كيف يمكن للبنوك تعزيز الإنتاجية من خلال اعتماد نهج التبسيط الشامل على مستوى المؤسسة بأكملها

| مقالة

ملاحظة: إننا نبذل قصارى جهدنا للحفاظ على جميع التفاصيل الدقيقة عند ترجمة المقالة الإنجليزية الأصلية، ونعتذر عن أي جزئية مفقودة في الترجمة قد تلاحظونها من حين لآخر. نرحب بتعليقاتكم على البريد الإلكتروني التالي reader_input@mckinsey.com

تظل الإنتاجية والكفاءة وإدارة التكاليف دائمًا على رأس أولويات التنفيذيين في البنوك. وعلى مدار موجات متتالية من برامج تحسين الكفاءة، تمكنت البنوك من تقليص التكاليف بنسب متفاوتة، حيث تراوحت بين 3% إلى 5% في معظم البنوك، بينما وصلت إلى 10% في أكثر البنوك نجاحًا في هذا المجال. ومع ذلك، فإن هذه المكاسب غالبًا ما تكون مؤقتة، حيث تؤدي الأولويات الجديدة والضغوط التشغيلية المتزايدة إلى تآكل التحسينات بمرور الوقت، مما يؤدي إلى ارتفاع التكاليف مرة أخرى. وفي ظل التقلبات الاقتصادية والجيوسياسية، يصبح من الضروري أن تحافظ البنوك على مستوى عالٍ من الكفاءة التشغيلية لضمان تحقيق عائد على حقوق المساهمين بنسبة 10% أو أكثر، وعائد على الأصول بنسبة 1.5% أو أعلى. علاوة على ذلك، فإن تحسين الكفاءة لا يقتصر على خفض التكاليف فقط، بل يفتح أيضًا المجال أمام البنوك لإعادة استثمار الفوائض النقدية في تعزيز قدراتها في الذكاء الاصطناعي التوليدي، وتحديث التكنولوجيا، وتحليل البيانات، والأمن السيبراني، وغيرها من المجالات الحيوية، مما يساعدها على تحقيق نمو مستدام وتعزيز قدرتها التنافسية في المستقبل.

المزيد من الرؤى والتقارير من ماكنزي باللغة العربية

شاهد مجموعة المقالات الخاصة بنا باللغة العربية، واشترك في النشرة الإخبارية العربية الشهرية

تصفح المجموعة

ومع ذلك، هناك عاملان رئيسيان يزيدان من تعقيد المشهد:

  • تأثير أسعار الفائدة: شهدت البنوك في الفترة الأخيرة تحسنًا في أدائها بفضل ارتفاع أسعار الفائدة، ولكن مع اتجاه هذه المعدلات للانخفاض مُجددًا، ستصبح التحديات المرتبطة بالكفاءة أكثر وضوحًا، مما يستدعي إيجاد حلول مستدامة.
  • ارتفاع التكاليف التشغيلية: على مدار الخمسة عشر عامًا الماضية، شهد القطاع المصرفي ارتفاعًا ملحوظًا في التكاليف التشغيلية نتيجة عدة عوامل، أبرزها تشديد متطلبات الامتثال التنظيمي، وزيادة الاهتمام بإدارة المخاطر، والاستثمارات الكبيرة في تحديث الأنظمة التكنولوجية.

إن تحسين الإنتاجية في البنوك لا يقتصر فقط على خفض التكاليف، بل يشمل أيضًا تقليل حجم العمل المطلوب لكل معاملة مالية. ومع ذلك، شهد هذا المؤشر، إلى جانب التكاليف المرتبطة بالمنتجات المصرفية، ارتفاعًا ملحوظًا خلال العقد الماضي بسبب زيادة تعقيد العمليات وعدم كفاءتها. وفي هذا السياق، يعد قطاع الرهن العقاري مثالًا واضحًا على ذلك، حيث ارتفعت تكلفة إصدار قرض عقاري بمعدل 8% سنويًا، من حوالي 5,100 دولار في عام 2012 إلى 11,600 دولار في عام 2023.1 ولم يكن هذا الارتفاع ناتجًا فقط عن التضخم، بل ساهمت فيه عوامل أخرى، مثل تزايد المتطلبات التنظيمية وتشديد معايير إدارة المخاطر، مما زاد من حجم العمل المطلوب لإتمام كل معاملة. لكن تحسين الكفاءة يظل ممكنًا، إذ تمكنت أكثر المؤسسات كفاءةً في هذا المجال من إصدار القروض العقارية بتكلفة 6,900 دولار فقط في 2023، أي ما يعادل 60% من متوسط التكلفة في السوق. ومن ثم، فإن تبسيط العمليات وإعادة هيكلتها يمكن أن يؤدي إلى تقليل التكاليف، وتقليص معدلات الخطأ، وتسريع المعاملات، مما ينعكس إيجابيًا على رضا العملاء وتجربة المستخدم بشكل عام.

في هذا المقال، نستعرض أولًا أبرز التحديات التي حالت دون تحقيق البنوك لتحسينات كبيرة في الإنتاجية، رغم الجهود المبذولة في هذا المجال. ثم ننتقل إلى استكشاف الحلول والتغييرات الجوهرية التي يمكن أن تساعد البنوك على تحقيق نمو مستدام في الإنتاجية، ليس فقط من خلال تعزيز الكفاءة التشغيلية، ولكن أيضًا عبر تحسين تجربة العملاء وجعل العمليات المصرفية أكثر سلاسة وفعالية.

التحديات التي تعيق تحسين الإنتاجية في البنوك

تعاني البنوك من ارتفاع تكاليفها التشغيلية، ورغم وعيها بهذه المشكلة، فإنها تجد صعوبة في إيجاد حلول فعالة بسبب مجموعة من التحديات المعقدة. من بين هذه التحديات النماذج التشغيلية المعقدة، وتضارب أولويات إدارة المخاطر، والأنظمة القديمة الموروثة من عمليات الاندماج والاستحواذ. نتيجة لذلك، تركز العديد من البنوك على إجراءات قصيرة الأجل لتحسين الكفاءة بدلاً من معالجة الأسباب الجذرية لهذه المشكلات. وبمرور الوقت، تجد البنوك نفسها في دائرة مفرغة من معالجة الأعراض دون إيجاد حلول مستدامة. ورغم أن المؤسسات المصرفية تطلق برامج تحسين الكفاءة كل عامين إلى ثلاثة أعوام، فإن هذه الجهود غالبًا ما تفتقر إلى التأثير العميق المطلوب، حيث تركز على تعديلات سطحية بدلاً من تبسيط النماذج التشغيلية أو خفض الطلب على العمليات المعقدة.

وتشمل أبرز التحديات التي تعيق الإنتاجية في القطاع المصرفي ما يلي:

How banks can boost productivity through simplification at scale
  • تصاعد توقعات العملاء بشأن الخدمات المصرفية: أصبح العملاء يطالبون بتجربة مصرفية أكثر سلاسة وشخصية، ما يدفع البنوك إلى إعادة تصميم العمليات الأساسية والخدمات الرقمية لتلبية هذه التوقعات المتزايدة. ومع ذلك، فإن هذا التحول يتطلب زيادة الاستثمار في التكنولوجيا والبنية التحتية الرقمية، مما يشكل تحديًا إضافيًا للبنوك التي تسعى لتحقيق التوازن بين تحسين الخدمات وخفض التكاليف.
  • احتدام المنافسة على المواهب: مع تزايد الاعتماد على التكنولوجيا والتحليلات المتقدمة، تواجه البنوك منافسة شرسة في استقطاب المواهب المتخصصة في التكنولوجيا وإدارة المخاطر والتحليلات. وللتغلب على ذلك، اضطرت البنوك إلى زيادة رواتبها لجذب الكفاءات القادرة على قيادة التحول الرقمي، ما أدى إلى ارتفاع تكاليف التوظيف مقارنة بالمنافسين في قطاع التكنولوجيا المالية وشركات التكنولوجيا الكبرى.

تحقيق نمو مستدام في الإنتاجية: التحوّل من الحلول المؤقتة إلى الاستراتيجيات الشاملة

شهدت البنوك الأمريكية انخفاضًا مستمرًا في الإنتاجية بمعدل 0.3% سنويًا منذ عام 2010، في وقت حققت فيه معظم القطاعات الأخرى تحسنًا ملحوظًا. ويرجع ذلك إلى اعتماد نهج تقليدي في خفض التكاليف، الذي قد يحقق مكاسب قصيرة الأجل، لكنه لا يوفر حلولًا مستدامة على المدى الطويل (انظر الشكل 2).

How banks can boost productivity through simplification at scale

يمكن تشبيه تحسين الإنتاجية في البنوك بتسلق جبل، حيث تكون المراحل الأولى سهلة نسبياً، ما يسمح بتحقيق تقدم باستخدام إجراءات تقليدية لخفض التكاليف، مثل تحسين عمليات الشراء، وإدارة نفقات السفر والترفيه، وتقليل الإنفاق على بعض المشاريع. ومع ذلك، كلما ارتفعنا أكثر، تصبح التحديات أكثر تعقيدًا، مما يجعل الحلول التقليدية غير كافية لمواصلة تحقيق مكاسب ملموسة. عند هذه المرحلة، يصبح من الضروري اتباع نهج شامل ومتكامل يجمع بين أدوات تكتيكية واستراتيجية متعددة لتحقيق تأثير مستدام. هذا النهج، الذي يُعرف باسم "نهج التبسيط الشامل على مستوى المؤسسة بأكملها"، لا يؤدي فقط إلى تحسين الإنتاجية، بل يسهم أيضًا في تعزيز تجربة العملاء والموظفين من خلال إزالة التعقيدات التشغيلية وتحقيق كفاءة أعلى.

يتمحور جوهر هذا النهج حول إعادة التفكير في النموذج التشغيلي للبنك بهدف خفض التكلفة لكل وحدة إنتاج. ويتطلب ذلك اعتماد عقلية قائمة على العائد على الاستثمار، بحيث يتم قياس الإنتاجية بناءً على القيمة المتحققة مقابل كل وحدة من العمل المنجز. أحد الركائز الأساسية لهذا النهج هو تقليل أو حتى إلغاء الطلبات غير المربحة، والتي تضيف تعقيدًا تشغيليًا دون تحقيق فائدة ملموسة. فمن خلال تقليل هذا الطلب عند مستوى دقيق، يمكن للبنك تحقيق تأثير جوهري على المستوى العام، مما يؤدي إلى خفض التكاليف بشكل مستدام وممنهج.

نهج التبسيط الشامل لا يعزز الإنتاجية فحسب، بل يوفر أيضًا تجربة أفضل لكل من العملاء والموظفين.

ووفقًا لخبرتنا، فإن البنوك التي تتبنى هذا النهج الشامل يمكنها تحقيق تحسن دائم في الإنتاجية يصل إلى 15% خلال عامين فقط، مما يؤدي إلى زيادة عائد حقوق المساهمين بمقدار 1.0 إلى 1.5 نقطة مئوية.

في الأقسام التالية، سنستعرض بالتفصيل العنصرين الأساسيين لهذا النهج: التبسيط والتوسع، وسنحلل كيف ينعكس ذلك على الإنتاجية وتجربة المستخدم.

التبسيط: مفتاح الكفاءة والنجاح

في هذه المرحلة، حان الوقت لتطبيق مبدأ "شفرة أوكام" بلا تردد، وهو مبدأ فلسفي يشير إلى أن الحل الأبسط غالبًا ما يكون هو الأفضل. ووفقاً لهذا التوجه، يمكن للبنوك تحقيق التبسيط من خلال تحليل أعمالها بعقلية المستثمر، وذلك عبر تقييم العائد على الاستثمار لمختلف الوظائف والعمليات والقطاعات. وهذا يعني أن هذا النهج يتطلب إعادة هيكلة العمليات بذكاء، مع التركيز على المجالات الأكثر ربحية والتخلص من الأنشطة التي لا تضيف قيمة حقيقية.

  • إعادة هيكلة العمليات لتحقيق الكفاءة: لقد تمكنت العديد من البنوك من تبسيط محافظها الاستثمارية عبر التخلي عن الأصول أو الشركات التابعة أو الأنشطة التي لا تحقق عائدًا مرضيًا ولا تتماشى مع الرؤية الاستراتيجية العامة. ويتم تحديد هذه الأنشطة من خلال تقييم مدى أهميتها للأعمال الأساسية، والتكاليف التشغيلية المرتبطة بها، والمخاطر التي تنطوي عليها. على سبيل المثال، قامت عدة بنوك إقليمية مؤخرًا بتقليل تعرضها لسوق العقارات التجارية، مفضلة توجيه استثماراتها نحو التحول الرقمي وإدارة الثروات. وبالمثل، تراجعت العديد من البنوك عن تمويل التجارة وسلاسل التوريد، نظرًا لارتفاع المتطلبات التنظيمية المرتبطة بهذه الأنشطة.

    فعلى سبيل المثال، اتخذت مجموعة "سيتي جروب" خطوات جريئة لتبسيط عملياتها في مجال الخدمات المصرفية للأفراد، حيث ركزت على القطاعات الأكثر ربحية مثل إدارة الثروات، وتخلّت عن أنشطتها في الخدمات المصرفية للأفراد وبطاقات الائتمان في أسواق متعددة، من بينها الصين، الهند، إندونيسيا، ماليزيا، الفلبين، روسيا، كوريا الجنوبية، تايلاند، وفيتنام.3 وقد أدى هذا التوجه الاستراتيجي إلى تحقيق تحسن ملحوظ في الأداء المالي، حيث سجلت الشركة في عام 2024 مقارنة بعام 2023 زيادة بنسبة 20% في إيرادات إدارة الثروات، إلى جانب نمو بنسبة 15% في الخدمات المؤسسية. يبرهن هذا النهج على أن التبسيط ليس مجرد تقليص للأنشطة، بل هو إعادة توجيه ذكية للموارد نحو المجالات الأكثر ربحية واستدامة، مما يعزز النمو ويحقق كفاءة تشغيلية أعلى.4

    في خطوة استراتيجية لإعادة هيكلة أعماله، يعمل بنك "إتش إس بي سي" على تركيز عملياته في أسواقه الرئيسية، وتحديدًا في المملكة المتحدة وهونغ كونغ، مع توجيه خدماته نحو العملاء الأثرياء في مختلف الأسواق.5 ولتحقيق هذا الهدف، اتخذ البنك عدة قرارات جوهرية، من بينها بيع أنشطته المصرفية للأفراد في كل من كندا وفرنسا والولايات المتحدة، كما يدرس حاليًا تقليص عملياته في قطاع التجزئة في بعض المناطق الأخرى. وتأتي هذه الإجراءات كجزء من استراتيجية مدروسة للانسحاب من سياسة التوسع العالمي السابقة، بهدف تحقيق تركيز أكبر على الربحية والاستدامة في الأسواق الأكثر أهمية.

  • تحسين نموذج التشغيل في البنوك: مع مرور الوقت، تتسلل التعقيدات إلى عمليات البنوك، مما يجعلها أقل كفاءة، وأكثر بطئًا، وأقل شفافية. في كثير من الأحيان، يقضي الموظفون وقتهم في مهام لا تُسهم في تحسين النتائج أو المخرجات، بل تعيق الأداء بطرق متعددة. على سبيل المثال، كشفت دراستنا التحليلية لقطاع البنوك أن 60% إلى 70% من وقت الموظفين في المستويات الإدارية المتوسطة (من ثلاثة إلى سبعة مستويات أدنى من الإدارة العُليا) يُنفق في اجتماعات داخلية ومتابعات، بينما يُخصص 30% إلى 40% فقط من الوقت لأنشطة ترتبط مباشرة بالعملاء أو تحقق قيمة ملموسة. وعلى النقيض من ذلك، فإن شركات التكنولوجيا المالية والتقنية تستثمر أكثر من 80% من وقت موظفيها في مهام ذات تأثير مباشر على العملاء. هذه المشكلة ليست مقتصرة على الإدارات التشغيلية فقط، بل امتدت إلى العديد من الأقسام داخل البنوك.

    ولتحقيق أداء أكثر كفاءة، يمكن للبنوك اتباع عدة استراتيجيات، منها:


    • تبسيط عملية اتخاذ القرار: غالبًا ما تكون هناك مستويات إدارية متعددة وعدد كبير من المعنيين في كل قرار، مما يؤدي إلى بطء الإجراءات. والخطوة الأولى هنا تتمثل في تحليل نسبة "المنفذين" إلى "المشرفين"، حيث وُجدت هذه النسبة في بعض الحالات 1:2 أو 1:3 أو حتى 1:4، وهي نسبة مرتفعة جدًا. فمن خلال تقليل التعقيد في عمليات الموافقة والمتابعة، يمكن تسريع عملية صنع القرار مع ضمان تحسين جودته، وليس فقط تسريعه.
    • تبني نهج العمل المرن وتسريع وقت الوصول إلى السوق: من خلال زيادة سرعة الإنتاج، سواء في التصميم أو المراحل التجريبية أو النماذج الأولية، تستطيع البنوك الاستجابة بسرعة أكبر لمتغيرات السوق واحتياجات العملاء. وفي الواقع، يكمُن السر في اتباع دورات سريعة من التصميم والاختبار والتطوير، ثم التوسع، بدلًا من الاعتماد على دورات تطوير طويلة قد تجعل المنتجات والخدمات غير ملائمة للسوق بحلول وقت إطلاقها، خاصة في مجالات التكنولوجيا.

    تشير دراساتنا إلى أن هذه التحسينات يمكن أن تعزز إنتاجية البنوك بنسبة تتراوح بين 20% و30% دون الحاجة إلى تعيين موظفين جدد. ومع ذلك، فإن تحقيق تحول شامل ومستدام يتطلب أكثر من مجرد تحسينات سطحية، إذ أظهرت دراسة أجرتها "ماكنزي" عام 2021 أن أقل من ثلث التحولات المؤسسية نجحت في تحقيق تحسينات مستدامة في الأداء.

  • إعادة التفكير في البصمة التشغيلية والفروع: يمكن للبنوك تحديد البنية المثلى للفروع والمكاتب من خلال دراسة الفرص التي يمكن أن تحقق فيها ميزة تنافسية حقيقية. يشمل ذلك تقييم متطلبات العمليات الأمامية والوسطى والخلفية، مع الأخذ في الاعتبار عوامل مثل الجودة، وتكلفة الخدمة، وتوافر المواهب، وقابلية التوسع، والامتثال، وتجربة العملاء. على سبيل المثال، أنشأت شركات كبرى مثل "أمريكان إكسبريس" و"جولدمان ساكس" مراكز تشغيل وتكنولوجيا ضخمة في الهند، ليس فقط لخفض التكاليف، ولكن للاستفادة من الكفاءات العالية في السوق الهندية. وبالمثل، قامت العديد من البنوك بتقليص عدد فروعها بنسبة 30% أو أكثر، مع تحقيق تحسن في الجودة، وإدارة المخاطر، وتجربة العملاء.
  • إعادة تصميم الوظائف الداعمة من الصفر: على مدى السنوات الماضية، أصبحت وظائف مثل المالية، وتكنولوجيا المعلومات، والشؤون القانونية، والعمليات، وإدارة المخاطر والامتثال أكثر تعقيدًا نتيجة لتزايد المتطلبات التنظيمية وضغوط المستثمرين ومجالس الإدارة. ومن أجل التغلب على هذه التعقيدات، يمكن للبنوك تحديد النتائج الأساسية المطلوبة، مثل التقارير، والتقييمات الذاتية، والمراجعات الداخلية، ثم تبسيط العمليات لتحقيق هذه الأهداف بكفاءة أكبر. مع الأخذ بالاعتبار، هناك فرصة كبيرة لدمج الجهود عبر مختلف الوظائف، على سبيل المثال، من خلال استخدام بيانات موحدة في التقارير المالية وتقارير المخاطر.

للانطلاق في رحلة تبسيط العمليات، يمكن للبنوك الاستعانة بقائمة مرجعية تتضمن خطوات عملية تساعدها على تحقيق أقصى استفادة من هذا التحول (اطلع على العمود الجانبي بعنوان "دليل لتبسيط العمليات في القطاع المصرفي").

توسيع نطاق العمل

في ظل بيئة الأعمال المصرفية المتغيرة، أصبح تحقيق الحجم المناسب ضرورة حتمية للبقاء في المنافسة. فالبنك الناجح لا يحتاج فقط إلى أن يكون قويًا، بل يجب أن يتمتع أيضًا بالمرونة والقدرة على التكيف مع التحديات المتزايدة. ومع مرور الوقت، فرضت المتطلبات التنظيمية والامتثال والتكنولوجيا وإدارة المخاطر أعباء إضافية على البنوك، مما دفع العديد منها إلى توسيع نطاق عملياتها لضمان استمرارية الأداء وتحقيق عائد استثماري مستدام.

البنوك التي تسعى إلى تحقيق النجاح تحتاج إلى مزيج متوازن بين التبسيط والتوسع، حيث يؤدي الجمع بينهما إلى تأثير تراكمي يعزز الأداء بشكل كبير. فعندما يتم دمج هذين العنصرين بشكل متناسق، يتمكن المدراء التنفيذيون من توجيه الموارد بشكل أكثر كفاءة، وبناء القدرات الأساسية، وتعزيز نقاط القوة، إلى جانب تحديد المجالات التي تتطلب تقليصًا أو إعادة هيكلة.

البنوك التي تسعى إلى تحقيق النجاح تحتاج إلى مزيج متوازن بين التبسيط والتوسع، حيث يؤدي الجمع بينهما إلى تأثير تراكمي يعزز الأداء بشكل كبير.

لمتابعة الأداء على نطاق واسع، تعتمد البنوك على مجموعة من المقاييس التي تتيح لها تقييم كفاءة عملياتها، مثل تكاليف تقديم القروض وإدارتها. وعلى الرغم من أن نسبة العائد على الأصول والعائد على حقوق المساهمين تُعد من المؤشرات الأساسية، إلا أن البنوك بحاجة إلى تحليل أكثر تفصيلًا للعوامل التي تؤثر على التكاليف التشغيلية، بما في ذلك التكنولوجيا وإدارة المخاطر، وذلك على مستوى العمليات الفرعية ضمن سلسلة القيمة.

لضمان تحقيق النمو مع تبسيط العمليات، تحتاج البنوك إلى اتباع استراتيجيات مبتكرة تعزز الكفاءة التشغيلية وتخفض التكاليف. فيما يلي بعض الطرق الفعالة لتحقيق هذا التوازن:

  • الاستفادة من الذكاء الاصطناعي التوليدي: مع التقدم المستمر في التقنيات الرقمية، بدأت البنوك في دمج نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي لتحسين عملياتها وتعزيز الإنتاجية. عندما يتم تطبيق هذه التقنية على نطاق واسع، يمكن أن تحدث تأثيرًا جذريًا في عدة مجالات، مثل تشغيل مراكز الاتصال، وإعداد مذكرات الائتمان، وإدارة الاحتيال والنزاعات، بالإضافة إلى البحث والتحليل وتطوير البرمجيات (اطلع على الشكل 3). فعلى سبيل المثال، نجح أحد البنوك في رفع مستوى الإنتاجية بنسبة تصل إلى 30%، كما حسّن تجربة العملاء بنسبة 20% بفضل استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي المتقدمة.
How banks can boost productivity through simplification at scale
  • تبني نهج تقني أكثر كفاءة: تلعب التكنولوجيا دورًا محوريًا في نجاح البنوك، إلا أن التكاليف المرتفعة قد تشكل تحديًا أمام عمليات التحديث والتطوير. ومن أجل تجنب هذه العقبات، ينبغي على البنوك تبني نهج أكثر مرونة وانضباطًا عند تحديث أنظمتها، وذلك من خلال تجنب التخصيص المفرط، وتحديد المشكلات التشغيلية بدقة، وضمان وجود ملكية واضحة للمشروعات التقنية. ويمكن لهذه الاستراتيجية أن تقلل من المخاطر الشائعة، مثل ضعف العائد على الاستثمار، وارتفاع التكاليف، وتأخير تنفيذ المشروعات.
  • تحسين كفاءة العمليات والوظائف الداعمة: تتطلب بعض العمليات المصرفية، مثل خدمات الرهن العقاري، وإدارة الأصول، وتشغيل مراكز الاتصال، تحقيق مستوى معين من الكفاءة التشغيلية لضمان تحقيق العوائد المطلوبة. لذلك، ينبغي على البنوك إعادة تقييم كيفية إدارة هذه الوظائف، سواء على المستوى المحلي أو الإقليمي أو العالمي، بهدف تقليل التكاليف التشغيلية وتحسين الأداء العام.

تحقيق الإنتاجية: بين التحديات والحلول

مع مرور الوقت، تميل الأنظمة الكبيرة إلى الفوضى والتعقيد ما لم يتم التدخل لتصحيح المسار. ورغم أن الشركات الأمريكية حققت تحسينات ملموسة في الإنتاجية، فإن القطاع المصرفي لم يشهد النمو نفسه في هذا الجانب. فما الذي يعيق هذا التقدم؟

تعتمد الإنتاجية على عدة عوامل رئيسية، مثل التطور التكنولوجي، والعولمة، وتطوير المهارات، والسياسات الاقتصادية، واتجاهات الاستهلاك، وتحسين العمليات التشغيلية. ورغم أن القطاع المصرفي استفاد من هذه العوامل، إلا أن تحقيق أقصى إمكاناته الإنتاجية لا يزال بعيد المنال.

المشكلة الأساسية تكمن في أن الأنظمة المصرفية الكبيرة والمعقدة لا تعيد ابتكار نفسها تلقائيًا. بل يتطلب الأمر تفكيك العمليات المعقدة إلى عناصر أصغر، وتحليلها بدقة، ثم إعادة تجميعها بطريقة أكثر كفاءة ومنطقية لضمان تحقيق أقصى استفادة من التغييرات.

ومن الأمثلة الملهمة على هذا النهج، التحول الكبير الذي شهده منتخب بريطانيا لركوب الدراجات، حيث انتقل من فريق متواضع إلى بطل عالمي تحت قيادة "ديف برايلسفورد"، الذي شغل منصب مدير الأداء حتى عام 2014. كانت استراتيجيته قائمة على "تراكم المكاسب الهامشية"6, والتي تعتمد على تحسين كل عنصر صغير بنسبة 1% فقط، مما أدى إلى تحقيق تأثير مركب هائل في الأداء العام. وبالإضافة إلى ذلك، ساهمت الزيادات الكبيرة في التمويل في تعزيز هذه النجاحات. الدرس المستفاد هنا هو أن تحقيق قفزة نوعية في الإنتاجية يتطلب إعادة التفكير في العمليات من الجذور، وتطبيق تحسينات صغيرة ولكن مستمرة، مما يؤدي في النهاية إلى تحول كبير ومستدام، تمامًا كما حدث في عالم الرياضة.

لا يمكن للنظام الكبير والمعقد أن يعيد ابتكار نفسه تلقائيًا أو بشكل عفوي.

تُعد البنوك أنظمة معقدة مترابطة تتطلب نهجًا دقيقًا لتحسين أدائها. وكما فعل "برايلسفورد" مع فريقه من راكبي الدراجات، يمكن للبنوك تفكيك عملياتها إلى أجزاء صغيرة لفهم حجم العمل المطلوب لكل مخرَج، مثل استكمال إجراءات انضمام العملاء، وإصدار القروض العقارية أو التجارية، أو تقديم الخدمات للقروض المجمعة. يعتمد هذا النهج على إعادة تقييم العمليات الحالية، والتخلص من غير الفعّال منها، واستبدالها بأساليب أكثر كفاءة، مما يساهم في خفض التكاليف بشكل جذري. لذا، ينبغي على البنوك التساؤل حول ضرورة كل خطوة في عملياتها، وما إذا كان يمكن تبسيطها أو الاستغناء عنها. ومن خلال إزالة الخطوات غير الضرورية، واستبدال العمليات غير الفعالة بأخرى أكثر كفاءة، وتبني تقنيات حديثة، يمكن للبنوك تحسين الإنتاجية وتعزيز الأداء العام.

كمثال على تحقيق الكفاءة والارتقاء بالأداء، قامت إحدى شركات المدفوعات بإعادة هيكلة عملياتها في الواجهة الأمامية والوسطى، حيث راجعت إجراءاتها التشغيلية وعملت على تبسيطها وإزالة العقبات، مع تطوير قدرات جديدة مبتكرة. ونتيجة لهذه التحولات، ارتفعت إيرادات الشركة بمقدار 300 مليون دولار، كما زادت إنتاجيتها بنسبة تتراوح بين 30% إلى 35%. وبالمثل، أطلق أحد البنوك العالمية عملية تحول مستهدفة لإعادة تصميم عمليات المدفوعات بهدف تقليل الأخطاء وتعزيز الأتمتة. وأسفر هذا النهج عن انخفاض معدل الأخطاء بنسبة 85%، في حين ارتفع معدل7 المعالجة المباشرة للمعاملات إلى 97%، مما عزز كفاءة العمليات التشغيلية وساهم في تحقيق أداء أكثر سلاسة وفاعلية.

يمكن للبنوك تحقيق تبسيط كبير وخفض التكاليف من خلال الاستفادة من التكنولوجيا والأتمتة وتحليل البيانات، إلى جانب إعادة هيكلة العمليات والسياسات. كما يلعب تغيير العقليات وتقديم التدريب وتنمية المهارات دورًا محوريًا في تمكين الموظفين من مواكبة هذا التحول، مما يجعلهم جزءًا أساسيًا من معادلة التبسيط.

على سبيل المثال، يمكن أن يؤدي تشجيع العملاء على استخدام أدوات الخدمة الذاتية إلى تقليل حجم المكالمات والرسائل الواردة إلى مراكز الاتصال، مما يسمح للبنوك بإعادة توزيع مواردها بكفاءة. وتُظهر تجاربنا أن ما بين 70% إلى 80% من المكالمات يمكن التعامل معها عبر أنظمة مؤتمتة دون الحاجة إلى تدخل بشري، في حين أن 60% إلى 70% من النزاعات بين العملاء والتجار يمكن حلها تلقائيًا دون تفاعل مباشر مع الموظفين.

ومع ذلك، تظل وظيفة التكنولوجيا داخل البنوك واحدة من أكثر المجالات تحديًا عند محاولة تبسيطها، حيث تعاني عادةً من تجاوز التكاليف، وتأخير الجداول الزمنية، وعدم تحقيق القدرات المستهدفة مثل تحديث المنصات والانتقال إلى الحوسبة السحابية. ولضمان دمج التكنولوجيا في مسار التبسيط، ينبغي التركيز على تحديد نطاق المشاريع بدقة صارمة، وتطبيق منهجيات مرنة في البرمجة والاختبار، وتعزيز تكامل التكنولوجيا مع العمليات التجارية لخلق بيئة تشغيلية متجانسة. وبناءً على خبرتنا، يمكن أن يؤدي تبني هذه المبادئ إلى تحسين الإنتاجية بنسبة تتراوح بين 15% إلى 20%.

تجربة العملاء في القطاع المصرفي: فرص التحسين والابتكار

البنوك هي العصب الرئيسي للاقتصاد العالمي، حيث تمثل القطاع الأكثر تحقيقًا للأرباح، كما تلعب دورًا حيويًا في ضمان استقرار الأعمال والنشاط الاقتصادي. ورغم أهمية القطاع وتأثيره الواسع، لا تزال هناك فرص كبيرة لتحسين تجربة العملاء والموظفين على حد سواء. فعلى سبيل المثال، كشفت دراسة استقصائية لعملاء الرهون العقارية السكنية أن مستوى رضا العملاء عن البنوك أقل بنسبة تتراوح بين 20% إلى 30% مقارنة بالمؤسسات غير المصرفية.

أثبتت العديد من شركات التكنولوجيا المالية وبعض البنوك الرائدة أن التركيز على العملاء يمكن أن يُحدث فرقًا جوهريًا. وتتضمن التجربة المصرفية المتميزة عدة عناصر أساسية، من بينها:

  • محورية العميل: يجب أن تُصمم العمليات المصرفية لتلبية احتياجات العملاء، بدلًا من إجبارهم على التكيف مع إجراءات معقدة. كما أن التركيز على العميل يسهم في تحسين تجربة الموظفين، إذ يقلل من الوقت الذي يقضونه في شرح العمليات المرهقة للعملاء.
  • الثقة: الشفافية في الرسوم وشروط الموافقة على القروض تساعد البنوك على بناء ثقة العملاء. كما أن ضمان حماية البيانات وتعزيز الأمن السيبراني يعزز من مصداقية البنك.
  • تجربة متعددة القنوات: يحتاج العملاء إلى إمكانية الوصول إلى الخدمات في أي وقت وبالطريقة التي تناسبهم، سواء من خلال الخدمة الذاتية الرقمية على مدار الساعة أو عبر التطبيقات والفروع ومراكز الاتصال والمواقع الإلكترونية. على سبيل المثال، تمكن أحد البنوك من تحسين تكامل فروعه وخدماته الرقمية، مما سمح للعملاء بالتنقل بين القنوات دون انقطاع، وأسفر ذلك عن زيادة ملحوظة في رضا العملاء ونمو المبيعات، فضلًا عن تقليل التكاليف. كما أدى هذا النهج إلى ارتفاع عدد العملاء الذين اختاروا البنك كمؤسستهم المالية الأساسية.
  • التخصيص: من خلال تحليل البيانات، يمكن للبنوك تقديم عروض تُلبي احتياجات العملاء وتكون أكثر ارتباطًا بحياتهم. على سبيل المثال، يمكن أن تساعد البيانات التحليلية في تحديد المناسبات الكبرى مثل شراء منزل أو استقبال مولود جديد، مما يمكن البنوك من تقديم منتجات وخدمات ملائمة.

ونظرًا لتعقيد النظام المصرفي، يتعين على البنوك تبنّي أدوات وتقنيات تُمكّنها من تبسيط العمليات بشكل جذري وتعظيم التأثير الناتج. ومع ذلك، فإن نهج التبسيط الشامل على مستوى المؤسسة بأكملها ليس حلًا سحريًا يصلح للجميع، بل يجب تصميمه بما يتناسب مع طبيعة كل بنك، وإلا فلن يحقق النتائج المرجوة.

السياق يصنع الفارق: على سبيل المثال، قد يقرر أحد البنوك تبنّي استراتيجية التبسيط الشامل لتحقيق هدف قصير المدى، أو للاستعداد لصفقة اندماج واستحواذ، أو لمعالجة صفقة سابقة لم تحقق التأثير المتوقع. ويعتمد نطاق التحول على طبيعة التحدي، فقد يكون تجديدًا شاملاً للمؤسسة أو تحسينات مستهدفة في مجالات محددة.

وبغض النظر عن السياق، تظل المبادئ الأساسية للتبسيط ثابتة: تحليل حجم العمل المطلوب، والتخلص من المهام والإجراءات غير الضرورية. فمن خلال تطبيق هذه التغييرات، يمكن للبنوك تحقيق تأثير قوي ومستدام، ينعكس في تحسين الإنتاجية، وتبسيط نموذج التشغيل، وتعزيز تجربة العملاء والموظفين على حد سواء.

Explore a career with us