تستضيف مديرة التحرير العالمية "لوسيا راهيلي" في هذه الحلقة من البث الصوتي من ماكنزي "أندرو جرانت"، الشريك الرئيسي في ماكنزي، و"زياد حيدر"، المدير العالمي للمخاطر الجيوسياسية، للحديث حول آخر دراسات ماكنزي حول المخاطر الجيوسياسية، بما يشمل كيفية تغيّر المشهد الجيوسياسي وتأثيراته على الجهات البارزة العالمية، وكيف يمكن للقادة الابتعاد عن أسلوب ردود الأفعال وتطوير المرونة اللازمة لتحقيق الازدهار وسط نظامنا العالمي المنقسم.
وتشارك "جينيفر ستانلي"، الشريكة في ماكنزي، بعدها محاضرة للموظفين في بداية مسيرتهم المهنية حول كيفية التغلب على نقص الثقة بالنفس، وتعزيز الثقة بخبراتهم في إطار سلسلة عندما كنت مبتدئًا.
يستضيف حلقة البث الصوتي من ماكنزي كل من "روبيرتا فوسارو" و"لوسيا راهيلي".
تم تعديل هذه النسخة الكتابية لغرض التوضيح.
الانتقال إلى عالم متعدد الأقطاب
"لوسيا راهيلي": ألقت الحرب في أوكرانيا الضوء على المخاطر الجيوسياسية والاضطرابات الكبيرة التي رافقتها في مجموعة كبيرة من المجالات، بما في ذلك الطاقة والغذاء وسلسلة التوريد وغيرها. كما وضعت الحرب مسار العولمة قيد الدراسة عن كثب، حيث أصبحت الروابط التي كانت تجمعنا سابقًا هي نفسها اليوم ما يعرضنا لمخاطر الاعتماد المتبادل. "زياد"، هل يمكنك مساعدتنا على فهم تغيرات المشهد الجيوسياسي؟
المزيد من الرؤى والتقارير من ماكنزي باللغة العربية
شاهد مجموعة المقالات الخاصة بنا باللغة العربية، واشترك في النشرة الإخبارية العربية الشهرية
"زياد حيدر": نشهد اليوم فترة انتقالية من عالم القطب الواحد إلى العالم متعدد الأقطاب بشكل أو بآخر. ما تزال الولايات المتحدة تحافظ على تفوقها العسكري وتتمسك بمكانتها المحورية من الناحية الاقتصادية، يقابلها كل من الصين والاتحاد الأوروبي، مما يرجح حالة العالم ثلاثي الأقطاب. ونجد أن البعد السياسي أكثر تشتتًا، ولم يعد نظام الإدارة العالمي، الذي ساد منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، مجديًا في الوقت الحالي. ويبرز ذلك بشكل خاص في منطقتي أوروبا والمحيط الهندي-الهادئ.
وعندما نفكر في الحرب الدائرة في أوكرانيا نجد أن كلمة "اضطراب" غير منصفة، في ظل نزوح 8 مليون شخص من منازلهم وحرمان ملايين آخرين من مصادر التدفئة والكهرباء في الشتاء. ووجدت الشركات نفسها مضطرة للتأقلم مع هذه الصدمة، عدا عن الأزمة الإنسانية التي نشهدها هناك.
ومن ناحية أخرى، نرى تصاعد حدة التنافس الاستراتيجي بين الصين والولايات المتحدة في منطقة المحيط الهندي-الهادئ. كما نشهد بروز قوى تنافسية هيكلية، الأمر الذي يقود إلى السؤال الذي طرحه رئيس الوزراء الياباني في سنغافورة: اليوم الصراع في أوكرانيا، فهل نراه غدًا في شرق آسيا؟ حيث يتساءل هنا حول إمكانية امتداد الاضطرابات في أوروبا إلى آسيا، والتي تُعد محرك النمو العالمي.
"أندرو جرانت": فاجأني خلال الأشهر القليلة الماضية عدد الشركات والقادة العالميين الذين أبلغوا عن تأثرهم بالحرب بقولهم: "يتسم عالمنا اليوم بانعكاس الأوضاع الجيوسياسية على أسواق رأس المال". وندرك جيدًا حجم التحدي أمام قادة الشركات في سعيهم لتحسين أسواق المال والحفاظ على قيمة شركاتهم.
المخاطر ما بعد سلسلة التوريد
"لوسيا راهيلي": ركز النقاش حول المخاطر الجيوسياسية على مرونة سلاسل التوريد، فهل لنا أن نتطرق قليلًا إلى المخاطر الأخرى المتفاقمة، وكيف يمكن للقادة الاستعداد لها؟
"أندرو جرانت": يتبادر إلى ذهني ناحيتان أساسيتان هما رأس المال والموظفون. وتعتقد الشركات العالمية عادةً أنها ستوظف رأس المال بطرق متنوعة بناءً على مخاطر الدول أو المخاطر الجيوسياسية المختلفة، ولكن هل يحدث ذلك بالفعل؟ وهل لدى الشركات توقعات مختلفة حول الأطر الزمنية اللازمة؟ وهل تميل إلى عقد الشراكات واستخدام رؤوس أموال من شركات أخرى؟ وإلى جانب التفكير بمواجهة المخاطر، يجب على الشركات إعادة النظر في منهجيتها الأساسية لتخصيص رأس المال.
ينطبق الأمر نفسه على الموظفين، حيث نتوقع بأن أصحاب المواهب العاملين في الشركات يتسمون بطابع عالمي. فهم يرغبون بأن يصبحوا جزءًا من مؤسسة عالمية متصلة. بينما نرى اليوم بأن الجنسية بدأت تكتسب أهمية أكبر، لذا يتعين على القادة الحفاظ على ترابط شركاتهم فيما يخضع العديد من موظفيهم لتأثير عوامل قومية غير مسبوقة. ويبدو القادة الذين نتواصل معهم قلقين بالفعل حول كيفية إنشاء ثقافة عالمية وسط عالم تراجعت فيه مستويات التعاطف بشدة.
"زياد حيدر": فيما يتعلق بسلاسل التوريد، من الضروري وضع وصف تفصيلي للمخاطر التي قد تعيق استمرار سلسلة التوريد في ظل الاضطرابات الجيوسياسية. وتقوم العديد من الشركات بذلك، إلا أنها تحتاج لمزيد من العناية والدقة لتضمن مثلًا عدم وجود عمالة قسرية ضمن هذه السلسلة.
وتتجه أحد أبعاد سلاسل التوريد إلى الدول البعيدة نسبيًا عن الاضطرابات الجيوسياسية، مثل الهند أو إندونيسيا أو فيتنام. كما يبرز عدد من التحديات التنظيمية وغيرها من التحديات والفرص، فضلًا عن توجه الدول لتوجيه سلاسل توريدها إلى الداخل، وهو توجه يرتبط بالسياسات الصناعية الجديدة. وتتقاطع هذه الجوانب الثلاثة لسلاسل التوريد بين بعضها في الوقت نفسه.
يمكننا أيضًا إضافة مخاطر السمعة، فكيف يمكن للشركات الحفاظ على حضور عالمي وامتلاك أسباب منطقية للتواجد في أسواق مضطربة؟ ويجب على القادة تقديم إجابة حول أماكن حضور الشركة وأسباب ذلك للجهات المعنية ووسائل الإعلام، أو البرلمان أو حتى على المستوى الداخلي أمام الزملاء. وهو ما يتعين على الشركات تحقيق التوازن فيه، حيث يجري تناقل الأخبار سريعًا بين الأسواق المختلفة، ما يفرض تقديم رسائل متناسقة في جميع الأسواق.
استجابة متغيرة للمخاطر وسط عالم متغير
"لوسيا راهيلي": يشير أحدث استبيان صادر عن ماكنزي إلى أن المخاطر الجيوسياسية تأتي على رأس أجندات الرؤساء التنفيذيين. ويدرك قادة الشركات حاجتهم لاتخاذ الخطوات المناسبة، خلافًا لما كان عليه الحال سابقًا، ولا سيما في الدول الغربية، حيث كان القادة يفضلون معالجة المخاطر الجيوسياسية عند الحاجة فقط، أي عند حدوث أزمات أو مخاطر محددة. فما هي التغييرات الواجبة على القادة اليوم بشأن منهجياتهم؟
"أندرو جرانت": تتمثل الخطوة الأولى في بناء مستوى من الوعي والفهم حول القضايا القائمة وتأثيراتها على الشركة. ثانيًا، يجب التحلي بمستوى معين من المهنية واكتساب المهارات الجديدة الضرورية استجابةً لهذا الوعي. ويتطلب الأمر مستوى عاليًا من المهنية لفهم التبعات القانونية والتنظيمية للقوانين الصادرة في دول تتمتع بحضور واسع النطاق.
وتنعكس الاضطرابات الجيوسياسية وفق مستويات مختلفة على الدول، لذا يتعين على القادة طرح مجموعة من الأسئلة حول كيفية النظر إلى هذه المسألة، وكيفية تصنيف هذه الدول، وكيف يمكن إيجاد لغة مشتركة ضمن الشركة تتيح صنع القرارات وفهمها والتنسيق وإرساء شركة عالمية؟
"زياد حيدر": يشهد العالم تغيرات عديدة أجبرت الشركات على اعتماد مزيد من الدقة في عملياتها. فإذا عدنا إلى تسعينيات القرن الماضي، نرى تيار العولمة الفائقة بقيادة الولايات المتحدة، والتي كانت تدعم دخول الصين إلى منظمة التجارة العالمية. كما انطلقت محادثات بين روسيا وحلف الناتو. وهو ما يصعب تصور حدوثه اليوم. فبعد تغير منحى الأحداث، نشهد اليوم إحياء منافسة قديمة بين القوى الكبرى على جبهتي أوروبا والمحيط الهندي-الهادئ.
وفي الوقت نفسه، يتعرض دور الولايات المتحدة العالمي ومزايا العولمة المطلقة إلى تساؤلات عميقة حتى داخل الولايات المتحدة. وتنطوي بعض هذه الأسئلة على أهمية كبيرة. وساد الاعتقاد في تسعينيات القرن الماضي بأن توجه عدد كبير من الشركات متعددة الجنسيات إلى الأسواق العالمية سيؤدي إلى التغيير من خلال التجارة، أي تحويل الأسواق وجعلها أكثر انفتاحًا وحرية.
ولكن هل ما تزال هذه الفكرة صحيحة في ظل الحرب الروسية الأوكرانية؟ وهل يمكن للشركات التواجد في هذه الأسواق المضطربة ومحاولة تغييرها؟ أم يجب الحذر والانتباه وعدم العمل في هذه المناطق؟ كما يجب على الشركات المتواجدة في هذه الأسواق تبرير سبب وجودها. بالتالي فإن فكرة الشركات العالمية متعددة الجنسيات تواجه تحديًا كبيرًا، وهو ما يفرض إعادة التفكير بكيفية إدارة العمليات العالمية. وما هي الطريقة الصحيحة للقيام بذلك وسط هذه البيئة الجيوسياسية؟
إطار تحقيق المرونة
"لوسيا راهيلي": ما الذي يتوجب على القادة تغييره بهدف التخطيط للمخاطر الجيوسياسية واكتساب مزيد من المرونة في هذا السياق؟ وما هي التصنيفات العامة التي يجب مراعاتها؟
"أندرو جرانت": هنالك دول يمكنني القول بأنها تشهد مخاطر جيوسياسية خاصة بها، وهي مخاطر كبيرة تؤثر بقوة على العمليات في هذه المناطق بعينها. ومع ذلك، تتواجد العديد من الشركات العالمية في 35 أو 40 دولة تعاني من مثل هذه المخاطر الجيوسياسية، ويشكل التواجد في هذه الدول خطرًا كبيرًا على محفظة الشركة.
ومن ناحية أخرى، نشهد للمرة الأولى في تاريخنا الحديث ظهور قوى جيوسياسية محورية في الصين والولايات المتحدة. وبالنسبة للشركات التي تنشط بطريقة هادفة في هذه الأماكن، تبرز اعتبارات جيوسياسية حقيقة نتيجة تنافس القوى الكبرى.
ووسط هذه القوى توجد دول تعاني من مخاطر عسكرية عالمية، ومخاطر على صعيدي الدفاع والأمن، إضافة إلى الدول التي تفرض ما أسميه مخاطر السمعة العالمية المرتبطة بحقوق الإنسان. وعادةً ما تتمتع هذه الدول بأهمية فعلية تظهر بقوة في العمليات العالمية للشركات الدولية. كما أن هنالك شركات عديدة أخرى، ولكن إطارنا يساعد الشركات العالمية بشكل خاص.
ويمكننا القول إن العالم يشهد للمرة الأولى ظهور قوتين هائلتين، الصين والولايات المتحدة، تجمعهما مثل هذه الروابط العميقة. وتبرز بين الدولتين مشاكل وتحديات تتعلق بأبعاد مثل حقوق الإنسان، إلا أنهما أظهرتا في الوقت نفسه تعاونًا لافتًا في مسألة المناخ. لذا من الضروري اعتماد إطار أكثر دقة وجذرًا ليتلاءم مع هذه العلاقة المعقدة والمترابطة والديناميكية، والتي يجب مراقبتها وإدارتها بشكل فعال.
"زياد حيدر": أوافق "أندرو" تمامًا؛ يجب أن يتمتع قادة ومجالس إدارة الشركات بدقة أكبر. ويتعين على مجلس الإدارة شهريًا البحث عن أبرز خمس أسواق تعاني من المخاطر الجيوسياسية، وإنشاء خطة عمل واضحة لإدارة هذه المخاطر استنادًا إلى مجموعة من الحقائق المشتركة.
وتبرز حتى على مستوى الشركة الواحدة وجهات نظر عديدة، ويجب عندها التفكير في كيفية إطلاع مجلس الإدارة على هذه المواضيع، والبحث عن نمط مشترك للحقائق، ومراقبة المخاطر بطريقة عملية وليس فقط بطريقة أكاديمية.
وفي ظل تصاعد التغييرات التنظيمية، نرى اليوم أن العديد من عملائنا يستثمرون في إمكانات الشؤون المؤسسية لديهم وفي فرقهم القانونية إلى جانب فرق الشؤون الحكومية. وهنا، نطرح عليهم بضعة أسئلة: من هي مصادرهم الميدانية؟ وما هو الدعم الاحتياطي المتوفر لديهم؟ وكيف يمكنهم تطويره؟
كما نطرح على العملاء مجموعة من الأسئلة: كيف تنظرون إلى حضوركم التنظيمي، سواء الحلول التنقية أو الهيكلية المؤسسية في السوق؟ هل هنالك مستويات من الحرية يجب توفيرها أو مخاطر يجب إدارتها في حال كنتم تمتلكون حزمًا تقنية مستقلة أو كيانًا مؤسسيًا مستقلًا في دولة ما؟ وفي مرحلة معينة تقع المسؤولية كاملة على المقر الرئيسي للشركة، لذا تواجه الشركات تحديات في تحديد حضورها الأمثل.
وأخيرًا، تنطوي إدارة المخاطر الجيوسياسية من ناحية الموظفين على أهمية كبيرة، إذ يواجه كل موظف تحديات جيوسياسية منفصلة عن زملائه. ولا تتمثل هذه التحديات في اهتمامات الموظفين، بل هي وجهات نظرهم المستمدة من خلفياتهم الثقافية. لذا يجب مناقشة وجهات النظر هذه في الشركات للحفاظ على متانة الشركة ووحدتها وعملها وفق منهجية موحدة. بالتالي يجب أن نسأل كيف يمكن أن نصل إلى نظرة متماثلة إلى العالم؟ وكيف نعالج الاختلافات في حال وجودها لإرساء موقف ثابت حول موضوع معين؟
"أندرو جرانت": تبرز ناحية أخرى هي العقلية التي يتبعها مجلس الإدارة وكبار المسؤولين. وهنا أؤكد على أهمية التحلي بعقلية منفتحة ومتقبلة.
حظينا أنا وزياد بفرصة لقاء مدير شؤون العلاقات الحكومية في واحدة من أبرز شركات العالم وأكثرها تطورًا. وأشار هذا المدير إلى أنهم خصصوا موارد قياسية وغير متوقعة لمواجهة التحديات الجيوسياسية خلال العام الماضي. وأصبحوا اليوم يفهمون مشاكلهم بشكل جيد ولكن دون وجود إجابات شافية. لذا تمثّل العقلية المنفتحة والمتقبلة بداية مهمة؛ فلا أحد يملك الحقيقة المطلقة، ويجب على الشركات العالمية أن تفهم أن هذه المشاكل ثلاثية الأبعاد تستلزم رؤيتها من منظور عالمي وليس محلي. ويتمثل الموقف السليم في الابتعاد عن الانحياز التام لرأي دون غيره، والاستعداد للتأقلم مع التغيرات في المستقبل.
"لوسيا راهيلي": هل تعتمد غالبية الشركات هذا التوجه اليوم؟ أم فقط الشركات الكبيرة على حد وصفك؟
"زياد حيدر": تتوفر مقومات هذا التوجه بالفعل، لأن الاضطرابات الجيوسياسية ليست أمرًا جديدًا. وقد تعاملت الشركات في قطاعات محددة، مثل النفط والغاز، مع هذه المسائل على مدار عقود طويلة. غير أن قطاعات أخرى، مثل التكنولوجيا، تواجهها للمرة الأولى، في ظل وجود حلول برمجية وسط عالم منقسم بقوانين مختلفة ضمن ولايات قضائية متعددة. وتضطر شركات عديدة للتعامل مع هذه المسائل الناشئة.
"أندرو جرانت": تشعر العديد من الشركات العالمية الكبرى بأنها خصصت استثمارات كبيرة في هذا الشأن. وقد سألني أحد الرؤساء التنفيذيين منذ أسبوعين حول تحدٍ يواجهونه وقال: "لطالما نجحنا بتحقيق النمو، ولكن هل يمكن الاستفادة من الأمور الجديدة التي نتبعها للتعامل مع المخاطر الجيوسياسية بهدف تحسين شركتنا وتعزيز مرونتها؟ وهل سيعتبرني الموظفون مؤهلًا للصمود والازدهار وسط عالم يشهد تفاقم المخاطر الجيوسياسية؟" هذا الطرح مهم بالفعل، ولكني لا أعتقد أن أي شركة قد وصلت إلى هذه النقطة حتى اليوم.
دراسة المواقف العلنية
"لوسيا راهيلي": يتعين على القادة التركيز على بناء المرونة في شركاتهم، ولكن ما هو الدور المتوقع منهم الآن في المناقشات العامة للقضايا الجيوسياسية؟
"زياد حيدر": يحتاج هذا الموضوع أيضًا إلى مزيدٍ من التفصيل. ولا شك أن العام الماضي شهد اضطرابات ضخمة، فقد خرجت أكثر من 1,000 شركة من روسيا بحسب جامعة ييل، وجاء قسم كبير من هذه القرارات نتيجة التوقعات من الرؤساء التنفيذيين والشركات لاتخاذ موقف واضح من الحرب. ويسرّنا الموقف الذي اتخذته ماكنزي في هذا الصدد.
وتستخدم شركة إيدلمان مقياسًا للثقة حول التوقعات من الرؤساء التنفيذيين في مواضيع مختلفة. ويعكس مقياس العام الماضي وجود توقعات واضحة من هؤلاء القادة لاتخاذ مواقف تجاه القضايا الجيوسياسية على خلفية الغزو الروسي لأوكرانيا. ويشير ذلك إلى الانتقال من التركيز على المسؤولية الاجتماعية للشركات إلى تسليط الضوء على المسؤولية السياسية للشركات واتخاذ المواقف الواضحة.
ونرى اليوم ثلاثة مواقف؛ منها المواقف الجريئة التي دومًا ما يدفع أصحابها الثمن، والمواقف الناتجة عن الحاجة التي تتخذها الشركات أحيانًا بسبب اضطرارها للمشاركة في قضية معينة، سواء كان ذلك داخليًا أو خارجيًا، وأيضًا مواقف تقبل الانتقادات والإقرار بالأخطاء التي ارتكبتها الشركات. ويتوجب على القادة في بعض الأحيان الاعتراف بأخطائهم وتقديم حلول لتصحيحها.
وارتفعت التوقعات من الرؤساء التنفيذيين للتحدث عن هذه المواضيع الاجتماعية والسياسية في بيئة وسائل التواصل الاجتماعي. ولكن يوجد اختلاف بين المواقف التي ينبغي اتخاذها على المدى الطويل.
"أندرو جرانت": أعتقد أن الموظفين هم الجمهور الأهم، لذا من الضروري التحلي بالمصداقية والواقعية وإعطاء صورة حقيقية ودقيقة عن الشركة ومواقفها.
"زياد حيدر": من الضروري التفكير بشكل نقدي في الآثار المترتبة على اتخاذ موقف عام، مثل إعلام الموظفين في المناطق الأخرى بالخروج من السوق أو اتخاذ موقف مبدئي.
ويلعب ذلك دورًا كبيرًا لأنه في كثير من الأحيان تتحول هذه المناقشات إلى المقر الرئيسي، ويتم اتخاذ قرار يخص الجمهور الغربي أو شريحة محددة من الجمهور. وقد تكون التداعيات الأمنية والجسدية على الموظفين في السوق المتضررة قاسية للغاية، لذا أعتقد أن الكثير من الشركات سيتعين عليها التفكير في حالات وسبل إعلان مواقفها عند الضرورة في الأزمات القادمة.
عندما تتباين آراء الموظفين
"لوسيا راهيلي": لا يمكننا تجنب اختلاف مصالح الموظفين في الشركات العالمية، فكيف يتعين على القادة الاستعداد لمواكبة تلك المصالح المتضاربة في قاعدة موظفيهم قبل حدوث الأزمة؟
"أندرو جرانت": تحتاج الشركات إلى الاستعداد وتجهيز دراسة مسبقة واتخاذ بعض القرارات الشجاعة والجريئة والمكلفة. ومن الضروري أيضًا التفكير في ملامح الشركة العالمية وسط هذه البيئة المختلفة تمامًا عن عالمنا الراهن. كما يتعين علينا إعادة التفكير في بعض الجوانب المهمة من أسلوب عمل الشركات، بالطريقة ذاتها التي أعدنا من خلالها التفكير في الشركات متعددة الجنسيات بأسلوب هادف ومبتكر بعد سقوط جدار برلين.
"زياد حيدر": نتحدث كثيرًا عن الأمور المترتبة على الشركات لإدارة البيئة الخارجية. وتتبادر إلى ذهني ثلاثة جوانب؛ أولها عقلية الحوار. إذ يمكن إضفاء الصبغة الإنسانية على الحوارات من خلال التفكير بوجهة نظر الآخرين عوضًا عن محاولة احتكار الحقيقة الكاملة.
كما يجب التطرق إلى الإشارات التي ترسلها القيادة، مثل انفتاح بعض الرؤساء التنفيذيين في الأسواق الأكثر تعقيدًا على الصين في الوقت الراهن. وبالتالي هل تتحمل القيادة مسؤولياتها في هذا السياق؟ ويمكن استبدال الصين بعدد من الأسواق المعقدة الأخرى وطرح نفس الأسئلة.
ويتعلق الجانب الثالث بالمنتديات التي تنظمها الشركات، مثل لجان المخاطر والمؤتمرات السنوية. فهل تعكس هذه الفعاليات الطبيعة العالمية للشركة بالشكل الأمثل؟ وهل يشعر الموظفون بأن لآرائهم صدى فعالًا؟
هذا بديهي، ولكنه مهم جدًا لأن هذه الشركات غالبًا ما تتجه بسرعة كبيرة نحو تقليل عدد الموظفين في المقر الرئيسي. ويتمثل الجانب الآخر لهذه المعادلة في عدم القدرة على توفير الشفافية الكاملة، وخاصة فيما يتعلق بالمواضيع الحساسة. وبالعودة إلى النقطة التي ذكرها أندرو، يجب علينا التحلي بعقلية منفتحة ومتقبلة تجاه هذه المواضيع.
مراعاة الاختلافات
"لوسيا راهيلي": تحدثنا عن أنواع الاستجابة للغزو الروسي لأوكرانيا. وقد كان التعامل معها مباشرًا وحاسمًا بالنسبة للعديد من القادة ولأسباب مختلفة. ولكن عادةً ما يصعب تحليل المشاكل الجيوسياسية كونها أكثر تعقيدًا، فهل تقدمون أي توصيات حول التصرف الصحيح في مثل هذه الحالات؟
"أندرو جرانت": يمكن تعزيز المرونة بالممارسة والتدريب. ولا شك أن أغلب المواقف والقضايا تحمل أكثر من حقيقة ووجهة نظر. وبالتالي، يجب الحرص على تفعيل المنهجية والأدوات المناسبة لمعالجة المشكلة والتحلي بالجرأة والشجاعة الأخلاقية، وتسمية قضايا حقوق الإنسان بمسمياتها الحقيقية.
وفي حال مواجهة مصالح في النفوذ ومصالح تجارية ووطنية وقضايا متعلقة بالسياسات الصناعية، على سبيل المثال، فيجب تسميتها بمسمياتها الصحيحة وعدم تصنيف أنفسنا في حزب الأخيار وغيرنا في حزب الأشرار. وأؤكد على ضرورة معالجة القضايا والمشكلات بمستوى معين من الدقة والجرأة والنزاهة.
"زياد حيدر": يكمن جزء من طريقة معالجة هذه المجالات غير المحددة في وضع أفكار مسبقة لها. وتعتمد الكثير من الشركات اليوم على التخطيط التقليدي للسيناريوهات الذي يأخذ بالاعتبار مجموعة من السيناريوهات، حيث تتبع الوسائل التقليدية لتكوين صورة حول مستقبل السيناريوهات والمواقف التي يتعين عليهم اتخاذها. وهذا هو النوع من الممارسة والتدريب اللازمين لمعالجة هذه القضايا والمشاكل الجيوسياسية عند حدوثها.
ولا يمكن الاعتماد على هذه المنهجية بالكامل، نظرًا لعدم قدرتنا على توقع جميع السيناريوهات أو تسارع الأحداث. وتُعد الحرب الروسية الأوكرانية مثالًا مثيرًا للاهتمام، فقد عملت روسيا على تعبئة قواتها لفترة طويلة، وأحس العالم بخطر محدق، ولكننا لم نتوقع حدوث غزو شامل للوصول إلى العاصمة الأوكرانية كييف.
وهناك أسئلة تتعلق بالجاهزية تستخلصها العديد من الشركات من تجربة روسيا وأوكرانيا، وهي تحاول تطبيقها بشكل فعلي في آسيا. ويمكن العمل على دراسة مجموعة من السيناريوهات، وليس فقط البروتوكولات، والوقوف على شكل الاستجابة التي سيتم تقديمها. فهل سننشر بيانًا أم نتخذ موقفًا؟ كلها جوانب تندرج في إطار الاستجابة.
الجوانب الأكثر عرضة للخطر
"لوسيا راهيلي": يحاول قادة الشركات مواجهة واحدة من أصعب بيئات العمل في التاريخ الحديث. وقد يكون وضع منهجية على مستوى الشركة لبناء المرونة الجيوسياسية استثمارًا ضخمًا في الوقت الراهن الحافل بالأحداث. وعند عملكم مع قادة الشركات العاملين تحت الضغوطات قصيرة الأمد، هل تطلعونهم على أهم مواضع المخاطر التي قد تواجههم؟
"أندرو جرانت": ترتبط الأولويات بمدى تركيز القادة على المخاطر القائمة في العالم، مثل تأثير المخاطر الجيوسياسية على أسواق رأس المال. وعند العمل على معالجة المخاطر الجيوسياسية بوصفها محور التركيز الأهم، يتوجب على القادة مشاركة وجهة نظرهم بمنتهى الشفافية وبذل قصارى جهودهم للتعبير عن وجهة نظرهم.
وتوجد فرصة مواتية لإقامة شركات عصرية ومتطورة بشكلٍ أكبر لمجاراة المشهد الجيوسياسي الجديد. ولا شك أن التحلي بالمرونة يعود بفوائد كبيرة على الشركات أجمع.
كما لا يمكن التعويل أبدًا على العودة إلى الأوضاع إلى ما كانت عليه في عام 2019، لأننا دخلنا مرحلة جديدة تتطلب بناء محركات مرونة مبتكرة، وهو ما يتطلب تركيزًا كبيرًا من القادة واتخاذ قرارات فعالة وجريئة لتخصيص الموارد. ولكن الجانب المشرق في هذا السياق هو الفوائد التنافسية التي يحصل عليها القادة لقاء قراراتهم الجريئة والسريعة، والتي تعزز قدرتهم على تحقيق النمو والازدهار في المرحلة الجديدة.
"زياد حيدر": إذا لم نركز على هذه المسألة في المقام الأول، فإننا نعرّض الموظفين لمخاطر عديدة، تليها المخاطر المحتملة على النمو والحضور في السوق، ثم المخاطر القانونية في حال عدم الإحاطة بمختلف الأنظمة التنظيمية المتعلقة بضبط الصادرات والعقوبات. لذا قد تترتب على القادة مجموعة من النتائج السلبية والأزمات التي يتعين عليهم إدارتها بالشكل الأمثل.
إن الإجراء الوحيد الذي أرى اتخاذه ضرورة بالنسبة لجميع مجالس الإدارة في عام 2023 يتمثل في تحديد أبرز خمسة أسواق ذات المخاطر الجيوسياسية الواضحة، ومناقشة الخطوات اللازمة لتحسين إدارة حضورنا في هذه الأسواق. وتتجه الكثير من مجالس الإدارة، ولو بدرجات مختلفة، نحو القضايا الكبرى المتعلقة بالصين.
كما نتوقع بعض الفرص فيما يتعلق بتسارع تحول الطاقة، بعيدًا عن سيناريو روسيا وأوكرانيا. ونتيجة التوتر في منطقة المحيط الهندي-الهادئ، فإننا نشهد تحويل الإنتاج نحو الدول الحليفة والصديقة، ما يعزز أهمية بعض المناطق والدول الأخرى. ويكمن السؤال هنا في وسائل ترسيخ الحضور بالشكل الصحيح.
"لوسيا راهيلي": لقد كان حوارًا ممتعًا للغاية يا "أندرو" و"زياد". شكرًا لكما على انضمامكما إلينا.
"أندرو جرانت": شكرًا لك على هذه المقابلة المميزة.
"زياد حيدر": شكرًا جزيلًا "لوسيا"، كان من دواعي سروري التواجد معكم اليوم.
"روبيرتا فوسارو": كانت شريكة ماكنزي "جينيفر ستانلي" مقتنعة بأنها تفتقر للخبرة اللازمة لتحقيق أداء مميز في أحد مشاريع الاندماج والاستحواذ. ولكنها كانت تمتلك المهارات اللازمة وتفتقر للثقة بنفسها حسب تعبير مديرها. فلنتعرف أكثر على قصتها من خلال هذا المقطع الجديد من سلسلة عندما كنت مبتدئًا.
"جينيفر ستانلي": مررتُ بتجربة مروعة عندما شاركت للمرة الأولى في العمل على مشروع خاص لإحدى عمليات الاندماج والاستحواذ. لم أرتد مدرسة الأعمال، ولم يكن لدي أي فكرة عن مصطلح "التحقق الواجب" في مجال الاندماج والاستحواذ.
ووجدت نفسي في مشروع يتطلب وضع تصميم لشريك محتمل من أجل مشروع استثماري مشترك، وهو تابع لأحد عملائنا. لم يكن لدي أدنى فكرة عن نقطة البداية في وضع التصميم، وشعرت بالخوف لأنني أدركتُ حجم التوقعات المنشودة من هذا المشروع.
حاولتُ تهدئة نفسي من خلال إيجاد مدرب متخصص سبق لي أن قابلته عندما تم توظيفي في ماكنزي؛ وقلت له: "أشعر بتوتر كبير، وبعدم الثقة بكفاءتي". فطلب مني أن أحكي له عن فترة تميزي خلال دراستي الجامعية، وبدأت في وصف النماذج الإحصائية ولكن في سياق العلوم الاجتماعية. فقال لي: "هذا رائع. أنت تجيدين تصميم النماذج، لكنك تستخدمين أنماطًا مختلفة من البيانات".
واقترح عليّ أن أتحدث مع المدير، وأن أدوّن قائمة بالمزايا التي يمكنني تقديمها للدراسة، والتي تعكس أهميتي بالنسبة لمشروع، ويمكن أن تفيد في الدراسة التي كنا نستعد لإجرائها. كما نصحني أن أتحلى بالجرأة وأطلب من المدير إدخالي في مراحل المشروع لأقوم برسم أو تشكيل العناصر المتطابقة، وهو الأمر الذي أبرع فيه ويعطيني زخمًا أكبر. ولكنني ظننت أن هذا الحوار سيكون معقدًا للغاية، وسأضطر لشرح أني لا أملك أي تجربة سابقة لي في مثل هذه المشاريع، ولكن العكس هو ما حدث، وقال المدير: "يا للروعة، لقد أصبحت تجيدين شيئًا يصبّ في مصلحة هذا المشروع".
وتعلمت أنك في حال واجهت مشكلة أو فرصة جديدة وطلبت المساعدة من أحد، وقام بتوجيهك والعمل معك لإعادة رسم طبيعة المساهمة التي يمكنك تقديمها، فهذا يعني أن إمكاناتك تفوق تصورك. ولا بدّ من وجود وسيلة لتعزيز الزخم وبناء الثقة والمساهمة بشكل فعال في الفريق وتجاه العميل.