أبحاث معهد ماكنزي العالمي

التفكير المستقبلي في القضايا الوجودية التي تواجه الطبقة الوسطى في كل دولة مع "هومي خاراس"

ملاحظة: إننا نبذل قصارى جهدنا للحفاظ على جميع التفاصيل الدقيقة عند ترجمة المقالة الإنجليزية الأصلية، ونعتذر عن أي جزئية مفقودة في الترجمة قد تلاحظونها من حين لآخر. نرحب بتعليقاتكم على البريد الإلكتروني التالي reader_input@mckinsey.com

في هذه الحلقة الجديدة من بودكاست "التفكير المستقبلي" الصادر عن معهد ماكنزي العالمي، تستضيف المضيفة المشاركة، "جانيت بوش"، السيد/ "هومي خاراس" وتناقش معه مجموعة من القضايا المهمة. إذ يعمل "خاراس" كخبير بارز ورفيع المستوى في مركز التنمية المستدامة بمعهد "بروكينجز" وهو كذلك أحد مؤسسي مختبر "وورلد داتا لاب". تتسع خبرته في دراسة السياسات والاتجاهات المؤثرة على البلدان النامية، وتطور الطبقة الوسطى عالميًا، وقضايا الحوكمة العالمية. كما أنه تعاون مع معهد ماكنزي العالمي في إجراء أبحاث حول المستهلكين في الأسواق الصاعدة والتمكين الاقتصادي. أما آخر إصداراته فهو كتاب "صعود الطبقة الوسطى العالمية: كيف يمكن للبحث عن حياة أفضل أن يغير العالم".

المزيد من الرؤى والتقارير من ماكنزي باللغة العربية

شاهد مجموعة المقالات الخاصة بنا باللغة العربية، واشترك في النشرة الإخبارية العربية الشهرية

تصفح المجموعة

في هذه الحلقة، يتم تناول مواضيع رئيسية تتضمن:

  • كيف تتحول طبيعة الطبقات الوسطى على مستوى العالم؟
  • كيف تؤثر الطبقات الوسطى على بنية مجتمعنا؟
  • ما هو معني الانتماء إلى الطبقة الوسطى بالنسبة للأسر؟
  • الدور الذي تلعبه الطبقة الوسطى في قضايا تغير المناخ.
  • كيف يؤثر الذكاء الاصطناعي على مستقبل الطبقة الوسطى.

جانيت بوش (مستضيفة الحوار): مايكل، في تقديرك، كم يبلغ تعداد الأفراد الذين يمكن تصنيفهم ضمن الطبقة الوسطى على مستوى العالم؟

مايكل تشوي (المحاور المشارك): لا أستطيع تحديد رقم دقيق في الوقت الحالي. ولكن، أعتقد أن نسبة الأشخاص الذين ينتمون إلى الطبقة الوسطى من إجمالي عدد سكان العالم ستشهد ارتفاعًا ملحوظًا، نظرًا للزيادة في مستويات الرفاهية بكثير من الدول، خصوصًا تلك الناشئة والنامية، في العقود الأخيرة.

جانيت بوش: ضيفنا اليوم يقول أن نصف سكان العالم الآن ينتمون إلى الطبقة الوسطى أو فئة ذات دخل أعلى. وإذا نظرنا إلى ذلك من حيث الأعداد المطلقة، فإننا نتحدث عن أربعة مليارات شخص. ومع ذلك، يُتوقع أن يرتفع هذا العدد ليصل إلى خمسة مليارات شخص بحلول عام 2030. والمُدهش حقًا هو كيف تتطور الطبقة الوسطى وما هو مدى تأثيرها المحوري في التصدي لبعض أبرز التحديات التي تواجهنا في عصرنا الحالي.

مايكل تشوي: "أنا متحمس جدًا لهذه المناقشة."

جانيت بوش: لذا دعني، أرحب بضيفنا المميز في البودكاست الخاص بنا - اهلًا بك معنا "هومي خاراس".

هومي خاراس: شكرًا لكِ، "جانيت".

جانيت بوش: حدثنا قليلًا عن نفسك؟ نريد أن نعرف أكثر عن بداياتك، من أين أتيت، وكيف تشكلت مسيرتك المهنية حتى الآن.

هومي خاراس: بالتأكيد، وُلدت في كراتشي في باكستان، وفي تلك الفترة كانت كراتشي عاصمة لدولة تعاني من الفقر الشديد. نظرًا لعمل والدي كدبلوماسي، عشت في عدة دول خلال طفولتي، ما أتاح لي الذهاب إلى المدارس في أماكن مختلفة. وفي النهاية، استقريت في إنجلترا حيث أكملت تعليمي الثانوي والجامعي.

بدأت رحلتي الأكاديمية في جامعة كامبريدج، حيث درست الفيزياء في البداية. لكنني سرعان ما وجدت أن الأمر كان صعبًا للغاية بالنسبة لي، فقررت التحول إلى الاقتصاد. بعد ذلك، سافرت إلى الولايات المتحدة لأتابع دراستي العُليا وحصلت على درجة الدكتوراه من جامعة هارفارد. بعد تخرجي، انضممت إلى البنك الدولي، وكنت متأثرًا ومولعًا بحب "السياسة"؛ وهو الاعتقاد بأن بإمكان الفرد أن يحدث تغييرًا هائلاً في حياة الملايين من خلال التأثير على القرارات السياسية.

جانيت بوش: جيد جدًا. كم هو رائع معرفة أنك وُلِدت في كراتشي؛ لأنني عشت هناك أيضًا خلال فترة طفولتي. كان والدي يعمل في القطاع المصرفي، لذا كنا نتنقل كثيرًا أيضًا.

هومي خاراس: إذًا، ربما التقينا في نفس المدرسة، جانيت؟

جانيت بوش: في كتابك الأخير، ألقيت الضوء على حقيقة مهمة وهي أننا وصلنا الآن إلى نقطة ينتمي فيها نصف سكان العالم إلى الطبقة الوسطى أو أعلى، ما يعادل أربعة مليارات شخص، ومن المتوقع أن يزيد هذا العدد ليصل إلى خمسة مليارات شخص بحلول عام 2030. فما العوامل التي أسهمت في هذا النمو المذهل، وما هي العوامل التي قد تستمر في دعم هذا الاتجاه؟

هومي خاراس: أعتقد أن أبسط رد للجواب على هذا السؤال يتمحور حول التكنولوجيا، حيث لعبت دورًا حاسمًا في نمو وظهور الطبقة الوسطى، ففي القرن التاسع عشر، بدأت الحاجة إلى وجود أفراد متعلمين ومهنيين ماهرين يكتبون العقود ويديرون الشؤون المالية بين البنوك والمصانع. هؤلاء الأفراد ساعدوا في توسيع الأعمال وزيادة الاقتصاد. مع بداية الثورة الصناعية، أصبح هناك حاجة ملحة إلى سكان صحيين ومتعلمين. ونتيجة لهذا التطور، ازداد الطلب على مهن مثل التعليم والطب والرعاية الصحية، مما أدى إلى زيادة الإنتاجية وزيادة الأجور. بشكل عام، النمو الاقتصادي وظهور الطبقة الوسطى كانا مرتبطين بشكل كبير بتطور التكنولوجيا وتقدم المجتمع.

إلا أن القصة لا تتوقف عند التكنولوجيا فقط؛ فالسياسة لعبت دورًا مهمًا أيضًا. لقد رأينا في الغرب أن نمو الطبقة الوسطى كان متزامنًا مع زيادة عدد الأشخاص الذين يحق لهم التصويت، فيما نطلق عليه التحول الديمقراطي. ومن الجدير بالذكر أن الطبقة الوسطى قد دعمت النقابات العمالية في العديد من البلدان، واستفادت من هذا الدعم بالمقابل. ويمكنني وصف الطبقة الوسطى بأنها العنصر الداعم للرأسمالية داخل الحركة العمالية.

في السنوات الثلاثين الماضية، برزت العولمة كعامل مؤثر بقوة في توسع الطبقة الوسطى. ومن وجهة نظري الشخصية، لم يكن من الممكن تحقيق هذا التوسع السريع بدون العولمة. فلنتأمل قليلًا في الأمر، هل تدركين أن الأمر أستغرق حوالي 150 عامًا لكي تصل الطبقة الوسطى إلى مليار شخص، من عام 1825 حتى عام 1975 تقريبًا. ثم استغرق الأمر 31 عامًا فقط لتضم الطبقة الوسطى المليار الثاني، من عام 1975 حتى عام 2006. وبعد ذلك، في غضون ثماني سنوات فقط، انضم الملياران الثالث والرابع إلى الطبقة الوسطى. كل هذا بفضل العولمة.

أما حاليًا، وعلى الرغم من أننا نشهد تباطؤًا في وتيرة العولمة، إلا أن الدول الكبيرة في جنوب شرق آسيا وجنوب آسيا تستمر في دفع الطبقة الوسطى نحو الأمام، مستهدفة الوصول إلى خمسة مليارات، بفضل قوة اقتصاداتها ومشاركتها النشطة في التجارة العالمية.

جانيت بوش: جيد، ذكرت في كتابك الذي يحتوي على إحصائيات مثيرة للإعجاب أن الصين بمفردها قد أدخلت نصف مليار شخص إلى الطبقة الوسطى خلال فترة زمنية قصيرة، وبالتحديد في ثماني سنوات. ويشكل هذا حوالي نصف النمو الكلي في الطبقة الوسطى العالمية، من مليارين إلى ثلاثة مليارات بين عامي 2006 و2014. فكيف يؤثر هذا التغير الكبير على طبيعة الطبقة الوسطى العالمية؟"

هومي خاراس: بالفعل، لقد أحدث هذا النمو الكبير في الطبقة الوسطى في الصين تغييرًا جوهريًا في تكوينها العالمي. لقد حدث هذا في الوقت الذي بدأت فيه الطبقة الوسطى في الدول الغربية تشعر بقلق متزايد حول مستقبلها واستقرارها المالي. غير أن هناك من يزعم أن نمو الطبقة الوسطى في الصين قد ساهم بشكل مباشر في إضعاف الطبقة الوسطى في الغرب.

أنا شخصياً لا أتفق مع هذا الرأي. ولكن من الواضح أن ظهور الطبقة الوسطى الضخمة في الصين قد أبرز انقسامًا جديدًا وملحوظًا في الطبقة الوسطى على مستوى العالم. في الماضي، كان يُنظر إلى نمو الطبقة الوسطى في أي مكان بالعالم على أنه أمر إيجابي ومفيد للجميع. الآن، هناك شكوك وتساؤلات حول ما إذا كان هذا النمو يخدم فعلًا مصالح الطبقة الوسطى في كل مكان أم لا.

جانيت بوش: هل يمكن أن يكون ذلك بسبب أننا الآن نعيش في عالم متعدد الأقطاب؟ العالم الآن أكثر تنافسية، وهناك قدر أكبر من القلق بشأن ما يفعله الآخرون.

هومي خاراس:بالفعل، ولكني أعتقد أن هذا الوضع هو انعكاس لعالم متعدد الأقطاب. ومع ذلك، في مثل هذا العالم حيث تنتشر الطبقة الوسطى بشكل واسع، يصبح لدينا فرصة لبدء التفكير والعمل بشكل جماعي على المستوى العالمي بطريقة لم نفعلها من قبل.

إن كنا نقول أننا في عالم تسوده المنافسة الجيوسياسية فحسب، قد لا نتمكن من تخيل إمكانية توحد العالم حول قضايا حرجة. ولكن، نحن نرى بداية هذا التوحد حول قضايا مهمة، وذلك بفضل دفع الطبقة الوسطى في كل بلد لتناول هذه القضايا الحاسمة والوجودية. فهم يدركون أن حل هذه المشكلات يتطلب تعاونًا عالميًا، وهم مستعدون للمشاركة في هذا الجهد الجماعي.

جانيت بوش: سنعود بالتأكيد إلى الحديث عن القضايا الوجودية، وهذا أمر رائع. ولكن أود أن نعطي المستمعين لدينا فكرة عن مدى أهمية الطبقة الوسطى وكيف يمكنهم أن يشكلوا العالم. إنه سؤال فضفاض جدًا.

هومي خاراس: بالفعل، إنه سؤال متشعب، ولكن يمكنني القول بأن الطبقة الوسطى تشكل العالم وتؤثر فيه بعدة طرق. فهي تؤثر على السياسة، كما تحدثت عن ذلك، ولكن تأثيرها لا يقتصر على السياسة فحسب.

لدى الطبقة الوسطى تأثير كبير على قطاع الأعمال. نراها تدفع الشركات بشكل متزايد نحو تبني ممارسات أكثر استدامة. وهذا ليس لأن الشركات اختارت هذا الطريق من تلقاء نفسها، بل لأن عملائها، الذين يمثلون الطبقة الوسطى، يطالبون به. كما تدفع الطبقة الوسطى أسواق رأس المال نحو الاستدامة. ومن أحد أكثر الجوانب نشاطًا في أسواق رأس المال العالمية اليوم هو إصدار سندات الاستدامة، وهي ظاهرة حديثة جدًا.

فضلًا عن ذلك، تؤثر الطبقة الوسطى أيضًا على وسائل الإعلام. كلما سمعت عن قضية تنتشر بسرعة وتحدث زخمًا وصخبًا، فهذا يعني عادةً أن الطبقة الوسطى قد تداولت هذه القضية وتحاول رفع مستوى الوعي حولها. بالإضافة إلى ذلك، لا يمكننا تجاهل التأثير المباشر للطبقة الوسطى على الحكومات. إنهم يؤثرون على السياسات العامة ويدفعون نحو التغيير في مجالات عدة. بشكل عام، يمكن القول إن الطبقة الوسطى تلعب دورًا حيويًا في تشكيل مختلف جوانب حياتنا ومجتمعاتنا.

جانيت بوش: صحيح، تمارس الطبقة الوسطى في الصين تأثيرًا كبيرًا، رغم اختلاف النظام السياسي هناك مقارنة بالمملكة المتحدة. هم يستخدمون قوتهم للتعبير عن آرائهم في قضايا هامة مثل الاستدامة البيئية وضمان جودة الغذاء.

هومي خاراس: تلعب وسائل الإعلام الرقمية دورًا هائلاً في نشر الأصوات والآراء. في الصين، على سبيل المثال، تحولت سلامة الغذاء إلى قضية رئيسية بسبب سلسلة من الفضائح المتعلقة بتلوث الحليب. وباتت القضايا البيئية كذلك تحتل مكانة كبيرة على الساحة العامة، خاصة مع تكرار حوادث الضباب الدخاني الكثيف في بكين، والتي تذكرنا بما حدث في لندن خلال الخمسينيات.

استجابت الحكومة بفعالية للضغوط التي مارستها الطبقة الوسطى. فلا يرغب أي شخص من هذه الفئة في أن يجد نفسه عاجزًا عن قضاء وقت ممتع مع أطفاله في الحديقة، ببساطة لأن الهواء أصبح غير صالح للتنفس.

جانيت بوش: طبعًا، ولهذا السبب أود أن أناقش الأمور من الناحية المالية وبالأرقام الحقيقية. كيف يؤثر الانتماء للطبقة الوسطى على الوضع المالي للأسرة؟

هومي خاراس: في رأيي، يحمل الانتماء للطبقة الوسطى معاني وتأثيرات متعددة. أولاً، يمنح الأفراد شعورًا بالأمان والتحرر من القلق الدائم بشأن الاحتياجات اليومية. وباعتبارك فرد ضمن الطبقة الوسطى، أنت تمتلك الموارد المالية التي تتيح لك قضاء العطلات، وتناول الطعام خارج المنزل، والذهاب إلى السينما، والاستمتاع بأنشطة ترفيهية أخرى. ببساطة، لديك الحرية في اتخاذ القرارات.

عندما يكون المرء فقيرًا للغاية، تصبح هذه الخيارات خارج المتناول، حيث يكون التركيز الأساسي على البقاء على قيد الحياة. لذا، أعتقد أن الاختيار والقدرة على التحكم في مسار حياتك هما من السمات الرئيسية للطبقة الوسطى.

عادةً ما تمتلك أسر الطبقة الوسطى السلع الاستهلاكية الدائمة، مثل المنازل والثلاجات والسيارات، ويكون لديهم القدرة على التكيف والمرونة في مواجهة المحن. فإذا مرض أحد أفراد الأسرة، لا يتحول الأمر إلى كارثة مالية، ويمكنهم التعافي. والأمر نفسه ينطبق إذا فقد أحدهم وظيفته.

بالتأكيد، الأسر التي تنتمي للطبقة الوسطى تمتلك تطلعات وآمال حقيقية. لديهم الرغبة في التحسين والفرص لتعزيز حياتهم وحياة أطفالهم وعائلاتهم.

مع ذلك، هناك جانب سلبي للانتماء إلى الطبقة الوسطى. لاحظنا أن هناك ضغوط وإرهاق كبيرين يعاني منهما الأفراد في محاولتهم للحفاظ على مكانتهم ضمن هذه الطبقة. يخشى الناس في الطبقة الوسطى من السقوط خارجها ويشعرون بالقلق بسبب عدم اليقين الذي يواجهونه.

لذا، ليس كل شيء إيجابيًا. لكن، بالتأكيد، الحياة في الطبقة الوسطى أفضل من العيش في فقر، وأجرؤ على القول إنه قد يكون أفضل حتى من العيش في ثراء مفرط. من المثير للاهتمام أن نلاحظ كيف تُظهر الدراسات أن الأثرياء ليسوا بالضرورة هم الفئة الأكثر سعادة.

جانيت بوش: هذا صحيح، الفكرة الشائعة بأن الأغنياء ليسوا بالضرورة هم الأكثر سعادة تعتبر بمثابة تعزية لنا نحن أبناء الطبقة الوسطى، لذا ليس هناك داعي للشعور بالحسد الشديد. وكما قلت، العيش في الطبقة الوسطى أفضل من العيش في فقر، رغم أن الفقر لا يزال مشكلة رئيسية. وأعتقد أن هناك الكثير من الجدل حول كيفية قياس هذه الطبقات وتحديدها.

على الصعيد العالمي، يُعد مبلغ 2.15 دولار أمريكي يوميًا هو المعيار الذي يُستخدم لتحديد الفقر. ولكن، ماذا يحدث عندما نتخطى هذا الحد؟ أعلم أنك لعبت دورًا في مساعدة معهد ماكنزي العالمي لإنشاء ما يُعرف بـ "خط التمكين"، وهو ما تم تسليط الضوء عليه في تقريرنا الأخير بعنوان "من دائرة الفقر إلى التمكين". في هذا السياق، يكون الأفراد قادرين على تلبية احتياجاتهم الأساسية، مما يحد من احتمالية تعرضهم للانزلاق مرة أخرى إلى دائرة الفقر. وقد تم تحديد هذا الخط عند 12 دولار أمريكي يوميًا، بناءً على تعادل القوة الشرائية. فكيف يمكن وصف هذا المستوى من الدخل من حيث مستويات الراحة والرفاهية؟

هومي خاراس: يُعتبر خط التمكين بمثابة الحد الأدنى لدخول الطبقة الوسطى فعليًا. ويكمُن السبب في ذلك في الفارق بين وجود خط فقر يعكس الظروف التي يعيش فيها الناس في الواقع، وبين الرغبة في التصنيف ضمن الطبقة الوسطى، حيث تود أن تشعر بثقة معقولة بأن خطر تعرضك للفقر متدني جدًا.

هذا يعني ضرورة توافر مستوى دخل وقدرة شرائية تفوق بشكل كبير خط الفقر، بالفعل يفوقه بنحو خمس مرات تقريبًا. ولهذا السبب، قمنا بتحديد ما نُطلق عليه "خط التمكين" عند مبلغ 12 دولارًا أمريكيًا يوميًا للفرد. هذا هو المستوى الذي يُمكِّنك بشكل نسبي من أن تكون واثقًا من أن مواجهة فترة بطالة أو مرض خطير في العائلة لن يقذف بك مباشرة إلى الفقر، بل ستكون قادرًا على التعافي منه بدرجة معقولة من السهولة.

كما ذكرت، ستكون لديك القدرة على اتخاذ قرارات حقيقية بشأن إنفاقك وميزانيتك. ستنظر وتتساءل، "هل يمكنني تحمُّل تكلفة هذا؟ هل هذا شيء أريده حقًا؟" ستقوم بإجراء تقييمات يومية لميزانيتك.

هذا هو جوهر التمكين الذي نتحدث عنه. أنت في مستوى يسمح لك باتخاذ معظم قراراتك الاقتصادية بناءً على اختياراتك الشخصية، وليس فقط بدافع الضرورة لأنك تسعى جاهدًا لتوفير المال الكافي لشراء الطعام والبقاء على قيد الحياة.

جانيت بوش: كيف يقيس مختبر البيانات العالمي الذي كنت أحد مؤسسيه مستويات المعيشة؟

هومي خاراس: نحن نقيّم مستويات المعيشة في مختبر البيانات العالمي بالاستناد إلى المبالغ التي تُنفقها الأُسر على احتياجاتها اليومية، ونأخذ في الاعتبار عدد الأفراد في كل أسرة، ونجري تعديلات بناءً على التغييرات في مستويات الأسعار سواء عبر الزمن أو بين الدول المختلفة. وتعتمد هذه العملية على ما يعرفه الاقتصاديون بدولارات تعادل القوة الشرائية.

كما كنا نتحصّل على البيانات الرئيسية من استطلاعات الرأي العام حول الإنفاق الاستهلاكي وكذلك من دراسات ميزانية الأسرة. لكن الخطوة الإضافية التي نقوم بها هي مقارنة هذه البيانات مع التقديرات التي نحصل عليها من حسابات الدخل القومي بخصوص إجمالي الاستهلاك الشخصي في كل دولة. لذا، تتيح هذه العملية التعامل مع مشكلة التحيز ونقص التقارير التي تظهر غالبًا في استطلاعات الرأي. فعندما تسأل شخصًا عن مقدار ما أنفقه على شيء معين، قد يتردد في إعطائك الإجابة الدقيقة، أو قد لا يكون لديه علم دقيق بالمبلغ الذي أنفقه. لذا، نحن نحتاج إلى إجراء تعديلات على هذه البيانات المستقاة من الاستطلاعات.

وبعد ذلك، بالطبع، هناك بعض البلدان التي لا توجد بها استطلاعات رأي. مرة أخرى، نستخدم عندئِذٍ التقنيات الإحصائية للبحث عن البلدان الأخرى التي لدينا فيها المسوحات ونرى ما هي خصائصها. إنها تقنية تسمى "التوأمة". حتى أننا قمنا ببعض التقديرات لكوريا الشمالية والتي حصلنا عليها باستخدام بيانات الإضاءة الليلية من الأقمار الصناعية. إنه تمرين إحصائي كبير نقوم بتحديثه مرتين كل عام لمواصلة دمج البيانات الجديدة عندما تصبح متاحة.

جانيت بوش: حسنًا، يجب أن أعترف بأن الحديث كان غاية في الفائدة بالنسبة لمعهد ماكنزي العالمي.

دعونا الآن نتحدث عن موضوع الانتقال إلى مرحلة "صفر كربون" وقضايا تغير المناخ وما يتعلق بها. لقد أشرت في كتابك أن الاستهلاك المفرط للطبقة الوسطى العالمية مسؤولًا مسئولية كبيرة عن التأثيرات البشرية السلبية على كوكبنا، مما يجعلها تواجه خطر تحولها إلى أكبر تهديد لنفسها. أرجو أن تحدثنا أكثر عن هذا الموضوع.

هومي خاراس: بالطبع، أعتقد أن الأمور باتت واضحة للغاية فيما يخص انبعاثات الكربون. الجميع يشهد المخاطر التي نعيشها.

علينا جميعًا أن ندرك الصلة المباشرة بين الكوارث الطبيعية التي نعيشها وشراهتنا الشديدة للسلع رخيصة الثمن والسفر بشكل متزايد. لقد طلبت الطبقة الوسطى من قطاع الأعمال توفير كميات هائلة من السلع بأقل سعر ممكن، وإتاحة الفرصة للطيران وزيارة أي مكان في العالم.

وبالتالي، مع تزايد حجم الطبقة الوسطى وهذا النمط الاقتصادي، نجد أنفسنا نواجه ضغطًا هائلاً على الكوكب، خصوصًا فيما يتعلق بقدرته على تحمل انبعاثات الكربون، مما يساهم في تفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري.

ولكن، لا تتوقف المشكلة عند هذا الحد. رغم أننا لا نناقش هذا الجانب بشكل كافٍ، إلا أن مسألة التخلص من النفايات تمثل تحديًا هائلاً آخر، ناجمًا عن استهلاك الطبقة الوسطى، خاصةً فيما يخص المواد البلاستيكية التي يتم إلقاءها بعد استخدام واحد فقط. وهناك احتمالية كبيرة أن يزيد وجود البلاستيك في المحيطات أكثر عن الأسماك بحلول عام 2050.

بالفعل، إنه أمر محبط وخطير جدًا أن نكون جزءًا من نظام اقتصادي يعبث بالطبيعة بهذا الشكل الفظيع. ومع ذلك، لا أرغب في القول بأن هذا الأمر حتمي وأنه جزء لا يتجزأ من وجود مجتمع الطبقة الوسطى. أريد أن أشدد على أن هذا خيار قمنا باتخاذه، وهو خيار يكلفنا ثمنًا باهظًا.

لكن الجميل في الأمر أن هناك خيارات أخرى متاحة إذا قررنا فقط تغيير سلوكياتنا بعض الشيء. تخيل لو استطعنا الاستغناء عن لحوم الضأن والبقر في أنظمتنا الغذائية، سيمكننا ذلك من إعادة منطقة بحجم أمريكا الشمالية إلى حالتها الطبيعية. فكر فقط في التأثير الهائل الذي يمكن أن يحدثه ذلك على استعادة التنوع البيولوجي وزيادة قدرة الطبيعة على تخزين الكربون.

هناك أيضًا العديد من الطرق الأخرى التي يمكننا من خلالها استغلال التكنولوجيا، خاصةً عندما تكون مدعومة بتشريعات وقوانين حكومية صارمة من أجل تقليل الكمية الضخمة من النفايات التي ينتجها نظامنا الاقتصادي الحالي. ولكن، يجب علينا أن نبدأ في التفكير في الطبيعة بطريقة مختلفة، لا كمصدر لخدمات مجانية لا نهائية، بل ككيان له حدوده ولا يمكننا تجاهله أو تجاوزه.

جانيت بوش: إذًا، نحن نتحدث عن مشكلة ضخمة هنا. للوصول إلى هدف صافي الصفر من الانبعاثات، هل يعني هذا أن الطبقة الوسطى يجب عليها خفض انبعاثات الغازات الدفيئة بنسبة 60% خلال العقد القادم؟ هل هذا ممكن، وكيف يمكن أن يحدث؟

هومي خاراس: بالفعل، هناك إمكانية لتحقيق ذلك، ولكنه بلا شك تحدٍ كبير. أود التوضيح بأنني لا أتحدث هنا عن الوصول إلى معدل صافي من الكربون خلال عشر سنوات، بل أن نضع أنفسنا على مسار سريع يمكّننا من تحقيق ذلك في المستقبل، وذلك للحفاظ على ارتفاع درجات الحرارة ضمن حدود 1.5 إلى 2.0 درجة مئوية.

نحن نعرف أن تقليل الانبعاثات ممكن، ونشاهد بالفعل تفاوتًا كبيرًا في حجم الانبعاثات بين الدول، وهو ما يرتبط أساسًا بالسياسات والاختيارات الحكومية.

أظن أن الإجراء في الحقيقة بسيط للغاية. يتوجب علينا أولاً تحويل جميع وسائل توليد الكهرباء لدينا إلى مصادر الطاقة المتجددة والتخلي تدريجيًا عن استخدام الفحم والوقود الأحفوري. ثم، ينبغي علينا التحول للاعتماد بشكل كامل على الكهرباء في جميع الأنشطة على جانب الاستهلاك، بما يعني إلغاء استخدام السيارات العاملة بالبنزين وأجهزة تسخين المياه والمواقد التي تعمل بالغاز الطبيعي.

لقد بدأنا بالفعل نشهد استثمارات في هذا التوجه في الاقتصادات المتقدمة، حيث تشير التقديرات من رابطة الطاقة الدولية إلى أننا قد نستثمر حوالي 1.7 تريليون دولار هذا العام وحده في هذا النوع من الاستثمارات. لذا، العملية قد بدأت في بعض المناطق، لكنها لا تزال تتقدم بوتيرة بطيئة.

في الوقت ذاته، قد يكون الجزء الأكثر تحديًا يتمثل في الخطوة الثالثة؛ وهي تغيير عاداتنا الشخصية. نحن بحاجة إلى تعديل سلوكياتنا، والتوقف عن تناول لحوم البقر والضأن، والحد من الرحلات الجوية القصيرة وربما تقليل عدد الرحلات الجوية الطويلة. على الطبقة الوسطى أن تعتمد أسلوب حياة أكثر استدامة فيما تستهلكه، وفي كيفية تنقلها، وفي كيفية التحكم في درجة الحرارة داخل المباني التي نعمل ونعيش فيها.

ولن نتمكن من تحقيق ذلك إلا إذا تم تقديم حوافز لنا لفعل ذلك وإذا شعرنا بأن الجميع يساهمون في الجهد العام. لذا، نحن بحاجة إلى دور الحكومات وتدخلها من خلال اللوائح والضرائب والإعانات للبدء فعليًا في تحقيق تقدم ملموس.

جانيت بوش: بالضبط، أنت كذلك تتحدث عن "الابتعاد، التحول، والتطوير"، بمعنى تَجنُّب الرحلات الطويلة والوسطى بالطائرة والإكثار من قيادة السيارة، التوجه نحو استخدام المواصلات العامة، تقليل استهلاك اللحوم، شراء المنتجات المحلية، وزيادة كفاءة استخدام الطاقة، كما تؤكد على أهمية التدخل السياسي لتحقيق كل ذلك. تحدث عن مزيدًا من التفاصيل حول هذا الأمر وأنواع السياسات التي يجب اتباعها.

هومي خاراس: بالطبع، أرى أن هناك حاجة إلى مزيج من سياسات الضرائب والإعانات. مثلاً في الولايات المتحدة، وبفضل ما يُعرف بقانون خفض التضخم، أصبح هناك دعم كبير لأصحاب المنازل الراغبين في تركيب الطاقة الشمسية في مناطق معينة.

وهناك أيضًا سياسات تنظيمية مثل تلك الموجودة في الاتحاد الأوروبي، حيث يُخطط لحظر بيع السيارات الجديدة التي تعمل بالوقود الأحفوري والغاز، أو بالأحرى تلك التي تستخدم محركات الاحتراق الداخلي، بحلول عام 2035. وإذا تذكرتم، قبل بضع سنوات، قامت بعض الحكومات حول العالم بحظر استخدام المصابيح المتوهجة، مما أدى إلى تحول جذري نحو استخدام المصابيح الكهربائية الأكثر كفاءة في استهلاك الطاقة. إذاً، التنظيم يمكن أن يكون له تأثير قوي جدًا.

بالفعل، من الضروري التأكيد على أهمية دور الحكومات في الاستثمار بشكل فعال. حاليًا، أحد العوائق الرئيسية لتقدم الطاقة المتجددة في الولايات المتحدة هو الوقت الطويل المطلوب للاتصال بالشبكة الكهربائية. لم تقم الحكومات التي تتحمل مسؤولية كبيرة في مجال خطوط النقل بالاستثمار الكافي في تحديث شبكات الكهرباء الخاصة بها. وبالتالي، يجب عليها القيام بذلك.

إذا أردنا تشجيع الأشخاص على استخدام وسائل النقل العام، يجب أن نستثمر في بناء أنظمة المترو. وكمثال على ذلك، نظم المترو نادرًا ما تكون مملوكة بالكامل للقطاع الخاص، وغالبًا ما تتطلب نوعًا من الشراكة مع الحكومة.

وأخيرًا، لا شك أننا سنحتاج إلى تطوير تقنيات جديدة. تاريخيًا، كانت الحكومات دائمًا لها دور في دعم البحث والتطوير، وآمل أن تستمر في ذلك.

جانيت بوش: تختلف الأوضاع في البلدان حول العالم بشكل كبير. لدينا دراسة جديدة حول آسيا تُظهر أننا على وشك دخول حقبة جديدة، وتتناول الصعوبات التي ستواجهنا أثناء التحول إلى الطاقة المستدامة. ويكمن هذا التحدي في أن آسيا ما زالت تمر بمرحلة التصنيع والصناعة تلعب دورًا كبيرًا في اقتصادات هذه البلدان. فضلًا عن أن إزالة الكربون من هذه العمليات يعتبر مهمة شديدة التعقيد.

لذلك، يمكننا أن نطرح السؤال الأكبر: هل يمكننا الوفاء بتطلعات السكان، وخاصة أولئك الذين لم يصلوا بعد إلى الطبقة الوسطى أو يعيشون حياة مزدهرة كما هو الحال في الغرب؟ هل نستطيع تحقيق أهدافهم مع الوصول في نفس الوقت إلى معدل صافي من الانبعاثات الكربونية؟

هومي خاراس: أنا متأكد تمامًا من أننا قادرون على تحقيق ذلك. في الواقع، أكبر عقبة تواجه العديد من هذه البلدان الآن هي تكلفة التمويل.

لقد تغيرت اقتصاديات الانتقال إلى إنتاج الطاقة المستدامة بالفعل في السنوات الأخيرة لصالح الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، سواء كانت بحرية أو برية. وفي الحقيقة، أسعار الكهرباء أو تكلفة الطاقة المولدة من هذه التقنيات الحديثة، يمكن أن تنخفض بشكل ملحوظ، مما سيكون له أثر إيجابي كبير على الشركات الصغيرة والوسطى في كل هذه الاقتصادات.

لقد قمنا بتغيير نظرتنا الاقتصادية من كون الاستدامة تمثل عبئًا يتوجب على المجتمع تحمل تكاليفه إلى وجهة نظر ترى في الاستدامة فرصة رائعة وجديدة لتعزيز النمو الاقتصادي على نطاق واسع، شريطة أن نقوم بالأمور بالطريقة الصحيحة. يتمثل مفتاح تحقيق ذلك في ضمان حصولنا على رأس المال طويل الأجل بتكاليف معقولة.

إن العائق الرئيسي الذي نواجهه هو أن التكاليف الأولية لتنفيذ بعض هذه التكنولوجيات المتقدمة تميل إلى أن تكون أعلى من التكاليف الرأسمالية الأولية لإنشاء محطة جديدة لتوليد الكهرباء باستخدام الوقود الأحفوري. وبالتالي، تميل البلدان التي تعاني من نقص في رأس المال إلى اختيار الاعتماد على الوقود الأحفوري. وهذا بالضبط ما يجب علينا تجنبه والعمل على تغييره.

جانيت بوش: أود تغيير النقاش في اتجاه آخر قليلًا لنتحدث عن الطبقة الوسطى، والوظائف، وتأثير الذكاء الاصطناعي والأتمتة. لقد ذكرت أنه في عدد من الاقتصادات المتقدمة، تم تهميش مرحلتين لصعود الطبقة الوسطى وهما: تحقيق التقدم الشخصي وتحقيق التقدم لأبنائهم. فهل يعود السبب في ذلك إلى التحولات التكنولوجية فحسب، أم أن هناك أمورًا أخرى تلعب دورًا هنا؟

هومي خاراس: إن الأمر يتعلق بالفعل بالتحولات التكنولوجية الكبرى. يتعلق بحقيقة أن هذه التحولات التكنولوجية يجب أن تحدث على نطاق واسع، بما يتطلب تغييرًا جذريًا في بنية الاقتصاد، وبالتالي يتأثر الجميع. وهذا يثير قضايا صعبة جدًا تتعلق بالانتقال والتحول.

على سبيل المثال، إذا كنت تعمل في مجال تعدين الفحم ولم يعد هناك طلب على الفحم، فما الذي يمكنك القيام به؟ الأمر ليس بالبساطة التي قد يبدو عليها. قد تحتاج إلى الانتقال بك وبعائلتك إلى مكان آخر تمامًا. والواقع أن الفرص البديلة للعمل قد تكون نادرة جدًا في بعض هذه المناطق.

إذا كان الاتجاه المستقبلي يشير إلى ازدهار السيارات الكهربائية وانتقال صناعتها بعيدًا عن ديترويت، يثير ذلك تساؤلات حول مستقبل العاملين في هذا القطاع. إذ تتركز الشركات الرائدة في إنتاج السيارات الكهربائية حاليًا في الصين وفي دول أخرى كفيتنام. وهذا يطرح السؤال مهم هو: ما الذي سيحدث لعمال صناعة السيارات في أوروبا؟

بالتالي، العديد من الوظائف التي كنا نعتبرها على مدار السنوات جزءً من الطبقة الوسطى، وكانت توفر استقرارًا وأمانًا وظيفيًا، تواجه الآن خطر التغيير الجذري أو حتى الاختفاء. هذا يطرح تحديات كبيرة على الأفراد، ولا سيما أولئك الذين قد يجدون صعوبة في التكيف مع هذه التغيرات بسبب قلة الخيارات المتاحة لهم. الأشخاص الذين لديهم مستويات تعليمية ومهارات أقل من المتوسط قد يجدون أنفسهم في وضع صعب، حيث يكون من الصعب عليهم العثور على وظائف جديدة تتناسب مع مهاراتهم وخبراتهم.

يشعر الشباب اليوم بقلق متزايد بشأن مستقبلهم المهني ويتساءلون "أين ستكون الوظائف الجديدة والتي تتسم في كونها جيدة في المستقبل؟" في الماضي، كان التعليم الجامعي يعتبر بمثابة بطاقة دخول مضمونة للطبقة الوسطى ؛ حيث يمكن للشخص الالتحاق بالجامعة، وفقًا لاختيار تخصصه، ومن ثم الانتقال إلى وظيفة مرموقة.

أما اليوم، الأمور أصبحت أكثر تعقيدًا وغموضًا. لا أحد يعلم بالضبط كيف سيكون شكل الهيكل الاقتصادي الجديد، وأي المهارات ستكون الأكثر طلبًا في المستقبل. رغم الحديث المستمر عن أهمية مهارات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات (STEM)، إلا أن هناك غموضًا يكتنف مستقبل هذه المهارات أيضًا، خصوصًا مع ظهور تقنيات جديدة مثل الذكاء الاصطناعي الذي يمكن أن يشكل تهديدًا للوظائف في هذه المجالات.

جانيت بوش: نسمع الكثير عن الذكاء الاصطناعي، وكيف يمكنه تأدية مختلف المهام الفكرية التي كنا نعتبرها جزءًا من عمل الطبقة الوسطى. فإذا استولى الذكاء الاصطناعي على هذه الوظائف بشكل واسع، ما الذي سيتبقى لنا؟

هومي خاراس: جيد، لكن الأمور ليست كلها سيئة، فهناك جانب إيجابي وآخر سلبي للموضوع. الجانب الإيجابي هو أنه إذا تمكن الذكاء الاصطناعي من تولي هذه المهام بفعالية، فإن هذا سيؤدي إلى ارتفاع كبير في الإنتاجية، وبالتالي ستزيد الثروة العامة. وإذا تم توزيع فوائد الذكاء الاصطناعي بشكل عادل في المجتمع، فإننا جميعًا سنصبح أكثر ثراءً.

هذا يعكس توقعات "كينز" منذ عدة سنوات، الذي تنبأ في عام 1930 أننا في غضون مائة عام سنكون قد وجدنا حلًا للمشكلة الاقتصادية لعصرنا، وأن الناس لن يكونوا بحاجة إلى العمل بجد فقط من أجل لقمة العيش.

لذلك، مع تقدم التكنولوجيا واستخدام الذكاء الاصطناعي في العديد من الوظائف، قد يصبح هناك وقت فراغ أكثر بين الأفراد. هذا الوقت الفراغ يمكن أن يستخدم بطرق تكون ذات قيمة أخلاقية وإيجابية. يمكن للأفراد المشاركة في الأنشطة الإبداعية والفنية، والتعبير عن أنفسهم بطرق متنوعة وفريدة. ليس لدى الجميع مواهب فنية أو إبداعية كبيرة، لكن هذا لا يعني أنهم لا يمكنهم المساهمة في بناء المجتمع وتعزيز الروابط الاجتماعية. ومن الأمثلة على كيفية استغلال هذا الوقت الفراغ، هو التطوع، حيث يمكن للأفراد تخصيص وقتهم وجهدهم لمساعدة الآخرين والمشاركة في مبادرات اجتماعية تهدف إلى تحقيق مزيد من الخير. هذا الانخراط ليس فقط مفيدًا في بناء المجتمعات المحلية وتعزيز العلاقات الاجتماعية، بل يمكن أن يسهم أيضًا في زيادة مستويات السعادة الشخصية.

أعتقد أنه ليس علينا أن نواجه الفرص التي يتيحها الذكاء الاصطناعي بقدر كبير من الرهبة، شرط التحقق من نقطتين أساسيتين: الأولى، ضرورة توزيع المنافع التي يقدمها بشكل عادل وواسع النطاق، والثانية، إدراك أن حياتنا يمكن أن تكتسب معاني وأهدافًا قيمة حتى بعيدًا عن بيئة العمل.

جانيت بوش: نعم، إنه وضع غريب بعض الشيء. نحن معتادون جدًا على العمل لدرجة أن البعض منا، عند التقاعد، يبدأ في التساؤل: "كيف سأملأ وقتي؟". وهذا يعكس نوعًا من الفقر في التخيل والتفكير. لكن الشيء المثير للاهتمام هو أنه يمكننا، بدلاً من رؤية الذكاء الاصطناعي على أنه تهديد مظلم وكئيب، أن ننظر إليه كفرصة للوصول إلى مستويات جديدة من الرفاهية وتحسين نوعية حياتنا.

هومي خاراس: أنا لا أتوق بالفعل للتقاعد وأشعر بالرضا لأنني قضيت معظم حياتي في وظيفة مجزية. ومع ذلك، علي الاعتراف بأنه في الآونة الأخيرة، عندما أبدأ في مشروع جديد، ألجأ إلى "ChatGPT" للحصول على معلومات حول الموضوع الذي أتناوله. أقيس نجاحي بمدى قدرتي على تقديم شيء أفضل مما يمكن لـ "ChatGPT" أن يقدمه؛ أسأل نفسي، هل أستطيع التحدث أو القيام بشيء بطريقة أفضل مما يقدمه "ChatGPT" ؟

جانيت بوش: هذا رائع. إذاً، أصبح "ChatGPT" الآن منافسًا ومحفزًا لنا لنؤدي عملنا بشكل أفضل.

هومي خاراس: بالفعل.

جانيت بوش: لقد استخدمت مصطلح "التحدي الوجودي" في وقت سابق من حديثنا. وعند النظر إلى تغير المناخ والتحول الكبير في العمل الذي ناقشناه، يبدو أننا نواجه تحديًا وجوديًا. وفي كتابك تقول، وأنا أقتبس: "التحديات التي تواجه الحفاظ على طبقة وسطى قوية أكبر الآن مما كانت عليه منذ العقود الأولى من القرن التاسع عشر، عندما بدأت الطبقة الوسطى للتو في اكتساب القوة السياسية." إذًا، سؤالي هو: كيف يمكن للطبقة الوسطى أن تتعامل مع كل هذه التحديات؟

هومي خاراس: أرى أن المعضلة الأكبر تتمثل في ضرورة تأقلم الطبقة الوسطى مع التغيرات. وهذا ليس بالأمر السهل أو المعتاد بالنسبة لهم. فعلى مر التاريخ، كانت الطبقة الوسطى تميل إلى مقاومة التغيير والسعي لتقليل شعور ووضع عدم اليقين في حياتها.

ومع ذلك، نحن الآن بحاجة إلى نهج جديد وتوجه مختلف. يجب أن تكون الطبقة الوسطى مقتنعة بأن الوظائف لن تنفذ، وأن هناك دائمًا مجال للعمل، أو على الأقل، القدرة على ملء الوقت بأشياء ذات معنى. مثلاً، يمكننا أن ننظر إلى قطاع الرعاية كمجال واسع جديد يوفر فرص عمل، ولا يتأثر كثيرًا بالذكاء الاصطناعي.

قد لا يبدو هذا القطاع جذابًا للطبقة الوسطى في الوقت الحالي، نظرًا لأن الأجور فيه قد لا تكون عادلة. ولكن، من الضروري أن نعيد النظر في كيفية تحديد الأسعار في اقتصادنا الرأسمالي حتى تعكس بشكل صحيح القيمة الحقيقية للعمل، ومن ثم نستطيع أن نجد الطرق الأكثر كفاءة للمضي قدمًا.

بصراحة، يقع على عاتق الطبقة الوسطى مسؤولية خلق اقتصاد مستدام. حتى الآن، لا يوجد اقتصاد مستدام في أي مكان في العالم، والطبقة الوسطى هي التي يجب أن تبادر وتبتكر لتحقيق ذلك.

جانيت بوش: هذا حمل ثقيل حقًا.

لننتقل إلى بعض الأسئلة الختامية السريعة لنستكمل حوارنا. ما الذي يدفعك للتفاؤل؟

هومي خاراس: أعترف بأنني الآن قلق جدًا بشأن الطريقة التي تتأثر بها سياسات العديد من الدول بالفئات ذات النفوذ التي تستمر في دعم استخدام الوقود الأحفوري، وتستنزف الموارد الطبيعية بشكل مفرط، وترى أن لها الحق في إحداث الدمار. إنهم يعملون على تأخير وعرقلة الإجراءات الحكومية العاجلة التي نحتاجها بشدة.

جانيت بوش: ما الذي يشعرك بهذا التفاؤل الكبير؟

هومي خاراس:أرى أننا بتنا نمتلك شبكات تعاون قوية تستثمر مليارات الدولارات من أجل إحداث التغيير. وهذه الشبكات يقودها الطبقة الوسطى التي باتت تتبلور في كل أنحاء العالم. بالأخص، الشباب الذين يدفعون هذا التحول قدمًا، لأنهم يعيشون في وعي تام بأن المستقبل الذي ينتظرهم هو الأكثر تعرضًا للتهديدات.

جانيت بوش: لكن، هل تعتقد أن هؤلاء المليارات من الناس قادرين على بناء روابط قوية بما فيه الكفاية لتوحيد جهودهم في جهد عالمي حقيقي؟

هومي خاراس: في الواقع، أعتقد أن هناك رغبة مشتركة بين الأشخاص في تحقيق حياة أفضل، حتى وإن كانت الروابط بينهم غير رسمية. لا أتوقع تكوين مجتمع دولي للطبقة الوسطى كما رأينا في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، حين حاول البعض تعزيز ما يسمى بالطبقة الوسطى الدولية. لا أعتقد أن هذا هو الحل المثالي.

مع ذلك، إذا نجحت الطبقة الوسطى في كل دولة في دفع حكومتها نحو نفس الاتجاه، نظرًا لأن لدينا الآن طبقة متوسطة كبيرة وقوية في معظم الاقتصادات الرئيسية حول العالم، فإن كل الحكومات ستكون مضطرة للاستجابة بطرق مماثلة. وسنحقق عملاً جماعيًا، ليس بسبب تعاون الحكومات بشكل مباشر، بل لأنها تستجيب للمطالب السياسية المحلية من قبل الطبقة الوسطى .

هذه هي الآلية التي أعتقد أنها ستدفع باتجاه التغيير. وأنا متفائل بشدة لرؤية هذا التحول يبدأ بالفعل في عدد متزايد من الدول.

جانيت بوش: إذًا، هل يمكن القول أن القوة بيد الشعب، أم أن الطبقة الوسطى هي التي تحتكر السلطة؟

هومي خاراس: بالفعل، يمكن القول إن الطبقة الوسطى هي التي تمتلك القوة الرئيسية في اقتصادنا الحالي.

جانيت بوش: شكرًا لك "هومي". لقد كانت هذه محادثة غنية وملهمة، وأنا شخصيًا استفدت كثيرًا من قراءة كتابك، وأود بالتأكيد أن أرشحه لجمهورنا.

هومي خاراس: أشكركِ جزيل الشكر، "جانيت". كان لي الشرف بالمشاركة في هذا الحوار.

Explore a career with us