لا شك أن تجربة العملاء الآن تلعب دوراً مؤثرًا بشكل كبير في نمو الشركات. أظهرت دراسة شاملة قمنا بها على الأداء المالي لـ 75 شركة متخصصة في تقديم الخدمات للمستهلكين، خلال الفترة بين 2016 و2021، أن الشركات التي حصلت على أعلى تقييمات في تجربة العملاء شهدت نمواً في الإيرادات يبلغ ضعفي النمو الذي حققته الشركات التي حصلت على تقييمات أقل1.1
المزيد من الرؤى والتقارير من ماكنزي باللغة العربية
شاهد مجموعة المقالات الخاصة بنا باللغة العربية، واشترك في النشرة الإخبارية العربية الشهرية
إن تحسين تجربة العملاء ليس عملية سحرية، بل هو نتيجة منطقية لرعاية الشركات لعملائها بشكل فعّال. لذا تحقق الشركات التي تضع اهتمامها بتقديم تجربة ممتازة لعملائها ضمن أولوياتها فوائد ملموسة؛ فهي تتمكن من جذب عدد أكبر من العملاء الجدد، وزيادة حجم المبيعات لكل عميل، والاحتفاظ بالعملاء لفترات أطول من تلك الشركات التي لم تفعل ذلك.
ولذا، يُعد تحسين تجربة العملاء ليس فقط مسألة صعبة بل هو أيضًا تحدٍ كبير. فالعوامل التي تساهم في تقديم تجربة عميل ممتازة، مثل تقديم خدمة سريعة ومخصصة، تتطلب عادةً استثمارات كبيرة. أولاً، تحتاج الشركات إلى عدد كبير من الموظفين المهرة، يدعمهم مديرين وخبراء متخصصين. ثانيًا، يتطلب الأمر أيضًا موارد تقنية متقدمة لتحليل بيانات العملاء بشكل مستمر، بهدف فهم احتياجاتهم وتفضيلاتهم بشكل دقيق. لذلك، يتضح أن تحسين تجربة العملاء ليس بالأمر السهل، لأنه يستلزم استثمارات كبيرة في كل من الأفراد والتقنيات.
أما في الوقت الراهن، تواجه العديد من الشركات صعوبة في توسيع وظائف الخدمة لديها، وذلك لعدة أسباب رئيسية. أولاً، بعد عامين من ارتفاع معدلات التضخم وزيادة أسعار الفائدة، تجد الشركات نفسها مضطرة لخفض التكاليف بدلاً من استثمار المزيد في توسيع خدماتها. هذا الوضع المالي الصعب يجعلها أكثر حرصاً في إنفاق الأموال على حساب تحسين القدرات الخدمية. كما يشعر القادة التنفيذيون بتشاؤم أكبر حيال المستقبل الاقتصادي وطلب العملاء، مما يجعلهم يتجنبون المخاطرة بالاستثمار في سعة جديدة أو توسيع الخدمات، خوفاً من عدم تحقيق العائد المتوقع. وحتى الشركات التي ترغب في توسيع فرقها الخدمية تواجه تحديات كبيرة في العثور على موظفين جُدد والاحتفاظ بهم.2
التقنيات المساعدة
في ظل الظروف الاقتصادية الحالية، تجد العديد من الشركات نفسها أمام تحدي الجمع بين تقليل التكاليف وتعزيز تجربة العملاء. وبدلاً من زيادة الاستثمارات في توسيع وظائف الخدمة، تتجه الشركات نحو التكنولوجيا كحل لمواجهة هذه المعضلة، حيث تَعِد التطورات في مجال الخدمة الرقمية بتحقيق تحسينات ملحوظة في كفاءة العمل وإنتاجيته، مع تقديم تجربة مخصصة وعالية الجودة للعملاء. على سبيل المثال، تتيح تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي للشركات إنشاء تواصلات تستهدف تفضيلات العملاء وسجلهم الشرائي بشكل دقيق. كما تسهم أنظمة الدردشة التفاعلية والمعروفة أيضاً بالذكاء الاصطناعي، أو أنظمة التعرف على الصوت، في التعامل بسرعة وكفاءة مع الاستفسارات المعقدة بطريقة سهلة الاستخدام. ومع تقدم تكنولوجيا المساعدين الافتراضيين والأنظمة التفاعلية، قد نرى في المستقبل تحولاً نحو تجربة دعم تعتمد بالكامل على الذكاء الاصطناعي، دون الحاجة إلى الاعتماد على قنوات محددة. وفي نفس الوقت، تساعد أنظمة إدارة القوى العاملة الرقمية الشركات في ضبط جداول فرق الخدمة لتلبية الطلب المتغير، بينما يوفر الذكاء الاصطناعي لوكلاء الخدمة القدرة على تقديم إجابات أسرع وأكثر دقة.
مع تسابق الشركات لتبني التقنيات الجديدة، يتعين عليها تجنب الأخطاء التي أعاقت جهود التحول الرقمي السابقة. وفقًا لاستطلاع أجرته ماكنزي في عام 2022، وقد أفاد تسعة من كل عشرة قادة أعمال كبار بأن مؤسساتهم قامت بمحاولات كبيرة للتحول الرقمي خلال العامين الأخيرين. ومع ذلك، أظهرت النتائج أن هذه الجهود لم تحقق النتائج المتوقعة، إذ لم تتجاوز الزيادة في الإيرادات المتوقعة 31%، بينما حققت توفيرًا في التكاليف قدره 25% فقط من المتوقع.3
عندما تعود الشركات إلى تقييم أسباب إخفاقات التحولات التكنولوجية التي نفذتها، تتضح بعض المشكلات الشائعة التي تؤثر سلباً على نجاح هذه المبادرات. أولاً، من الضروري أن يكون هناك التزام وتنسيق قوي من القيادة العُليا؛ بدون هذا الدعم، قد يتعثر اتخاذ القرارات وقد يفتقر التحول الرقمي إلى الزخم اللازم للتقدم واستمراريته. ثانياً، يميل البعض إلى الانجذاب وراء التقنيات الحديثة والمثيرة، لكنهم يفتقرون إلى بناء الأسُس الضرورية لتحقيق النجاح في استخدامها. بمعنى آخر، قد تكون الشركات مهووسة بالأدوات الجديدة دون أن توفر القدرات الأساسية التي تجعل استخدامها فعّالاً. وأخيراً، تؤدي هذه المشكلات إلى فشل العديد من التحولات التكنولوجية، سواء كانت تتعلق بطرق تحسين تقسيم العملاء، أو تصميم العمليات من البداية للنهاية، أو إدارة المواهب، أو نماذج التشغيل.
وفي سياق التحول الرقمي، تواجه الشركات مجموعة من التحديات الفريدة. من بين هذه التحديات، نجد مشكلة الإفراط في الحذر، حيث تميل بعض الشركات إلى تبني نهج تدريجي في إدخال التكنولوجيا الجديدة، وذلك من خلال تنفيذ التحديثات بشكل متقطع ومعالجة قضايا محددة واحدة تلو الأخرى. بينما يساعد هذا النهج على السيطرة على التكاليف وتقليل المخاطر، فإنه قد يعيق الشركات عن الاستفادة من الفرص التي تتطلب تغييرات شاملة. وفي الواقع، قد تكون هذه التغييرات الكبرى هي التي تحقق أكبر قيمة على المدى البعيد، لكن النهج الحذر قد يجعل الشركات تفوت فرصة تحقيق التحسينات الكبيرة التي تساهم في تحقيق مكاسب أكبر وأكثر استدامة في المستقبل.
أما الشركات الأخرى، فهي تتبنى نهجًا مغايرًا لنهج الحذر الذي سبق ذكره. بدلاً من تبني التحديثات تدريجيًا ومعالجة المشكلات بشكل تدريجي، تظن هذه الشركات أن تكنولوجيا معينة يمكن أن تكون حلاً سحريًا لكل مشاكلها التشغيلية. بمعنى آخر، تعتمد هذه الشركات على أداة أو تقنية واحدة على أمل أن تحل جميع التحديات التي تواجهها. لكن هذه الاستراتيجية تكون غير فعالة لسببين. أولاً، لأنها لا تعالج المشكلات الجوهرية في العمليات الداخلية للشركة، وثانيًا، لأنها تفرض على الفرق استخدام أدوات قد لا تكون مناسبة أو كافية لمعالجة التحديات المحددة التي يواجهونها.
بناء مؤسسة خدمية مدعومة بالذكاء الاصطناعي
في عالم التحولات الرقمية المدعومة بالذكاء الاصطناعي، تواجه الشركات تحديات كبيرة لاستخدام التكنولوجيا بشكل يحقق الفائدة القصوى. ولتجاوز هذه التحديات، يتعين على الشركات التركيز على ثلاثة جوانب أساسية: أولاً، تحديد التوقيت المناسب والطريقة المثلى لتبني التكنولوجيا، مما يضمن تطبيقها بفعالية ودون إفراط. ثانياً، يجب عليهم دمج استخدام التكنولوجيا مع التقنيات المثبتة لتحسين الأعمال، لضمان أن تكون التحسينات الرقمية متكاملة وتدعم الأهداف الاستراتيجية للشركة. وأخيراً، تحتاج الشركات إلى تزويد فرقها بالمهارات اللازمة وتمكينهم من استخدام هذه التكنولوجيا بثقة وكفاءة.
التقنيات والتوقيتات والطرق المناسبة
لتحقيق خدمات رقمية فعّالة، يجب على الشركات عدم الاعتماد على تقنية واحدة فقط، بل ينبغي لها تجميع هذه الخدمات من مجموعة متنوعة من المكونات التكنولوجية. كما هو الحال مع أي صندوق أدوات، إذ يجب على المستخدمين اختيار الأداة المناسبة لكل مهمة محددة. على سبيل المثال، تقدم تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي للشركات طريقة قوية لتلخيص الرسائل ومعالجة المدخلات اللغوية الطبيعية. ومع ذلك، عندما تتطلب المهمة معالجة بيانات منظمة، فإن الأتمتة الروبوتية للعمليات قد تكون حلاً أسرع وأقل تكلفة وأكثر موثوقية. كما أن نشر التقنيات بطريقة متكاملة يمكن أن يعزز من تأثيرها الإيجابي بشكل كبير كما ستوضح الأمثلة الواردة أدناه.
يلعب التوقيت دورًا حاسمًا في تبني التكنولوجيا أثناء عملية التحول الرقمي. فكل مرحلة من مراحل التحول تتطلب تركيزًا مختلفًا وتحتاج إلى أدوات تكنولوجية متخصصة لدعمها بشكل فعّال. هذه المراحل تشمل عادةً التشخيص، والتخطيط، والتنفيذ. في مرحلة التشخيص، تركز الشركات على فهم الإمكانيات الكاملة لها. أما مرحلة التخطيط، تسعى فيها الشركات إلى تحسين العمليات وتطوير استراتيجيات مستقبلية. وأخيرًا مرحلة التنفيذ، تركز هذه المرحلة على توسيع نطاق العمليات، وضمان استدامتها، وتحسينها باستمرار.
أخيراً، من الضروري تبني التقنيات المختارة باستخدام نموذج تشغيل مناسب لضمان التنفيذ السلس وتقليل الاضطرابات. هذا يتطلب اتخاذ قرارات مهمة مثل ما إذا كان يجب البدء بمشروع تجريبي صغير لاختبار فعالية التقنية قبل تبنيها بشكل كامل (ما يعرف بـ "إثبات المفهوم") أو الانتقال مباشرةً إلى تنفيذ شامل للتكنولوجيا. كما يجب أيضاً تحديد ما إذا كان من الأفضل شراء تراخيص البرامج أو الاستفادة من خدمات شركات متخصصة في دمج الأنظمة. وفي الواقع، يضمن تنفيذ التقنيات بالطريقة الصحيحة تحقيق انتقال سلس وتقليل الاضطرابات في العمليات. على سبيل المثال، في مرحلة التشخيص، قد تكشف التحليلات عن حاجة لتبني تقنيات الأتمتة الفائقة مثل التعرف البصري على الحروف (OCR) ومعالجة المستندات الذكية. بالإضافة إلى ذلك، قد تكون هناك حاجة لاستخدام أدوات أخرى مثل التعلم الآلي، والمنصات التي تتطلب القليل من البرمجة أو لا تتطلب برمجة على الإطلاق، أو تقنيات مثل التوائم الرقمية لتلبية الاحتياجات التشغيلية. إضافةً إلى ذلك، يمكن أن يساعد اختيار قسم من الشركة يتوافر فيه الكثير من الفرص وتدعمه القيادة بشكل قوي في التغلب على التحديات المحتملة أثناء عملية التنفيذ.
وقد استخدمت إحدى شركات إدارة الثروات في أمريكا الشمالية مجموعة من التقنيات لتحقيق وفورات كبيرة ومستدامة في الكفاءة التشغيلية، حيث بدأت الشركة بأتمتة خمس عمليات تشغيلية كاملة، بما في ذلك استخراج المستندات، والتحقق منها، وإدخال البيانات. و لتحقيق ذلك، بدأت الشركة بتقييم شامل لإمكانيات الأتمتة بناءً على الأدوار المختلفة داخل المؤسسة، وقامت باستخدام أدوات تحليل المهام المحددة لبناء رؤية واضحة عن المجهود البشري اليدوي المطلوب لمعالجة آلاف المستندات والنماذج سنويًا. بعد ذلك، طورت الشركة نظامًا تجريبيًا (ما يُسمى بإثبات المفهوم) باستخدام تقنية التعرف البصري على الحروف (OCR) لتصنيف واستخراج البيانات المكتوبة بخط اليد. ليتم لاحقاً دمج هذه التقنية مع أتمتة العمليات الروبوتية للتحقق من صحة البيانات وإدخالها في الأنظمة التابعة. ولمزيد من التحسين، شمل النظام الجديد تقنية التعلم الآلي، مما سمح له بتعديل عملياته الداخلية بشكل مستمر لتحسين الأداء بمرور الوقت.
مكّن النظام الجديد المؤتمت بالكامل، الذي تم توسيعه وتطبيقه على مستوى الشركة، من إعادة هيكلة عملياتها الداخلية والقضاء على الأخطاء التي كانت تحدث في مراحل العمل النهائية. كما قامت الشركة بإعادة تصور وحدة معالجة البريد المركزي وإدخال البيانات لتصبح مركزًا رقميًا لمراقبة جودة البيانات، مما أتاح لها إعادة توزيع أكثر من 70% من الموظفين إلى مهام أخرى. هذا التحول لم يؤثر فقط على الكفاءة الداخلية، بل كان له تأثير مباشر وإيجابي على تجربة العملاء. فبفضل عمليات المعالجة الرقمية الأسرع، تم تقليل الزمن المطلوب لإتمام طلبات فتح الحسابات الجديدة، كما تم اكتشاف الأخطاء وتصحيحها في اللحظة نفسها، وأثناء تواجد العملاء.
إصلاح العمليات وإعادة تصورها أثناء إجراء عملية الرقمنة
لا يمكن للتكنولوجيا وحدها أن تصلح المشكلات الناشئة عن العمليات الخدمية التي عفا عليها الزمن. فلا فائدة من إنشاء عملية سريعة وفعالة إذا كانت لا تزال تؤدي إلى نتائج غير مرضية للعملاء. ولهذا السبب، يتطلب نجاح التحولات المدعومة بالتكنولوجيا دمج التكنولوجيا بشكل سلس مع أدوات تحسين الأعمال التقليدية.
الخطوة الأولى في تحسين العمليات الحالية هي فهمها وتبسيطها. ولتحقيق ذلك، يجب على الشركات إدارة الطلب بشكل فعّال والتخلص من المهام غير الضرورية باستخدام أدوات متخصصة في تحليل واكتشاف وتوثيق العمليات. فمن خلال إنشاء مرجعية واضحة للوضع الحالي للعمليات وتبسيط السياسات والمدخلات والاستثناءات والخدمات، يمكن تقليل التعقيد بشكل كبير.
الخطوة التالية هي تنظيم ورقمنة العمليات بشكل فعّال. يتطلب ذلك إعادة تصميم سير العمل وإنشاء مخرجات رقمية منظمة لتقليل التداخلات بين العمليات وتحسين تدفق المعلومات. ويمكن تحقيق ذلك من خلال استخدام أدوات تكنولوجية متقدمة مثل معالجة اللغة الطبيعية والتعرف البصري على الحروف (OCR) وروبوتات المحادثة والنماذج الإلكترونية.
بعد تبسيط العمليات ورقمنتها، تأتي الخطوة التالية والمهمة وهي أتمتة ودمج العمليات الرقمية. تتطلب هذه الخطوة تحويل مكونات العمليات المحددة إلى عمليات آلية بالكامل، وذلك عن طريق تصميم وتكوين الروبوتات ، وواجهات برمجة التطبيقات ، والخدمات المصغرة ، خاصةً للأنشطة التي تحكمها قواعد معروفة ومحددة مسبقًا. بالإضافة إلى ذلك، يمكن استخدام خوارزميات التعلم الآلي للتعامل مع الأنشطة التي تتضمن قواعد معقدة أو غير معروفة. تتعلم هذه الخوارزميات من البيانات وتحسن من أدائها بمرور الوقت، مما يتيح لها التعامل بكفاءة مع الأنشطة الأكثر تعقيدًا. ولضمان نجاح هذه العملية، يجب على الشركات التأكد من أن البنية التحتية الأساسية لديها قادرة على دعم هذه التقنيات المتقدمة.
أخيرًا، تأتي الخطوة النهائية في دورة التحول الرقمي وهي إعادة تنظيم وتمكين القوى العاملة. يتطلب جزء من هذه الخطوة إجراء تغييرات هيكلية تهدف إلى تحسين تصميم المؤسسة وزيادة كفاءتها. ويمكن تحقيق ذلك من خلال توحيد العمليات المشتركة في مكان واحد (ما يُسمى بالمركزية) أو نقل بعض الوظائف إلى الخارج حيث تكون التكلفة أقل (الاستعانة بمصادر خارجية). ومع ذلك، لا تقتصر هذه الخطوة على التغييرات الهيكلية فقط. الجزء الآخر من هذه الخطوة يركز على تغيير العقليات وتطوير المهارات والقدرات لدى الموظفين وهو ما سوف نناقشه أدناه.
اتخذت شركة خدمات مهنية متعددة الجنسيات نهجًا شاملاً لتحسين مركز الدعم التقني الداخلي الخاص بها، إذ بدأت الشركة بتحليل عميق باستخدام الذكاء الاصطناعي لآلاف البيانات من أربعة مصادر رئيسية: وهي المكالمات الهاتفية، والدردشة، والبريد الإلكتروني، وأداة إدارة القضايا. من خلال هذا التحليل، تمكنت الشركة من دراسة وتحليل مئات الساعات من نشاط الموظفين لفهم كيفية استخدامهم للتطبيقات المختلفة وتحديد النقاط التي تسبب مشكلات أو تعيق أداءهم بشكل جيد. بناءً على هذه التحليلات والبيانات المستخلصة، قامت الشركة بتحسين الأداء في ثلاثة مجالات رئيسية. أولاً، تجربة العملاء، ثانيًا، العمليات، وأخيرًا، الموظفين.
استخدمت الشركة مجموعة من تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي والذكاء الاصطناعي للمحادثات وتحليل المهام لتحسين كفاءة موظفي الدعم التقني. باستخدام هذه التقنيات، استطاعت الشركة تحديد الطرق التي يمكن بها للموظفين استخدام وقتهم بشكل أكثر فعالية. على سبيل المثال، اكتشفت الشركة أن أفضل الموظفين يستغلون الفترات الهادئة أثناء المكالمات لمراجعة المحادثات والوثائق المتعلقة بحالات أخرى. كما قامت الشركة باستخدام تحليل المهام والتشخيص التقليدي لخدمة العملاء لتحديد الأساليب والاختصارات التي يستخدمها أفضل الموظفين لحل المشكلات الشائعة. فمن خلال مشاركة هذه الأساليب مع باقي الموظفين، تمكنت الشركة من تحسين سرعة وكفاءة حل مشكلات العملاء، مما أدى إلى تقليل متوسط وقت معالجة كل حالة وتحسين جودة خدمة العملاء بشكل عام.
إصقال الموظفين بالكفاءات والمهارات المناسبة
العامل البشري هو العنصر الأساسي في أي عملية تحول رقمي ناجحة. ووفقًا لأبحاث ماكنزي، كانت الشركات التي نجحت في تنفيذ التحول الرقمي أكثر احتمالاً بمقدار 1.6 مرة لتحقيق أهدافها المتعلقة بالعاملين,4 مقارنة بالشركات الأخرى. وتشمل هذه الأهداف تطوير قدرات الموظفين على نطاق واسع، وتحسين تجربة الموظفين، وإدارة المواهب بفعالية.
مع التقدم المستمر في التكنولوجيا، تزداد أهمية إدارة المواهب وبناء القدرات داخل الشركات. وتشير الدراسات إلى أن الشركات التي بدأت بالفعل في تنفيذ تقنيات الذكاء الاصطناعي تدرك الحاجة الملحة لإعادة تدريب جزء كبير من موظفيها خلال السنوات الثلاث المقبلة. في الواقع، يهدف 73% من هذه الشركات إلى تحسين مهارات أكثر من 30% من موظفيها خلال هذه الفترة.5
لتحقيق فعالية أكبر، تحتاج القوى العاملة المدعومة بالتكنولوجيا الرقمية إلى الأدوات المناسبة، بالإضافة إلى المهارات وطرق العمل والموارد الداعمة لاستخدام هذه الأدوات بكفاءة. على سبيل المثال، لا يمتلك معظم موظفي الخدمات مهارات برمجة متقدمة، ولكن منصات البرمجة ذات الأكواد البسيطة أو التي لا تتطلب أكواد تتيح لهؤلاء الموظفين غير المتخصصين إمكانية تحليل البيانات وأتمتة المهام بسهولة. وبهذه الطريقة، يمكن للموظفين الذين ليس لديهم خلفية تقنية متقدمة أن يستفيدوا من الأدوات الرقمية لتحقيق أفضل أداء ممكن.
تغير التكنولوجيا أيضًا الأساليب التقليدية التي تعتمدها الشركات في تطوير مهارات موظفيها. في السابق، كان التعلم يعتمد على ورش عمل تُعقد مرة واحدة في السنة وتستمر لأسبوع، وهو ما يعرف بأسلوب "الميدان والمنتدى". لكن الآن، تحول هذا النهج إلى تجربة تعليمية مستمرة بفضل التقنيات الحديثة، حيث يشمل هذا التحول استخدام جلسات تعليمية قصيرة ومكثفة ووحدات تعليمية تفاعلية عبر الإنترنت. تُصمم هذه الموارد لتكون مخصصة لكل موظف وتتيح استخدام مكتبات واسعة وتقنيات متقدمة، مما يوفر تجربة تعلم شخصية وفعالة.
وعلى نحو مماثل، تخضع أساليب التعلم الميداني أيضًا لتحول جذري، لأنها تنتقل من ممارسات تعتمد على الملاحظة إلى أخرى مدعومة بالبيانات. وإذا عُدنا إلى الماضي، كان التدريب العملي يتم من خلال ملاحظات مباشرة، مثل جلسات الاستماع إلى المكالمات. أما الآن، فقد أصبح التدريب أكثر دقة واعتمادًا على البيانات باستخدام أدوات تحليلية تعمل بخوارزميات تعلم الآلة المستندة إلى معالجة اللغة الطبيعية . تتيح هذه الأدوات فرص تدريب مخصصة تعتمد على مقاييس أداء فردية لكل موظف، مما يوفر توجيهًا أكثر فعالية وتحديدًا.
يُعتبر وجود فريق عمل متحمس ومشارك في قطاع الخدمات أمرًا أساسيًا لتحقيق الأداء المستدام على المدى الطويل. فلا تزال المبادئ التي تم اختبارها في إدارة الجودة الشاملة، مثل التركيز الدائم على التخلص من الهدر وتقليص العيوب، وإجراء التحسينات بناءً على آراء موظفي الخط الأمامي، ضرورية في عصر الذكاء الاصطناعي. الاختلاف الوحيد الآن هو الأدوات المتاحة لجمع هذه الآراء وتحقيق انجازات وتطوير. واليوم، يمكن تعزيز الحلول التقليدية مثل المساعدات الوظيفية وتغييرات السياسات بحلول رقمية حديثة، يتم تصميمها واختبارها وتنفيذها وصيانتها من قبل موظفي الخط الأمامي أنفسهم.
يمكن للتقنيات الرقمية المتقدمة أن تحقق هدفًا صعب المنال للمؤسسات الخدمية، إذ تتيح لها تقديم تجارب أفضل للعملاء بتكلفة أقل. فمن خلال التعاون بين فرق تكنولوجيا المعلومات وفرق العمليات، بدأت هذه المؤسسات في استكشاف استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي المبتكرة. كما تتطلع هذه المؤسسات إلى مستقبل يتم فيه تحسين القرارات وتجارب العملاء عبر سلسلة القيمة بأكملها، بفضل تفعيل الذكاء الاصطناعي، والذي يؤدي إلى استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي لتقديم مستويات جديدة من الذكاء والتخصيص في هذه التجارب. بالإضافة إلى تقنيات الدعم الذكي في الوقت الحقيقي التي تحول وكلاء الخدمة إلى "أبطال متميزين"، مما يتيح لهم التركيز على تقديم المعرفة وخلق القيمة.
إن رحلة الانتقال إلى نموذج خدمة مدعوم بالتكنولوجيا مليئة بالتحديات. ولجعل هذا النموذج يعمل بفعالية، يجب على الشركات اختيار التقنيات المناسبة وتطبيقها في المرحلة الصحيحة من عملية التحول، بالإضافة إلى استخدامها بالطريقة الصحيحة.
يجب على الشركات أن تتجاوز التفكير في التكنولوجيا فقط، وأن تستخدم الأدوات الرقمية جنبًا إلى جنب مع منهجيات التحول والتحسين التقليدية. فمن الضروري تمكين فرق العمل من تبني ثقافة التحسين المستمر. وإذا تم تطبيق ذلك بشكل صحيح، يمكن للتميز في الخدمات المدعومة بالتكنولوجيا أن يخلق دائرة إيجابية متكاملة. ونتيجة لذلك، سوف تسهم هذه الدائرة في توجيه الموارد المالية والبشرية نحو الاستثمار في تحقيق تطويرات وابتكارات جديدة في الخدمات، مما يميز الشركة عن منافسيها، ويساهم في تحقيق النمو، ويوفر ميزة تنافسية مستدامة.