مايكل ديل، الذي يشغل منصب المؤسس، والرئيس التنفيذي، ورئيس مجلس الإدارة لشركة "ديل تكنولوجيز"، يُعد واحدًا من القلائل الذين نجحوا في تحويل فكرة مشروع ناشئ إلى شركة عملاقة تحقق إيرادات سنوية تصل إلى 88 مليار دولار، وذلك منذ تأسيسها في غرفته بالمسكن الجامعي في عام 1984. فعلى مدار أربعة عقود، قاد "مايكل ديل" شركته ببراعة عبر تغييرات جذرية ومتلاحقة في عالم التكنولوجيا، حيث استطاعت الشركة أن تثبت قدرتها الاستثنائية على البقاء والتجدد. وتمكنت "ديل تكنولوجيز" من الاستمرار في الصدارة، ومواجهة العديد من التحديات وتجاوزها بنجاح، مما جعلها نموذجًا يُحتذى به في القدرة على التكيف والابتكار.
يعتبر "مايكل ديل" أن الذكاء الاصطناعي هو ظاهرة فريدة من نوعها، تحمل قدرة كبيرة على تغيير الطرق التي تعمل بها الشركات وتنظم أعمالها. وفي هذا السياق، تطورت شركته، "ديل تكنولوجيز" ، لتصبح مزودًا شاملًا لحلول الذكاء الاصطناعي للشركات. الآن، أصبحت نسبة الشركات التي تستخدم الذكاء الاصطناعي 72%، بزيادة من 55% في العام السابق، مما يدل على التوسع السريع في تبني هذه التقنيات. وعلى الرغم من ذلك، تواجه هذه الشركات تحديات تتعلق بالتكاليف، وتوافر الخبرات، وقضايا الأمان والمخاطر. وبحسب دراسة أجرتها مؤسسة ماكنزي، فإن أقل من 10% من الشركات حققت زيادات ملحوظة في الأرباح نتيجة استخدام الذكاء الاصطناعي على نطاق واسع. ولمواجهة هذه التحديات، تقدم "ديل تكنولوجيز" مجموعة واسعة من الحلول المتقدمة التي تشمل الخوادم المتطورة وأنظمة تخزين البيانات غير المهيكلة والحواسيب المجهزة بالذكاء الاصطناعي، بالإضافة إلى خدمات الشبكات المختلفة. تعد هذه الجهود رهانًا من الشركة على أن الشركات التي ترغب في العمل بسرعة وفي نفس الوقت حماية بياناتها الثمينة ستسعى للحصول على الذكاء الاصطناعي بسهولة.
المزيد من الرؤى والتقارير من ماكنزي باللغة العربية
شاهد مجموعة المقالات الخاصة بنا باللغة العربية، واشترك في النشرة الإخبارية العربية الشهرية
وبفضل خبرته العميقة في مجال التكنولوجيا، يُعتبر "مايكل ديل" أحد أبرز الأشخاص القادرين على تقديم رؤية دقيقة حول إمكانيات الذكاء الاصطناعي، وخاصة الذكاء الاصطناعي التوليدي. وفي لقاء أجراه مؤخرًا مع "طارق المصري"، الشريك الأول بمؤسسة ماكنزي، ناقش "ديل" مجموعة واسعة من المواضيع التي شملت القوة المتزايدة للبيانات، واستمرار أهمية أجهزة الكمبيوتر الشخصية في عالم الأعمال، إلى جانب الدروس القيادية التي اكتسبها من بناء وإدارة شركته التكنولوجية على مدار 40 عامًا من التغيرات السريعة في التكنولوجيا. ولقد تمت مراجعة هذه المقابلة لضمان الاختصار والوضوح، مع الحفاظ على جوهر النقاش.
طارق المصري: ذكرت مؤخرًا أننا ما زلنا في بداية مرحلة الذكاء الاصطناعي التوليدي (أي في المرحلة الأولى). ومع تطور أجهزة الكمبيوتر من مجرد القيام بالحسابات إلى قدرتها على التفكير واتخاذ القرارات مثل البشر، برأيك إلى أي مدى تعتقد أن هذا التطور سيصل خلال الخمس إلى العشر سنوات القادمة؟
مايكل ديل: قبل 60 عامًا تقريبًا، بدأنا رحلتنا مع أجهزة الكمبيوتر التي كانت تقوم بالحسابات فقط، واستمر هذا الوضع لسنوات طويلة. أما اليوم، بفضل التقدم الكبير في الذكاء الاصطناعي والذكاء الاصطناعي التوليدي، فقد دخلنا مرحلة جديدة تعتمد على الإدراك والذكاء. تفتح هذه الابتكارات لنا آفاقًا جديدة لاستغلال البيانات بطرق لم تكن ممكنة من قبل. إنها تمثل نقطة تحول في منحنى "التغيير الخلاق" الذي وصفه "شومبيتر" (هو اقتصادي نمساوي شهير، وُلد في عام 1883 وتوفي في عام 1950. يُعرف شومبيتر بأعماله المهمة في الاقتصاد وخاصة فيما يتعلق بنظرية الابتكار والتغيير الاقتصادي)، لكن ما نراه الآن هو تسارع هائل في هذا التحول. القدرة على استخدام كل المعرفة والبيانات المتاحة في العالم لاستنتاج نتائج دقيقة وتوليد فهم جديد سيعجل من الاكتشافات العلمية بشكل لم نكن نتخيله. هذا التقدم سيجعل حياة البشر أكثر سعادة وصحة ونجاحًا، وسيحسن كل ما نسعى لتحقيقه. أنا شخصيًا متحمس للغاية لما يمكن أن يأتي. وكما هو الحال مع أي تقنية جديدة، هناك العديد من التساؤلات والشكوك حول كيفية حدوث هذه التغيرات بالضبط، لكننا نحب أن نكون في قلب هذا التغيير.
طارق المصري: ما هي الابتكارات المثيرة التي ينفذها عملاء شركة "ديل" باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي؟
مايكل ديل: أحببت سؤالك لأن كل شيء تقريبًا مثير ومهم في العالم اليوم يعتمد بشكل أساسي على البيانات. فإذا كنت ترغب في تطوير سيارة ذاتية القيادة، أو تحقيق تقدم في اكتشاف الأدوية باستخدام لقاحات "mRNA"، أو حتى إنشاء نوع جديد من الشركات في القطاع المالي، فكل هذه الابتكارات تعتمد بشكل كبير على البيانات. في الواقع، جميع المشكلات التي لم تُحل بعد في العالم تتطلب المزيد من القدرة الحاسوبية والمزيد من البيانات. لهذا السبب، أشعر بشغف كبير تجاه ما نقوم به، لأنني أؤمن أن البيانات هي مفتاح حل هذه التحديات وتحقيق الابتكارات.
كنت في اجتماع هذا الصباح مع شركة أدوية، حيث ناقشنا كيف يمكن للذكاء الاصطناعي أن يدعمهم في عدة جوانب مثل اكتشاف الأدوية، والعثور على الأشخاص المناسبين للمشاركة في التجارب السريرية، وتحسين عمليات التوثيق، والتنبؤ في سلسلة التوريد. وكما هو الحال مع العديد من الشركات، ما تزال معظمها في بداية مرحلة استخدام هذه التقنيات. وما يثير الاهتمام هو أننا لم نكن نتحدث عن هذه الأمور قبل سنتين. تقنيات مثل الذكاء الاصطناعي، وتعلم الآلة، والنماذج التنبؤية كانت موجودة منذ فترة، لكنها الآن تحظى بنظرة جديدة نظرًا للاهتمام الكبير الذي حصل عليه الذكاء الاصطناعي التوليدي مؤخرًا.
طارق المصري: تملك الشركات الآن كميات كبيرة من البيانات التي تحتاج إلى إدارة جيدة. وفي الواقع، معظم الشركات تعتقد أنها ستحتفظ ببياناتها جزئيًا في الخوادم السحابية (عبر الإنترنت) وجزئيًا في الخوادم الداخلية (في مقر الشركة). ولكن هناك نقاش حول ما إذا كان التخزين السحابي أفضل أو التخزين الداخلي. ما هو رأيك في هذا النقاش؟ وكيف تعتقد أن الشركات ستتخذ قراراتها بشأن التخزين في المستقبل؟
مايكل ديل: نحن نؤمن أن معظم البيانات سيتم إنتاجها من أحداث وأشياء تحدث في العالم الحقيقي الذي نعيش فيه، مثل الأجهزة، الآلات، والمركبات. وبنفس الطريقة، فإن القرارات التي سنتخذها بناءً على هذه البيانات ستُنفذ أيضًا في العالم المادي. على سبيل المثال، البيانات التي تأتي من مصنع أو سيارة ذاتية القيادة سيتم استخدامها مباشرة في تحسين الأداء واتخاذ قرارات في الوقت الفعلي.
مركز البيانات أو السحابة هو المكان الذي يتم فيه أخذ البيانات من العالم المادي ومعالجتها لجعلها أكثر فائدة. هذه العملية ستظل مهمة دائمًا. لكن يمكنك أيضًا زيادة قيمة البيانات في أماكن أخرى، مثل منشآت تقوم باستئجارها لتخزين ومعالجة البيانات، أو حتى في منشآتك الخاصة. باختصار، هناك العديد من الطرق المختلفة لتحليل البيانات والاستفادة منها، سواء في السحابة أو في أماكن مؤجرة أو في مراكز بيانات تمتلكها شركتك.
مهمتنا هي أن نربط كل العناصر معًا ونقدم للعملاء أفضل الخيارات والبدائل. خاصة وأن الشركات تحرص بشدة على حماية بياناتها الأكثر قيمة، لأنها غالبًا ما تكون من أهم أصولها وملكياتها الفكرية. هذه البيانات تعتبر ثروة هائلة، لذلك لا يمكن للشركات أن تسلمها ببساطة إلى مزود خدمة خارجي وتقول على سبيل المثال: "افعلوا بها ما تشاؤون، بيعوها لمنافسينا، استخدموها لتدريب نماذجكم، وسنستمر في الدفع حتى نفقد كل أموالنا". لقد أدركت الشركات أن هذه ليست فكرة جيدة.
الخطوة التالية في تطور هذه التقنيات هي الاستفادة من قوة البيانات لجعل المؤسسات أكثر إنتاجية وكفاءة، بل وحتى لمساعدتها في إعادة تصور طريقة عملها بالكامل. نحن الآن نقترب من تحقيق هذه القدرات، ونرى أن هناك العديد من العمليات التي يمكن أن تتحسن بشكل كبير بفضل هذه التكنولوجيا، سواء في تطوير البرمجيات، أو خدمة العملاء، أو المبيعات، أو إدارة الوثائق، أو حتى التسويق. كل هذه المجالات يمكن أن تستفيد من البيانات لتحسين النتائج وتقديم أداء أفضل.
طارق المصري: كيف ترى الطريقة المثلى لتنظيم الذكاء الاصطناعي التوليدي بحيث لا يؤدي هذا التنظيم إلى تقييد الابتكار والتطور في هذا المجال؟
مايكل ديل: أفهم تمامًا التحدي الذي يواجهه المشرعون، لأن تنظيم التكنولوجيا هو أمر صعب للغاية في ظل هذا التغير السريع. في الواقع، يمكن القول إنه بمجرد إصدار قانون لتنظيم شيء ما، قد يبدو هذا القانون قديمًا أو غير مناسب بعد مرور 12 إلى 18 شهرًا. الناس سيقولون حينها: "كيف لم تتوقعوا أن هذا سيحدث؟"، لكن بالطبع، من المستحيل التنبؤ بكل ما سيأتي. لذا، هناك حاجة إلى وجود ضوابط وقوانين، لكننا سنرى أن الدول ستتعامل مع هذه المسألة بطرق مختلفة، فبعضها سيكون منفتحًا جدًا على الابتكار، بينما سيكون البعض الآخر أكثر تحفظًا. فإذا نظرنا إلى التاريخ، عندما اخترع "أديسون" المصباح الكهربائي، اعترض صانعو الشموع لأنهم رأوا في هذا التقدم تهديدًا لصناعتهم. دائمًا ما يواجه التغيير مقاومة من أولئك الذين يستفيدون من الوضع الراهن.
هناك دائمًا تخوف من أن هذه التقنيات، مثل الذكاء الاصطناعي، ستأخذ مكان البشر في العمل. لكنني أعتقد أن هذا التفكير خاطئ تمامًا. الذكاء الاصطناعي سيعمل على تعزيز قدرات البشر، وليس استبدالهم. على سبيل المثال، إذا كنت موظفًا تعتمد على المعرفة في عملك، فأنت بالتأكيد ترغب في امتلاك أفضل الأدوات التي تساعدك على أداء مهامك بفعالية. فعندما يكون لديك مهمة أو اجتماع يجب التحضير له، فإنك تريد أداة تساعدك في جمع كل المعلومات المهمة من جميع المنصات الرقمية التي تعمل عليها. لذلك يتيح الذكاء الاصطناعي الذي يدعم البشر للشركات خيارات أكثر ويزيد من مرونتها. وفي النهاية، هذه التقنيات ستجعل العالم أفضل، وتزيد الفرص المتاحة، وتدعم توسع الاقتصادات. أنا أعتقد أن الذكاء الاصطناعي سيقودنا إلى فترة ازدهار اقتصادي عالمي رائعة.
مع كل ما ذكرناه، هناك حاجة إلى وجود إجراءات حماية لضمان الاستخدام الآمن للتكنولوجيا. ولكن هذه الأسئلة المتعلقة بتنظيم التكنولوجيا واستخدامها يجب أن يجيب عنها المجتمع بأسره، وليس شركات التكنولوجيا وحدها. فإن دور شركات التكنولوجيا هو تطوير التقنيات التي تعتمد على الأرقام والبيانات، وليس اتخاذ القرارات الأخلاقية أو الاجتماعية المتعلقة بها. وقد يظن البعض أن هذا الموقف نوع من التهرب من المسؤولية، لكنني لا أعتقد ذلك. فالمجتمع هو من يجب أن يحدد كيفية وضع الضوابط اللازمة للتكنولوجيا.
لنأخذ هذا المثال للتوضيح، عندما يخرج كمبيوتر من مصنعنا ويذهب إلى شخص ما، سواء كان جهازًا كبيرًا أو صغيرًا، السؤال هنا هو: ماذا سيفعل هذا الشخص بهذه الأداة؟ قد يستخدمها في أشياء مفيدة مثل البحث عن علاج للسرطان، أو ربما يقوم باستخدامها لأغراض سلبية. ما يمكن أن يقوم به الشخص على مستوى رقمي واسع يمكن أن يكون مخيفًا. ولكن الحقيقة هي أننا لا نعرف مُسبقًا كيف سيستخدمها. العامل الأساسي هنا هو الشخص نفسه. لدينا بالفعل الكثير من القوانين واللوائح التي تمنع الناس من القيام بأعمال ضارة في الحياة الواقعية. وهذه القوانين واللوائح نفسها يجب أن تُطبق عندما يتعلق الأمر باستخدام التكنولوجيا.
طارق المصري: بدأ البعض يتساءلون: هل هناك مبالغة في تقدير إمكانيات الذكاء الاصطناعي التوليدي؟ ما رأيك في هذا الموضوع؟
مايكل ديل: أي اختراق تكنولوجي كبير، أو أي تقدم مهم، دائمًا ما يصاحبه نوع من المبالغة. سيكون هناك دائمًا ادّعاءات مبالغ فيها وتوقعات غير واقعية، بالإضافة إلى مجموعة واسعة من النتائج المحتملة. ولكن في المجمل، كل المؤشرات تدل على أن ما يحدث هنا هو شيء كبير ومهم. نحن نرى هذا الأمر بوضوح من خلال تعاملنا مع عملائنا، وكذلك داخل شركتنا. لذلك نقول نعم، بالتأكيد، سيكون هناك إخفاقات كبيرة إلى جانب النجاحات الكبيرة، وهذا شيء طبيعي. لقد مررنا بهذا السيناريو من قبل مع تطورات تكنولوجية سابقة.
طارق المصري: خلال الأربعين عامًا التي قضيتها في مجال التكنولوجيا، شهدت تغيرات كبيرة في كيفية انتقال القيمة بين مختلف جوانب الصناعة. برأيك، كيف ستتغير هذه القيمة في السنوات الخمس أو العشر القادمة؟ أين تتوقع أن نرى النمو الأكبر أو التحولات الكبرى؟
مايكل ديل: لا يمكنك التنبؤ بذلك على الإطلاق. إذا عدنا لأي فترة زمنية خلال العقود الماضية، سنجد أنه لم يكن أحد يعرف ما الذي سيحدث، لأن التغيرات ببساطة سريعة وغير متوقعة.
نركز دائمًا على تحسين الأشياء التي نجيدها باستمرار. إذا تمكنا من حل المشكلات المهمة التي يواجهها عملاؤنا الآن وفي المستقبل، سنحقق النجاح، وسيكافئنا العملاء بتقديم المزيد من الأعمال. أما إذا فشلنا في ذلك، فسوف نختفي من السوق ولن نكون موجودين بعد الآن. الأمر بسيط. عندما توفر الشركات لموظفيها الأدوات التي يحتاجونها للنجاح، يشعر الموظفون بالرضا والفخر تجاه العمل في تلك الشركة. والعكس صحيح؛ فلا أحد يريد العمل في بيئة غير محفزة أو باستخدام أدوات سيئة. الموظفون اليوم أذكياء ويعرفون جيدًا الأدوات المتاحة، ويرغبون في العمل ببيئة تساعدهم على النجاح.
طارق المصري: يقال إنه في سباقات السيارات والسباحة، يتحقق الفوز في المنعطفات، وليس في المسارات المستقيمة. فبالنظر إلى تاريخ شركة "ديل"، ما هي المنعطفات الكُبرى التي تمكنتم من اجتيازها بنجاح؟
مايكل ديل: أعتقد أننا نجحنا في التعامل مع العديد من المنعطفات بشكل جيد، لكن بالطبع لم نتمكن من التعامل مع جميعها بالشكل المثالي.
طارق المصري: طارق المصري: لقد كنت جزءًا من اثنتين أو ثلاث من أكثر الصفقات التكنولوجية ربحية على الإطلاق، بما في ذلك قرار تحويل شركة "ديل" إلى شركة خاصة، بالإضافة إلى استحواذ شركة "ديل" على شركتي (EMC و VMware) بمبلغ 67 مليار دولار في عام 2016. في ذلك الوقت، كانت هذه الصفقة تُعتبر أكبر صفقة تكنولوجية على الإطلاق.
مايكل ديل: هناك نقطة جانبية مثيرة تستحق الذكر فيما يخص تلك الصفقات. خلال السنوات الـ 12 الماضية، كانت هناك ثلاث مناسبات عندما انخفضت أسعار الفائدة على سندات الخزانة الأمريكية لأجل 10 سنوات إلى أقل من 2%. المرة الأولى كانت عندما قررنا تحويل شركة "ديل" إلى شركة خاصة. المرة الثانية كانت أثناء استحواذنا على (EMC و VMware)، أما المرة الثالثة فكانت خلال جائحة كورونا. لذلك أقول، عندما تنخفض تكلفة الاقتراض، تنشأ فرص كبيرة في الأفُق.
إضافة إلى ذلك، أحد التحولات الكبيرة التي مررنا بها كان عند إطلاق الخوادم المعتمدة على المعالجات الدقيقة. في البداية، كانت فكرتنا هي بيع أجهزة الكمبيوتر مباشرة للعملاء، وحققت هذه الفكرة نجاحًا كبيرًا. لكن مع مرور الوقت وتطور المعالجات الدقيقة لتصبح أقوى وأكثر كفاءة، أدركنا أنه يمكننا بناء خوادم تعتمد على هذه المعالجات. لذلك، في منتصف التسعينيات، قررنا التوسع في هذا الاتجاه وبدأنا في تطوير الخوادم، وهذا كان تحولًا كبيرًا بالنسبة لنا.
وعندما انتشر الإنترنت عبر شبكة الويب العالمية، كان ذلك فرصة رائعة لشركتنا، لأننا كنا نبيع المنتجات مباشرة للعملاء. بعد ذلك، أدت الحوسبة السحابية والبنية التحتية المعتمدة على البرمجيات إلى زيادة كبيرة في البيانات، مما جعل تخزين البيانات أكثر أهمية. في البداية، كان العملاء يشترون كل مكون على حدة، مثل خوادم التخزين، لكن بمرور الوقت تغيرت طريقة الشراء، وبدأ العملاء يطلبون أنظمة كاملة وخدمات متكاملة. لقد استطعنا التعامل مع كل هذه التغيرات بنجاح وقدمنا المزيد من الخدمات والإمكانيات. ولكن، عندما جاء التحول نحو الهواتف المحمولة، كان هذا التحدي الذي لم نتمكن من تجاوزه بالكامل، رغم أننا كنا نعلم أنه قادم.
طارق المصري: ما الذي تعلمته من تجربتك مع الهواتف المحمولة؟
مايكل ديل: نحن في "ديل" لسنا شركة متخصصة في أنظمة التشغيل، وهذا ما يجعلنا نختلف عن الشركات التي تسيطر على سوق الهواتف المحمولة. لا يعني ذلك أننا لن نتجه إلى هذا المجال في المستقبل، ولكن في الوقت الحالي، أنظمة التشغيل ليست مجال خبرتنا. العامل الحاسم لنجاح الهواتف المحمولة كان نظام التشغيل، ونجح كل من "Android" و "iOS" في السيطرة على السوق. لم يكن هناك فرصة حقيقية لتحقيق عائد استثماري جيد من إنتاج هواتف تعمل بنظام "Android". لذلك قدمنا هواتف "Venue" و"Venue Pro" في عام 2010، لكننا أوقفنا إنتاجها في عام 2012 وبالتالي، كان هذا استثمارًا غير ناجح لرأس المال.
ثورة الهواتف المحمولة ساهمت أيضًا في تسريع نمو البيانات بشكل كبير. فعندما تستخدم هاتفك المحمول، فإنك تُنتج كميات هائلة من البيانات. وبالتالي، للتعامل مع كل هذه البيانات التي تُنتجها، يصبح من الضروري أن تتوفر لديك خوادم قوية وفعالة قادرة على استيعاب هذه الكميات الكبيرة من المعلومات.
طارق المصري: تحدث الناس في السابق عن تراجع استخدام أجهزة الكمبيوتر الشخصية، ولكن الآن يُشير البعض إلى ظهور موجة جديدة من تبني واستخدام أجهزة الكمبيوتر الشخصية التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي التوليدي. كيف ترى أن هذه الأجهزة قد تتغير خلال السنوات الثلاث إلى الخمس القادمة؟
مايكل ديل: عندما نتحدث عن أجهزة الكمبيوتر الشخصية، فإننا نشير إلى جهاز يحتوي على شاشة كبيرة وواجهة سهلة الاستخدام تتيح لك تحليل ومعالجة كميات كبيرة من المعلومات والبيانات. والآن، فإن معظم تقنيات الذكاء الاصطناعي التي تحتاجها ستعمل على جهاز الكمبيوتر أو الهاتف الخاص بك.
ستتصل العديد من هذه الأجهزة بنماذج أكبر وأكثر تعقيدًا عبر السحابة، وذلك لأسباب تتعلق بالأمان أو لأنك قد تحتاج إلى قدرة حاسوبية أكبر مما هو متاح على الجهاز نفسه. كما أن العاملين في مجال المعرفة والبيانات يبحثون عن أفضل الأدوات لمساعدتهم في إنجاز مهامهم. فإذا كان لدي جهاز كمبيوتر مزودًا بوحدة المعالجة المركزية (CPU) ووحدة معالجة الرسوميات (GPU) بالإضافة إلى وحدة معالجة الأعصاب (NPU)، فإنني سأتمكن من الاستفادة منه بطرق جديدة. كما يمكن لهذا الكمبيوتر المدعوم بالذكاء الاصطناعي تحليل جميع المعلومات الضرورية عبر منصتي الرقمية، مما يساعدني على التحضير بشكل جيد لأي اجتماع قادم. في النهاية، ستكون الميزة الأهم في الكمبيوتر المدعوم بالذكاء الاصطناعي هي قدرته على توفير الوقت وزيادة الإنتاجية.
طارق المصري: في كتبك، تبرز أهمية بناء العلاقات مع العملاء، وضرورة تركيز الشركات على احتياجاتهم، بالإضافة إلى أهمية النزاهة والحفاظ على روح ريادة الأعمال حتى في الأوقات الصعبة. إذا نظرت إلى تجربتك في شركة "ديل"، ما هي أهم الدروس القيادية المستفادة التي تعلمتها، والتي كانت مفاجئة أو ملهمة بالنسبة لك؟
مايكل ديل: نعم، أود أن أقول إن كل القيم التي ذكرتها هي بالفعل مهمة جدًا بالنسبة لنا. هذه القيم، مثل بناء العلاقات، وتركيز الشركات على العملاء، والنزاهة، وروح ريادة الأعمال هي جزء أساسي من ثقافتنا. نحن نمارس هذه القيم بناءً على تجاربنا السابقة وما تعلمناه من خلالها. وبفضل هذه المعرفة، نحن قادرون على تحديد ما يعمل بشكل جيد وما لا يعمل. لذا، هذه المبادئ أصبحت سائدة في أسلوب عملنا.
تُعتبر سرعة التغيير مفتاحًا مهمًا للنجاح. ففي مجال التكنولوجيا، نقول دائمًا "إما أن تتغير أو أن تموت وتختفي"، وهذا يعني أنه يجب على الشركات أن تتكيف بسرعة مع التغيرات. وهناك نوعان من الشركات: الشركات السريعة وتلك التي تنجح، والشركات البطيئة، وتلك التي تتراجع. لكنني أعتقد أن هذه الفكرة ليست خاصة بالتكنولوجيا فقط، بل هي صحيحة أيضًا في العديد من الصناعات الأخرى.
هذا هو أحد الأسباب التي تجعلني أشعر بالتفاؤل، إذ لدينا العديد من الفرص الهائلة لإعادة تنظيم وتحسين الأمور. بالإضافة إلى ذلك، فإن شركتنا مصممة لتكون قادرة على التكيف مع هذه التغييرات بسهولة. لذا، أعتقد أننا في وضع جيد للاستفادة من هذه الفرص والنمو في بيئة الأعمال المتغيرة.
طارق المصري: لديك موظفون يعملون في جميع أنحاء العالم، كما أن مجموعة منتجاتك تتنوع بشكل متزايد. بالإضافة إلى ذلك، احتياجات العملاء أصبحت أكثر تعقيدًا؛ فلم يعودوا يسألونك فقط، "هل يقوم الجهاز بما أعتقد أنه يمكنه القيام به؟" بل أصبحوا يسألون، "هل يمكن لهذا الجهاز مساعدتي في فعل كل ما أريد ؟" في ظل هذه التعقيدات، كيف تفكر في رفع سرعة اتخاذ القرارات في شركة ديل؟ هل تشعر بالقلق حيال ذلك؟
مايكل ديل: بالفعل، نحن نشعر بالقلق حيال هذا الموضوع. هناك عدة عوامل يجب أن نأخذها بعين الاعتبار. أولًا، نحن نحب العملاء الذين يرغبون في التحرك بسرعة، لأنهم يضعوننا نوعاً ما تحت التحدي لتحقيق سرعات جديدة لم نصل إليها من قبل. هذا التحدي يدفعنا لتحسين أدائنا وتقديم خدمات أفضل.
نحن نرغب في تحديد الأنشطة التي تعتبر الأكثر أهمية لشركتنا، ونريد أن نركز جهدنا عليها. هدفنا هو أن نصبح الأفضل في هذه المجالات. في المقابل، نريد أن نقلل من الجهود المبذولة في الأنشطة التي ليست مهمة بنفس القدر. بهذه الطريقة، سنتمكن من توفير المزيد من الوقت لموظفينا، مما يساعدهم على إنجاز المزيد من المهام المهمة بسرعة أكبر.
ولكي تتمكن الشركة من العمل بسرعة كبيرة، يجب أن يكون لديها استراتيجية واضحة تمامًا، دون أي غموض حول الأولويات. بالإضافة إلى ذلك، يجب أن يكون هناك تحديد دقيق للمسؤوليات داخل الوحدات المختلفة في الشركة، مع منحها الصلاحيات الكافية لاتخاذ القرارات. لا يمكن أن تُدار جميع القرارات من المركز فقط؛ فإدارة شركة كبيرة بهذه الطريقة ستبطئ العمليات. وإذا كنت تريد التحرك بسرعة، يجب أن تمنح الوحدات المختلفة حرية اتخاذ القرارات في إطار مسؤولياتها.
طارق المصري: لقد كونت شراكات مهمة جدًا مع أشخاص مثل "جيف كلارك" مدير العمليات في ديل. ما الذي تعلمته عن نفسك أثناء العمل عن قرب مع هؤلاء الشركاء الإداريين الرئيسيين؟ وما هي الدروس التي اكتسبتها من هذه التجربة؟
مايكل ديل: أعلم أنني لا أستطيع إنجاز الكثير بمفردي، لذلك أحرص دائمًا على اختيار أفضل الأشخاص للعمل معي. ولحسن الحظ، تمكنت من العثور على أشخاص رائعين. بالنسبة لي، هذا الأمر مهم جدًا. لا يمكنك إنجاز كل شيء وحدك، فلماذا تحاول ذلك؟ لم يكن هذا النهج منطقيًا بالنسبة لي. الفكرة هي أن وجود أشخاص موهوبين ومتحمسين يضاعف قدرتك على النجاح. وإذا كنت تفكر في كل ما تريد تحقيقه، ستحتاج إلى فريق من الأشخاص الذين يقدمون أفكارًا متنوعة ومفيدة.
طارق المصري: ما هي النصيحة التي تود تقديمها لشخص يبلغ من العمر 14 عامًا في وقتنا الحالي؟ وكيف يمكنه الاستفادة من تجربتك لمساعدته في تشكيل مستقبله؟
مايكل ديل: نصيحتي هي التركيز على دراسة الرياضيات والعلوم، لأنهما مهمان جدًا للمستقبل. كما سأطلب منهم التفكير فيما يثير شغفهم. فمن المهم أن يكون لديهم شيء يحبونه ويشعرون بالحماس تجاهه، وأتمنى أن يكون هذا الشيء يساعد الآخرين ويترك أثرًا إيجابيًا.
وبالطبع للأهل تأثير كبير في سن الـ 14، فإذا كان طفلك فضوليًا، دع فضوله ينمو وادعمه، ولا تحاول إخماده. فأنا أذكر عندما سافر والداي، قرر أخي أن يحول خزانة الملابس الخاصة بوالدتي إلى مكان مظلم لعملية استخراج الصور الفوتوغرافية وهي عملية تحتاج إلى الظلام لتتم بشكل صحيح. ساعدته قليلاً، ولكن الفكرة كانت فكرته. ورغم أن والدتي لم تكن سعيدة تمامًا بسبب إخراج الملابس من الخزانة، إلا أنها أدركت أن ما فعلناه كان شيئًا مثيرًا للإعجاب بالنسبة لأطفال صغار. لذلك، لم تقم بقمع فضولنا، بل شجعتنا على الاستمرار.
كنت دائمًا أقوم بتفكيك التلفزيونات والهواتف وكل الأجهزة المنزلية التي تحتوي على دوائر إلكترونية، لأنني كنت أريد أن أفهم كيف تعمل. كان بإمكان والديَّ أن يغضبا مني بشدة، وفي بعض الأحيان كانا يشعران بالانزعاج، لكنهما سمحا لي بمواصلة اكتشافاتي بدافع الفضول. الأهل يلعبون دورًا مهمًا في دعم فضول أطفالهم، وكان لتشجيع والديَّ لي أثر كبير.
طارق المصري: حان الآن فقرة الأسئلة السريعة من الحوار. سأطرح عليك بعض الأسئلة، وأريدك أن تجيب بالكلمة الأولى التي تخطر على بالك. هل تفضل الباربكيو أم الطعام المكسيكي ؟
مايكل ديل: باربكيو
طارق المصري: أيهما تفضل قراءة كتاب أو مشاهدة فيلم؟
مايكل ديل: قراءة كتاب .
طارق المصري: أيهما تحب كرة القدم أم البيسبول؟
مايكل ديل: كرة السلة
طارق المصري: أيهما تفضل ركوب الدراجات الجبلية أم ركوب الدراجات العادية؟
مايكل ديل: الدراجات العادية
طارق المصري: إذا لم تكن تعيش في أوستن، أين كنت تفضل أن تعيش؟
مايكل ديل: بأي مكان في تكساس
طارق المصري: إذا لم تكن رائد أعمال ومديرًا تنفيذيًا، ما هي المهنة البديلة التي كنت ستختارها؟
مايكل ديل: بصراحة، لا أدرى، ربما كنت سأكون عاطل عن العمل.
نحن نحتفل بالذكرى الستين لمجلة ماكنزي ربع السنوية من خلال تدشين حملة تستمر على مدار العام، تتضمن أربعة أعداد مميزة، كل منها يسلط الضوء على موضوع رئيسي سيؤثر في مستقبل الأعمال والمجتمع. بالإضافة إلى ذلك، سنقدم محتوى تفاعليًا، ومجموعات مختارة من أرشيف المجلة الغني، والمزيد من المفاجآت. هذا المقال سيظهر في العدد الأول الذي يركز على مستقبل التكنولوجيا، والمقرر إصداره في شهر أكتوبر. انضم إلى قائمة التنبيهات ليصلك إشعار فور نشر المقالات الجديدة.