فخلال العامين الماضيين، شهد القطاع المصرفي أفضل فتراته مُنذ ما قبل الأزمة المالية العالمية 2007-2009. فقد حققت المصارف مستوياتٍ عالية من الربحية والسيولة المالية، وزيادة رأس المال. وبالرغم من أن البنوك هي المصدر الأكبر للربحية على مستوى العالم، إلا أن الأسواق لا تزال متحفظةً بعض الشيء بشأن قُدرتها على تحقيق قيمةٍ مستدامة على المدى البعيد، مما جعل القطاع المصرفي يحتل المرتبة الأخيرة بين القطاعات من حيث نسبة السعر إلى القيمة الدفترية (هي قيمة الشركة وفقًا لسجلاتها المحاسبية، وتُحسب عن طريق طرح مجموع الالتزامات من مجموع الأصول).
إلى جانب مجموعة العوامل الاقتصادية الكُبرى، هناك أيضًا بعض العوامل الخاصة التي يواجهها القطاع المصرفي في الوقت الحالي، وتؤثر على الأداء المستقبلي للبنوك:
- تباين النتائج الخاصة بنمو إنتاجية العمل، بالرغم من استثمار البنوك أعلى نسبةً من إيراداتها في قطاع التكنولوجيا.
- التغيرات التي تطرأ على السياسات والقوانين في جميع أنحاء العالم، والتي تتطلب من البنوك استثماراتٍ إضافية للتوافق معها.
- الضغط التنافسي على الخدمات الأكثر ربحيةً في القطاع المصرفي (مثل الائتمان الخاص، المدفوعات، وإدارة الثروات).
- ارتفاع أسعار الفائدة والذي دفع البنوك نحو تحقيق أداءٍ أفضل.
- تآكل القيمة الاقتصادية للقطاع المصرفي خلال العقد الماضي، وذلك عند مقارنتها بتكلفة رأس المال، على الرغم من تحقيق القطاع لبعض المكاسب.
فهل سيؤدي النمو القوي الذي شهدناه في قطاع البنوك خلال عام 2023 إلى عودة هذه الصناعة مرةً أخرى نحو مسارها التاريخي السابق؟ خاصةً مع استمرار طرح التساؤلات بشأن العوامل الأساسية التي تضمن للقطاع المصرفي تحقيق النمو المستدام.
المزيد من الرؤى والتقارير من ماكنزي باللغة العربية
شاهد مجموعة المقالات الخاصة بنا باللغة العربية، واشترك في النشرة الإخبارية العربية الشهرية
عند تحليل أسباب نجاح بعض البنوك مقارنةً بنظيراتها خلال السنوات الخمس إلى العشر الماضية، يظهر أن هذه البنوك قد تمكّنت من تحقيق نموٍ سريع ومستدام باستخدام استراتيجياتٍ ذكية اعتمدت على ثلاثة محاور رئيسية: التركيز على القطاعات المتوقع لها معدلات نموٍ عالية، الوصول إلى حجمٍ مؤثر يتيح لها المنافسة بفاعلية، وتحديد مواقعها بشكلٍ استراتيجي سواء جغرافيًا أو ضمن سلسلة القيمة. كما حرصت هذه البنوك على تنفيذ عملياتٍ متقنةٍ ومدعومة بمجموعةٍ متنوعة من القدرات، مثل التحليل المتقدم للبيانات والمعلومات، التسويق الجيد والفعّال، نموذج تشغيلٍ يتمتع بالقوة والمرونة، واستخدام التكنولوجيا لتعزيز الكفاءة والتنافسية.
رغم التحديات التي واجهها القطاع المصرفي في السنوات الأخيرة، نجح حوالي 10 في المائة من البنوك في تحسين الأداء المالي بشكلٍ ملحوظ خلال الخمس سنوات الماضية، مما مكّن هذه البنوك من التقدم خمس مراتب في تصنيف "العائد على حقوق الملكية الملموسة." ويُعد هذا المقياس مؤشرًا رئيسيًا على ربحية البنك وكفاءته، إذ يقيس نسبة الأرباح المُحققة بناءً على رأس المال الذي يستثمره المساهمون في الأصول التي يمكن لمسها أو استخدامها فقط، مثل الممتلكات، الآلات، والمعدات، مستثنيًا الأصول غير الملموسة مثل البرمجيات أو العلامات التجارية أو براءات الاختراع. بالمقابل، بقي حوالي ثلثي البنوك ضمن مرتبتين فقط من ترتيبها السابق. وحتى تتمكن البنوك المتأخرة من تحسين أدائها، يتوجب على فرق الإدارة استلهام استراتيجيات البنوك الناجحة. فمن المتوقع أن يلعب "مؤشر الإدارة" دورًا حاسمًا في تمكين البنوك من تحقيق النمو المستدام حتى عام 2030.
القطاع المصرفي
هناك بعض العزاء في هذه المُزحة، ففي الوقت الذي يُقال فيه إنها ليست النهاية ما دامت الأمور ليست جيدة، نجد أن القطاع المصرفي قد شهد تحسنًا ملحوظًا، مما دفعنا للتساؤل حول مستقبل هذه الصناعة. في الواقع، يُعتبر العامان الماضيان هما الأفضل بالنسبة لقطاع لبنوك منذ ما قبل الركود العظيم، فقد حققت البنوك العالمية إيراداتٍ بلغت 7 تريليون دولار (الشكل 1)، و1.1 تريليون دولار كصافي دخل، مع وصول العائد على حقوق الملكية الملموسة إلى 11.7 في المائة. بينما عادت مستويات رأس المال إلى عافيتها (مُسجّلةً 12.8في المائة من رأس المال الأساسي من الفئة الأولى مقارنةً بالأصول الموزونة بالمخاطر). بالإضافة إلى ذلك، شهدت السيولة أيضًا تحسنًا ملحوظًا (بنسبة بلغت 77.2 في المائة). وهذا التحسن هو ما جعل القطاع المصرفي يتفوق على أي قطاعٍ آخر على مستوى العالم في تحقيق الأرباح في عام 2022.
ولكن ما هو سبب النظرة التشاؤمية للقطاع المصرفي؟ يُعد انخفاض نسبة السعر مقابل القيمة الدفترية إلى 0.9، وهي النسبة الأدنى مقارنةً بالصناعات الأخرى، أحد الأسباب الرئيسية لذلك، وهو ما يعكس توقعات الأسواق بانخفاض القيمة الاقتصادية للقطاع المصرفي على المدى الطويل (الشكل 2). هذه الظاهرة لا تقتصر على أسواقٍ بعينها، بل تنتشر في معظم الأسواق المالية العالمية، وهناك العديد من العوامل المحتملة التي قد تُفسر هذه النظرة المستقبلية الحذرة:
- التحسُّن في عوائد القطاع المصرفي مؤخرًا قد لا يستمر طويلاً. فعلى الرغم من نجاح البنوك في خفض التكاليف والحفاظ على جودة الائتمان، إلا أن العامل الرئيسي في هذا التحسن منذ عام 2021 هو ارتفاع أسعار الفائدة (الشكل 3). وتُشير التقديرات المتاحة، رغم محدوديتها، إلى أنه لولا دعم أسعار الفائدة، لاستقر العائد على حقوق الملكية الملموسة في كثيرٍ من الأسواق عند ما يقارب 8 في المائة أو أقل من مستوى تكلفة رأس المال. وإذا شهدنا انخفاضًا في أسعار الفائدة عن مستوياتها الحالية، فمن المتوقع أن يعود العائد على حقوق الملكية الملموسة إلى مستوى مقارب لتكلفة رأس المال خلال العامين المقبلين.
- التفاوتات الملحوظة في تخصصات البنوك، والأوضاع الاقتصادية والقوانين المصرفية من بلدٍ لآخر، قد تؤثر على عملية التقييم أو مقارنة بعض المؤسسات المالية بغيرها. يُعتبر الهيكل التنظيمي وتنوع الأنشطة من أهم العوامل المؤثرة في أداء البنوك مع تغير الظروف بين كل بنكٍ وآخر. على سبيل المثال، سجّلت بعض الدول مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والهند وألمانيا ونيجيريا تحسنًا في الأداء خلال عام 2023 مقارنةً بالفترة من 2010 إلى 2022. وعلى العكس، فقد شهدت دولٌ أخرى مثل البرازيل وكندا والصين واليابان وأستراليا تراجعًا في العوائد على حقوق الملكية الملموسة.
- زيادة الإنتاجية، خفض التكاليف، تحسين الكفاءة، وزيادة حجم العمليات من أبرز التحديات التي تواجه البنوك في مختلف دول العالم: لم يُثبت الذكاء الاصطناعي حتى الآن أنه الحل السحري والشامل لمواجهة هذه التحديات (بالرغم من تحقيق بعض البنوك الرائدة في تبني هذه التكنولوجيا تحسيناتٍ ملحوظة على مستوى الكفاءة، والتي بلغت في بعض البنوك مليارات الدولارات، بما يعادل زيادةً بنقطةٍ مئوية في نسب الكفاءة). ولكن، حتى في ظل إنفاق البنوك على التكنولوجيا المُعزِّزة للإنتاجية بحوالي 600 مليار دولار، لا تزال إنتاجية العمل في بعض الأسواق الرئيسية، مثل الولايات المتحدة تتراجع.1 قد يكون للذكاء الاصطناعي دورٌ في تغيير هذا الاتجاه، ولكن في الوقت الحالي، لا يزال يخضع للتجربة في معظم البنوك. فضلًا عن تعامل العديد من البنوك مع تقنيات الذكاء الاصطناعي بحذرٍ بالغ، لما يتطلبه من تكاليف إضافية ومتطلباتٍ تنظيمية.
- قد يكون من الصعب في ظل التحديات الاقتصادية المتزايدة تحقيق تحسيناتٍ إضافية في الهوامش الربحية اعتمادًا على خفض التكاليف بنفس النسبة التاريخية والبالغة 1 في المائة سنويًا. بل سيتحتّم على القطاع المصرفي أن يُخفِّض من تكلفته لكل أصلٍ بنسبة 5 في المائة سنويًا، أو بمعدل خمسة أضعاف الأداء التاريخي، للحفاظ على مستوى العائد على حقوق الملكية الملموسة في ظل هذه الظروف (الشكل 4).
- يُواجه اللاعبون التقليديون في القطاع المالي والمصرفي ضغوطًا متزايدة من المنافسين الجُدد. وكما أشرنا في تقريرنا السنوي العالمي للبنوك في العام الماضي، إلى أن الأصول خارج الميزانية العمومية (مثل صناديق الاستثمار والبدائل) قد حققت نحو ثلثي نمو قيمة الأصول المالية.2 فيما يواصل المنافسون غير التقليديين، كالمؤسسات التي لا تعتمد على الودائع ورؤوس الأموال الخاصة، والبنوك الرقمية المدعومة بمواردٍ ماليةٍ قوية، استهداف أكبر مجالات الربحية في القطاع.
الصعوبات التي تفرضها تقلبات السوق وعدم الاستقرار الاقتصادي بشكلٍ عام والتحديات المتعلقة بالصناعة:
- قد تشهد البنوك زيادةً في تكلفة الأموال بسبب شدّة المنافسة مع زيادة التدفقات المالية في بعض الأسواق، إلى جانب استمرار سياسة التشديد الكميّ التي تتبناها البنوك المركزية للحد من كمية الأموال المتداولة في الاقتصاد، مما يقلل من إجمالي حجم الودائع (ففي الولايات المتحدة الأمريكية انخفضت الودائع بمعدل نموٍ سنوي مركب بلغ 6 في المائة منذ عام 2021، و10 في المائة في البنك المركزي الأوروبي).
- تعاني البنوك من ضغوطٍ مزدوجة في مجال الإقراض. فقد انخفض الطلب على القروض من قبل الأفراد والمؤسسات معًا، مما قلّل من فرص البنوك في تحقيق أرباحٍ من الفوائد. على سبيل المثال، انخفضت عمليات الإقراض المرتبطة بالعقارات التجارية في الولايات المتحدة بنسبة 55 في المائة مقارنةً بأعلى مستوياتها خلال فترة الجائحة، وهي أقل بنحو 25 في المائة من متوسط ما سجّلته خلال العقد الماضي. وفي الوقت ذاته، تواجه الأصول القائمة مثل العقارات التجارية، احتمالية تراجع قيمتها، وذلك رغم أن بعض هذه التقييمات لم تظهر تأثيراتها السلبية بشكلٍ كامل بعد. فمثلًا، سجّل مؤشر أسعار العقارات التجارية انخفاضًا بنسبة 9 في المائة في الربع الأخير من عام 2023 في كلٍ من الولايات المتحدة ومنطقة اليورو (هي مجموعة من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي التي اعتمدت اليورو كعملة رسمية لها، بدلاً من العملات الوطنية الخاصة بها، وتشكّل جزءًا مهمًا من الاقتصاد الأوروبي). ورغم ذلك، قد تسهم تخفيضات أسعار الفائدة في التخفيف من بعض آثار هذه التحديات.
- إحدى الأزمات التي تواجه البنوك هي الخسائر غير المُحققّة في الأوراق المالية التي تحتفظ بها البنوك حتى تاريخ استحقاقها، والتي من المتوقع أن تتراجع قيمتها مع انخفاض أسعار الفائدة مُستقبلًا، مما قد يفتح الباب أمام عمليات الدمج والاستحواذ. غير أن التجارب السابقة تُشير إلى أن الاندماجات الكُبرى لم تكن دائمًا طريقًا مضمونًا لتحقيق النجاح.
- أشارت توقعاتنا إلى أن القواعد الجديدة التي وضعتها لجنة بازل للرقابة المصرفية (بازل 3) سوف تؤثر بشكلٍ كبير على العائد على حقوق الملكية. هذه القواعد هي مجموعةٌ من المعايير الدولية التي تم وضعها بهدف تعزيز متانة واستقرار النظام المصرفي عن طريق فرض قواعد صارمة على رأس المال والسيولة التي يجب أن تحتفظ بها البنوك. لكن مؤخرًا، تم تعديل بعض المقترحات لتُحدِث تغييرًا في النتائج، والتي يُحتمل أن تؤدي لتقليص العائد على حقوق الملكية الملموسة، غير أن التأثير النهائي لهذه المقترحات لم يتضح بعد.
بالإضافة إلى ما سبق من تحديات، لا يُمكن تجاهل عامل عدم اليقين الجيوسياسي الذي يسود العالم حاليًا، والذي ينعكس على الأسواق وتوقعاتها للعائد على حقوق الملكية الملموسة.
كسر التحديات والانطلاق نحو آفاق جديدة
نحن نؤمن بأن البنوك التي تسعى لتحقيق نموٍ مستدام وفعاليةٍ طويلة الأمد تحتاج إلى تغييرٍ جذريٍ في أساليب عملها الحالية للتغلب على التحديات التي تواجهها، تمامًا كما يحتاج الصاروخ للوصول إلى "سرعة الهروب" التي تُخلّصه من الجاذبية الأرضية التي تُعيق انطلاقه. وللوقوف على أفضل السُبل لتحقيق هذا التحوّل، قُمنا بتحليل أداء عددٍ من المؤسسات الرائدة، بهدف اكتشاف عوامل النجاح التي تدعم استقرارها ونموها المستمر على المدى البعيد.
من الضروري أن نعرف أن البنوك، بحكم طبيعتها، كياناتٍ حساسة تضع الاستقرار والأمان على رأس أولوياتها. لذا فإن أي قراراتٍ هيكلية غير مدروسة، مثل التركيز المفرط على قطاعٍ بعينه أو الاستثمار بشكلٍ مبالغ فيه في محفظةٍ واحدة دون تنويعٍ كافٍ، قد تؤدي إلى انهيار هذه المؤسسات نتيجة نقص السيولة أو تدهور جودة الائتمان. وكما شاهدنا قبل عدة سنوات، كيف أن بعض البنوك الرائدة في الولايات المتحدة، والتي كانت تتمتع بأعلى عائدٍ على حقوق الملكية وأسرع معدلاتٍ للنمو قد تأثرت بشكلٍ كبير وصل إلى حد انهيار بعضها بسبب الأزمات التي شهدها القطاع المصرفي الإقليمي في عام 2023. وبالعودة إلى ما قبل الأزمة المالية العالمية، كانت البنوك الرائدة تُركّز على تقديم قروض الرّهن العقاري عالية المخاطر، وهو ما ساهم في تفاقم الأزمة لاحقًا. لذلك، عند تقييمنا لنجاح المؤسسات اليوم، فإننا نحرص على تحليل استراتيجياتها بعناية، مع التركيز على مدى استدامة قراراتها وحكمتها لتجنب تكرار أخطاء الماضي.
ولهذا، قُمنا بتحديد مجموعةٍ من البنوك الواعدة حول العالم (انظر العمود الجانبي بعنوان "نبذة عن تحليلنا").
الفائزون
لقد استفادت البنوك الناجحة بشكلٍ غير مباشرٍ من حكمة "يوجي بيرا"، فقد اتّبعت البنوك الرائدة نهجًا خاصًا بدمج الاستراتيجيات الهيكلية والتنفيذية معًا لتحقيق النجاح، دون منح أي من الاستراتيجيتين ميزةً دائمة بمفردها. وفيما يلي ملاحظاتنا:
خطوات لتخطي العقبات والانطلاق نحو النجاحات
تُشير التقديرات إلى أن 14 في المائة من البنوك قادرةٌ على تحقيق قيمةٍ مضافة وأداٍء قوي، استنادًا إلى مضاعف السعر إلى القيمة الدفترية الحالي (أعلى من واحد) ومضاعف السعر إلى الأرباح (أعلى من 13). ويعكس هذا الأداء المتميز إمكانية التغلب على التحديات التي تعترض القطاع المصرفي وتُقلّل من فرص نجاحه مقارنةً بالمؤسسات في القطاعات الأخرى. فعلى سبيل المقارنة، تُحقّق 62 في المائة من المؤسسات المُدرجة في الأسواق المالية خارج قطاع البنوك مستويات أداءٍ مماثلة، وهو ما يبُرز حجم الصعوبات التي تواجهها البنوك في الوصول إلى نفس النتائج.
الطريق نحو النجاح أصبح أكثر وضوحاً ويسراً الآن
تدل المؤشرات الإيجابية على أن الربحية المرتفعة لم تعد مقصورةً على عددٍ قليل من البنوك، بل أصبحت موزعةً على نطاقٍ أوسع في القطاع المصرفي، وذلك بفضل البيئة التنظيمية في الأسواق المالية المختلفة. فبينما كانت 11 في المائة فقط من البنوك هي التي تسيطر على 80 في المائة من الأرباح الاقتصادية للقطاع في عام 2013، ارتفعت هذه النسبة لتصل إلى 14 في المائة في الوقت الحالي. هذا التطور الإيجابي يعكس أداء البنوك المرتفع، والذي يُعادل تقريبًا خمسة أضعاف متوسط الأداء الذي تُحققه جميع القطاعات الأخرى، بالرغم من أن التركيز الأكبر في القطاعات الأخرى يكون على عددٍ قليل من المؤسسات. فغالبًا ما تسيطر المؤسسات الرائدة على السوق وتحتفظ لنفسها بمعظم الأرباح، مما يجعل الأداء أقل توزيعًا.
الفجوة في الأداء المالي للبنوك
كشفت دراستنا المُتعمقة لأداء 90 بنكًا أمريكيًا خلال الفترة من 2013 وحتى 2023، عن وجود تفاوتٍ كبير في العائد الإجمالي للمساهمين بين الشريحة العُليا من البنوك (أعلى عشرة مراكز) والشريحة الدُنيا (أدنى عشرة مراكز)، والذي بلغ 14 نقطة مئوية. ويرجع تفوّق الشريحة العُليا من البنوك على غيرها إلى اعتمادها استراتيجياتٍ لتجنب المخاطر، بالإضافة إلى أربعة مقاييس تشغيلية رئيسية، أولها تحقيق نموٍ مستمر في الإيرادات (بلغ 34 في المائة)، ثانيًا، إدارةٌ أفضل لصافي هامش الفائدة (والذي بلغ أيضًا 34 في المائة)، من خلال استراتيجيات جمع الودائع منخفضة التكلفة وتحسين توزيع وإدارة المخاطر الائتمانية. ثالثًا، زيادة الدخل من الرسوم الناتجة عن توسيع نطاق خدمات الاستشارات وإدارة الثروات (ليصل إلى 16 في المائة)، وأخيرًا، كفاءة التحكم في النفقات والتكاليف (والتي بلغت 5 في المائة).
تأثير موقع العمل على الأداء
يعمل حواليّ ثلث هذه البنوك في أسواقٍ مصرفيةٍ جذّابة، كأستراليا وكندا والهند. فهذه الأسواق تتميز بهوامش أرباحٍ مرتفعة وأسسٍ اقتصاديةٍ قوية (مثل الطلب المتزايد على الائتمان، والتغيرات السكانية، والنمو الاقتصادي). اطلع على (الشكل 5).
الأداء القوي مهمٌ أيضًا
يعتمد الأداء الجيد للمؤسسات المالية على عوامل عدة تتجاوز مجرد التغييرات الهيكلية أو الجغرافية. فالنجاح يتطلب استراتيجياتٍ واضحةٍ ومدروسة وقراراتٍ جريئة عند التنفيذ.
نظرًا لصعوبة المقارنة بين البنوك في المناطق الجغرافية المختلفة، قُمنا بتوحيد بعض المعايير لتُساعدنا على فهم وتقييم الأداء بشكلٍ أكثر دقة. وقد كشفت لنا هذه المعايير أن البنوك ذات الأداء المرتفع تحقق نموًا في الإيرادات بنسبةٍ تعادل 1.5 ضعف معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي. أي أن هذه البنوك تنمو بشكلٍ أسرع من الاقتصاد المحلي في مناطقها الجغرافية، مما يُعكس قوتها وقدرتها التنافسية. أمّا نسبة الرسوم إلى الإيرادات لدى هذه البنوك، فعادةً ما تزيد عن 40 في المائة، مما يدل على نجاحها في تقديم خدماتٍ قَيّمة. بينما تقل نسبة تكاليف التشغيل في هذه البنوك عن 50 في المائة بالنسبة للإيرادات التي تُحقّقها، لما تتمتع به من كفاءةٍ تشغيلية عالية. إلى جانب ذلك، تمتلك هذه البنوك قدراتٍ عاليةٍ للتعامل مع المخاطر، مما يجعل تكاليفها أقل بكثير مقارنةً بالقطاع المصرفي ككُل.
أسس النجاح الهيكلية
تعتمد البنوك الناجحة على ثلاثة أسسٍ هيكلية على الأقل لتُعزِّز من أدائها:
- اختيار القطاعات المناسبة للنمو، دون الإفراط في التركيز عليها دون غيرها. تُعد استراتيجية تحديد الفئات المُستهدفة لتوجيه الاستثمارات إليها عنصرًا أساسيًا لنجاح المؤسسات المالية، ولكن مع تجنب الإفراط في التركيز على الاستثمار في فئةٍ واحدة. فعلى سبيل المثال، قامت بعض البنوك الناجحة بزيادة محافظها التجارية بالتركيز على المنتجات منخفضة التكاليف، مما ساعد في تقليص النفقات التشغيلية. كما تمكَّنت بعض البنوك الأخرى من استثمار منصّاتها بنجاحٍ في مجالاتٍ أخرى، مثل إدارة الثروات والخدمات المالية.
- تحديد المواقع المثالية لتعزيز الكفاءة والتوسُّع. إنّ التركيز على التوسع في المواقع أو القطاعات المناسبة وسيلةٌ فعّالة لتحسين الأداء المالي للمؤسسات. وهو ما يُعرف بـ "اقتصاديات الحجم"، وهي تلك المزايا التي تحصل عليها المؤسسات المالية الكبرى نتيجة زيادة حجم أعمالها وخفض نفقاتها التشغيلية لتحقيق مزيدٍ من الكفاءة. ومع أن تحقيق هذه الفوائد قد يكون صعبًا على مستوى القطاع المصرفي بأكمله في بعض الدول، إلا أن الفُرص تَظهر غالبًا في مناطق معينة ذات إمكاناتٍ خاصة. فإذا تمكّنت البنوك من تحديد هذه النقاط الاستراتيجية واستغلالها بفعالية، فإنها ستنجح في تحسين هوامش الربح وتقليص التكاليف لديها بشكلٍ ملحوظ، مما يؤدي في النهاية إلى زيادة الأرباح والقدرة التنافسية.
- تحسين الموقع الجغرافي أو ضمن سلسلة القيمة. اختيار المواقع الجغرافية الاستراتيجية للبنوك، والمواقع ضمن سلسلة القيمة محليًا أو دوليًا لأمرٌ بالغ الأهمية لتحقيق الأداء المتميز. فعلى المستوى الجغرافي، تُفضّل البنوك التوسع في الدول ذات الآفاق الاقتصادية الواعدة. أما فيما يتعلّق بالموقع في سلسلة القيمة، فإن اختيار البنوك لمواقع استراتيجية لها يعزز من كفاءتها في تقديم منتجاتٍ مبتكرة تلبي احتياجات العملاء. لذا، فإن اتخاذ قراراتٍ مدروسةٍ بشأن المواقع يُمكّن المؤسسات من الاستفادة من فرص النمو المستدام، كما يُحسّن من قدرتها على المنافسة ويوفر خدماتٍ قيّمةٍ تدعم نجاحها على المدى الطويل.
كيف تحقق الفوز والنجاح (التنفيذ الفعّال)
لن تُحقّق أفضل الأفكار النتائج المرجوّة منها إذا لم يتم تنفيذها بالشكل الصحيح. وعلى الرغم من أهمية إجراء تغييراتٍ هيكلية في العديد من المؤسسات (والتي ذكرنا منها تحديد المواقع الجغرافية المناسبة، والدخول في مجالات أعمالٍ أكثر جاذبية)، إلا أن تحقيق النجاح يظل مرهونًا بكفاءة التنفيذ. وهو الأمر الذي لفت انتباه بعض البنوك الناجحة للتركيز على استهداف مجالاتٍ محددةٍ لتحقيق الأرباح، وتحسين قدرات التسعير لتصبح أكثر دقةً وملاءمةً للفئات المستهدفة. بخلاف قيامها بتقديم خدماتٍ ومنتجاتٍ مخصصة تلبي احتياجات شرائح محددة من العملاء، وغيرها من الاستراتيجيات الأخرى.
وفيما يلي نماذجٌ للأساليب التنفيذية الناجحة التي اتّبعتها بعض البنوك المتفوّقة على مستوى العالم:
- بناء علاقاتٍ متينة ومتكاملة بين البنوك وعملائها، خاصًة المؤسسات الكبرى. بدلاً من أن يكون للعميل عدة حساباتٍ في العديد من البنوك، فإنه من المُفضل التعامل مع بنكٍ واحد يقدم له جميع الخدمات المالية التي يحتاجها. تساعد هذه الاستراتيجية البنوك على تقليل تكلفة جذب العملاء الكبار، وتُمكّنهم من توزيع هذه النفقات على مجموعة من الخدمات المالية المتكاملة لتقديمها للعملاء، سواءً الخدمات التي تتطلب ميزانيةً كبيرة من رأس المال (مثل القروض)، أو تلك التي تحقق إيرادات إضافية من الرسوم. ولا يُعزّز هذا التوجه من الكفاءة المالية فقط، بل يساهم أيضًا في زيادة ولاء العملاء وتحسين تجربتهم، مما يؤدي إلى نتائج إيجابية مستدامة للبنك.
- إعطاء الأولوية لعملاء قطاع التجزئة والشركات الصغيرة والمتوسطة، بتقديم تجاربٍ مصممة خصيصًا لهم. مثالٌ على ذلك، ما قام به أحد البنوك الرائدة في أمريكا الشمالية، عندما قسّم عملائه إلى شرائح مختلفة، ثم ركّز على تقديم عروضٍ مخصصة تناسب كل شريحةٍ منهم وتلبي احتياجاتها، مثل خدمات إدارة أموالهم واستثماراتهم لتحقيق أهدافهم المالية طويلة الأجل، وقروض تمويل الاستثمارات العقارية، مع حرص البنك على إجراء ما يقرب من أربع حملاتٍ تسويقيةٍ بشكلٍ شهري، لاستهداف العملاء المحتملين وتحفيز العملاء الحاليين بطرقٍ مبتكرة. كما قام البنك بتدريب موظفي خدمة العملاء على التعامل مع كل شريحةٍ بطريقةٍ معينة، بما يضمن أن يتلقّى كل عميلٍ الدعم المناسب له حسب الشريحة التي ينتمي لها.
- الاستفادة من التسعير الدقيق وتقييم المخاطر. لقد أدركت إحدى المؤسسات الرائدة أن الميزة التنافسية التي كانت تتفاخر بها لسنواتٍ والمعنيّة بقدرتها على الوصول السريع للعملاء واتخاذ القرارات باتت غير ذي جدوى هذه الأيام، خاصةً في ظل انتشار العروض الرّقمية وزيادة توقعات العملاء، والتطور الرقمي السريع الذي جعل من عملية اتخاذ القرارات السريعة أمرًا متاحًا للجميع. لذا قامت المؤسسة بتطوير استراتيجيةٍ مبتكرة تُركّز على التسعير الدقيق للمنتجات بما يناسب الشرائح المختلفة للعملاء، مما يجعل عروضها أكثر تنافسيةً وجاذبية. في الوقت ذاته طوّرت من عملية تقييم المخاطر بحيث يُمكنها اتخاذ الإجراءات المناسبة وإصدار القرارات الخاصة بها في ساعاتٍ قليلة.
- جذب عملاء جدد لقطاع إدارة الثروات. قرّر مدير إدارة الثروات بإحدى المؤسسات المالية الكُبرى العاملة في هذا المجال، تغيير النهج التقليدي الذي كانت تتبعه المؤسسة في جذب عملائها بشكلٍ جذري، واستبداله بأسلوبٍ مبتكر يعتمد على ثلاثة عناصر رئيسية تزيد من فرص تحويل العملاء المحتملين إلى عملاء فعليين. هذه العناصر هي تقديم عروضٍ مخصصة تناسب الاحتياجات المختلفة للعملاء، تحديد أفضل الأوقات المناسبة للعملاء لتقديم هذه العروض، وكذلك تحديد القناة المناسبة لتقديم تلك العروض. هذه الاستراتيجية المتناغمة، مكّنت المؤسسة من جذب العملاء المحتملين بفاعلية، وهو ما أدّى لارتفاع معدلات تحويل العملاء المحتملين إلى عملاء فعليين بنسبةٍ تقارب 20 ضعفًا مقارنةً بالمؤسسات الأخرى.
- الاعتماد على الهاتف المحمول كوسيلةٍ لتقديم الخدمات لعملاء التجزئة والشركات الصغيرة والمتوسطة. قامت إحدى المؤسسات الرائدة في تقديم الخدمات المالية بتعزيز علاقتها مع عملاء التجزئة والشركات الصغيرة والمتوسطة، مُعتمدةً في ذلك على الهواتف المحمولة كوسيلةٍ أساسيةٍ لتقديم خدماتها المصرفية، استجابةً لتوجه الدولة نحو التحول الرقمي، حتى أصبحت تستخدم الهواتف المحمولة في جميع مراحل تفاعل العملاء معها. فيما حرصت على تحسين وسائل الاتصال الأخرى، التقليدية منها والرقمية، بما يتماشى مع استراتيجية الهاتف المحمول. كما نقلت المؤسسة العديد من الخدمات التي تتطلب وجود الخبرات المتخصصة إلى نموذج استشاريٍ عن بُعد لتحقيق كفاءةٍ أكبر. ولتعزيز تجربة العملاء وزيادة رضاهم وولائهم، استثمرت المؤسسة في أنظمةٍ متطورةٍ لإدارة علاقات العملاء والمبيعات وقيمة العملاء، وهو ما ساهم في زيادة العوائد المالية للمؤسسة وتعزيز نموها المستدام.
- استخدام استراتيجية ناجحة لإدارة المواهب للفوز بالعملاء وتحقيق الإنتاجية. في هذا السياق، تسعى بعض البنوك الرائدة إلى تحقيق أقصى استفادة من موظفيها، إدراكًا منها لأهمية الأفراد كعنصرٍ أساسيٍ لتقديم قيمة مضافة للعملاء وزيادة الإنتاجية. وبدلاً من قضاء أشهرٍ في البحث عن الموظفين المناسبين، تم وضع آلياتٍ متطورة لتوظيف الأفراد في أيامٍ قليلة، مع توفير بيئة عملٍ محفزة، وتقديم حوافز مالية تنافسية تفوق متوسط السوق، وذلك لجذب الكفاءات من الموظفين والحفاظ عليهم وتعزيز رضاهم، مما ينعكس بشكلٍ إيجابي على تقديم الخدمات للعملاء.
- اختيار القطاعات المناسبة لتقديم الخدمات المصرفية للشركات لتحقيق النمو. أدرك أحد البنوك الإقليمية المتخصصة في الخدمات المصرفية للشركات صعوبة المنافسة مع المؤسسات المالية الكُبرى، لذا قرر التركيز على تطوير عروضٍ متكاملة تلبي احتياجات الشركات في قطاعاتٍ بعينها، مما جعله الوجهة المفضلة للشركات العاملة في تلك القطاعات. وذلك بفضل استثماره بشكلٍ مدروس في توظيف ذوي الخبرات العالية وتدريبهم على تقديم خدماتٍ متميزة، بالإضافة إلى توسيع شبكة فروعه لتكون قريبةً من العملاء في القطاعات المستهدفة. فضلًا عن اعتماده على استراتيجياتٍ تسويقيةٍ فعالة لجذب العملاء، وبناء علامته التجارية في هذه المجالات.
- الاعتماد على تقنيات الذكاء الاصطناعي والتّعلم الآلي: تشهد البنوك تحولًا كبيرًا بفضل دمج التقنيات المتقدمة في خدماتها. فبينما لا يزال الذكاء الاصطناعي في مراحل تطوره، يواصل عددٌ لا بأس به من المؤسسات الرائدة الاستثمار في التقنيات المتقدمة، مثل التّعلم الآلي والتّعلم العميق. كما بدأت بعض هذه المؤسسات في استكشاف تقنياتٍ جديدة مثل الذكاء الاصطناعي التوليدي، ودمجها في نماذج تشغيلها.
- استخدام نماذج تشغيلية مبتكرة لتعزيز السرعة والكفاءة والأمان: تعتمد بعض المؤسسات الناجحة على نماذج تشغيلية خاصةٍ بها، والتي أثبتت فعاليتها في تسريع الأداء على نطاقٍ واسع مع ضمانها لمستوياتٍ عالية من الأمان. وتتضمن هذه النماذج أنماطًا متنوعة، مثل "المصانع الرقمية" وهي عبارة عن بناء هياكل تنظيمية تستخدم التقنيات التكنولوجية الحديثة في تنفيذ المهام لتحقيق أهدافها، ونموذج "المُنتَج والمنصّة"، وهو نموذج عملٍ مرن وقابلٍ للتطوير يعتمد على توفير منتجٍ أساسي ثم بناء منصةٍ رقمية تدعم هذا المنتج وتسمح له بالتوسع والتطوير المستمر. ومنها ما هو أكثر استقلاليةً، مثل إنشاء "الشركات الصغيرة المستقلة"، والتي تُتيح العمل بحريةٍ أكبر ضمن إطارٍ تنظيمي موحَّد. علاوةً على ذلك، تعتمد هذه النماذج على أتمتة عددٍ كبير من الخدمات المشتركة.
"الكفاءة الإدارية" كميزةٍ تنافسيّة
أظهرت الدراسات أن التفوق في القطاع المصرفي أمرًا مُمكنًا. فقد تمكّن حوالي 10 في المائة من البنوك العالمية من تحقيق قفزاتٍ كبيرة في الأداء، وارتفعت بمقدار خمس مراتب أو أكثر في تصنيف العائد على حقوق الملكية الملموسة (الشكل6). لكن يظل التغير النسبي الذي يشهده القطاع محدودًا نوعًا ما. فقد تراجع أداء ما يقرب من 5 في المائة من البنوك العالمية بمقدار خمس مراتب أو أكثر في ذات التصنيف. بينما حافظ حوالي نصف القطاع على موقعه ضمن نفس المرتبة، فيما ظَل ثلثا البنوك تقريبًا ضمن نطاق مرتبتين من موقعها الأصلي.
وتُظهر هذه النتائج أن تحسين الأداء في المؤسسات المالية ليس أمراً سهلاً؛ إذ تواجه العديد من الأفكار والمبادرات تحدياتٍ غير متوقعة. كأن تُطلِق بعض البنوك برامجًا لخفض التكاليف تستمر لفترةٍ قصيرة، ثم تعود التكاليف للارتفاع مجددًا دون مراعاةٍ لعنصر الاستدامة، أو أن تسعى بعض البنوك إلى تطوير تطبيقاتٍ للهواتف الذكية لتخفيف العبء على مراكز الاتصال، وتقديم خدمات أسرع وأسهل للعملاء. غير أنها تجعل التصميم معقدًا للدرجة التي تؤدي إلى زيادة عدد الاتصالات بدلًا من تقليلها، مما يتعارض مع الأهداف الأصلية للمشروع.
وفي ظل التغيرات التي يشهدها القطاع المصرفي والقُوى المؤثرة فيه، يمكن لإدارات البنوك أن تستغل هذه الفرصة لتحقيق التميُّز المنشود. وذلك عبر الإجابة عن خمسة أسئلةٍ رئيسية:
- فهم الوضع الذي تواجهه. بمعنى آخر، تحليل كافة الظروف المحيطة بالسوق الذي تعمل به، وتصنيفه (هل هو "مجزأ"، تتواجد فيه العديد من الشركات الصغيرة، أم"مُركّز"، تُهيمن عليه عددٌ محدود من الشركات الكبرى؟ هل هو سوقٌ "عام" مملوكٌ للدولة، أم هو سوقٌ "خاص"، هل هو سوقٌ عالمي أم محلي أم إقليمي؟). وعند التفكير في كيفية تطوير الاقتصاديات الأساسية الخاصة بكل بنك، من المهم أن يتساءل القادة عن العوامل القابلة للقياس والمؤثرة بشكلٍ كبير على قيمة السوق. وما هي الجوانب التي يمكن تعديلها أو تحسينها لتعزيز موقف البنك وإعطاءه ميزةٍ تنافسية خاصة مقارنةً بمنافسيه؟
- الخطوات اللازمة لتحقيق ميزةٍ تنافسيّة. بعد أن يتمكّن القادة من فهم هيكل السوق وتحديد العوامل التي تؤثر على قيمة مؤسساتهم، تأتي أهمية الإجابة عن السؤال التالي: كيف يتمكّن البنك من تقليص الفجوة في القيمة بينه وبين منافسيه؟ وما هي المزايا التي يتمتع بها ويُمكنه استخدامها لتقليص تلك الفجوة (على سبيل المثال، قوة العلامة التجارية وولاء العملاء)؟ وما هي الخطوات التنفيذية التي يجب على البنك اتّباعها لتحسين أدائه وتوسيع أعماله ليشمل مجالاتٍ جديدة.
- تحديد نقاط القوة للتفوّق على المنافسين. يجب على إدارات البنوك أن تسأل نفسها عن نقاط القوة التي تتمتع بها ومن المُمكن استغلالها للتفوق على المنافسين. والتي قد تكون هيكليةً، مثل حجم البنك وقاعدة عملائه وعمق العلاقة بينهما، بالإضافة لتنوُّع محفظة خدماته. وقد تكون تنفيذيةً، مثل توظيف الكفاءات وتقييم المخاطر بشكلٍ أفضل، وتحديد الأسعار المناسبة لجذب العملاء، وتحسين استراتيجيات التسويق. كما على القادة أن يسألوا أنفسهم، لأيّ مدىً يمكن استغلال هذه المزايا؟
- الاحتكاك أم الانسيّابية. يلعب نموذج التشغيل الجيد دورًا محوريًا في تحويل الأفكار إلى أفعالٍ ملموسة، بما يضمن تحقيق النجاح لأي مؤسسة. لذا، يجب على الإدارات الإجابة عن الأسئلة التالية: هل تتم علميات تنفيذ المهام بسهولةٍ وسلاسة، أم أن هناك عوائقٌ تحُول دون إنجاز العمل؟ وما الذي يمكن أن تتعلمه الإدارة من المؤسسات والإدارات الأخرى التي تعمل بشكلٍ أكثر مرونةً وكفاءة؟
- سرعة الاستجابة لمتغيرات السوق وتحركات المنافسين.3 هل تمتلك مؤسستك القدرة على التكيف مع الاتجاهات المُستحدثة في الأسواق وتحركات المنافسين؟ ومن هم النماذج الرائدة التي تقتدي بها أنت وفريق عملك، وتسيروا على خطاهم لتتمكّنوا من تحقيق التقدم بالسرعة المطلوبة؟