الربع سنوية لماكنزي

كيف يمكن لشركتك أن تحافظ على مكانتها على الساحة العالمية في ظل التحديات الحالية؟

| مقالة

ملاحظة: إننا نبذل قصارى جهدنا للحفاظ على جميع التفاصيل الدقيقة عند ترجمة المقالة الإنجليزية الأصلية، ونعتذر عن أي جزئية مفقودة في الترجمة قد تلاحظونها من حين لآخر. نرحب بتعليقاتكم على البريد الإلكتروني التالي reader_input@mckinsey.com

إن تصاعد التوترات الجيوسياسية يختبر قدرة المؤسسات العالمية على الصمود ويضع استراتيجيات النمو الحالية أمام تحديات هائلة. وأصبحت الحروب في أوروبا والشرق الأوسط واشتداد التنافس بين الولايات المتحدة والصين محط اهتمام القيادات التنفيذية ومجالس الإدارة. ويتساءل قادة الأعمال العالميون: "ما هو مستقبل الشركات العالمية؟ هل يتعين علينا إجراء تغييرات جذرية في استراتيجياتنا وهياكلنا التنظيمية؟"

المزيد من الرؤى والتقارير من ماكنزي باللغة العربية

شاهد مجموعة المقالات الخاصة بنا باللغة العربية، واشترك في النشرة الإخبارية العربية الشهرية

تصفح المجموعة

وتُطرح هذه الأسئلة في ظل تراجع ملموس في مستويات التعاون الدولي بشأن السلام والأمن، فضلاً عن تباطؤ التعاون في مجالات أخرى، كما يظهر في مقياس التعاون العالمي الجديد الذي أصدره المنتدى الاقتصادي العالمي وماكنزي في يناير، كما هو موضح في (الشكل 1). وتشير البيانات إلى أن حدة النزاعات التي اندلعت في جميع أنحاء العالم ومدتها وصلت إلى أعلى مستوياتها منذ نهاية الحرب الباردة1، حيث سجل عام 2023 وجود 183 نزاعًا نشطًا. وزادت الأحداث العنيفة بنسبة 28% العام الماضي، وارتفع عدد الوفيات بنسبة 14%.2

1
Can your company remain global and if so, how?

في عام 2024، ستشهد أكثر من 60 دولة انتخابات وطنية، مما يعني أن نصف سكان العالم تقريبًا سيشاركون في هذه العملية الديمقراطية. 3 ومع أن بعض هذه الانتخابات فقط قد تسفر عن تغييرات في القيادة والسياسات، إلا أن قادة الأعمال لا يمكنهم تجاهل حالة عدم اليقين السياسي التي تصاحب هذه الأحداث في ظل النظام العالمي المتغير. لذا، يجب على الشركات أن تكون مستعدة للتكيف مع التحولات السياسية المحتملة، حيث يمكن أن تؤثر هذه التغييرات على الأعمال بشكل كبير، سواء كان ذلك بفتح آفاق جديدة أو بإيجاد تحديات جديدة.

وبشكل مُثير للدهشة، يرى قادة الأعمال أن الجغرافيا السياسية هي أكبر تهديد للنمو العالمي، ويعتبرون التحولات السياسية أكبر خطر ناشئ، وذلك بحسب أحدث استطلاع اقتصادي عالمي (انظر الشكل 2). يشير قادة الأعمال إلى أن التباين في المتطلبات التنظيمية، وزيادة المخاطر في الأسواق المختلفة حول العالم، والحاجة إلى إنشاء وحدات محلية حقيقية دون التسبب في مخاطر غير ضرورية للشركة الأم، هي الأسباب التي تجعل الجغرافيا السياسية أكثر أهمية من أسواق رأس المال. كما قال أحد التنفيذيين الذين تحدثنا معهم: "الجغرافيا السياسية تتفوق على أسواق رأس المال".

2
Can your company remain global and if so, how?

في ظل هذا الوضع المتقلب، يواجه قادة الأعمال العالميون اليوم أحد أهم الأسئلة الإستراتيجية وهي: "إلى أي مدى يمكن لمؤسستي أن تظل عالمية؟" إن الإجابة الخاطئة على هذا السؤال سيكلف الكثير والكثير، حيث يمكن أن تتعرض كل من الأصول والنمو والقيمة والأهم من ذلك الموظفين للخطر. في المقابل، هناك ميزة حقيقية في الإجابة الصحيحة. في ظل المشهد الجيوسياسي المتغير، تستطيع المؤسسات أن تميز نفسها بشجاعتها الاستراتيجية التي تظهرها في التنقل خلال هذه الفترة من التقلبات.

يُظهر تحليلنا أن قادة الأعمال يمكنهم تبني أسلوب منهجي لبناء ما نسميه "المرونة الجيوسياسية". يتضمن هذا النهج إجراء تخطيط للسيناريوهات الجيوسياسية، والتفكير في مجموعة من الأحداث ذات التأثير الكبير والتي تشمل ما يُسمى بــــ"البجعات السوداء" وهو مصطلح يشير إلى أحداث غير متوقعة ولها تأثير كبير، وكذلك ما يُسمى "بوحيد القرن الرمادي"، وهو مصطلح يشير إلى أحداث معروفة ومحتملة ولكن غالبًا ما يتم تجاهلها، وما يُسمى "بالبطانات الفضية"، وهو مصطلح يشير إلى الفرص المحتملة التي قد تظهر وسط التحديات. بالإضافة إلى ذلك، يتطلب الأمر تعزيز قدرات مجلس الإدارة في التعامل مع المخاطر الجيوسياسية من خلال تحسين مهارات ومعارف أعضائه في فهم وتقييم هذه المخاطر.

هناك جانب جديد من المرونة الجيوسياسية يتزايد الحديث عنه بين قادة الأعمال، وهو ما نسميه "التقسيم الهيكلي." يصف التقسيم الهيكلي مجموعة من الإجراءات التي تنظر فيها الشركات العالمية لتقليل تعرضها للمخاطر الجيوسياسية. يهدف هذا النهج إلى تمكين اتخاذ القرارات بشكل محلي مدروس، مما يسهل الطريق نحو تحقيق نمو آمن ومستقر. فمن خلال هذه الاستراتيجية، يمكن للشركات مواجهة التحديات الجيوسياسية بفعالية، وضمان أن تكون قراراتها متوافقة مع الظروف المحلية لكل سوق، مما يساهم في تحقيق استدامة ونمو في بيئة عالمية غير مستقرة.

فيما يلي، سنقوم بتعريف مصطلح "التقسيم الهيكلي"، وتحديد الأسئلة التي يجب على الشركات العالمية الإجابة عليها ووضعها في الاعتبار عند تعديل نماذج عملها، بالإضافة إلى تقديم أمثلة محددة على كيفية تنفيذ هذا النهج. تستند هذه النتائج إلى محادثاتنا ومحاورات زملاءنا مع قادة الأعمال حول العالم، وتحليلنا للتحركات الإستراتيجية لأكثر من 100 مؤسسة عالمية.

يشير التقسيم الهيكلي إلى مجموعة من الإجراءات التي تدرسها الشركات العالمية لتقليل تعرضها للمخاطر الجيوسياسية، وتمكين اتخاذ القرارات المستندة إلى المعرفة المحلية، وتهيئة الطريق لتحقيق نمو آمن ومستقر. فمن خلال هذا النهج، تستطيع الشركات العالمية تقليل التأثير السلبي للمخاطر الجيوسياسية

التقسيم الهيكلي للمرونة الجيوسياسية

على مدار الـ 25 عامًا الماضية، أصبحت الحدود الجغرافية أقل أهمية للشركات العالمية. حيث قامت الكثير من الشركات ببناء سلاسل إمداد معقدة تشحن المكونات والمنتجات عبر العالم، وغالبًا ما تعبر الحدود عدة مرات بذكاء، فضلًا عن أنها أنشأت مراكز أبحاث وتطوير عالمية، وطورت بنى تقنية شاملة على مستوى المؤسسة، وأتاحت الوصول إلى البيانات للجميع بشكل ديمقراطي، ودمجت الكيانات القانونية، وعززت ثقافة واحدة متجانسة داخل الشركة. هذه الاستراتيجيات مكنتها من العمل بكفاءة وفعالية أكبر في بيئة عالمية متكاملة.

أصبحت الفرضية التي قامت عليها العولمة الكاملة للعالم الآن محل تساؤل، مما يتطلب من الشركات اتخاذ خطوات استجابة لهذه التغيرات. وفي الواقع، تشهد السياقات القانونية والتنظيمية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية تحولات مستمرة. لذا، تسعى الشركات بشكل متزايد إلى تبني نهج متكامل لاتخاذ إجراءات منسقة عبر ستة مجالات رئيسية وهي: العمليات (بما في ذلك الإنتاج وسلاسل الإمداد)، والبحث والتطوير، والتكنولوجيا والبيانات، والهيكل القانوني، ورأس المال، والموارد البشرية. في كل من هذه المجالات، تجد المؤسسات نفسها أمام خيارين: إما إعادة الالتزام بالعولمة والعمل بشكل متكامل عالميًا، أو تقسيم الأنشطة بشكل هيكلي لتتناسب مع الاختلافات الجيوسياسية بين الأسواق المختلفة. هذا يعني أن الشركات تدرس بعناية كيفية التكيف مع التغيرات الحالية لتحقيق التوازن بين الاستفادة من العولمة والحفاظ على الاستقرار في الأسواق المتنوعة.

كما يمكن أن يتخذ التقسيم الهيكلي أشكالًا متعددة على نطاق واسع. ويشمل الشكل الكامل للتقسيم الهيكلي توطين الأنشطة الموازية في مواقع متعددة حول العالم. على سبيل المثال، قد تقوم المصانع بإنتاج منتجاتها فقط للمنطقة التي تقع فيها، (وغالبًا ما تكون هذه المناطق "بعيدة جغرافيًا وسياسيًا"4 عن السوق الأم للشركة).

وبديلًا عن التواجد العالمي الواسع، تقوم بعض الشركات بإعادة توطين أنشطتها نحو الوطن أو إلى دول متوافقة جيوسياسيًا، خاصة في مجالات معينة. بشكل عام، يتضمن ذلك الحفاظ على الروابط العالمية، مثل إبقاء معظم التقنيات في البلد الأم، مع إنشاء تواجد محدود في الدول البعيدة جيوسياسيًا. في بعض الحالات، قد تتخذ هذه الاستراتيجية شكلاً أكثر حدة، حيث تقوم الشركات بنقل جميع أنشطة البحث والتطوير إلى السوق المحلية.

وتهدف الشركات إلى الاستجابة للواقع الجيوسياسي الجديد مع الحفاظ على فوائد التوسع العالمي واستغلال الفرص لتحقيق نمو مستدام. وكما أن التخطيط المستقبلي ليس وسيلة سحرية لتوقع كل شيء، فإن تقسيم الهيكل التنظيمي للشركة ليس حلاً سحريًا أيضًا. بل هو خيار استراتيجي وعملياتي يمكن للشركات اعتماده للبقاء والازدهار في العصر الجديد. وعلى الرغم من وجود طرق متعددة لتقسيم الهيكل التنظيمي للشركات متعددة الجنسيات، إلا أن هناك ستة مجالات رئيسية يمكن من خلالها تطبيق هذا النهج:

إعادة تشكيل سلاسل الإنتاج والإمداد لتحقيق المرونة

التنافس الجيوسياسي المتزايد والاضطرابات الناتجة عن جائحة كوفيد-19، والتغيرات المناخية، والصراعات جميعها جعل من سلاسل التوريد قضية ذات أولوية قصوى للإدارة العُليا ومجالس الإدارة في الشركات. لذلك، تسعى المؤسسات إلى تنفيذ أو استكشاف استراتيجيات تقسيم متنوعة، تأخذ بعين الاعتبار التعرض للمخاطر الجيوسياسية والتركيز الشديد للإنتاج أو سلاسل التوريد في مناطق معينة. ويكمُن الهدف من هذه الاستراتيجيات في تعزيز المرونة والقدرة على التكيف مع الظروف المتغيرة، وضمان استمرارية العمليات التجارية في مواجهة التحديات.

وقد استجابت بعض الشركات للتغيرات العالمية من خلال تعزيز استراتيجياتها العالمية. وهذا لا يعني تجاهل التغيرات في النظام العالمي، بل يعني التحرك نحو تنويع أكبر في استراتيجياتها، إذ تقوم هذه الشركات بالابتعاد عن نموذج سلاسل التوريد المركزة في منطقة واحدة، والانتقال إلى نموذج يستمد موارده وينتج في مجموعة واسعة من الأسواق حول العالم. الفكرة هنا هي أن وجود شبكة أوسع وأكثر تنوعًا من الموردين والأسواق يجعل الشركة أكثر مرونة، لأنها لا تعتمد على منطقة أو دولة واحدة فقط، مما يقلل من المخاطر المرتبطة بالاعتماد على مكان واحد.

وتسعى الشركات متعددة الجنسيات التي تعتمد على التقسيم الهيكلي في عملياتها إلى ضمان استمرار الإنتاج والتوريد حتى في حالة تعطل منطقة معينة. وحتى الآن، قامت الشركات بمحاولات متنوعة لتحقيق الانتشار المحلي في عدة مناطق، حيث تبنت بعض الشركات استراتيجية "الإنتاج المحلي لتلبية الطلب المحلي"، حيث تقوم بإنشاء مرافق إنتاج وسلاسل توريد محلية لتلبية احتياجات السوق المحلية بشكل كامل، مما يقلل من الاعتماد على الواردات. بالمقابل، اختارت شركات أخرى استراتيجية "السوق بالإضافة"، التي تتضمن إنشاء قاعدة إنتاج وسلاسل توريد قوية في منطقة معينة لتلبية احتياجات السوق المحلي وتصدير الفائض إلى مناطق أخرى. هذا النموذج يتم دعمه بواردات وصادرات إضافية من وإلى مناطق جغرافية أخرى حسب الحاجة، مما يضمن استمرارية العمليات حتى في حال حدوث تعطل في أحد المناطق.

تفكر قلة من الشركات في توطين كامل لإنتاجها أو نقل عملياتها بالكامل من منطقة جغرافية إلى أخرى. تقتصر تلك الشركات التي تقدم على هذه الخطوة غالبًا على عدد قليل من خطوط الإنتاج وتركز فقط على الأجزاء الأكثر حساسية من سلاسل التوريد الخاصة بها. في الواقع، نظرًا لأن جميع سلاسل التوريد تبدأ من استخراج الموارد الطبيعية، فهناك حد طبيعي لقدرة الشركات على نقل سلاسل التوريد بشكل كامل. هذا يعني أن بعض الموارد والمواد لا يمكن نقلها بسهولة، مما يفرض قيودًا على إمكانية توطين الإنتاج بالكامل.

العديد من الشركات تفكر حالياً في تطبيق استراتيجيات تقسيم هيكلي في عملياتها. وفقًا لدراسة حديثة أجراها البنك المركزي الأوروبي، تخطط 42% من الشركات متعددة الجنسيات العاملة في الاتحاد الأوروبي لنقل جزء من إنتاجها إلى دول حليفة خلال السنوات الخمس القادمة، وهو ارتفاع ملحوظ مقارنة بـ 11% فقط في السنوات الخمس الماضية. 5 هذا النهج، المعروف بـ "إعادة التوطين إلى دول صديقة"، يهدف إلى تقليل المخاطر الجيوسياسية عن طريق تحويل الإنتاج إلى دول حليفة أو شريكة. بالإضافة إلى ذلك، تشهد سلاسل التوريد توجهات مماثلة. في دراسة أجريناها في عام 2023 على قادة سلاسل التوريد، تبين أن ثلثي المشاركين قد زادوا من استخدام المواد من موردين محليين أو قريبين من مواقع إنتاجهم خلال العام الماضي.6التكنولوجيا والتركيز على التطور الإقليمي يحسنان سلاسل التوريد، ولكن الرضا الزائد قد يؤدي إلى مخاطر محتملة"، نُشر في موقع ماكينزي بتاريخ 3 نوفمبر 2023.

يمكن لإعادة تشكيل البصمات الجغرافية وسلاسل التوريد أن تقلل من المخاطر الجيوسياسية، لكنها تتطلب تكاليف وجهودًا كبيرة. قد تواجه بعض الشركات صعوبة في إنشاء شبكات موردين جديدة في الأسواق الجديدة بسبب نقص العمالة والبنية التحتية الضعيفة. بالنسبة لآخرين، قد تؤدي جهود التنويع إلى نقل مخاطر التركيز من مجموعة موردين إلى أخرى، دون تقليل المخاطر الإجمالية بشكل كبير. هناك تحدٍ آخر وهو التمسك بسلاسل التوريد الحالية. فعلى الرغم من توسع العديد من الشركات متعددة الجنسيات في مناطق مثل جنوب شرق آسيا، فإن حصة صادرات الصين إلى هذه المناطق تواصل النمو. هذا يعني أن العديد من الشركات لا تزال تعتمد بشكل كبير على المكونات المصنعة في الصين في بعض سلاسل التوريد الخاصة بها.7

تأطير البحث والتطوير

مع تصاعد الاعتماد على التكنولوجيا في الأوساط التجارية والعالمية، تواجه الشركات متعددة الجنسيات تحديات جديدة في تكييف استراتيجيات البحث والتطوير الخاصة بها. هذه الشركات، التي كانت تعتمد سابقًا على الوصول السهل إلى المواهب، تجد نفسها الآن مضطرة للتعامل مع تحديات معقدة مثل القضايا الجيوسياسية، اللوائح التنظيمية، السمعة، والاعتبارات التجارية. تظهر هنا أسئلة حاسمة حول أفضل الأماكن لتنفيذ أنشطة البحث والتطوير، ومن يجب أن يدير هذه الأنشطة، وكيف يمكن مشاركة النتائج. وفي ظل هذه الظروف، يصبح من الضروري للشركات التفكير استراتيجيًا لتحقيق التوازن الأمثل بين هذه العوامل وضمان الابتكار المستمر.

في إطار استراتيجية التقسيم الهيكلي، تسعى بعض الشركات إلى توطين أنشطة البحث والتطوير في مناطق جغرافية متعددة بشكل كامل. على سبيل المثال، قامت إحدى الشركات الرائدة في علوم الحياة بإنشاء فرق بحث وتطوير متوازية في سوقين مختلفين تمامًا جغرافيًا وسياسيًا. يتيح هذا النهج للشركة الوصول إلى أفضل المواهب في كل سوق، ويعزز من قدرتها على تطوير منتجات تتوافق مع متطلبات الأسواق المحلية المختلفة، مما يزيد من مرونتها وقدرتها على التكيف مع التغيرات.

تتجه بعض الشركات إلى إعادة أنشطتها البحثية والتطويرية إلى أسواقها المحلية. فالشركات التكنولوجية الأمريكية الرائدة تقوم بنقل الباحثين والعلماء العاملين في مجالات التكنولوجيا الحساسة إلى داخل الولايات المتحدة أو إلى دول حليفة. ويكمُن الهدف من ذلك في الابتعاد عن الأسواق البعيدة جغرافيًا وسياسيًا عن الولايات المتحدة، لضمان أمان وسلامة هذه المجالات الحساسة.

في حين تتخذ بعض الشركات موقفًا وسطيًا، حيث تحتفظ بعمليات البحث والتطوير في الأسواق التي تكون بعيدة جغرافيًا عن مقرها الرئيسي. لكنها، في الوقت نفسه، تضع ضوابط صارمة لحماية التكنولوجيا الحساسة. تشمل هذه الضوابط فرض قيود على المجالات التكنولوجية التي تتعلق بالمنافسة الاستراتيجية بين الدول أو التي لها استخدامات متعددة، مثل الحوسبة الكمية والذكاء الاصطناعي التطبيقي. والهدف من هذه الإجراءات هو ضمان حماية الابتكارات ومنع استخدامها بطرق غير مرغوب فيها.

ورغم أن الشركات التي تتبنى استراتيجيات البحث والتطوير المحلية تسعى لتحسين موقعها في السوق، فإنها غالبًا ما تواجه تحديات في تخفيف المخاطر وتحقيق ميزة تنافسية دائمة. فمن خلال إنشاء فرق بحث وتطوير محلية، يمكن للشركات تصميم منتجات تتناسب مع تفضيلات المستهلكين في أسواق محددة، مما يعزز استراتيجيات النمو المحلي لديها. ولكن، الهدف الأساسي يظل بناء مرونة جيوسياسية مع الحفاظ على التفوق في الابتكار.

الحد من المخاطر المرتبطة ببنية التكنولوجيا ومستودعات البيانات

في الماضي، كانت الشركات العالمية ترى أن الاعتماد على بنية تكنولوجية موحدة على مستوى العالم يمنحها ميزة تنافسية من خلال تحقيق وفرة في التكاليف. ولكن الآن، تواجه هذه الاستراتيجية تحديات كبيرة من عدة جوانب تتمثل في انتشار قوانين حماية البيانات والخصوصية وتوطين البيانات في مختلف أنحاء العالم، مما يزيد من تعقيد إدارة البيانات بشكل عالمي. بالإضافة إلى ذلك، تنامي التهديدات بسرقة البيانات واستخدام التكنولوجيا لأغراض ضارة ووكذلك للتجسس، مما يجعل البنية التكنولوجية الموحدة أقل أمانًا. وأخيرًا، هناك قلق من تركز البيانات في بعض الأسواق التي قد تكون عرضة للتهديدات الأمنية، مما يزيد من مخاطر فقدان البيانات أو استغلالها بشكل غير مشروع، إذ تضغط هذه العوامل جميعها على الشركات لإعادة تقييم استراتيجياتها التكنولوجية لضمان الأمان والامتثال للقوانين الدولية.

نظرًا للتحديات المتزايدة، تعيد الشركات تقييم بنيتها التكنولوجية وتسعى لإعادة توجيه استراتيجياتها التقليدية في إدارة التكنولوجيا والبيانات. في هذا السياق، تتجه بعض الشركات نحو تبني نهج عالمي متطور يراعي الامتثال للوائح المحلية، حتى وإن كان ذلك يعني تشغيل خدمات تكنولوجية في أسواق تنطوي على مخاطر عالية وتواجه تحديات جيوسياسية كبيرة. على سبيل المثال، قامت إحدى الشركات الرائدة في مجال الاستهلاك بتحليل بنية التجارة الإلكترونية لها لتتناسب مع تغييرات اللوائح المحلية، مما أدى إلى تحسين تجربة العملاء في السوق المحلية وضمان الامتثال للقوانين الجديدة.

في الماضي، كانت الشركات العالمية ترى أن الاعتماد على بنية تكنولوجية موحدة على مستوى العالم يمنحها ميزة تنافسية من خلال تحقيق وفرة في التكاليف. ولكن الآن، تواجه هذه الاستراتيجية تحديات كبيرة من عدة جوانب.

وفي ظل التحديات الجيوسياسية والتنظيمية المتزايدة، تقوم العديد من الشركات بإعادة هيكلة بنية التكنولوجيا الخاصة بها بطرق متنوعة، حيث تهدف هذه الخطوات إلى تكييف مواقع التكنولوجيا والبيانات مع المتطلبات الجيوسياسية والقوانين المحلية في كل منطقة. وفي الواقع، تعتمد العديد من الشركات هذا التقسيم الهيكلي ليس فقط لتلبية احتياجات كل جغرافيا على حدة، ولكن أيضًا لاتخاذ نهج شامل في إدارة المخاطر الجيوسياسية الأوسع، مثل سرقة الملكية الفكرية والاستيلاء على البيانات.

بينما تتبع بعض الشركات استراتيجية الاستثمار في بنية تكنولوجيا المعلومات المحلية بشكل كامل، حيث تفصل البيانات الحساسة عن الأسواق التي تعتبر ذات مخاطر عالية. وهنا تُظهر أبحاثنا أن العديد من الشركات الأمريكية، بدءًا من شركات الأسهم الخاصة إلى شركات الخدمات المهنية، تعمل بنشاط على استكشاف أو تنفيذ جهود لفصل بنيتها التكنولوجية عن الأسواق الحساسة. وتأتي هذه التحركات كرد فعل على التنافس الجيوسياسي المتزايد ونتيجة لتوقعات العملاء والجمهور الجديدة.

حتى الشركات التي لم تحقق التوطين الكامل تبذل جهوداً لتعديل بنيتها التكنولوجية، حيث تختار تخزين بياناتها في دول جيوسياسياً قريبة من مقراتها الرئيسية لضمان الامتثال للقوانين المحلية. هذه الاستراتيجية تهدف إلى تطوير بنية تكنولوجية مصغرة في البلدان البعيدة جغرافياً، وتكون متوافقة مع قوانين البيانات والخصوصية السارية في تلك الدول. على سبيل المثال، مقدمو خدمات السحابة يعملون على تطوير نماذج حوكمة جديدة، بينما يفصلون بعض الأسواق عن بنيتهم التحتية العالمية لزيادة الأمان. بطريقة مماثلة، تقوم الشركات المتخصصة في مجالات تكنولوجية متقدمة مثل الذكاء الاصطناعي، إنترنت الأشياء، والحوسبة الطرفية بفصل وظائفها الحساسة عن خدماتها العالمية، غالبًا بالتعاون مع مزودين محليين لتعزيز أمن المعلومات.

استخدام الكيانات القانونية المستقلة لاتخاذ القرارات

المؤسسات تعيد حاليًا تقييم دور كياناتها القانونية الفرعية أو المستقلة وكيفية استخدامها للتعامل مع التحديات الجيوسياسية. قادة الأعمال الذين شرعوا في إعادة هيكلة هذه الكيانات يواجهون متطلبات تنظيمية متباينة، مما يزيد المخاطر في الأسواق المحلية ويحتم عليهم العمل كلاعبين محليين معترف بهم. بهذا السياق، تستهدف الاستراتيجية الجديدة الامتثال للقوانين المحلية وتقليل المخاطر، مع بناء علاقات قوية مع الحكومات والعملاء في الأسواق المختلفة لضمان استمرارية ونجاح العمليات التجارية.

مثال على ذلك شركة دولية في قطاع الدفاع قامت بإعادة تصميم كياناتها القانونية لتتمكن من العمل كمقاول محلي في كل من أسواقها الرئيسية، بينما تتم إدارة القيادة واتخاذ القرار محليًا، مما يعزز الامتثال للقوانين المحلية ويبني علاقات أقوى مع الحكومات والعملاء. في الوقت نفسه، تظل الملكية مع الشركة الأم العالمية، مما يضمن السيطرة المالية وكذلك على الأصول.

ومع ذلك، فإن فصل الكيانات المحلية عن الشركة الأم يأتي مع تحديات جديدة. من بين هذه التحديات، تكرار الوظائف وزيادة التكاليف، حيث يؤدي إنشاء وحدات مستقلة إلى مضاعفة العمليات. بالإضافة إلى ذلك، قد تختلف مستويات تقبل المخاطر بين الشركة الأم والكيانات المحلية، مما يخلق تضاربًا في الاستراتيجيات، وقد يؤدي فقدان التكامل إلى انخفاض الكفاءات التشغيلية، حيث يتم التضحية ببعض الفعالية التي تأتي من العمل المشترك والمتكامل.

بالإضافة إلى هذه التحديات، هناك خطر أن يكون تقسيم الكيانات غير كافٍ لتعويض المخاطر الجيوسياسية بشكل كامل. فقد تستمر الجهات الخارجية في رؤية الشركة الأم والكيانات المحلية ككيان واحد، مما يعني أن أي مخاطر تواجه أحد الكيانات قد تؤثر على الشركة بأكملها. علاوة على ذلك، قد يؤدي التقسيم إلى حوكمة وضوابط غير كافية لإدارة المخاطر، حيث قد لا تلتزم الكيانات المحلية بنفس المعايير الصارمة التي تتبعها الشركة الأم.

اتخذت بعض الشركات خطوات أكثر جذرية، حيث رأت أن الاستمرار في هيكل الشركة الأم لم يعد ممكنًا. على سبيل المثال، قامت شركة قانونية رائدة بإنشاء وحدة مستقلة لإدارة عملياتها داخل كل دولة. وكذلك، قامت شركات رأس المال الاستثمارية بفصل أعمالها الإقليمية إلى كيانات جديدة تحمل علامات تجارية مميزة ومجالس إدارة محلية. ولكن هذه الاستراتيجية تأتي بتكلفة فقدان فوائد التشغيل العالمي، وفي بعض الحالات، تحولت الوحدات المستقلة إلى منافسين رئيسيين في بعض الأسواق.

وقد تضطر نفس الشركة أحيانًا لاتخاذ خطوات متعددة ومختلفة في أسواق مختلفة حول العالم. على سبيل المثال، في الشرق الأوسط، تسعى إحدى أكبر شركات الأغذية والمشروبات لاستعادة الملكية الكاملة لإحدى فروعها، مما يعزز حضورها المحلي. أما في الصين، ضاعفت الشركة استثماراتها في مشروع مشترك، مما يعزز من شراكاتها المحلية ويسمح لها بالاستفادة من النمو السريع في السوق الصينية. بينما في روسيا، اضطرت الشركة لبيع عملياتها بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، مبررة قرارها بالأزمة الإنسانية والبيئة التشغيلية غير المستقرة، مما يظهر التزامها بقيمها الأخلاقية. من خلال هذه الإجراءات، تبدي الشركة مرونة عالية وقدرة على التكيف مع السيناريوهات الجيوسياسية المتغيرة، وهو أمر حيوي للشركات العالمية التي تسعى للنجاح في بيئة عالمية معقدة.

حماية رأس المال المُستثمر في المناطق البعيدة جغرافيًا وسياسيًا

تشهد تدفقات رأس المال تأثرًا كبيرًا بالتحولات الجيوسياسية. ووفقًا لتقارير صندوق النقد الدولي، تؤدي عادةً زيادة التوترات الجيوسياسية بين دولتين إلى انخفاض الاستثمارات المتبادلة بينهما8. فمنذ عام 2015، شهدت الصين وروسيا انخفاضًا حادًا في الاستثمارات المباشرة، نتيجة لتراجع الإنفاق من قبل الاقتصادات المتقدمة في آسيا وأوروبا والولايات المتحدة9. في المقابل، زادت تدفقات الاستثمار إلى الاقتصادات النامية الأخرى، مثل أفريقيا والهند وأوروبا النامية، حيث يبحث رأس المال عن فرص استثمارية جديدة في هذه الأسواق. كما هو موضح في (الشكل 3).

3
Can your company remain global and if so, how?

في ظل هذه البيئة الجيوسياسية المتغيرة، تتجه العديد من الشركات العالمية نحو تبني استراتيجيات التقسيم الهيكلي، إذ تعزز هذه الشركات النظرة الجيوسياسية عند اتخاذ قرارات رأس المال، سواء فيما يتعلق بكثافة رأس المال المطلوبة لنماذج أعمالها أو هيكل رأس المال الذي تعتمد عليه للتمويل. فمن خلال هذا النهج، تسعى الشركات إلى التكيف مع التحديات الجيوسياسية وضمان استدامة عملياتها في الأسواق المختلفة.

بينما تتبع بعض الشركات استراتيجية التوطين في تمويل أنشطتها، حيث تعدل ترتيباتها المالية بما يتوافق مع الظروف الجيوسياسية المحلية. على سبيل المثال، قد تمول شركة عملية شراء طائرات مؤجرة لشركات الطيران في دولة محددة من خلال الحصول على قروض من بنوك داخل نفس الدولة. هذا الترتيب يضمن أن جميع التدفقات النقدية الداخلة والخارجة تخضع لنفس الظروف المحلية، مما يقلل المخاطر المتعلقة بالتقلبات الجيوسياسية.

في حين تعمد بعض الشركات إلى تحويل رأس مالها من المناطق ذات المخاطر الجيوسياسية العالية إلى الأسواق المحلية الأكثر استقرارًا، تسعى هذه الشركات إلى الحفاظ على وجودها في الأسواق البعيدة من خلال إقامة شراكات والتعاون مع الجهات المحلية بدلًا من الاستثمار المباشر. هذا النهج يهدف إلى تقليل المخاطر المتعلقة بخسارة الأصول وتجنب الاستثمار في أصول غير مستخدمة، مستفيدًا من المواهب والشبكات المحلية لتعزيز الكفاءة. إضافة إلى ذلك، تتبع بعض الشركات الأخرى استراتيجية سحب رأس المال من الأسواق العالية المخاطر باستخدام آليات سيولة مثل الطروحات الأولية للأسهم، المبيعات الخاصة، وبيع حصص الأسهم إلى مستثمرين دوليين لديهم صلات جيوسياسية أقرب. على سبيل المثال، قامت عدة شركات عالمية متخصصة في السلع الاستهلاكية ببيع أو تأجير مصانعها ومستودعاتها إلى شركاء محليين موثوق بهم، معتمدين على عقود طويلة الأجل تضمن استمرارية واستقرار سلاسل التوريد الخاصة بها.

ضمان الأشخاص والروابط

تواجه الشركات العالمية تحديًا كبيرًا في الحفاظ على طابعها العالمي، خاصة فيما يتعلق بالموظفين والثقافة التنظيمية. ولتحقيق هذا التوازن، يجب على الشركات المحافظة على مبادئها الثابتة مثل التواصل العالمي ووضع ثقافة موحدة للشركة، حيث يشعر الموظفون بالإنتماء لنفس المؤسسة بغض النظر عن مواقعهم الجغرافية. في الوقت نفسه، يتعين على هذه الشركات إدارة المخاطر المتعلقة بالموظفين من خلال برامج فحص دقيقة وبرامج للحد من المخاطر الداخلية. كما يجب عليها طمأنة الجهات المعنية بالجوانب الجيوسياسية بأن لديها عمليات وإجراءات كافية لضمان أمن وسلامة الموظفين.

والواقع هو أن هناك العديد من الشركات متعددة الجنسيات تجد نفسها مضطرة لتطبيق بعض الإجراءات التنظيمية المتعلقة بموظفيها، وذلك لتلبية توقعات الجهات المعنية من المسؤولين الحكوميين وحتى العملاء. تشمل هذه الإجراءات نقل مواقع المكاتب الرئيسية للموظفين ليكونوا أقرب إلى مناطقهم الجغرافية، وتعديل سياسات السفر بحيث يكون تجمع الموظفين محليًا بشكل أكبر. بالإضافة إلى ذلك، تقوم الشركات بتقسيم الوصول إلى البيانات على الشبكات العالمية من أسواق معينة، وإنشاء جدران نارية لحماية الاتصالات الخاصة من الأسواق الخارجية. تهدف هذه الخطوات إلى تحقيق التوازن بين الامتثال للتوقعات الجيوسياسية والتنظيمية، والحفاظ على الأمان والكفاءة التشغيلية.

والواقع هو أن هناك العديد من الشركات متعددة الجنسيات تجد نفسها مضطرة لتطبيق بعض الإجراءات التنظيمية المتعلقة بموظفيها، وذلك لتلبية توقعات الجهات المعنية من المسؤولين الحكوميين وحتى العملاء.

عندما تقرر الشركات متعددة الجنسيات تنفيذ إجراءات تنظيمية جديدة، يجب أن تقوم بذلك بحذر لتجنب عزل مجموعة معينة من الموظفين، مما قد يؤدي إلى تآكل النسيج العالمي للمؤسسة. وقد أظهرت أبحاث ماكنزي أن المؤسسات التي تعمل بروح الفريق الواحد تزيد فرصها في تحقيق أداء عالٍ وصحة تنظيمية أفضل بنسبة 2.3 مرة مقارنة بغيرها10تحقيق قيمة "الشركة الواحدة"، نشر في 9 مايو 2023 في مجلة ماكنزي الفصلية، بقلم بلير إبستين، وكيتلين هيوز، وسكوت كيلر. انطلاقًا من هذه النتائج، يمكن للشركات، على سبيل المثال، أن تحصر مناقشة الموضوعات الحساسة جيوسياسيًا بين القادة الرئيسيين في المقر العام والقيادات المحلية. هذا الإجراء يهدف إلى منع تأجيج الانقسامات داخل الشركة أو تسرب المعلومات الذي قد يثير ردود فعل سلبية في الأسواق.

ونظرًا لأن استراتيجيات التقسيم الهيكلي قد تثير الكثير من الانتباه والقلق بين الموظفين، فإن العديد من الشركات متعددة الجنسيات تجد نفسها مضطرة للتفكير بجدية في كيفية الحفاظ على الشعور بالاتصال العالمي بين موظفيها. هذا الأمر ضروري ليس فقط لأسباب ثقافية، ولكن أيضًا للحفاظ على المواهب ومنع فقدانها. فعلى سبيل المثال، قامت إحدى الشركات الأمريكية الرائدة بجمع كل موظفيها الجُدد من سوق بعيد جيوسياسيًا وإحضارهم إلى مقرها الرئيسي العالمي، بهدف تعزيز التعلم المشترك والشعور بالترابط بينهم.

يعي قادة الأعمال أن الشركات ذات الشمولية والتواصل القوي بين الموظفين تمتلك قدرة أكبر على التكيف مع التغيرات ومواجهة الأزمات الخارجية. ومع ذلك، يواجهون تحديًا كبيرًا في الحفاظ على هذه الشمولية والتواصل في ظل الحاجة إلى تقليل المخاطر الجيوسياسية، مما يستلزم أحيانًا تقسيم العمليات العالمية للشركة بطرق تفصل بين أقسامها المختلفة. هذا التقسيم، على الرغم من أهميته لحماية الشركة من المخاطر، قد يكون له تأثير سلبي على التماسك الداخلي والشعور بالانتماء بين الموظفين.

استراتيجيات ناشئة جديدة للتقسيم الهيكلي

بوجه عام، نجد أن الشركات عادة ما تتبنى إحدى الاستراتيجيتين الرئيسيتين: إما الالتزام باستراتيجية عالمية موحدة أو الاتجاه نحو تقسيم هيكلي. تُستخدم كلتا الاستراتيجيتين لتوجيه عملية اتخاذ القرار عبر ستة أبعاد رئيسية. ومع ذلك، تتمتع الشركات بالمرونة في اختيار اتباع نهج موحد في جميع المجالات أو استخدام مجموعة متنوعة من التكتيكات بحسب احتياجاتها الخاصة.

تتفاوت استراتيجيات الشركات في مواجهة المخاطر الجيوسياسية وفقًا لطبيعة أصولها ومستوى رأس مالها. الشركات ذات الأصول الخفيفة، التي تعتمد على أصول محدودة لتحقيق إيرادات عالية، غالبًا ما تتبع نهجًا عالميًا في عملياتها ورؤوس أموالها. لتعزيز مرونتها ضد التقلبات الجيوسياسية، تقوم هذه الشركات بتقسيم أنظمتها التكنولوجية وهياكلها القانونية. من ناحية أخرى، الشركات ذات رأس المال الكثيف تنتهج تقسيمًا أوسع في جوانب متعددة من عملياتها وسلاسل التوريد، وتتبنى استراتيجية "تخصيص حسب السوق" لتلبية احتياجات كل سوق بدقة أكبر. وفي سياق متصل، تمثل شركات الامتيازات المالية حالة خاصة، حيث تفوض القرارات إلى كيانات إقليمية شبه مستقلة وتجمع رأس المال محليًا. هذه الخطوة تمكنها من تقليل المخاطر الجيوسياسية وتعزيز النمو بشكل فعال. باختصار، تعتمد الشركات على استراتيجيات تقسيم وتنويع عملياتها وفقًا لطبيعة أصولها ورأس مالها، مما يضمن تقليل المخاطر الجيوسياسية وزيادة فرص النجاح في الأسواق المختلفة.

تواجه الشركات التي تمتلك تواجدًا طويل الأمد في الأسواق البعيدة جيوسياسيًا خيارات معقدة، حيث أن استراتيجياتها الحالية قد تشكلت عبر قرارات اتخذت خلال العقود الثلاثة الماضية، ومع التكاليف الكبيرة التي تحملتها لإنشاء وجودها في تلك الأسواق، فإنها غالباً ما تفضل التمسك بوضعها الحالي أو إجراء تغييرات تدريجية. هذا يعني أنها ستقوم بتقسيم أو تعديل عملياتها بشكل تدريجي وعلى مستويات متعددة. والنتيجة هي استراتيجية مختلطة؛ على سبيل المثال، قد تقوم الشركة بتقسيم بنيتها التكنولوجية، لكنها تظل ملتزمة بنهج عالمي فيما يتعلق بالموظفين والبحث والتطوير ورؤوس الأموال. باختصار، تعتمد هذه الشركات على استراتيجيات تجمع بين التقسيم التدريجي والنهج العالمي، مما يمكنها من الحفاظ على توازن بين الاستقرار والتكيف مع التغيرات الجيوسياسية.

عند تحديد استراتيجياتهم، يجب على قادة الأعمال مراعاة إدارة المخاطر واستراتيجيات النمو، فضلاً عن إمكانية تنفيذها بفعالية. وعلى الرغم من أن القرارات المتعلقة بتقسيم الهياكل التنظيمية غالبًا ما تُتخذ لتقليل المخاطر، إلا أن هناك العديد من القرارات التي تهدف إلى تحقيق نمو محلي مرن ومخصص بشكل أفضل. تُمكن هذه الاستراتيجيات الشركات من التكيف مع الظروف المتغيرة في الأسواق البعيدة جيوسياسيًا، مما يعزز من قدرتها على تحقيق النجاح في بيئات معقدة ومتغيرة.

وأخيرًا، تتطلب أبعاد التقسيم الهيكلي النظر بعناية في كيفية تطبيقها على مستوى السوق. فعند اتخاذ قرارات الهيكلة، يجب على قادة الأعمال التفكير بعمق في نطاق السوق المستهدف. فهل يجب أن يكون التقسيم مخصصًا لدولة واحدة فقط، أم يجب أن يشمل عدة دول؟ وإذا كان الأمر كذلك، هل يمكن التعامل مع هذه الدول كمجموعة واحدة، أم أن كل دولة تحتاج إلى استراتيجيات وتقسيمات مختلفة؟ وربما يمتد التقسيم إلى نطاق أوسع يشمل مناطق كبيرة من العالم.


في العصر الحالي، الذي نشهد فيه تقلبات جيوسياسية، تأتي حكمة "بيتر دراكر" لتقدم لنا بصيرة ثاقبة، إذ يقول: "أكبر خطر في أوقات الاضطراب ليس الاضطراب نفسه؛ بل التصرف بمنطق الأمس." هذه الكلمات تحمل دلالة عميقة، مفادها أن التحدي الأساسي الذي يواجه القادة اليوم ليس فقط الأزمات الطارئة، بل الميل الخطير إلى الاعتماد على استراتيجيات وأفكار موروثة لم تعد تتناسب مع الواقع المعاصر.

وفي الوقت الراهن، يُستكشف التقسيم الهيكلي كمنهجية حديثة بين قادة الأعمال للتعامل مع التحديات الجيوسياسية المتزايدة ولدعم إمكانيات النمو المستقبلية. هذه الاستراتيجية تتطلب من القادة التعامل بحذر مع التعقيدات المتجددة للجغرافيا السياسية والهيكلة العالمية للتجارة، مما يدفعهم لاعتماد نهج مخصص لكل سوق يعملون به. ومع ذلك، لا يعتبر التقسيم الهيكلي حلاً شاملاً يمكنه إلغاء جميع المخاطر؛ فالمناطق التي تُعد بعيدة جيوسياسيًا تحمل مخاطر وفرصًا بالتساوي. لذلك، من الضروري للشركات متعددة الجنسيات أن تبدي استعدادًا لتدقيق موسع في نماذج التشغيل العالمية التي تتبناها، وذلك لضمان فعالية استراتيجيات التقسيم التي تعتمدها بغض النظر عن التحديات.

Explore a career with us