يشهد قطاع العلوم الحياتيّة اليوم تطوراتٍ كبيرةً تُوشِكُ أن تنتقل بنا إلى عصرٍ جديدٍ من الابتكار الذي يُعيد تعريف سُبُل البحث والتطوير في مجال العلوم الحياتية، وفي المُقدمة منها صناعة الدواء. فقد ظهرت مجموعةٌ من العوامل التي ساهمت في تسريع وتيرة الابتكار في هذا المجال والتحرُّك قُدمًا نحو آفاق نموٍّ غير مسبوقةٍ، والتي من بينها الطفرة التكنولوجية الحديثة، بالإضافة إلى الانتشار الواسع للبيانات، والفهم المتزايد للأنظمة البيولوجية المُعقدة. على سبيل المثال، فقد شهد الاستثمار في مجال اكتشاف الأدوية باستخدام تقنيات التعلم الآلي نموًا استثنائيًا، إذ كشفت تحليلات ماكنزي عن تضاعف هذا النمو بأكثر من سبع مراتٍ بين عامي 2019 و2022. وترجع هذه الطفرة إلى تزايد الاهتمام العالمي بالتقنيات المبتكرة، وعلى رأسِها تقنية الأجسام المضادة المُدمجة بالعقاقير (ADCs)، وهي نوعٌ متقدمٌ من العلاجات المُوجهة، والتي تُستخدم بشكلٍ رئيسيٍّ في علاج أمراض السرطان. تجمع هذه التقنية في تركيبتها بين جسمٍ مُضاد قادر على استهداف خلايا معينة والعقار الكيميائي السام للخلايا. تسمح هذه التقنية بإيصال العلاج مباشرةً إلى الخلايا السرطانية مع تقليل الأضرار التي قد تلحق بالأنسجة السليمة. ومن المتوقع أن تُحقق أفضل ثلاث مركباتٍ من هذه التقنية إيراداتٍ عالمية تصل إلى 17 مليار دولار بحلول عام 2028. ومن اللافتِ أيضًا، قيام ثمان شركاتٍ من أكبر عشر شركاتٍ عاملةٍ بقطاع الصناعات الدوائية بإبرام صفقة استحواذ أو ترخيص واحدةٍ على الأقل تخصّ هذه التقنية خلال العامين الماضيين.
على الرغم من الاهتمام المتزايد والاستثمار المكثف من قبل شركات الأدوية في تطوير علاجاتٍ جديدة، مدفوعًا بالفرص الواعدة التي يوفرها الابتكار الطبي والتقدم التكنولوجي، إلا أن الضغوط على هذا القطاع باتت في تزايدٍ مستمر أيضًا، وذلك بفضل احتدام المنافسة وتكدّس خطوط البحث والتطوير بالعديد من الأدوية الجديدة. هذا الواقع أدّى إلى تقليص مدة بقاء الأدوية في السوق قبل إطلاق بدائل أحدث، وهو ما يُعرف بقِصر دورة حياة الأدوية. وفي ظل هذه التحديات، أصبح من الضروري على شركات الأدوية استحداث وتطوير استراتيجياتٍ جديدة تكون أكثر كفاءةً وفعالية في البحث والتطوير لتضمن لنفسها موطئ قدم ومكانة متقدمة في هذا السوق التنافسي. ومن خلال دراسةٍ تحليليةٍ قمنا بإجرائها على 100 صنفٍ من الأدوية التي حققت أعلى مبيعاتٍ فعلية ومتوقعة ما بين عامي 2014 و2030، تبيّن وجود عددٍ من نقاط الضعف التي تحتاج إلى تحسين، أبرزها الحاجة إلى توسيع نطاق استخدام العقاقير لعلاج حالاتٍ مَرضيّةٍ إضافية بالتوازي مع عملية تطوير هذه العقاقير، إلى جانب تعديل تصاميم التجارب السريرية لتحديد أهدافٍ أوسع وأكثر شمولًا ليتم قياسها، بالإضافة إلى توسيع نطاق انتشار التجارب السريرية على المستوى العالمي.
بيئةٌ مليئة بالتحديات
تواجه شركات الأدوية الحيوية تحدياتٍ كبيرة قد تُعيق مسيرة البحث والتطوير. وفيما يلي ثلاثة تحدياتٍ رئيسية:
تكدُّس خطوط البحث والتطوير
تشهد صناعة الأدوية زيادةً كبيرة على مستوى النشاط البحثيّ، فقد سجّل حجم التجارب السريرية في مختلف المجالات العلاجية ارتفاعًا سنويًا بلغت نسبته 4 في المائة بين عامي 2020 و2024، بينما تضاعف عدد المُركّبات الدوائية التي مازالت قيد التطوير خلال العقد الماضي. هذه الزيادة تعكس حجم المنافسة بين الشركات العاملة في هذا القطاع، والتي تسببت في تقليص الفترات الزمنية المُنقضية قبل إطلاق أنواعٍ جديدةٍ من الأدوية. على سبيل المثال، لاحظنا تقلّص الفترة الزمنية بين إطلاق الثلاثة أدوية الأوائل في علاج الأورام (HER2, CD20, BCR-ABL) بشكلٍ ملحوظ، حيث سجّلت الفجوة بين الإطلاق الأول والثاني 6.3 سنوات، بينما تقلّصت إلى 2.4 سنة بين الإطلاق الثاني والثالث، حتى وصلت إلى 1.4 سنة بحلول الإطلاق الخامس.1
المزيد من الرؤى والتقارير من ماكنزي باللغة العربية
شاهد مجموعة المقالات الخاصة بنا باللغة العربية، واشترك في النشرة الإخبارية العربية الشهرية
ويُعبّر قِصر الفترات الزمنية بين إطلاقات الأدوية عن ظاهرةٍ تعرف بـ "تكدُّس الأدوية". تلك الظاهرة التي نشأت نتيجة اهتمام الغالبية العُظمى من شركات الأدوية بالعمل على نفس الأهداف العلاجية،2 والتي يتصدّر قطاع الأورام قائمتها. مما أدى إلى زيادة عدد الأدوية التي تشترك في علاج نفس الحالات المَرضيّة خلال العقدين الماضيين بأكثر من 2.5 مرة. ففي عام 2000، كان 16 في المائة فقط من البرامج الدوائية لدى أكبر عشر شركاتٍ للأدوية تتنافس على هدفٍ علاجيٍ واحد (وهو ما يعني أن أكثر من خمس أدوية تستهدف علاج نفس المرض). بينما ارتفعت النسبة إلى 68 في المائة بحلول عام 2020 (الشكل 1).
قِصر دورة حياة الأُصول الدوائية
يواجه قطاع الصناعات الدوائية تحديًا متزايدًا يتمثل في تقلّص فترة بقاء أصوله من الأدوية في الأسواق، نتيجة شدة المنافسة وتسارع وتيرة تطوير العلاجات الجديدة، مما يقلل من فرصة الشركات في تحقيق العوائد الكاملة من أدويتها قبل أن تظهر بدائلٌ أخرى، وهو ما يُعرف اصطلاحًا بـ "قِصر دورة حياة الأصول". على مدى العقدين الماضيين، تسارعت وتيرة التغيرات في قطاع الرعاية الصحية والممارسات الطبية، إلى جانب التوسع في استخدام الأدوية البيولوجية المُشابهة، - وهي أدوية تُنتج كبدائل أقل تكلفةٍ للأدوية البيولوجية الأصلية بعد انتهاء براءات اختراعها-. وكنتيجةٍ لهذه العوامل، أصبحت الأدوية الجديدة تواجه تحدي قصر المدة الزمنية المطلوبة لتحقيق مبيعاتها القصوى قبل أن تظهر بدائل جديدة أو يتغير النهج العلاجي، حيث انخفض الوقت اللازم لوصول الدواء إلى 50 في المائة من إجمالي مبيعاته المتوقعة بأكثر من عامين مقارنةً بما سبق3. إضافةً إلى ذلك، فقد أثّر ما تم تطبيقه من إصلاحاتٍ في مجال التسعير الدوائي في قدرة الشركات على تحقيق الاستفادة القصوى من هذه الأدوية. ولعل أوضح مثالٍ على ذلك، هو قانون الحد من التضخم الذي يحدد سقفًا سعريًا للأدوية التي تستحوذ على أكبر نسبةٍ من نفقات برنامج التأمين "Medicare". فوفقًا للقانون، تتمتع الأدوية ذات التركيب البسيط بحمايةٍ سعرية تمتد لتسع سنوات، في حين تمتد هذه الحماية إلى 13 سنة للأدوية البيولوجية الأكثر تعقيدًا. وبعد انقضاء هذه الفترات، وجدنا أن الأدوية البسيطة تُحقق 51 في المائة من إيراداتها المتوقعة، بينما تُحقق الأدوية البيولوجية 29 في المائة فقط. لذا، من المُرجح أن يؤثر هذا التفاوت على إيرادات الشركات، ويحدّ من الاستثمارات المحتملة في قطاع الأدوية، كما يُمكن أن يدفع الشركات إلى إعادة النظر في استراتيجياتها لتطوير الأدوية، سعيًا منها لتحقيق أعلى أرباح في أقصر فترةٍ زمنية ممكنة.4
تزايُد الضغوط المالية
مما لا شك فيه، أن الارتفاع المطّرد في تكاليف تطوير الأدوية أصبح عبئًا يُثقل كاهل شركات الدواء ويعيد تشكيل ملامح هذا القطاع الحيوي. إذ بلغ متوسط حصة البحث والتطوير 20 في المائة من إجمالي إيرادات شركات الأدوية الحيوية، ليصل حجم ما تم إنفاقه في مجال البحث والتطوير إلى 260 مليار دولار بحلول عام 2023.5 ومع ذلك، لم يُحقق هذا الإنفاق الضخم تحسُنًا ملحوظًا؛ إذ ما زالت تستغرق عملية تطوير الأدوية قرابة العشر سنوات من بداية التجارب السريرية وحتى إطلاق المُنتج النهائي، بينما ارتفعت تكلفة إطلاق كل دواءٍ إلى 4 مليارات دولار في عام 2022، بزيادةٍ سنوية قدرها 8 في المائة.6 ويعود هذا الارتفاع في التكاليف إلى عوامل عدة، منها زيادة تعقيد التجارب السريرية نتيجة استخدام تقنياتٍ علاجيةٍ أكثر تطورًا، وانخفاض معدلات تسجيل المرضى، خاصةً في المرحلة الثالثة الأكثر تأثيرًا. إنّ هذه التحديات جميعها، هي ما تدفع الشركات للبحث عن حلولٍ مبتكرة لتحسين العائد على استثماراتها في مجال البحث والتطوير.
ثلاث استراتيجياتٍ فعّالة لتحقيق النجاح
تعتمد شركات الأدوية على مجموعةٍ من الأساليب لزيادة فرص نجاح العلاجات الجديدة، وذلك عبر نهجين أساسيين، الأول يُركز على تحديد المؤشرات العلاجية المناسبة التي تُوجّه عملية البحث والتطوير اللتان تسبقا مرحلة البدء في التجارب. أمّا الثاني، فيتمثل في التركيز على إدارة التجارب السريرية بفعالية عبر مراحلها المختلفة، بدءًا من تصميم الأدوية، وصولًا إلى إتمامها والحصول على الموافقات التنظيمية (الشكل 2). ومن خلال دراسةٍ متعمقةٍ لأهم 100 منتجٍ علاجي في مختلف المجالات، تمكّنا من تحديد ثلاث استراتيجياتٍ رئيسية تُعد مفتاح النجاح في هذا القطاع.
توسيع نطاق استخدامات الأدوية بالتوازي مع تطويرها
في السنوات الأخيرة، أظهرت الأبحاث الحديثة أن كُبرى شركات صناعة الأدوية تعمل بشكلٍ مُكثّف على توسيع نطاق استخدام منتجاتها لتشمل حالاتٍ علاجيةٍ جديدة في المراحل المبكرة من تطويرها. على سبيل المثال، كشفت الأبحاث الخاصة بفئتين من أكثر الفئات الدوائية الرائدة-وهما العلاجات المضادة لمُعامل نمو بطانة الأوعية الدموية ومثبطات (PD-1)7—أن أفضل 15 شركة في هذا المجال بدأت في إجراء تجارب سريرية لمؤشراتٍ وحالاتٍ علاجيةٍ إضافية بشكلٍ أسرع (أي خلال 12 شهرًا من أول تجربةٍ رئيسيةٍ للعلاج). كما رصدت التحليلات تبنّي هذه الشركات نهجًا استباقيًا بإطلاق عددٍ أكبر من التجارب مقارنةً بمنافسيها (الشكل 3).
بخلاف هاتين الفئتين، قُمنا بتوسيع تحليلنا ليشمل أفضل 100 منتج دوائي بين عامي 2014 و2030. تم تقييم عدد المؤشرات العلاجية التي تم العمل عليها خلال خمس سنواتٍ من بدء التجارب السريرية الأولى على البشر كمؤشرٍ على التوسع المبكر والموازي في استخدام الأدوية. وكشفت التحليلات عن وجود اتجاهٍ واضح نحو تسريع وتيرة البحث والتطوير في مجال العلاجات الطبية، سواء كانت لعلاج السرطان أو غيره. على سبيل المثال، بدأت التجارب الأولى لعقار "أوبديفو" في عام 2006، وتم اختبار فعاليته على ست حالاتٍ علاجيةٍ جديدة خلال خمس سنواتٍ فقط من بدء تجاربه على البشر. وبالمثل، تم استخدام عقار "تيسينتريك"، الذي بدأت أولى تجاربه في 2011، لعلاج 14 حالةٍ جديدة. كما توسَّع استخدام عقار "إمفينزي"، الذي بدأ في عام 2012، ليشمل 18 حالةٍ جديدة. أما عقار "كيترودا"، الذي يُعد مثالًا بارزًا على نجاح هذا التوجه، فقد تم اختبار فعاليته على 38 حالةٍ علاجية جديدة خلال خمس سنواتٍ من تجاربه الأولى،8 وذلك بفضل الأسلوب المبتكر في إدارة التجارب. أما بالنسبة للعقاقير المُدمجة بالأجسام المضادة (ADCs)، فقد بدأت تجربة عقار "بادسيف" في 2014 على حالتين جديدتين، بينما توسّع استخدام عقار "إنهيرتو"، الذي بدأت تجربته في عام 2015، وعقار "داتوبوتاماب ديروكستيكان"، الذي بدأ العمل عليه في 2018، ليشمل 11 و13 حالةٍ جديدة على التوالي في نفس الفترة.
وتهدف استراتيجية "التقديم المبكر للدواء والفشل السريع"- وهي نهجٌ يهدف إلى تسريع تطوير الأدوية عن طريق تحديد المؤشرات العلاجية الواعدة في المراحل المبكرة والعمل على تطويرها بسرعة، مع تقبل التخلي عن الأدوية غير الفعالة. تسعى هذه الاستراتيجية لدخول السوق بسرعةٍ وتقييم فعاليتها في أقصر مدةٍ زمنية-. إنّ نهجًا كهذا يمنح الشركات فرصةً لتحقيق الاستفادة القصوى من منتجاتها قبل ظهور العديد من التحديات، كدخول منافسين جُدد أو انتهاء الحقوق الحصرية. وبالرغم من تعدد فوائد هذه الاستراتيجية، إلا أن هناك العديد من الصعوبات التي قد تُعيق تطبيقها وتحُول دون تحقيق الاستفادة القصوى منها. من بين هذه الصعوبات ارتفاع نسبة المخاطر، والتعقيدات التشغيلية، فضلًا عن ضرورة توافر الموارد والتمويل الضخم منذ البداية. ولهذا قد يظهر تباينٌ واضح في انتشار هذه الاستراتيجية بين شركات الأدوية الحيوية بحسب قدرة كل شركةٍ على التعامل مع هذه التحديات. ومع ذلك، عندما تتوافر الإمكانات، يُمكن لهذه الاستراتيجية أن تمنح الشركات فرصةً لتعويض التأخير وتعزيز مكانتها داخل الأسواق التنافسية، حتى ولو لم تكن للشركة الأسبقية في تقديم الدواء الجديد.
ما الذي يحمله المستقبل لهذه الصناعة؟ يتجه قطاع الصناعات الدوائية نحو مرحلةٍ جديدة من التوسع في استخدام الأدوية بالتزامن مع تطويرها، خاصةً في ظل تزايد التحديات التي تُعيق عمليات البحث والتطوير في الوقت الحالي. ولعل أبرز هذه التحديات قانون خفض التضخم، الذي يشكل حافزًا قويًا لتسريع وتيرة تطوير الأدوية، وبالأخص تلك التي تستهدف علاج حالاتٍ متعددة، لتتمكن الشركات من تحقيق أقصى استفادةٍ ممكنة قبل الشروع في تطبيق القانون ودخول ضوابط الأسعار حيز التنفيذ.
وبفضل التقدُّم الملحوظ في أساليب البحث واتخاذ القرار، أصبح توسيع نطاق استخدام الأدوية بالتوازي مع تطويرها أمرًا ممكنًا. في الوقت الحالي، تساعد تقنيات تحليل البيانات الشركات على تحديد المجالات العلاجية الواعدة بشكلٍ أسرع، عن طريق فحص كمياتٍ ضخمةٍ من المعلومات، مثل البيانات الجينية وسجلات المرضى ونتائج العلاجات السابقة. كما تُساهم هذه التطورات في الكشف عن فرصٍ جديدةٍ لعلاج أمراضٍ متنوعة، مما يساعد في تطوير علاجاتٍ أكثر شموليةً وملاءمةً لاحتياجات المرضى. (للمزيد عن كيفية تعزيز شمولية البحث والتطوير، يمكن الاطّلاع على العمود الجانبيّ بعنوان "فهم الاختلافات بين الجنسين لتحسين العلاجات وتحقيق النمو").
من الناحية العمليّة، يُسهم التطور في تصميم وتنفيذ التجارب السريرية في خلق فرصٍ أفضل لتحقيق التوسُّع في علاج العديد من الحالات المرضية في وقتٍ واحد. على سبيل المثال، يزيد التصميم التكيفيّ المرن للتجارب السريرية من نسبة نجاح علاج أمراضٍ متعددة، فهو يُتيح تعديل التجارب الجارية بناءً على النتائج الأولية. أما التجارب اللامركزية- أي التجارب السريرية عن بُعد أو في مواقع متعددة-، فهي تساعد في تخصيص الموارد بشكلٍ أكثر فعاليةً، مما يُسرّع من إجراء التجارب ويزيد من كفاءتها، وهو ما ثبُت على أرض الواقع خلال عملية تسجيل آلاف المشاركين لدعم تطوير لقاح COVID-19 بسرعةٍ ملحوظة. ولعل إجراء هذه التحسينات في الجوانب الاستراتيجية والتنفيذية معًا يُمهّد الطريق لمرحلةٍ جديدة في قطاع تطوير الدواء، فقد أصبح استخدام العلاجات على نطاقٍ واسع بالتزامن مع العمل على تطويرها جزءًا أساسيًا من استراتيجية النجاح في هذا القطاع.
زيادة أهداف التجارب السريرية
في الأعوام الأخيرة، شهدنا زيادةً في عدد الأهداف المُراد قياسها والنتائج التي يسعى الباحثون لتحقيقها من إجرائهم لتلك التجارب السريرية. مكّنت هذه الزيادة شركات الأدوية من جمع بياناتٍ حول مؤشراتٍ متعددة تتجاوز النتائج العلاجية الأساسية، كتحسين جودة حياة المرضى على سبيل المثال. ومع ذلك، فإن هذا التوجُّه يترتب عليه تحدياتٍ إضافية، تتمثّل في زيادة العبء على مراكز البحث والمرضى المشاركين في التجارب. ولدراسة هذه الظاهرة، قُمنا بحساب متوسط عدد الأهداف الثانوية في تجارب المرحلة الثالثة لأهم 100 منتجٍ دوائيّ.9 وقد أظهرت التجارب التي بدأت بين عاميّ 2015 و2024 وجود 12.1 هدفًا ثانويًا في المتوسط، بزيادةٍ بلغت 25 في المائة مقارنةً بالتجارب التي بدأت بين عاميّ 2005 و2014 (الشكل 4). بوجهٍ عام، احتلّت التجارب الخاصة بالأورام المرتبة الأولى من حيث عدد الأهداف، بينما أظهرت تجارب الأمراض الخاصة بالغدد الصماء والأوعية الدموية والقلب تنوعًا أكبر في الأهداف.
يُمكن لاستراتيجية جمع البيانات على نطاقٍ واسع وبطريقةٍ مدروسة أن توفر قاعدة بياناتٍ شاملة تدعم الموافقات التنظيمية. كما تُتيح هذه الاستراتيجية إضافة استخداماتٍ جديدة للأدوية وتُسهّل وصولها إلى الأسواق، مما يزيد من فرص تبنيها من قبل المرضى ومقدمي الرعاية الصحية. وكمثالٍ توضيحي، في فئة الأدوية من محفزات "GLP-1" المستخدمة لعلاج مرضى السكّري،10 أظهر عقار "تروليستي"، ( وهو من أوائل العقاقير المُكتشفة في هذا المجال) متوسط 17 هدفًا ثانويًا في التجارب السريرية الخاصة بمرض السكّري. بينما أظهر العقار الأحدث "كاغريسيما" حوالي 28.8 هدفًا ثانويًا. ومن الجدير بالذكر، أن تقييم هذه الأهداف يعتمد على آراء المرضى أنفسهم وتقييمهم لتأثيرات العلاج عليهم، وهو ما يساعد في تحديد الفوارق التنافسية بين هذه العلاجات والعلاجات الأخرى المتاحة في الأسواق.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن إضافة المزيد من الأهداف المطلوب قياسها عبر التجارب السريرية قد يزيد من تعقيد الإجراءات، مما يجعل مشاركة المرضى أكثر صعوبة. لذا، من الضروري وضع خطةٍ مدروسةٍ بعناية على صعيد التنفيذ والتحليل الإحصائي، لضمان الحفاظ على سلاسة التجربة ووضوح النتائج.
ماذا يحمل لنا المستقبل؟ مع تزايد استخدام الطب المُوجّه- والذي يهدف إلى تصميم العلاجات وبروتوكولات الرعاية الصحية المُقدمة بناءً على الخصائص الفردية (الجينية والبيئية ونمط الحياة) لكل مريضٍ على حدة-، بالإضافة إلى انتشار العلاجات الدقيقة التي تستهدف مجموعاتٍ معينة من المرضى، تظهر أنواعٌ جديدة من الأهداف التي تعمل عليها التجارب السريرية. على سبيل المثال، يُتيح استخدام أدوات المراقبة المستمرة للمرضى -كالأجهزة القابلة للارتداء- جمع بياناتٍ دقيقة وحيّة عن حالة المرض واستجابة المريض للعلاج في الوقت الفعلي. وبذلك، يمكن استغلال هذه المعلومات كمؤشراتٍ رقمية تعمل بمثابة أهدافٍ ثانويةٍ للتجارب السريرية، فهي تعكس التغيرات الدقيقة الطارئة على صحة المريض بشكلٍ مستمر.
ومع الاهتمام المتزايد بالأدلة الواقعية ونتائج المرضى التي يبلغون عنها بأنفسهم، من المُتوقع أن يتّسع نطاق الأهداف الثانوية أيضًا. ففي مجال الأورام على سبيل المثال، يتم الاعتماد على نتائج المرضى بشكلٍ كبير لتقييم تأثير العلاج على جودة الحياة وقدرة المريض على أداء مهامه اليومية. ومما لا شكّ فيه، أن هذه القياسات ضروريةً للتمييز بين العلاجات المتعددة في سوقٍ يزخر بالمنافسين، كما يمكن الاستفادة منها للحصول على موافقات الجهات التنظيمية، وتبرير الأسعار المرتفعة، وتحقيق انتشارٍ أوسع في السوق.
بجانب الأهداف الثانوية، قد يكون للأهداف الاستكشافية دورًا أكبر في المستقبل، وذلك بفضل التحليلات المتقدمة التي تساعد في توليد أفكارٍ واستنتاج فرضياتٍ جديدة مدعومةٍ بقاعدة من البيانات الضخمة، حيث يمكن استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحديد المؤشرات الحيوية خلال المراحل المُبكرة من التجارب، ومن ثمّ يتم اختبار هذه المؤشرات كأهدافٍ استكشافية في مراحل التجارب المتقدمة لمعرفة المزيد عن تأثيرات العلاج على المرضى، واكتشاف فرصٍ لتوسيع نطاق العلاج إلى حالاتٍ أخرى أو مرضى آخرين.
توسيع نطاق التجارب السريرية على مستوى العالم
إنّ توسيع نطاق التجارب السريرية يُضفي على نتائجها مزيدًا من الدِقة والشمولية، مما يجعلها أكثر قابليةً للتطبيق على مختلف الفئات. وتشير تحليلاتنا إلى أنّ حجم تجارب المرحلة الثالثة من التجارب السريرية قد تضاعف خلال العقدين الماضيين (الشكل 5)، بفضل ازدياد عدد المشاركين وارتفاع الإقبال على المشاركة في هذه الأبحاث. وتتميّز تجارب السرطان باتّساع نطاقها وارتفاع عدد المراكز البحثية المُخصصة لها مقارنةً بغيرها، نظرًا لتعقيد إجراءات التجارب الخاصة بها، ولاستهدافها فئاتٍ محددةٍ من المرضى تبعًا لنوع الورم المُراد دراسته، فضلًا عن ارتفاع معدل انسحاب المشاركين بهذا النوع من التجارب. وفي المقابل، حظيت تجارب الأمراض المناعية بانتشارٍ أقل في عدد المراكز البحثية.
بمقارنة عدد المراكز البحثية التي استُخدمت في التجارب السريرية في الفترة ما بين عاميّ 2005 وحتى 2014، والفترة ما بين 2015 وحتى 2024، وبالرغم من الانتشار الواسع للتجارب السريرية الخاصة بالسرطان، إلا أننا وجدنا أن عدد المراكز البحثية المُستخدمة في مجال السرطان قد ازداد بنسبة 10 في المائة فقط. بينما شهدت تجارب الأمراض المناعية توسعًا أكبر بلغت نسبته 31 في المائة، مما يشير إلى اتساع نطاق هذه الدراسات بمرور الوقت. وعلى عكس التوقعات، فقد انخفض عدد المراكز البحثية المُستخدمة في تجارب أمراض الغدد الصماء والقلب والأوعية الدموية بنسبة 14 في المائة، ربما يعود السبب في ذلك إلى خضوع بعض الأدوية، مثل "إيليكويس" و"زاريلتو"، لدراساتٍ مُوسّعة بالفعل خلال الفترة الأولى (2005-2014)، فقد تضمنت تجارب "إيليكويس" 10دراساتٍ بمتوسط 304 مركزٍ بحثي لكل دراسة، بينما شملت تجارب "زاريلتو" 26 دراسة بمتوسط 280 مركزٍ لكل دراسة.
لقد بدأت الشركات في توسيع نطاق مراكزها البحثية في السنوات الأخيرة لتشمل أسواقًا جديدة بعيدًا عن الأماكن التقليدية في أمريكا الشمالية وأوروبا الغربية. ووفقًا لتقرير ماكنزي، فقد انخفضت نسبة المراكز البحثية في الولايات المتحدة، بينما ارتفعت حصّتها في الأسواق الناشئة مثل الصين ودول آسيا والمحيط الهادئ وأمريكا اللاتينية من 49 في المائة بين عامي 2005 و2014، إلى 65 في المائة في الفترة بين 2015 و2024. يهدف هذا التوسع إلى الوصول لفئاتٍ أكثر تنوعًا من المرضى، مما يعزز سرعة تسجيل المشاركين ويضمن جمع بياناتٍ أكثر دقةً وشمولًا. كما يُتيح هذا النهج أيضًا للشركات سهولة التعامل مع العديد من الجهات التنظيمية المختلفة في الوقت ذاته، مما يُسهّل الحصول على الموافقات اللازمة بعدة دولٍ في أقصر فترةٍ زمنيةٍ ممكنة.
أما فيما يخص التوقعات المُستقبلية، فجميعها تُشير إلى زيادة الحاجة لتوسيع نطاق التجارب السريرية كعنصرٍ حيوي في استراتيجيات تطوير العلاجات، خاصةً مع اشتعال المنافسة لاستقطاب المرضى في مختلف أنحاء العالم. ومن المُنتظر أن تلعب التقنيات الحديثة أيضًا دورًا كبيرًا في هذا المجال، إذ تُتيح المنصات الطبية الرّقمية وأدوات المتابعة عن بُعد فرصةً لمشاركة المرضى الذين يعيشون في المناطق النائية أو التي تفتقر للمراكز الطبية المُتخصصة. وبذلك، تتّسع قاعدة المشاركين في هذه التجارب، مما يضمن نتائج دقيقة تعكس التنوع السُكانيّ.
ومن المُرجح أن يُسهم التقدم في مجال الطب الدّقيق واستخدام المؤشرات الحيوية في توسيع نطاق التجارب السريرية وزيادة عدد المراكز البحثية، خاصةً مع الحاجة المُلحّة لإشراك المزيد من المرضى من الفئات النادرة، والتي تتطلبها أبحاث هذا المجال. كما تلعب أساليب التحليل المتقدمة دورًا محوريًا في تحسين أداء هذه المراكز البحثية. فباستخدام أدواتٍ تحليليةٍ متطورة وبياناتٍ دقيقة لفحص أداء المراكز البحثية والمقارنة بينها، يمكن تحديد الأماكن التي تفتقر إلى الكفاءة ليتم استبعادها، وإعادة تخصيص مواردها نحو المراكز التي تحقق أفضل أداء، لضمان الحصول على أفضل النتائج.
ماذا عن دور قادة البحث والتطوير؟
للحفاظ على التنافسية، يتعين على قادة الصناعة أن يتبعوا استراتيجيةً تحقق التوازن بين عناصر السرعة والقيمة والتكلفة، مع ضرورة الانفتاح على الأفكار المُبتكرة لتحقيق النجاح على المدى الطويل. فيما يخص الأدوية ذات الأهمية الكُبرى، من الضروري وضع خطةٍ شاملة تبدأ من المراحل الأولى من عملية التطوير، وربما تمتد لتشمل مرحلة التجارب السريرية الأوليّة. وتستلزم هذه الخطة الشاملة دراسة التجارب السابقة لأدويةٍ أخرى، حتى تتمكن الشركات من وضع استراتيجياتٍ واضحة لكل مرحلةٍ من مراحل التطوير، وتحديد الأسلوب المناسب لتحقيق النجاح. إلى جانب ذلك، ينبغي أن تراعي استراتيجية تطوير كل دواءٍ خصائصه والفرص المتاحة له. فالأدوية التي قد لا تكون مميزة مقارنةً بالأدوية الأخرى، ولكنّها تعالج مشكلةً صحية كُبرى، يجب أن تُركّز استراتيجية تطويرها على سرعة الوصول إلى السوق، لكي تبدأ في علاج المرضى قبل أن تتأثر بالمنافسة. أما بالنسبة للأدوية المميزة في تصميمها أو آلية عملها (مثل كونها أكثر أمانًا أو فعالية مقارنةً بالأدوية الأخرى)، والتي قد لا تكون قادرةً على تحقيق تأثيرٍ واسع في السوق لقلة الحاجة إليها أو وجود منافسين أقوياء، فيجب أن تركز استراتيجية تطويرها على تقوية نقاط تميُّزها، مثل تحسين الخصائص الفعّالة للدواء أو خلق حملاتٍ للتوعية توضّح مميزاته. ورغم أن ذلك قد يتطلب وقتًا أطول في تطوير الدواء، إلا أن هذا الجهد سيضمن له مكانةً قوية ومستدامة في السوق على المدى الطويل.
كيف نبدأ
قبل بدء العمل على تحسين استراتيجية تطوير الأدوية، نُوصي قادة البحث والتطوير بتبني مزيجٍ من الأساليب الاستراتيجية التي تتكامل مع بعضها لتحقيق أفضل النتائج.
إجراء تقييمٍ دقيق للأصول. إنّ تقييم العلاجات وتحليل جميع جوانب خطط تطويرها أمرٌ أساسيٌ لضمان تحقيق أعلى قيمةٍ ممكنةٍ منها، وتحديد فرص النمو التي يمكن أن تُحسّن من عوائد الاستثمار فيها. من بين هذه الفرص، تحسين الأهداف العلاجية بناءً على دراساتٍ معمّقة للسوق لزيادة تميز المُنتَج في سوقٍ تزدحم بالمنافسين. بالإضافة إلى ذلك، قد تُسهم التقييمات والمراجعات المرحلية في تسريع إجراءات تسجيل الدواء واختيار التوقيت الأنسب لإطلاقه، مما يُعزز فرص انتشار الدواء وزيادة حصته السوقية.
يعتمد نجاح هذا التقييم بشكلٍ كبير على توقيت إجرائه، إذ يجب أن يتم في اللحظات الحاسمة التي قد تؤثر على أداء المنتج الدوائي، كحدوث تغيراتٍ كبيرة في السوق، أو ظهور مؤشراتٍ مُبكرة على ضعف الأداء، أو حتى أثناء المراحل الحاسمة في دورة حياة الدواء (كالفترة التي تُلي انتهاء التجارب الأولية لإثبات فعاليته). وعلى الرغم من أهمية هذا التقييم، إلا أن عملية إجرائه ليست سهلة، وذلك بسبب كثرة العوامل المتغيرة التي قد تؤثر على نتائجه، فمن جانبٍ، يحتاج القائمون عليه إلى تحليل كل تفاصيل الخطة بدقة، ومن جانبٍ آخر، عليهم الاحتفاظ برؤيةٍ عامةٍ وشاملة للوضع ككل. كما أن التقييم لا يمكن أن يعتمد فقط على مصدرٍ واحدٍ للمعلومات، بل يجب التحقق من جميع الافتراضات والاستفادة من كافة الآراء الخارجية المُتاحة إلى جانب الاستعانة بالخبرات الداخلية لضمان اتخاذ قراراتٍ مدروسة تعزز فرص نجاح الدواء في السوق.
إطلاق برنامجًا مخصصًا لتسريع عملية تطوير الدواء. يهدف هذا البرنامج إلى تقليص الوقت اللازم لطرح الدواء في الأسواق، وهو أمرٌ تزداد أهميته في ظل التغيرات التنظيمية الأخيرة-أي بعد إصدار قانون خفض التضخم، والذي يتضمن عدة إجراءاتٍ للحد من التضخم-. ففي الوقت الذي تُركّز التقييمات على وضع الرؤية الاستراتيجية الكبرى والقرارات طويلة المدى، يستلزم تسريع عملية التطوير التعامل مع التفاصيل اليومية والصعوبات العملية التي قد يواجهها كل دواءٍ في مسار تطويره بشكلٍ دقيق (كالتحديات التقنية أو اللوجستية أو القانونية، التي تختلف من دواءٍ إلى آخر). ولقد أثبتت هذه المنهجية فعاليتها، حيث تمكّنت بعض الشركات الرائدة من اختصار مدة التطوير بما يصل إلى عامٍ كامل عن طريق اختيار الدول والمواقع البحثية بعناية، وذلك بناءً على تحليلٍ دقيق للبيانات لتعزيز مُعدلات تسجيل المرضى. ومع ذلك، فإن النجاح لا يعتمد فقط على العوامل التشغيلية، بل يتطلب أيضًا إدارةً مُحكمةً للمشروعات، ورقابةً دقيقة لضمان تنفيذ العمليات اليومية بكفاءةٍ وسلاسة، إلى جانب القدرة على الرصد المُبكر للمخاطر والتعامل معها بفعالية. فمع ازدحام السوق بالمنافسين، لا تُعد سرعة الإنجاز وحدها كافيةً لتحقيق التفوّق، بل لا بد من وضع استراتيجيةٍ واضحة تميز كل مُنتَجٍ عن منافسيه، وهو ما يجعل الجمع بين دقة التنفيذ والتخطيط الاستراتيجي عاملًا حاسمًا للحفاظ على موقعٍ تنافسيٍ قوي في السوق.
الاعتماد بشكلٍ فعّال على الأساليب المدعومة بالذكاء الاصطناعي. يُعد الاعتماد على الأساليب المدعومة بتقنيات الذكاء الاصطناعي أساس نجاح عملية البحث وتطوير العلاجات. إذ يمكن استخدام هذه التقنيات في مجالاتٍ عدة، مثل اكتشاف وتحديد المؤشرات العلاجية وترتيب أولوياتها، كما يُمكنها تحديد المواقع البحثية ذات الأداء الضعيف، بالإضافة إلى دعم إدارة التجارب السريرية. ولتحقيق التحول الرقمي، يتطلب الأمر استثمارًا كبيرًا في الأفراد، وإدارة العمليات، والتكنولوجيا المستخدمة، عن طريق بناء القدرات وتطوير المهارات، واستقطاب الكفاءات والمواهب. على سبيل المثال، تستطيع أي مؤسسةٍ تحقيق ذلك عبر إنشاء مركزٍ رقميٍ للتميز ليُشرف على تطبيق أفضل الممارسات التكنولوجية على مستوى المؤسسة بالكامل. إن تبني هذه التقنيات المبتكرة وتعزيز ثقافة المرونة الرقميّة من شأنه تسريع الجداول الزمنية لتطوير العلاجات، وتحسين الكفاءة التشغيلية بشكلٍ عام، مما يُمكّن فرق البحث والتطوير من الحفاظ على التميز في سوقٍ يشهد تنافسًا متزايدًا.
يمكن لقطاع علوم الحياة الاستفادة من موجة الابتكار التي تقودها التحولات التكنولوجية، ولكنه يحتاج في الوقت ذاته إلى مواجهة التحديات الكُبرى التي تواجه هذه الصناعة. فمن الممكن تحقيق هذا التوازن إذا نجحت الشركات في تحسين نتائج البحث والتطوير عبر كافة مراحل صناعة الأدوية، مع إعطاء الأولوية لتوسيع نطاق الاستخدامات العلاجية بالتوازي مع تنفيذ عمليات التطوير، وزيادة عدد الأهداف التي تعمل عليها التجارب السريرية، بالإضافة إلى توسيع نطاق هذه التجارب لتشمل أسواقًا عالميةً أخرى.