعلى سبيل المثال، لم تعد مساهمات قانون مور -الذي كان ينص في الماضي على ضرورة مضاعفة عدد الترانزستورات على شريحة المعالج كل عامين، والذي ساهم في تطوير التكنولوجيا وتوسيع نطاق استخداماتها- تتمتع بنفس التأثير في السنوات الأخيرة. أما النقطة الثانية فهي تراجع عوائد الاستثمارات، فلم تعد الاستثمارات الكبرى التي كانت تُضخ لإعادة هيكلة الشركات ونقل عمليات التصنيع إلى الخارج لتقليل التكلفة تحقق العوائد المرجُوّة.

تُشير أبحاثنا الأخيرة (يرجى الاطلاع على "منهجيتنا") إلى مجموعةٍ من العوامل الحاسمة والمؤثرة في انخفاض معدل الإنتاجية، والتي قد يصعُب ملاحظتها إلا من خلال فحصٍ دقيق للعمليات اليومية في أماكن العمل، كالمصانع ومراكز الاتصال. من بين هذه العوامل، فقدان الانضباط التشغيلي الذي حدث نتيجةً للأزمات المتكررة في السنوات الخمس الماضية، بما في ذلك جائحة كوفيد-19، مما أدى إلى زيادة معدلات التنقل بين الوظائف وعدم استقرار القوى العاملة. إضافةً إلى ذلك، كان لتجاهل الممارسات التي تم تطويرها وتحسينها على مدى عقود تأثيرٌ سلبي، إذ تم التخلي عنها في أوقات الأزمات، مما أثّر على الأداء العام للمؤسسات. كما ساهم رحيل الكوادر الوظيفية وأصحاب الخبرات في تفاقم الأزمة وتفكُك سلاسل المعرفة (الشكل 2).

2
Breaking operational barriers to peak productivity

تَظهر هذه التحديات بوضوح مع انطلاقة الثورة الصناعية الرابعة وظهور تقنياتٍ حديثة مثل الأتمتة، والتحليلات، والذكاء الاصطناعي التوليدي، وغيرها من الابتكارات التي تحمل آمالًا كبيرة في رفع مستويات الإنتاجية.

ومع ذلك، تظهر مخاطرٌ عدّة عند تطبيق هذه التقنيات في المؤسسات، مما يجعل من الصعب الحفاظ على أثرها الإيجابي، ويعيق تحقيق التميُّز التشغيلي المستدام الذي يتطلب التزامًا بكافة العناصر. ولعل معظم القادة يُدركون أهمية التميُّز التشغيلي ومبادئه الخمسة التي تُمكّن المؤسسات من الوصول إلى مستويات الأداء المُثلى (للمزيد، يرجى الاطلاع على العمود الجانبي "ما هو التميُّز التشغيلي؟"). غير أن تحقيق هذه المبادئ يظل تحديًا كبيرًا، فقد كشفت الأبحاث الأخيرة عن العديد من الصعوبات التي تواجه المؤسسات في هذا المسار.

لكن الخبر الجيد هو أن البيانات تُشير إلى تحسُّنٍ واضح في أداء الشركات التي تعتمد هذه الإجراءات خلال فترةٍ زمنية قصيرة؛ فقد ارتفع رضا العملاء بنسبة 10 في المائة، وانخفضت الانبعاثات الكربونية بنسبة 20 في المائة، وازدادت معدلات الاحتفاظ بالموظفين بنسبة 25 في المائة مما ساهم في استقرار بيئة العمل وتعزيز كفاءة الأداء. ولم تُقتصر هذه التحسينات فقط على النتائج قصيرة الأجل، بل أظهرت الشركات التي تلتزم بهذه الخطوات قدرتها على مواصلة التطور المستمر عامًا بعد عام، مما يمنحها مكاسب إنتاجية طويلة الأمد ويدعمها في مواجهة التحديات المستقبلية بثبات.

هذه الفرص متاحة لأي مؤسسة تسعى لمراجعة ممارساتها الحالية بتمعّن، لتحديد الجوانب التي تحتاج إلى تطوير، واتخاذ خطواتٍ جادّة نحو التغيير الفعّال.

ما الذي يُعيق التميز التشغيلي؟

في السنوات الأخيرة، ظهرت ثلاثة محاور رئيسية ساهمت في تحسين العمليات، مما عزز طموح الشركات في زيادة إنتاجيتها. ومع ذلك، لا تزال الشركات تُواجه المزيد من التحديات التي تعوقها عن تحقيق الاستفادة الكاملة من هذه المحاور بشكلٍ كامل:

  • يُمكن لتقنيات الثورة الصناعية الرابعة (الصناعة 4.0( أن تعزز من أداء المؤسسات في كافة مراحل سلسلة القيمة. ورغم ذلك، تُشير أبحاث ماكنزي الأخيرة إلى أن 30 في المائة فقط من المؤسسات هي التي نجحت في توسيع نطاق التحسينات الرقمية والحفاظ عليها بصورةٍ مستدامة.
  • في عام 2023، توقّعت أبحاث "ماكنزي الرقمية"- وهو قسمٌ متخصصٌ في ماكنزي، يركز على التحول الرقمي والتكنولوجيا ودورها في تحسين أداء الشركات والمؤسسات -أن الذكاء الاصطناعي التوليدي قد يضيف للاقتصاد العالمي ما بين 2.6 و4.4 تريليون دولار. ولكن بحلول عام 2024، أظهر الواقع العملي أن قرابة 5 في المائة فقط من المؤسسات هم من تمكنوا من تحقيق زيادةٍ في الأرباح التشغيلية بلغت 5 في المائة أو أكثر بفضل الذكاء الاصطناعي التوليدي، وهوما يعكس الفجوة بين إمكانات هذه التقنيات والقدرة على تحقيق فوائد اقتصادية واضحة منها.
  • رغم أن ممارسات التميز التشغيلي تُعد بمثابة حجر الأساس في نجاح المؤسسات، نظرًا لمساهمتها الفعالة في تحقيق تحسيناتٍ مستمرة وملحوظة، بدءًا من خفض التكاليف وصولًا إلى تعزيز الاحتفاظ بالموظفين، إلا أن نتائج استطلاع "التميز التشغيلي" أكّدت أن قلةً من الشركات فقط هي التي تنجح في تحقيق نتائج متفوقة في جميع العناصر، مما يجعلها استثناءً للقاعدة (الشكل 3).فالمؤسسات التي تنجح في تحقيق التميز الشامل تصبح أكثر قدرةً على استغلال تقنيات الثورة الصناعية الرابعة، والذكاء الاصطناعي التوليدي بشكلٍ فعّالٍ ومستدام.
3
Breaking operational barriers to peak productivity

أظهرت نتائج استطلاعيّ "التميز التشغيلي" و"التميز التشغيلي للجيل القادم" وجود مجموعةٍ من العوائق التي تمنع الشركات من تحقيق مستوياتٍ عاليةٍ ومستدامة من التميز التشغيلي، تختلف من شركة لأخرى وفقًا للمنطقة التي تعمل فيها. فقد كشفت الأبحاث عن فروقاتٍ واضحة، وخاصةً بين آسيا وأمريكا اللاتينية، وهوما يُشير إلى أن الشركات الموجودة في تلك المناطق قد تحتاج إلى استراتيجياتٍ خاصة تتماشى مع التحديات المحلية التي تواجهها لضمان تحقيق نتائج مستدامة (للمزيد، يرجى الاطّلاع على العمود الجانبي "التفاوت الإقليمي").

وضوح الهدف والاستراتيجية ليس كافيًا

وتؤكد نتائج أبحاث ماكنزي - منذ عام 2021 - والتي تركز على العوامل التي تدفع الموظفين لترك وظائفهم أو تلك التي تبقيهم فيها، أن تبنّي المؤسسة لهدفٍ واضح واستراتيجيةٍ محددة يُعد عاملًا حاسمًا في نجاح الموظفين وازدهار المؤسسة ككل. فقد أظهرت الأبحاث أن 70 في المائة من الموظفين يرون أن عملهم يساهم في تحديد أهدافهم الشخصية، وأن وضوح الهدف يؤثر على أداء المؤسسة؛ فقد أظهرت الدراسة التي أجراها باحثون من جامعتي كولومبيا وهارفارد وكلية وارتون في عام 2019، أن الشركات ذات الأهداف المحددة تحقق عوائد أعلى على أصولها بنسبة 3.8 في المائة.1

وبدت نتائجنا بشأن أهمية الهدف المؤسسي والاستراتيجية في تحقيق التميز التشغيلي مشجعةً للغاية. فقد أشار المشاركون في كلا الاستطلاعين إلى أن الهدف والاستراتيجية هما العنصران الرئيسيان لتحقيق التميز في مؤسساتهم. ومع ذلك، أظهرت النتائج أن حوالي نصف المشاركين في استطلاع "التميز التشغيلي" هم فقط من يشعرون أن هدف واستراتيجية مؤسساتهم واضحةٌ ومتناغمة مع مهامهم اليومية. بينما تُظهر الأرقام تراجع هذه النسبة إلى 40 في المائة بين المشاركين في استطلاع "التميز التشغيلي للجيل القادم"، مما يشير إلى أن هناك ضرورةٌ لتحسين وضوح وتوافق الهدف والاستراتيجية في تلك المؤسسات. علاوةً على ذلك، كشف تحليلنا للاستطلاعات عن حقيقةٍ هامة، وهي أن نسبة المؤسسات التي تمكنت من تحقيق التميز التشغيلي في جميع جوانبه لم تتجاوز 7 في المائة. مما يدل على أن وضوح الأهداف والاستراتيجيات وحده لا يكفي لتحقيق النجاح. فهناك العديد من القيود التي تتطلب من المؤسسات بذل المزيد دن الجهود لتحسين تنفيذ هذه العناصر والحفاظ على استدامتها.

التحديات السلوكية: تأثير التقدير والتغذية الراجعة في تحقيق التميز التشغيلي

يرتكز العنصر الثاني من عناصر التميز التشغيلي على المبادئ والسلوكيات التي تجعل من الهدف والاستراتيجية المؤسسية جزءًا لا يتجزأ من العمل اليومي. فهذه المبادئ ليست مجرد تعليماتٍ مكتوبة، بل أساسٌ يُسهم في تشكيل ثقافة المؤسسة. وقد أظهرت نتائج الاستطلاعات تحدٍ كبير يواجه اثنين من الممارسات الأساسية في الثقافة المؤسسية: الأولى هي تقدير الموظفين على إنجازاتهم، والثانية هي "التغذية الراجعة" لكافة الأعمال. وهي أداةٌ هامة تُمكّن الموظفين من الحصول على التعليقات والملاحظات الضرورية، والتوجيه والإرشاد المستمر لتحسين أدائهم.

وتكشف دراسةٌ حديثة أن تقديم التغذية الراجعة البنّاءة، خاصةً تلك التي تركز على تحسين الأداء، يؤثر بشكلٍ إيجابي على مستوى تفاعل وارتباط الموظفين بعملهم. فقد أقرّ 80 في المائة من الموظفين الذين تلقوا تعليقاتٍ بناءة بتحسن مستوى تفاعلهم وانخراطهم في مهام أعمالهم.2 مما يعني أن التعليقات المنتظمة والمُوجهة تساعد في تحفيز الموظفين على العمل بشكلٍ أكثر إنتاجية وحماسًا، فهذه النسبة تزيد عن ثلاثة أضعاف المعدل العالمي لتفاعل الموظفين، والذي يبلغ 23 في المائة.3ومع ذلك، فقد أظهرت الاستطلاعات أن المؤسسات لا تزال تعاني من ضعف الاهتمام بهذا الجانب، إذ يتوقع أقل من ربع المشاركين فقط تلقّي تعليقاتٍ بناءة من مؤسساتهم. بينما أشار ما بين 11 إلى 13في المائة من المشاركين إلى أن قادتهم يُقدّمون النوع المناسب من التعليقات التي تدعم نموهم وتطورهم المهني بشكلٍ مستمر.

وبالمثل، أفاد واحدٌ من كل خمسة مشاركين أن مؤسساتهم تعترف بإنجازات الموظفين بشكلٍ منهجي؛ أي أن 20 في المائة فقط من المؤسسات هي التي تتبنى نهجًا منتظمًا في تقدير إنجازات الموظفين، سواء كان ذلك التقدير على مستوى الأفراد، أو على مستوى فرق العمل.

أنظمة الإدارة محرك الابتكار المتعثّر

لا يقل العنصر الثالث من عناصر التميز التشغيلي -وهو أنظمة الإدارة- أهميةً عن سابقَيه، فهو يُعزز المبادئ والسلوكيات الإيجابية داخل بيئة العمل، مما يدعم الثقافة المؤسسية بشكلٍ عام. إذ تسهم أنظمة الإدارة في تطوير مهارات القيادة وتعزيز قدرات الموظفين بشكلٍ تدريجي من خلال عمليات تحسينٍ مستمرة. بالإضافة إلى ذلك، تساهم بعض الممارسات المبتكرة، مثل التجريب السريع والتحسين المستمر، في زيادة فعالية أنظمة إدارة العمليات، مما ينعكس على زيادة الإنتاجية بشكلٍ ملحوظ، قد يصل إلى 25 في المائة أو أكثر.

وقد كشفت كلتا الدراستين الاستقصائيتين عن وجود قصورٍ واضح في العديد من الممارسات التي تبذلها المؤسسات لتمكين الموظفين من تحسين عمليات الشركة باستمرار. فقلةٌ فقط من هذه المؤسسات هي التي تلتزم بتنفيذ الممارسات المطلوبة، مثل إجراء مراجعاتٍ دورية مع الموظفين لفهم كيفية سير العمل. وتُعتبر هذه المراجعات بمثابة منظومة إنذارٍ مبكرٍ لاكتشاف المشكلات قبل تفاقُمها، واستكشاف الفرص وأساليب تحسين الأداء المبتكرة. ومع ذلك، تُشير الإحصائيات إلى أن 21 في المائة فقط من المؤسسات هي التي تحرص على إجراء هذه المراجعات مرةً واحدةً على الأقل أسبوعيًا.

ومن المُلاحظ أنه عندما تُجرى هذه المراجعات بشكلٍ دوري، غالبًا ما تكون سطحيةً وغير متعمقة. حيث تركز على جانبٍ واحدٍ أو جانبين فقط من جوانب الأداء، مثل قياس الإنتاجية أو فعالية المعدات العامة أو نسبة التسليم في الوقت المحدد. وهذه النظرة المحدودة قد تؤدي إلى تجاهل جوانب أخرى مهمة تؤثر على الأداء العام، مما يقلل من فرص اكتشاف المشكلات المحتملة ويجعل تصحيح الأوضاع أمرًا صعبًا. (الشكل 4).

4
Breaking operational barriers to peak productivity

وبحسب المشاركين فإن أقل من نصف المؤسسات فقط هي من تشارك موظفيها بشكلٍ فعّالٍ في جهود تطوير العمليات التشغيلية داخل مؤسساتهم.

تجاهل أساسيات الأدوات المرئية

يُمكن اعتبار الأنظمة التقنية بمثابة الركيزة التي تبني القيمة في الأعمال التجارية. فبعض هذه الأنظمة تعتمد بشكلٍ كبير على التكنولوجيا المتقدمة، كما هو الحال مع خطوط التجميع في المصانع. بينما في المقابل، توجد أنظمةٌ أخرى تعمل بكفاءةٍ دون الاعتماد الكلي على التكنولوجيا، مثل عمليات حل المشكلات في خدمة العملاء، والتي تعتمد أساسًا على التفاعل البشري. وبغض النظر عن طبيعة بيئة العمل، يبقى الهدف الأساسي من استخدام هذه التقنيات هو تحقيق أكبر قيمةٍ ممكنة مع تقليل الفاقد.

ويُعد التخطيط الفعّال للموارد عن طريق استخدام الأدوات المرئية التي تعرض المعلومات والبيانات بشكلٍ بصري كاللوحات الرقمية التي تتتبّع مؤشرات الأداء، أحد العناصر الأساسية التي تضمن شفافية الأداء وتُحسّن من تخصيص الموارد وكفاءة التنفيذ. وبالرغم من ذلك، أفاد ربع المشاركين فقط باستخدام هذه الأدوات في مهام أعمالهم الأساسية، مثل تحقيق توازنٍ في أعباء العمل وتحديد أولويات الموارد، بينما أكدّت نسبةٌ قليلة من المشاركين أن مؤسساتهم تستفيد بشكلٍ جيد من هذه الأدوات.

التكنولوجيا: التقنيات الرقمية تحتاج استثمارات تدعمها

تُعد التكنولوجيا هي العنصر الأخير من عناصر التميز التشغيلي، وهي بمثابة الداعم الرئيسي لجميع العناصر الأخرى. غير أن أغلبية المشاركين في الاستطلاع عبّروا عن شعورهم بالإحباط تجاه الإمكانات التقنية لمؤسساتهم. فقد أعرب 93 في المائة من المشاركين عن مخاوفهم بشأن كيفية تأثير التكنولوجيا الحالية على الأداء العام. وأشار حوالي ثلاثة أرباعهم إلى افتقار مؤسساتهم لآلياتٍ واضحة ومقترحاتٍ فعّالة لاستخدام أدواتٍ رقمية جديدة.

وفي الوقت ذاته قال المشاركون أن هناك أولويات أخرى غير التكنولوجيا يمكن أن تُحدث فارقًا في تحسين الأداء المستقبلي (الشكل 5).

5
Breaking operational barriers to peak productivity

وبوجهٍ عام، يبقى العاملان الحاسمان في تحسين الأداء لدى أغلبية المشاركين، هما زيادة تقديم التغذية الراجعة بشكلٍ منتظمٍ وبصورة بناءة، بالإضافة لتعزيز شفافية إدارة الأداء. وفي هذين المجالين، تقوم التكنولوجيا بدورٍ ثانوي، بينما تكمن الأهمية الحقيقية في تهيئة بيئة عملٍ تسمح بمناقشات الأداء كفرصةٍ للتعلم والنمو، بدلًا من تجنبها والتعامل معها بحذر.

كشفت الأبحاث عن افتقار العديد من الشركات للاستثمار الكافي في الممارسات الأساسية التي تعزز من تحسين الأداء.

استثمر بقوة فيما هو أكثر أهمية

رغم اختلاف منهجية الاستطلاعين، إلا أن هناك أوجه تشابهٍ قوية بين نتائجهما والتوصيات الناتجة عن كلٍ منهما، والتي ينبغي على الشركات الالتزام بها لتحقيق تميزٍ تشغيلي مستدام. ومن أبرز ما كشفت عنه النتائج، تقصير العديد من الشركات في الاستثمار بالقدر الكافي في بعض الممارسات الضرورية لتحسين الأداء (الشكل 6):

  • الاعتراف بالإنجازات. تتعدد وسائل تقدير الموظفين والاعتراف بإنجازاتهم، فمنها ما هو تقليديٌ، كتخصيص برنامج لمكافأة "موظف الشهر" أو تقديم الهدايا التذكارية للمجتهدين منهم. ومنها ما هو مبتكر، وهو ما قامت به إحدى الشركات المتخصصة في التكنولوجيا الطبية في أمريكا الشمالية، والتي صممت برنامجًا خاصًا يحقّق كافة عناصر التميز التشغيلي، وذلك عن طريق تكريم إنجازات الأفراد في مجالاتٍ محددة كالجودة والامتثال التنظيمي، علاوةً على تقديم مكافأة الجهود الجماعية للموظفين، والتي تسهم في تطوير استراتيجية العمليات وتحسين خدمة العملاء. هذه الشركة لم تكتفي بوضع هذا البرنامج، بل تحرص على تحديثه بانتظامٍ ليُواكب الأولويات المستجدة، ويتكامل مع أنظمة إدارة الأداء وبناء القدرات المهنية، مما يتيح للمُكرّمين فرصةً حقيقية للتطور الوظيفي واكتساب مهاراتٍ جديدة.
  • توضيح العلاقة بين العمل والهدف منه . جزء أساسي من استراتيجيات الشركات لتعزيز شعور الموظفين بقيمة جهودهم. فعلى سبيل المثال، يساهم برنامج الاتصالات الداخلية الذي توفره إحدى الشركات المتخصصة في التكنولوجيا الطبية في توجيه أنشطة الموظفين اليومية وربطها بأهداف الشركة الرامية إلى تحسين صحة الإنسان. وتشمل فعالياته دعوة بعض المرضى لزيارة مواقع الإنتاج، مما يتيح للموظفين الاستماع إلى قصصهم المؤثرة والتعرف عن قرب على الأثر الإيجابي للمنتجات والخدمات التي يساهمون في تقديمها لهؤلاء المرضى، وانعكاس ذلك على حياتهم. في المقابل، قد يختلف الأمر قليلًا بالنسبة لشركة أخرى تعمل في مجال الصناعات الكيميائية، والتي تهدف استراتيجيتها لدعم الزراعة. إذ ينبغي أن يدرك موظفوها أهمية المنتجات التي يساهمون في إنتاجها، وإلى أي مدى تساعد هذه المنتجات في زيادة المحاصيل، وفي تخفيف الضغوط على الأسعار، وتقليل استهلاك المياه. فهذا الفهم العميق لأبعاد العمل يزيد من التزام الموظفين وشعورهم بأهمية دورهم في تلبية احتياجات المجتمع.
  • فهم احتياجات العملاء . أمر بالغ الأهمية، ولكن كثيرًا ما يفتقر موظفو الشركات، خاصةً أولئك الذين لا يتواصلون بشكلٍ مباشرٍ مع العملاء، إلى رؤيةٌ شاملة لما يريده العملاء فعلًا. وقد أدركت إحدى شركات الصناعات الكيميائية هذه الحقيقة، فاستثمرت في إرسال مشرفي الإنتاج إلى الخارج للقاء عملائها في مجال الزراعة. وكانت هذه الزيارات مؤثرةً بشكلٍ ملحوظ، حيث عرض العملاء شكواهم من المنتجات، واستعرضوا كيف يؤثر ذلك سلبًا على إنتاج المحاصيل ويزيد من النفايات البيئية. وعند عودة مشرفي الإنتاج، قدموا مبادرات جديدة ترمي إلى تحسين جودة المنتجات وتقليل الفجوات في المعايير. وفي سياقٍ آخر، واجهت شركة اتصالاتٍ أوروبية تحديًا مماثلاً في تركيب خدمة الإنترنت واسع النطاق. وعلى الرغم من إدراك الموظفين بعدم رضا العملاء، إلا أنه كان ينقصهم معرفة التفاصيل اللازمة للوقوف على المشكلات الحقيقية. ومن خلال تشكيل فريق متعدد التخصصات، تمكن الموظفون من فهم الاحتياجات الأساسية لعملائهم بشكلٍ كامل، مما أدى إلى تحسين الخدمة وزيادة رضا العملاء
  • استخدام الأدوات البصرية كوسيلةٍ فعّالة لتعزيز شفافية الأداء داخل المؤسسات ويدعم إتاحة المعلومات للجميع بسهولة. ورغم أن استعراض حالة العمل عبر شاشات العرض التفاعلية يُعتبر أسلوبًا معروفًا، إلا أن الدراسات تشير إلى أن الالتزام المستمر به يقتصر على عدد قليل من الشركات الناجحة. على سبيل المثال، طورت إحدى شركات التكنولوجيا الطبية برنامجًا يجمع بيانات الأداء ويعرضها بشكلٍ فوريٍ ودقيق، مما يسهل من عملية الوصول إليها لجميع موظفي الشركة. وبالمثل، أتاحت شركة رائدة في صناعة المواد الأساسية بأمريكا اللاتينية مقاييس الأداء عبر الهواتف المحمولة، مما يسمح للموظفين بالاطلاع على هذه البيانات من أي مكان.
  • زيادة الملاحظات التي تُركّز على التطوير. كشفت استطلاعاتنا عن نقصٍ ملحوظ في تقديم الملاحظات أو التغذية الراجعة المتعلقة بتطوير منظومة العمل. وقد واجهت إحدى الشركات العاملة في مجال المواد الأساسية هذا التحدي، حيث كانت تعتمد على أسلوب إدارة تقليدي قائم على التسلسل الهرمي. ومن أبرز المآخذ على هذا الأسلوب تركيزه على المراجعات السنوية فقط دون تقديم ملاحظات تطويرية منتظمة، فضلًا عن إهماله لجهود توجيه الموظفين ومساعدتهم على التعلم. ولتحقيق التحسن المطلوب، بادرت الشركة بتدريب المديرين على تقديم ملاحظاتٍ أكثر فعاليةً، بما يمنح الموظفين فرصة لتحسين أدائهم وفهم مساراتهم المهنية بشكلٍ أفضل.
6
Breaking operational barriers to peak productivity

إن هذه النوعية من الاستثمارات يمكنها تحقيق نتائج ملموسة. وهو ما حدث بالفعل مع إحدى شركات التكنولوجيا الطبية، والتي شهدت ارتفاعًا في سعر أسهمها بنسبةٍ تزيد عن 100 في المائة خلال خمس سنوات مقارنةً بمؤشر القطاع ككل. وفي مثالٍ آخر، تمكنت شركةٌ للمواد الأساسية من تقليل تكاليفها بنسبةٍ بلغت 20 في المائة على مدى ثلاث سنوات، بينما زادت إنتاجيتها بأكثر من 50 في المائة.


يؤكد كبار التنفيذيين في الشركات التي حققت تقدمًا ملحوظًا نحو التميز التشغيلي، أن أصعب خطوات التغيير وأكثرها تحديًا هي خطوة البداية. والتي تزداد صعوبةً خاصةً لدى الشركات التي تشعر بالرضا عن أدائها الحالي، فهذا الشعور قد يؤدي إلى عدم رؤية الحاجة للتغيير أو التحسين. ولذلك، فإن النجاح في هذا المجال يتطلب استعدادًا تامًا للنظر إلى العمليات بشكلٍ موضوعي، مع التطلع لتحقيق المزيد من الإنجازات.

الخطوة الثانية تكمُن في أهمية امتلاك طموحٌ جريء وغير محدود، يعكس الرغبة الحقيقية في تحقيق نتائج استثنائية. وقد اتبعت إحدى شركات المواد الأساسية هذا النهج، عندما ركزت على أفضل مواقعها من حيث الأداء. مما أدى إلى زيادة إنتاجية الشركة بأكثر من 25 في المائة. ذلك في الوقت الذي توقّع فيه بعض المدراء أن أي تحسن في الأداء قد لا يتجاوز بضع نقاط مئوية، على الرغم من وجود بعض الصعوبات الناتجة عن تراجع جودة المواد الخام.

أما الخطوة الثالثة فتتمثل في تحقيق الالتزام على مستوى المؤسسة بأكملها. فالتميُّز التشغيلي لا يمكن تحقيقه بجهد قسمٍ واحد أو وحدة أعمالٍ معينة، بل يستلزم إعادة النظر في جميع مراحل العمليات التشغيلية بدءًا من الموردين وحتى وصول المنتج إلى العملاء. فالمؤسسة بحاجةٍ لتضافر كافة الجهود في جميع قطاعاتها وأقسامها حتى تتمكّن من تحقيق تحسيناتٍ شاملة تؤدي إلى نتائج ملموسة.

القليل من الشركات فقط هي التي بدأت بالفعل في هذا المسار، فهل ستكون شركتك إحداها؟

Explore a career with us