استراتيجيات فعّالة ومبتكرة للمدراء الماليين لتحقيق قفزات نوعية في الأداء خلال منتصف فترة ولايتهم

| مقالة

ملاحظة: إننا نبذل قصارى جهدنا للحفاظ على جميع التفاصيل الدقيقة عند ترجمة المقالة الإنجليزية الأصلية، ونعتذر عن أي جزئية مفقودة في الترجمة قد تلاحظونها من حين لآخر. نرحب بتعليقاتكم على البريد الإلكتروني التالي reader_input@mckinsey.com

قبل عشر سنوات، كانت شركة "أودي" لصناعة السيارات - التابعة لمجموعة فولكس واجن الألمانية - تشهد معدلات نموٍ متسارعة، لكن وفي الوقت نفسه، كانت بياناتها المالية وبنيتها التحتية التقنية لا تواكب هذا النمو المطرد. وهو ما أشار إليه المدير المالي لهذه العلامة الفاخرة، والذي كان في منتصف فترة عمله التي امتدت لعشر سنواتٍ كاملة، عندما قال: "كانت عملياتنا متوقفةً في الماضي". فقد كانت الشركة تستخدم أساليب وإجراءاتٍ ماليةٍ وإدارية تقليدية وغير متكاملة، مما جعلها غير قادرةٍ على الاستجابة السريعة لمتطلبات السوق ومواكبة التطورات التكنولوجية الحديثة، بالإضافة لعدم قدرتها على مواكبة معدلات النمو السريعة التي يتم تحقيقها. وبالتالي كانت تتسبب هذه الإجراءات والأنظمة التقليدية في تأخير عملية تحديث البيانات والمعلومات الضرورية التي يعتمد عليها قادة الأعمال لاتخاذ قراراتهم الحاسمة في الوقت المناسب. وكما قال "شتروتبيك": "كان علينا التفكير في كل ما يخص المجال المالي بشكلٍ أكثر شمولية، والتوقف عن التعامل مع شؤون التسعير والمحاسبة والخزينة وكأنها جزرٌ منعزلة".

بعدها قام "شتروتبيك" بطرح مشروعه الخاص لمواجهة هذا التحدي الكبير، والذي يرتكز في المقام الأول على تحول الشركة نحو النظم الرقمية في جميع عملياتها وأنظمتها الإدارية والمالية، وكذلك إنشاء بنيةٍ تحتيةٍ تقنية متكاملة تدعم وتعزز من التطور المستقبلي لوظائف الشركة المالية. لذلك، كان على أفراد الإدارة في شركة "أودي" أن يطرحوا على أنفسهم أسئلةً محددة، لاستشراف المستقبل والتفكير فيه بشكلٍ استراتيجي، مثل " أين نريد أن تكون شركتنا في المستقبل؟ وما هي الخطوات التي يجب علينا اتخاذها للوصول إلى هذا الهدف؟"، وذلك حتى يتسنى لهم معرفة سبل تطوير الصناعة والمنتجات، إلى جانب إلمامهم بالقدرات التكنولوجية التي ستحتاجها الشركة للقيام بوظائفها المالية.

  كان علينا التفكير في كل ما يخص المجال المالي بشكلٍ أكثر شمولية، والتوقف عن التعامل مع شؤون التسعير والمحاسبة والخزينة وكأنها جزرٌ منعزلة.

آكسل شتروتبيك
الرئيس المالي السابق لشركة أودي ومجموعة "فولكس واجن" في الصين. وعضو مجلس إدارة شركة ( ZF Friedrichshafen) ورئيس مجلس إدارة شركة (Codasip)."

إذا وضعنا في اعتبارنا أن أبرز مهام المدير المالي في سنوات ولايته الأولى، هي تحديد أهم العقبات التي تعرقل تحقيق أهداف المؤسسة والتعامل مع الأزمات التي تواجهها، فإن هذه المهام تختلف بعض الشيء عند بلوغه منتصف فترة ولايته، حيث ينتقل أداء المدير المالي في هذه الفترة من مجرد التركيز على الأمور العاجلة إلى التفكير بشكلٍ استراتيجي، لاتخاذ خطواتٍ أكثر جرأةً تعزز من الأداء العام للشركة واستمرار تقدمها. كما يجب عليه أيضًا في تلك الفترة الحذر من الوقوع في فخ الركود التنظيمي الذي قد يؤدي إلى توقف مسيرة تطور الشركة. ولتحقيق ذلك يجب على المدراء الماليين أن يكونوا بمثابة الدافع والمحرك الرئيسي للتغيير داخل مؤسساتهم، وأن يقودوا مبادرات تحسين العمليات والسياسات بأنفسهم، لضمان استمرار نمو الشركة وتقدمها.

المزيد من الرؤى والتقارير من ماكنزي باللغة العربية

شاهد مجموعة المقالات الخاصة بنا باللغة العربية، واشترك في النشرة الإخبارية العربية الشهرية

تصفح المجموعة

وحتى نفهم بشكلٍ أكثر عمقًا كيف يمكن للمدراء الماليين أن يحققوا مستوياتٍ أعلى من الأداء المهني، التقينا بثمانيةٍ من أبرز القادة الماليين السابقين، لنتعرف منهم على استراتيجيات العمل التي اتبعوها خلال منتصف فترة ولايتهم. خاصة في ظل تطور دور المدير المالي واتساع اختصاصاته، وما يصاحب هذه الاختصاصات من تحدياتٍ متزايدة، تسببت في قيام الشركات الكبرى بتقليص فترات ولاية المدراء الماليين إلى ما بين 3.51  و 4.52 سنوات. لذلك قمنا بتعريف منتصف الولاية بأنها الفترة التي تبدأ في العام الثاني وما بعده. واضعين في الاعتبار أن هدفنا الرئيسي والأشمل هو توضيح الآلية المتبعة التي تمكن تحقيق المدراء الماليين من تحقيق النجاح في كل مرحلةٍ من مراحل مسيرتهم المهنية: بدايةً من ظهورهم كمرشحين يمتلكون إمكانياتٍ عالية، مرورًا بانطلاقتهم القوية ورفع مستوى أداءهم المالي في منتصف سنوات عملهم، وصولًا إلى الانتقال لدور المدير التنفيذي. وقد خلصت تلك المقابلات إلى أربع أولوياتٍ هي الأهم والأبرز في منتصف ولاية المدير المالي لأي مؤسسة، أولها حرصه على تحسين وتحديث العمليات المالية، وثانيها أن يقوم بالبحث عن طموحٍ وأهدافٍ استراتيجية جديدة من خلال التعاون مع القيادة العُليا للمؤسسة، أما ثالث هذه الأولويات فهو العمل على إعادة تقييم وتحسين قدرات الفريق المالي، وأخيرًا، يجب على المدير المالي أن يهتم وينصب تركيزه على كافة الجوانب الاستراتيجية للشركة، وليس على النطاق المالي فحسب.

إعادة اكتشاف نفسك، ودورك كمديرٍ مالي

يُعد التحدي الذي واجهه "شتروتبك" في شركة "أودي" كمديرٍ ماليّ هو أحد أكثر التحديات شيوعًا، فغالبًا ما تصطدم الشركات أثناء سعيها نحو التوسع والنمو بعائق تأخر البنية التحتية والعمليات التشغيلية بداخلها. ففي أثناء مرحلة النمو تحتاج الشركات إلى تحسين وتوسيع نطاق أنظمتها وعملياتها الداخلية لدعم هذا النمو، مثل تطوير نظم إدارة الموارد البشرية، وإدارة المعلومات، والإجراءات المالية، والتشغيلية، وغيرها. لذلك وفي ظل كل هذه التحديات، قد يلجأ الكثير من المدراء الماليين إلى وضع تصورٍ جديدٍ وطرقٍ متطورة تدعم أدائهم الوظيفي، بما يتناسب مع ما طرأ من تغيراتٍ تنظيمية خاصةً عند انتصاف فترة عملهم.

" ولتوضيح الفكرة بصورةٍ جليه، نسلط الضوء على تجربة "كارين مكلوغلين"، المديرة المالية السابقة لشركة "Cognizant Technology Solutions"، والتي قالت عنها : "لقد انصب تركيزنا على الاستثمار في النمو قبل تطوير البنية التحتية، وهو ما كان مقصودًا في البداية، إلى أن بدأت التحديات بالظهور، فقد أدى ذلك الأمر إلى تأخر البنية التحتية والعمليات التشغيلية بالشركة. لذلك، قامت "مكلوغلين" بتجديد المنظومة المالية عن طريق إسناد مسؤولية الإشراف على بعض المهام غير المالية إلى أشخاصٍ آخرين من خارج فريقها المالي، حتى يتمكن فريقها من التركيز على الأولويات الاستراتيجية.

  لقد انصب تركيزنا على الاستثمار في النمو قبل تطوير البنية التحتية، وهو ما كان مقصودًا في البداية، إلى أن بدأت التحديات بالظهور، فقد أدى ذلك الأمر إلى تأخر البنية التحتية والعمليات التشغيلية بالشركة.

كارين مكلوغلين
المديرة المالية السابقة لشركة "CognizantTechnology Solutions"، وعضو مجلس إدارة شركتي "Agilon Health" و "Best Buy".

ومما كان لافتًا للنظر، أن معظم من التقينا بهم من المدراء الماليين السابقين قد استلهموا بعض الأفكار والأساليب الإدارية المتطورة من خارج مؤسساتهم، وذلك عن طريق قيامهم بزياراتٍ متعددة للكثير من الشركات الأخرى لاستكشاف كيفية تعاملها مع الأمن السيبراني، وإدارة الأداء، وعمليات الاندماج والاستحواذ. كما سعوا لتقييم أداء مؤسساتهم بشكلٍ موضوعي مقارنةً بأقرانهم. فعلى سبيل المثال، عندما وضع "آرون نايار"، النائب التنفيذي السابق والمدير المالي لشركة "Tyco International" هدفًا بأن يكون فريقه المالي الأفضل على مستوى العالم، كانت خطوته الأولى لتنفيذ ذلك هي قياس قدرات فريق عمله ومقارنتها بالآخرين عندما بادر بسؤالهم قائلًا: "هل نحن في المرتبة الثانية أم الخامسة والثلاثين؟"

إن إجراء أي تغييرٍ جذريٍ داخل المؤسسة بالأكيد سيواجه مقاومةً عنيفة. لذلك يجب على المدير المالي أن يكون ذكيًا وحازمًا في التعامل مع هذه المقاومة لتحقيق التغيير المطلوب. أما بالنسبة لـ "نايار"، فقد قام بنقل أعمال المعالجة وتحليل البيانات إلى خارج شركته كجزءً من رؤيته الخاصة لتحسين العمليات. ولكنه اكتشف بعدها أن هذا الإجراء يتعارض مع التزامات العقود المبرمة بين شركة "Tyco" والحكومة الأمريكية، والتي كانت تُعد آنذاك عميلًا رئيسيًا لدى الشركة. ولتفادي هذه المشكلة قام "نايار" باللجوء للتعاون مع مزودٍ للخدمات الخارجية للعمل على تعديل البيانات ليضمن الالتزام بمتطلبات خصوصية الحكومة الأمريكية. وبعد أن تم ذلك، كانت فرق عمل "نايار" ومدير المعلومات الرئيسي مستعدين للمضي قدمًا في خطة نقل الأعمال إلى الخارج. إلا أن المدير التنفيذي للمعلومات لم يكن على استعدادٍ لتحمل المخاطر المرتبطة بعملية النقل هذه. بينما كان "نايار" مقتنعًا تمامًا بضرورة التحرك بحزم، مما دفعه إلى رفع الأمر إلى المدير التنفيذي للشركة، والذي أيّد قرار "نايار"، مما مكنهم من المضي قدمًا في عملية التغيير. وفي النهاية، تبين أن مخاوف المدير التنفيذي للمعلومات كانت غير مبررة، وعلى الرغم من اختلافهم في الرؤى، ظل "نايار" والمدير التنفيذي للمعلومات أصدقاء.

كما يجب على المدراء الماليين خلال سعيهم نحو تحسين وتطوير أدائهم، عدم إغفال ضرورة تطوير أنفسهم أيضًا، سواءً كان ذلك على المستوى الشخصي أو المهني. وهناك أمورٌ عدة قد تساعد على إحداث ذلك التطور، أهمها المساهمات الخارجية، كطلب المشورة من الزملاء أو خبراء المجال الآخرين. فهذه المساهمات تساعد المدير المالي بالفعل على تطوير مهاراته، لاتخاذ القرارات الكبرى والمؤثرة بإدراكٍ وفهمٍ كاملين. وهو ما قام به "كريس كريدلر"، المدير المالي في شركتي (Sysco Corporation) و (C&S Wholesale Grocers)، والذي استفاد من بناء شبكاتٍ من العلاقات تجمع بين المساهمين الرئيسيين ومصرفيي الاستثمار. وقام باستخدام هذه الشبكات كمنصاتٍ للنقاش وتقديم المشورة. ومن خلال هذه التجربته ، يوصي "كريدلر" بضرورة البحث عن أشخاصٍ يمكنهم تقديم النقد الصادق والبناء. إذ يجب على المدير المالي أن يعرف جيدًا إلى من يلجأ إن أراد الحصول على إجاباتٍ صريحة وواضحة على شاكلة: "أعتقد أنكم قد أخطأتم في هذا الأمر" أو "أعتقد أنكم تفوتون على أنفسكم فرصةً هنا؟"، وغيرها من الإجابات التي تتطلب صراحةً وجرأة. كما ينصح "كريدلر" قائلًا" عليك أخذ المبادرة وفتح خطوط اتصال مع أشخاصٍ مؤثرين للتعلم منهم والتأثير فيهم، حتى لا تقف طويلًا تنتظر أن تأتي المساهمات الخارجية بأجندتها الخاصة".

  عليك أخذ المبادرة وفتح خطوط اتصال مع الأشخاص المؤثرين للتعلم منهم والتأثير فيهم، حتى لا تقف طويلًا منتظرًا أن تأتي المساهمات الخارجية بأجندتها الخاصة.

كريس كريدلر
النائب التنفيذي السابق والمدير المالي لشركتي "Sysco Corporation" و "C&S Wholesale Grocers" و عضو مجلس إدارة شركات ( Alyasra Foods، وBradyIFS، وSoul Foods، وTrueBlue).

وفي نفس السياق، نجح "وارويك براي"، المدير المالي السابق لشركة (Telstra)، في الحصول على الدعم اللازم والأفكار الخلاقة من خلال شبكةٍ غير رسميةٍ من مدراء المالية في أستراليا. قائلًا "في كل مرةٍ ألتقي أحدًا من أقراني في مجال المالية، نتبادل الآراء والمعرفة فيما يتعلق بتوزيع الموارد وتحسين القوائم المالية ومراقبة الأداء. الأمر الذي كان له أثرٌ إيجابيٌ للغاية"، وهو ما يُظهر أن الشبكة التي بناها قد ساهمت بشكلٍ كبيرٍ في تطوره المهني وفهمه العميق لعمله. علاوةً على ذلك، فقد تلقى نصائح هامة من أحد المدراء الماليين العاملين في مجال البنوك، والتي كانت تركز على أهمية مراقبة حالة الزخم للأعمال عند اتخاذ القرارات المالية وتقييم التوقعات، بما يعزز النجاح المهني وتطوير المهارات.

  في كل مرةٍ ألتقي أحدًا من أقراني في مجال المالية، نتبادل الآراء والمعرفة فيما يتعلق بتوزيع الموارد وتحسين القوائم المالية ومراقبة الأداء. الأمر الذي كان له أثر إيجابي للغاية.

وارويك براي
المدير المالي السابق لشركة "Telstra"، وعضو مجلس إدارة شركتي "Spark New Zealand" و "Woolworths Group".

أما "ريتشارد مايفيلد"، الذي تقلد العديد من المناصب كمديرٍ مالي في بالعديد من الأقسام بشركة "Walmart"، وقبل توليه منصب الرئيس التنفيذي لأكبر وحداتها الإقليمية، كان قد اعتمد أسلوبًا مبتكرًا يُعرف بالتوجيه العكسي لتعزيز المهارات القيادية. وهو نهجٌ يعتمد على التعلم من ملاحظات الآخرين ممن هم مصدر ثقة. بمعنى أن ينتقي المدير المالي اثنين أو ثلاثةً ممن يثق بهم، ليطلب منهم مراقبته عن كثبٍ خلال سعيه لتحسين قدراته الوظيفية، ويقوم بحثهم على مواجهته وانتقاده بشكلٍ بناءٍ ومباشرٍ، من خلال رصدهم لنقاط الضعف التي يكتشفونها في أدائه الوظيفي والسبب فيها. ويرى "مايفيلد" أن أغلى النصائح، هي تلك التي تُقدَّم في اللحظة ذاتها، لما تمتاز به من واقعيةٍ تعكس الحقيقة بوضوح.

التعاون مع الرئيس التنفيذي لتحقيق طموحٍ استراتيجيٍ جديد

إن كل نجاحٍ تحققه المؤسسة له أثرٌ عليها. ومن المحتمل أن تؤدي هذه النجاحات إلى الشعور بالرضا الذاتي الذي قد يصبح عائقًا أمام أهداف التقدم والنمو التي تسعى ورائها تلك المؤسسة. وهنا تظهر أهمية الدور الحيوي الذي يمكن أن يلعبه المدير المالي في تحويل هذا الرضا إلى طموحٍ جديد أكثر تحديًا. ويساعده في تحقيق ذلك النظر إلى الأمور والتعامل معها من زاويا مختلفة أو عبر وجهات نظرٍ جديدةٍ تبتعد عن الإطار التقليدي الذي تعتمده الشركة. وهو أمرٌ ضروريٌ يفتح المجال أمام الأفكار المبتكرة والاستراتيجيات الجديدة التي تساعد في الكشف عن الفرص والتحديات التي قد تكون غير مرئيةٍ من داخل المؤسسة. فعلى سبيل المثال، يمكن الاستفادة من آراء المستثمرين الناشطين الذين غالبًا ما يكون لديهم بعض الرؤى النقدية التي تمكنهم من تحديد نقاط القوة والضعف في الشركة، والتي قد لا يلاحظها فريق العمل الداخلي. وفي هذا الصدد يقول "نايار": من الضروري إعادة تقييم احتياجات المؤسسة باستمرار. فإذا ما بدأت الشركة مثلًا بتنفيذ خطةٍ معينةٍ مرّ عليها ثلاث سنوات، فلابد من مراجعة هذه الخطة للتأكد من أنها لا تزال قابلةً للتنفيذ ومناسبةً للمتغيرات الحالية، كما يجب البحث فيما إذا كان قد طرأ تغيرٌ ما على العناصر التالية: البيئة، أو المنافسة أو التكنولوجيا أو حتى الحكومة، بما قد يستدعي تعديل الاستراتيجيات المتبعة. وهنا يطرح "نايار" فكرةً أساسية، وهي ضرورة التفكير فيما يلزم للحفاظ على جاذبية الاستثمار في الشركة وقدرتها على جذب مستثمرين جُدد. على سبيل المثال، إذا تمكنت الشركة من رفع سعر السهم لديها من 11 دولارًا إلى 50 دولارًا، عندها يجب أن تركز على الخطوات التي يمكن اتخاذها لجعل استثمارٍ بلغت قيمته 50 دولارًا اليوم، يرتفع إلى 100 دولار. بما يعني ضرورة أن يكون لدى الشركة طموحٌ دائم، وعدم الاكتفاء بالإنجازات السابقة.

  من الضروري إعادة تقييم احتياجات المؤسسة باستمرار. فإذا ما بدأت الشركة مثلًا في تنفيذ خطةٍ معينة ومر عليها ثلاث سنوات، فلابد من مراجعة هذه الخطة للتأكد من أنها لا تزال صالحةً للتنفيذ ومناسبةً للمتغيرات الحالية

آرون نايار
النائب التنفيذي السابق والمدير المالي لشركة "Tyco International" والمدير المالي للعمليات العالمية في بيبسيكو. وعضو مجلس إدارة شركتي "Amcor" و"GFL Environmental" و"Rite Aid".

ليس من الشائع أن يركز مديرو المالية على تحقيق معدلات نموٍ مرتفعة. وهذا ما أشار إليه "مايفيلد" قائلًا: إن المدراء الماليين عادةً ما يبرعون في إدارة التكاليف، ولكنهم في المقابل قد يجدون صعوبةً في تحقيق النمو، الذي يُعد أكثر تعقيدًا. ويعزو "مايفيلد" هذا التحدي إلى أن تحقيق النمو يتطلب فهمًا عميقًا وشاملًا للأعمال، وهو أمرٌ قد لا يكون مألوفًا لدى العديد من الماليين. كما يعتقد "مايفيلد" أيضًا أن أفضل المدراء الماليين هم أولئك الذين يجمعون بين القدرة على التحكم في التكاليف والكفاءة التشغيلية من جهةٍ، والمهارات المتعلقة بفهم العملاء والأسواق من جهةٍ أخرى. إن هؤلاء المدراء ينجحون في توجيه الشركة نحو تحقيق النمو المستدام على المدى الطويل.

كما تؤكد "مارجوري لاو"، المديرة المالية السابقة لمجموعة "LEGO" و "Tandberg" التي أصبحت الآن جزء من شركة (Cisco) على ضرورة تغيير النظرة التقليدية لدور المدير المالي في الشركات، وهو ما حرصت على تنفيذه عندما نصحت فريقها قائلةً: إن دورنا في الاجتماعات ليس محصورًا فقط في رفض أو منع الاستثمارات والمشاريع الجديدة، بل يجب علينا تبني نهجًا بناءً أكثر إيجابية. فبدلاً من أن نقول "لا" للمشاريع، ينبغي علينا أن نقول "نعم". إن هذا التغير في نمط التفكير، يعني أن المالية لم تعد مجرد حارسًا للموارد، بل أنها تطورت لتصبح شريكًا فاعلًا يسعى نحو تحقيق أهداف الأعمال ودعم نموها".

  إن دورنا في الاجتماعات ليس محصورًا فقط في رفض أو منع الاستثمارات والمشاريع الجديدة، بل يجب علينا تبني نهجًا بنّاءً يتسم بالإيجابية. فبدلاً من أن نقول "لا" للمشاريع، ينبغي علينا أن نقول" نعم". إن هذا التغير في نمط التفكير يعني أن المالية لم تعد مجرد حارسًا للموارد، بل أنها تطورت لتصبح شريكًا فاعلًا يسعى نحو تحقيق أهداف الأعمال ودعم نموها.

مارجوري لاو
المديرة المالية السابقة في مجموعة "LEGO" ونائب الرئيس السابق والمدير المالي في شركة "Tandberg" ( التي أصبحت الآن جزء من شركة (Cisco)، وهي عضو مجالس إدارة عدة شركات مثل "GoTo" (اندماج كل من GoJek / Tokopedia) في إندونيسيا، وشركة "Logitech"، و"MYT" في هولندا.

إن العلاقة القوية بين المدير المالي والرئيس التنفيذي، إنما تُعد حجر الزاوية الرئيسي لتحديد وتنفيذ خطط النمو المستقبلي للشركة. وهو ما أشار إليه "نايار" قائلًا: إن المدير المالي الجيد ليس مجرد موظفٍ إداري، بل هو شريكٌ استراتيجي للرئيس التنفيذي. لذلك يجب على المدير المالي أن يدعم الرئيس التنفيذي بشكلٍ كاملٍ وعلني، وفي نفس الوقت يكون باستطاعته توجيه النقد البناء له، ولكن ليس في العلن. فهذا التوازن بين الدعم والانتقاد ضروريٌ لتحقيق النمو المستدام للشركة.

إعادة تقييم فريق العمل وتطوير مهارات قادة المستقبل

مع مرور الوقت وتغير أولويات الشركة، قد تحتاج كمديرٍ مالي لتطبيق استراتيجيةٍ متكاملة لإعادة تقييم فرق العمل والقدرات المطلوبة لتحقيق النجاح المستقبلي. خاصةً وأن بعض أعضاء الفريق قد يتمتعون بقدرٍ من الكفاءة المناسبة لمرحلةٍ معينة من مراحل نمو الشركة، بينما لا يكفي هذا القدر في المراحل اللاحقة. وفي ظل تغير الأهداف والأولويات، ستجد نفسك بحاجةٍ ماسّة لرفع وتنويع قدرات فريق عملك. فعلى سبيل المثال: إن القدرات والإمكانات التي تتمتع بها الشخصيات المؤثرة في شركة ما تسعى لتحقيق إيراداتٍ بقيمة 500 مليون دولار، قد لا تكون بالضرورة مناسبةً لشركةٍ تطمح في تحقيق إيراداتٍ بقيمة 2 مليار دولار. لذلك يحذر "نايار" من الوقوع في فخ الحفاظ على نفس مجموعة العمل طوال الوقت، بل ويشدد على ضرورة تجنب التفكير بأن الشخص الذي حقق النجاح في الماضي سيظل قادرًا على تحقيق نفس القدر من النجاح في المستقبل. بالإضافة إلى ذلك، عليك أن تفرق ما بين المواهب الجيدة التي تتماشى مع رؤيتك المستقبلية كمديرٍ مالي، والمواهب الجيدة بشكلٍ عام. وهنا قد تحتاج إلى اتخاذ بعض القرارات الصعبة، كالاستغناء عن بعض الأفراد من ذوي الخبرات الكبيرة، ممن لم يعد لهم دورٌ فعّال. وقد يعارضك البعض بسؤالك ما إذا كنت مضطرًا للاستغناء عنهم، بادعاء أن هؤلاء الأفراد يمتلكون مثلًا 40 عامًا من الخبرة، لذا عليك أن تجيب بشكلٍ حاسمٍ "نعم نستطيع الاستغناء عنهم"، ما دمت ترى أنهم غير مؤهلين للمرحلة القادمة.

إن المدراء الماليين غالبًا ما يواجهون قيودًا تنظيميةً تمنعهم من إجراء تعديلاتٍ كبيرة وسريعة على فرق العمل المعاونة لهم، ذلك على عكس الرؤساء التنفيذيين الذين يمكنهم تشكيل فرقهم الخاصة بسرعةٍ وحرية. وهو ما أكده "كريدلر" قائلاً: عندما تم تعييني كمديرٍ ماليٍ، طُلب مني أن أكون حذرًا عند إجراء تغييرات على فريق العمل المعاون لي. بما يعني أنه لم يكن بإمكانه إجراء تغييراتٍ جذرية على الفور. وبالرغم من ذلك فقد حدد "كريدلر" الأشخاص الذين يرغب في نقلهم من مواقعهم في غضون ثلاثة أشهرٍ، إلا أنه فضّل الانتظار حتى منتصف فترة ولايته لإجراء تلك التغييرات، مُتبعًا في ذلك استراتيجيةً حذرةً بعض الشيء للتعامل مع قيود وظيفته، فلم يُمنح "كريدلر" الإذن المباشر بإنهاء خدمة أي شخصٍ، ولكن، ومع مرور الوقت انتقل أولئك الأشخاص إلى أماكنٍ مختلفة بشكلٍ تدريجي، مما أتاح له الفرصة لجلب مواهب أكثر خبرةً في المناصب الهامة. وهذا ما دفع "كريدلر" لتوجيه النصح للمدراء الماليين الآخرين أثناء قيامه بتدريبهم، بضرورة العمل على سرعة تقييم المواهب، لتحديد الاحتياجات المستقبلية للمؤسسة، بالإضافة إلى الحرص على جعل إدارة الموارد البشرية شريكًا في هذه العملية. فبهذه الطريقة يمكنهم تحديد ما إذا كانوا بحاجةٍ لإجراء هذه التغييرات بسرعةٍ أم بإمكانهم الانتظار.

وعند انتصاف فترة ولايتهم، يجب أن يوجه المدراء الماليون تركيزهم على تنمية قدرات قادة المستقبل، والعمل على إعداد من يخلفهم. تعد هذه الخطوة في غاية الأهمية لضمان استمرارية القيادة والنجاح على المدى الطويل. ولمساعدة أعضاء الفريق على تحسين مهاراتهم واكتساب الخبرات اللازمة، قد يلجأ العديد من قادة المالية إلى استراتيجية التناوب بين المناصب، والتي تتيح للأفراد الفرصة لتجربة أدوارٍ مختلفة داخل المؤسسة بما يوسع آفاق معارفهم وخبراتهم. فعلى سبيل المثال، قام "كريستوفر هالمي"، المدير المالي السابق لشركة "Ally Financial"، بتطبيق هذه الاستراتيجية التي لاقت نجاحًا كبيرًا. ولم يقتصر في تطبيقه لاستراتيجية التناوب تلك على تبادل قادة التحليل والتخطيط المالي ورؤوس الأموال فقط، بل قام أيضًا بتعيين رئيسًا جديدًا ليدير العلاقات مع المستثمرين، إيمانًا منه بأهمية تقديم الدعم اللازم لتعزيز العلاقات مع المجتمع الخارجي. كما أكد "هالمي" على أهمية تبادل الأدوار وتدوير المواهب بين الأقسام، قائلًا: لقد ساعدت عملية استيراد وتصدير المواهب في خلق الانضباط المالي داخل المؤسسة، فهذه التنقلات التي من المفترض أن تستمر لعامين أو ثلاثة لا تساعد فقط في تطوير مواهب الفريق، بل تساعد أيضًا في إعادة ضبط الجدول الزمني لطموحات الخلفاء المحتملين. وهو ما يوفر فرصةً لأعضاء الفريق لتطوير مهاراتهم والاستعداد لتولي مناصب قيادية في المستقبل.

  لقد ساعدت عملية استيراد وتصدير المواهب في خلق الانضباط المالي داخل المؤسسة.

كريستوفر هالمي
المدير المالي السابق لشركة "Ally Financial" وعضو مجالس إدارة شركتي"Burford Capital" و "Mercury Financial".

هناك تجربةٌ رائدة أخرى قامت بها إحدى مديري مجموعة "LEGO"، وتُدعى "لاو". وقد تركزت تجربة "لاو" على تطوير مهارات قادة المستقبل، وذلك عن طريق تقسيمهم إلى مجموعاتٍ بحسب جاهزيتهم لتولي المسؤوليات. فهناك مجموعة جاهزة لتولي المسؤولية على الفور، ومجموعةٌ أخرى ممن يحتاجون إلى مرحلة إعدادٍ وتطوير لمدةٍ تتراوح بين سنةٍ وثلاث سنوات، ومجموعةٌ أخيرة تحتاج إلى خمس سنواتٍ من التطوير والتدريب. ثم قامت بتخصيص فتراتٍ أطول من الوقت للعمل مع التنفيذيين منهم، بهدف مساعدتهم على فهم إمكانياتهم ومعرفة كيفية تطويرها. بالإضافة إلى ذلك قامت "لاو" بتوجيههم في شأن الأدوار المستقبلية التي يمكنهم توليها. كما حرصت على إشراكهم في مجالاتٍ جديدة لم يكونوا معتادين عليها كالتعامل مع أصحاب المصلحة، وذلك رغبةً منها في تدريبهم على كيفية التواصل مع الأفراد والجماعات المؤثرة على أعمال الشركة أو يتأثرون بها. إلى جانب ذلك، حرصت "لاو" على حضور مرؤوسيها لإجتماعات لجان مجلس الإدارة، حتى يمكنهم التعرف على كيفية التعامل مع أصحاب المصلحة بشكلٍ مباشر. كما كانت تُطلعهم باستمرارٍ على جدول أعمال الاجتماع قبل انعقاده، حتى يكون لديهم تصورٌ عن القضايا التي ستطرح خلال الاجتماع، ومدى ارتباطها بمسؤوليات كل فردٍ من أفراد فريق العمل المعاون. بما يساعدهم في النهاية على فهم ومتابعة المناقشات بشكلٍ فعال. وبعد انتهاء الاجتماعات، كانت تقوم بتلخيص الأسئلة الرئيسية التي تم مناقشتها لتساعد هم على استيعاب النقاط الأساسية وفهم كيفية إدارة القضايا والتعامل مع أصحاب المصلحة بشكلٍ أفضل.

إن تعزيز القدرات المالية لخلفائك المحتملين لا يتجاوز كونه جزءً واحدًا فقط من المعادلة، مما يعني أن الخبرة المالية وحدها لا تكفي لتحقيق النجاح في الأدوار القيادية. ذلك هو ما أكد عليه "مايفيلد" بقوله: بمرور الوقت، ومع تقدمك في مسيرتك المهنية، يصبح من الضروري اكتساب مجموعةٍ أوسع من المعارف والمهارات في مجال الأعمال والقدرات القيادية. منها، أن تتمتع بفهمٍ أوسع للعمليات التجارية، بالإضافة إلى مهارة قيادة الفريق والقدرة على تحفيزه وتدريبه بشكلٍ فعال. وكذلك القدرة على قراءة الأشخاص وفهم دوافعهم، والتي تعد من أهم مقومات القيادة الناجحة".

إن تطوير مديري المالية المستقبليين، يظل من أهم الإنجازات التي يفتخر بها مديرو المالية السابقين، وقد لاحظنا ذلك مع معظم من التقينا بهم. فها هو "نايار"، على سبيل المثال، يفتخر بأن لديه 12 شخصًا ممن عملوا معه وقد أصبحوا الآن مديري مالية في شركاتٍ مدرجةٍ بالبورصة. أما "ماكلوغلين"، فقامت بتطوير مهارات 15 شخصًا. فقد كانت في بداية مسيرتها المهنية، تمنح أعضاء فريقها مساحةً لتجربة أشياء جديدة، مع احتفاظها بحق التدخل والسيطرة عند الضرورة. وهذه الاستراتيجية التي طالما حرصت "ماكلوغلين" على الالتزام بها طوال حياتها المهنية، تحقق توازنًا بين الحرية والسيطرة بما يعزز من تطوير القدرات القيادية للفريق.

وسِّع آفاقك إلى ما هو أبعد من التمويل

عندما تولت "لاو" منصب المدير المالي لأول مرة، نصحها البعض بأن تطالب قادة الأعمال في الشركة بإعطاء قسم المالية مقعدًا في اجتماعاتهم، يسمح لهم بالمشاركة في مناقشاتهم. ولكنها شعرت بأن هذه الطريقة ليست هي الطريقة المثلى للتعامل مع الأمر. فمن وجهة نظرها، إذا كنت بحاجةٍ لمطالبة قادة الأعمال بدعوة الماليين إلى الاجتماعات، فهذا يعني أن قسم المالية لم يُثبت مصداقيته بعد، ولم يُظهر القيمة التي يمكن أن يقدمها للشركة.

لذلك يجب على القادة الماليين توسيع نطاق رؤيتهم ليشمل كافة الجوانب الاستراتيجية للشركة، إذا أرادوا تحسين أداء الشركة بشكلٍ عام. مع التركيز على نقاط الضعف بناءً على دراسة وتحليل مراحل دورة حياة الشركة ووضعها المالي (الشكل 1). ولعل خير مثالٍ على ذلك، ما قام به "نايار" مع شركة "Tyco"، والذي يُظهر كيف يمكن للقادة الماليين استخدام رؤاهم لتحليل الأداء المالي للأقسام المختلفة، وتقديم توصياتٍ لإعادة الهيكلة وتحسين الأداء. فقد عمل "نايار" مع مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي على إعادة هيكلة الشركة وتحويلها من شركةٍ قابضة إلى نموذجٍ لشركةٍ تشغيلية، الأمر الذي استلزم دمج بعض الشركات وفصل البعض الآخر. إن هذا المثال يوضح كيف يمكن لقسم المالية بعد أن اكتسب المصداقية والثقة، أن يلعب دورًا حاسمًا في توجيه الشركة نحو النمو والتطور. وهو ما أكده "نايار" عندما قال: "بصفتك قائدًا ماليًا، يجب أن يكون لديك رؤيةٌ شاملة، وأفكارٌ لكافة قطاعات الشركة، ما الذي يعمل منها، وما الذي لا يعمل، إذ يمكنك أن تعيد تحليل الأرقام، للاستقرار على الطريقة الأفضل للمضي قدمًا".

عندما يتولى المدير المالي مشاريع تشمل المؤسسة بأكملها، ينبغي عليه أن يتبع نهجًا مختلفًا عن ذلك المستخدم في إدارة الوظائف المالية التقليدية. فالأساليب التي يتبعها القسم المالي قد لا تكون كافيةً عند التعامل مع المبادرات والمشاريع الأخرى على مستوى المؤسسة. ومن خلال تجربة "مايفيلد" في فترات عمله الأربع كقائدٍ مالي، قام بالإشراف على العديد من المشاريع الكبرى. ولكن هذه المشاريع غالبًا ما كانت ضمن نطاق الإطار الوظيفي الخاص به، أي أنها كانت تركز على الشؤون المالية. أما عندما أُسند إليه الإشراف على مبادرةٍ تحولية على مستوى المؤسسة، حينها اكتشف أن الأساليب التقليدية التي كان يستخدمها لم تكن فعالةً في هذا السياق الجديد. وأدرك "مايفيلد" هذه الحقيقة قائلًا: "إن الأمر كله يتعلق بالقدرة على التأثير وتحفيز الآخرين لتحقيق الأهداف المشتركة".

ولاكتساب المزيد من الخبرات والتعرف على أفكارٍ جديدة، ينصح المديرون الماليون السابقون نظرائهم الحاليين بالانضمام إلى مجالس إدارة شركاتٍ غير منافسة، حيث تمنحهم هذه التجربة فرصةً للتعرف على طرقٍ وأساليب مجالس الإدارة الأخرى في قيادة تلك الشركات. الأمر الذي يعزز من القدرة على التفكير الاستراتيجي، واكتساب مهارات الفهم المتعمق لكيفية إدارة الأعمال وتحسين قدرة المدراء الماليين على قيادة شركاتهم بفعاليةٍ أكبر. ويشير "مايفيلد" إلى أهمية تلك التجربة قائلًا: "إن الأدوار غير التنفيذية التي يقوم بها مديرو المالية في مجالس الإدارات أمرٌ مفيدٌ للغاية لتعلم كيفية التأثير بطرقٍ مختلفةٍ وبدون سيطرةٍ مباشرة أو مساءلة، رغم إمكانية تقديمهم للمساعدة في خطط العمل الاستراتيجية"، فعندما يشغل المدير المالي دورًا غير تنفيذيٍ في مجلس إدارة شركةٍ أخرى غير منافسة، يتعلم كيفية التأثير دون أن يكون مسؤولًا بشكلٍ مباشر عن القرارات والإدارة اليومية للشركة، مما يعزز من قدراته القيادية وتطوره المهني. غير أن هذه الفكرة تواجه معارضةً قوية من بعض الرؤساء التنفيذيين وأعضاء المجالس، معللين ذلك بأن وقت المدير المالي لا يجب أن يُستثمر خارج الشركة. ويختلف "كريدلر" مع هذا الرأي، إذ يرى أن مشاركة المدير المالي بمجلس إدارة شركةٍ أخرى قد تمنحه فرصة تعلم أساليب جديدة لإدارة الشركات من زاويا أخرى.

  تبقى الأدوار غير التنفيذية التي يقوم بها مديرو المالية في مجالس الإدارات أمرٌ مفيدٌ للغاية لتعلم كيفية التأثير بطرقٍ مختلفةٍ وبدون سيطرةٍ مباشرة أو مساءلة، رغم إمكانية تقديمهم للمساعدة في خطط العمل الاستراتيجية.

ريتشارد مايفيلد
الرئيس التنفيذي السابق لشركة " Walmart " بالمكسيك وأمريكا الوسطى، وكندا، والمملكة المتحدة، والمدير المالي السابق لشركة "Walmart" الدولية. وعضو حالي بمجلس إدارة شركة "The Very Group".

إن إحدى المهام الرئيسية والهامة للمدير المالي، هي تعزيز التعاون وإزالة الحواجز بين الأقسام المختلفة في الشركة. وتعد تجربة "شتروتبيك"، المدير المالي لشركة" أودي" لصناعة السيارات، خير مثالٍ على ذلك. فقد استطاع تكوين شبكةٍ من العلاقات الوثيقة مع قادة الأقسام المختلفة، بما أتاح له الاستعانة بهم في حل بعض المشكلات التي لاحظ وجودها في الميزانيات المخصصة للبحث والتطوير، وذلك عن طريق عقد اجتماعاتٍ شهريةٍ حصرية مع المدير التنفيذي للتكنولوجيا، لأجل مناقشة هذه الأمور والتعاون على حلها. كما عمد لاتباع نفس النهج الجماعي في حل كل ما يطرأ من مشكلاتٍ قد تواجه الشركة، وذلك بمساعدة رؤساء الأقسام الآخرين. إن النهج الذي اتبعه "شتروتبيك" يوضح كيف يمكن للمدير المالي أن يلعب دورًا حيويًا في تحقيق التكامل بين الأقسام المختلفة، بما يساعد على مواجهة التحديات وحل المشكلات بشكلٍ جماعي كوحدةٍ متكاملةٍ ومتناغمة، ودون أن تتصارع الأقسام المختلفة مع بعضها البعض.;


لعل ما استعرضناه من وجهات نظرٍ في هذا المقال يؤكد على الأهمية القصوى التي يجب أن يوليها المدير المالي لسنوات فترة ولايته الوسطى، والتي يتم فيها ترسيخ إرثه للأجيال التالية له، والسعي قدمًا نحو تحقيق نجاحاتٍ مستقبلية. وهو الأمر الذي أكد "نايار" على أهميته قائلًا: "بالإضافة لضرورة أن تكون قادرًا على النجاح في عملك باستمرار، يجب عليك أيضًا أن تكون قادرًا على الانتقال لمرحلةٍ جديدةٍ، تحرص فيها على تطوير قدرات فريقك، جنبًا إلى جنب مع عملك على مشاريع أخرى خارج نطاق المالية التقليدي. فكل هذه الأمور ستساعدك على اكتساب خبراتٍ جديدة، تعزز من دورك كمديرٍ ماليٍ فاعلٍ في الإدارة العليا للمؤسسة، بما يمكِّنك من تحقيق طموحاتك وآمالك المستقبلية".

Explore a career with us