كيف يمكن للبنوك تعزيز التكنولوجيا وزيادة الإنتاجية

| مقالة

ملاحظة: إننا نبذل قصارى جهدنا للحفاظ على جميع التفاصيل الدقيقة عند ترجمة المقالة الإنجليزية الأصلية، ونعتذر عن أي جزئية مفقودة في الترجمة قد تلاحظونها من حين لآخر. نرحب بتعليقاتكم على البريد الإلكتروني التالي reader_input@mckinsey.com

لقد أحدثت التكنولوجيا ثورة في قطاع البنوك، حيث أصبحت المؤسسات المالية التقليدية تعتمد بشكل متزايد على فرق التكنولوجيا لتلبية احتياجات متزايدة وكبيرة. وفي الواقع، تعمل هذه الفرق على تطوير منتجات مبتكرة مثل تجارب العملاء المخصصة باستخدام الذكاء الاصطناعي، والمدفوعات الرقمية، وحلول البيع المبنية على التحليلات. إضافةً إلى ذلك، تساعد فرق التكنولوجيا البنوك في تحسين الكفاءة التشغيلية من خلال أتمتة العمليات الداخلية، وإدارة كميات ضخمة من البيانات بشكل آمن، وتكامل الأنظمة بعد عمليات الاستحواذ على شركات جديدة. وفي الحقيقة، عند مراجعة استراتيجيات البنوك، يتضح أن معظم المبادرات تعتمد بشكل كبير على التكنولوجيا لتنفيذها وتحقيق النجاح.

المزيد من الرؤى والتقارير من ماكنزي باللغة العربية

شاهد مجموعة المقالات الخاصة بنا باللغة العربية، واشترك في النشرة الإخبارية العربية الشهرية

تصفح المجموعة

إلا أن العديد من البنوك تعاني من صعوبة في تخصيص الموارد اللازمة للاستثمار في الابتكار التكنولوجي. فالميزانيات المحدودة تُشكّل عائقًا كبيرًا، ومع مرور الوقت وازدياد تعقيد الأنظمة التكنولوجية وقِدم بنيتها، تصبح الحاجة إلى تخصيص موارد إضافية للحفاظ على أدائها أمرًا لا مفر منه، كما تحتاج البنوك إلى إنفاق المزيد لمجرد الحفاظ على استمرارية العمل الأساسي. وعلى مدار السنوات، اعتمدت المؤسسات على حلول تقليدية مثل نقل بعض العمليات إلى دول أخرى بتكلفة أقل، أو إعادة التفاوض مع الموردين للحصول على شروط أفضل. ولكن مع استنفاد هذه الخيارات، أصبحت البنوك بحاجة إلى استراتيجيات جديدة لتوفير الأموال التي يمكن استخدامها في تطوير الحلول التكنولوجية وتعزيز الابتكار.

ولتحفيز الابتكار التكنولوجي، اعتمدت بعض البنوك الرائدة نهجًا جديدًا يركز على زيادة إنتاجية فرقها الهندسية بدلاً من مجرد خفض التكاليف. بينما استلهمت هذه البنوك من الشركات الرائدة في البرمجيات الرقمية، حيث تسعى لزيادة نسبة الموظفين العاملين على كتابة الأكواد البرمجية، مع توفير الأدوات والبيئة المناسبة لرفع كفاءة عملهم. وعلى الرغم من أن هذا النهج الذي يركز على المطورين يُعد شائعًا في قطاع البرمجيات، إلا أنه لا يزال غير منتشر بين البنوك. ومع ذلك، استطاعت البنوك التي تبنّت هذا الأسلوب تحقيق نتائج ملموسة. فقد زادت من قدراتها التكنولوجية بنسبة تصل إلى 50% مقارنة بالبنوك التقليدية، وذلك باستخدام نفس الميزانية. تُقاس هذه القدرات بعدد الساعات المتاحة لتطوير الابتكارات التكنولوجية. علاوةً على ذلك، نجحت هذه البنوك في تقديم ميزات جديدة للعملاء بسرعة أكبر، كما استطاعت جذب أفضل الكفاءات في مجال الهندسة، ما ساهم في تعزيز الممارسات التقنية وزيادة الإنتاجية. هذا النهج خلق حلقة إيجابية مستمرة، حيث يؤدي التحسين في الأداء إلى مزيد من الابتكار والنجاح.

تستعرض هذه المقالة أهمية وقيمة التركيز على الإنتاجية كنهج يساعد البنوك على تحقيق الابتكار التكنولوجي بشكل أفضل. كما توضح العوامل الداخلية التي تسهم بشكل كبير في تحقيق نتائج ملموسة، إلى جانب اتخاذ خطوات عملية يمكن للقيادات اتخاذها للبدء في تطبيق هذا النهج بفعالية.

تحقيق أقصى قيمة: استراتيجيات لتحسين استثمارات التكنولوجيا

تعتبر العديد من المؤسسات، النفقات المتعلقة بالتكنولوجيا - مثل الاستثمارات في المواهب، والأجهزة، والبرمجيات، والخدمات - من أكبر البنود في ميزانياتها. ومع ذلك، غالبًا ما تُعامل هذه النفقات كـ"صندوق أسود"، حيث تدرك المؤسسات جيدًا حجم الإنفاق وما إذا كانت المشاريع تُنجز في الوقت المحدد، ولكنها تفتقر إلى فهم دقيق لإنتاجية فرقها. بالإضافة إلى ذلك، تواجه المؤسسات صعوبة في تقييم جدوى الاستثمار في تحسين كفاءة فرق التكنولوجيا لديها. هذا النقص في الوضوح يجعل من الصعب اتخاذ قرارات استراتيجية تُعزز الكفاءة وتُزيد من العائد على استثمارات التكنولوجيا.

وعلى مدار السنوات الأخيرة، بدأت البنوك الرائدة في تطبيق أنظمة قياس الأداء لفرق الهندسة التقنية بهدف تقييم سرعتها وإنتاجيتها. تعتمد هذه الأنظمة على تحليل البيانات المستخرجة من الأدوات التي تستخدمها الفرق التقنية أثناء تنفيذ مهامها اليومية ( كما هو موضح بالشكل 1).

1

عندما تقوم الشركات بقياس إنتاجية فرقها الهندسية بشكل منهجي، فإنها تتمكن من تحديد النقاط التي تحتاج إلى تحسين في سرعة ودقة العمل. كما يساعد هذا التحليل على اكتشاف أساليب مبتكرة لتعزيز الإبداع داخل الفرق. ومن خلال تقديم الأدوات والدعم اللازمين، تساعد المؤسسات الرائدة فرقها الهندسية على العمل بطريقة أكثر ذكاءً وكفاءة. هذا النهج يسمح لهذه المؤسسات بزيادة قدراتها التكنولوجية بشكل كبير، دون الحاجة إلى زيادة ميزانياتها، مما يمنحها ميزة تنافسية واضحة مقارنة بالمؤسسات الأخرى (كما هو موضح بالشكل 2).

2

وبهدف فهم هذا النهج بشكل أوضح، دعونا نقارن بين بنك متوسط الأداء وبنك رائد. أما بالنسبة للبنك متوسط الأداء، يعمل نصف الموظفين التقنيين به فقط على تطوير البرمجيات، ومع ذلك، يقضي هؤلاء الموظفون نصف وقتهم فقط في المهام الأساسية مثل كتابة الأكواد، واختبارها، وصيانتها. هذا يعني أن 25% فقط من إجمالي القدرة التكنولوجية للبنك تُخصص لتطوير البرمجيات، بينما تُستهلك النسبة الأكبر، 75%، في عمليات مثل التنظيم والتحليل والمراقبة، وهي عمليات قد تستفيد من تحسينات الأتمتة والتبسيط. على الجانب الآخر، في البنك الرائد، يُشارك 70% من الموظفين التقنيين بشكل مباشر في تطوير البرمجيات وصيانتها. بالإضافة إلى ذلك، يقضي هؤلاء الموظفون 55% من وقتهم في المهام الأساسية، مما يعني أن 39% من القدرة التكنولوجية للبنك مخصصة لتطوير البرمجيات. هذا يُمثل زيادة بنسبة 50% مقارنة بالبنك متوسط الأداء. هذا التركيز على المهام الأساسية لا يُعزز الإنتاجية فحسب، بل يدفع الابتكار ويوفر للبنك ميزة تنافسية واضحة.

لا تتميز فرق الهندسة التقنية عالية الأداء فقط بأنها أكثر إنتاجية، بل تفوق أيضًا بقدرتها على تقديم ميزات جديدة للعملاء بسرعة وجودة أعلى، مع ندرة الأخطاء البرمجية. هذه الفرق تُصمم منتجات وحلولًا تتوافق بشكل دقيق مع احتياجات العملاء وأهداف العمل، مما يؤدي إلى تحقيق نتائج ملموسة تسعى إليها البنوك. تشمل هذه النتائج تحسين تجربة العملاء، وجذب المزيد من العملاء الجُدد، وتعزيز ولاء العملاء الحاليين، بالإضافة إلى تحقيق نمو مستدام في الإيرادات.

كيف تحوّل إنتاجية فريقك الهندسي في أربع خطوات؟

إن قياس إنتاجية فرق الهندسة التقنية بدلاً من التركيز فقط على التكاليف يُغيّر بشكل جذري طريقة تعامل الإدارة مع الإنفاق على التكنولوجيا. فعندما تُصبح الإنتاجية في مقدمة الأولويات، تبدأ الإدارة في طرح أسئلة عملية مثل: كيف يمكننا تحقيق تحسينات واضحة؟ وما العائد الفعلي للاستثمار في تحسين بيئة العمل والإنتاجية؟ هذا التوجه يدفع المؤسسات إلى التفكير في كيفية خلق بيئة عمل تحفز على الإبداع وتجذب أفضل الكفاءات التقنية. فمن خلال تحسين ظروف العمل ورفع الكفاءة، تُصبح المؤسسات قادرة على جذب المهندسين الأكثر موهبة، مما يؤدي إلى حلقة إيجابية: بيئة عمل أفضل تؤدي إلى إنتاجية أعلى، وإنتاجية أعلى تُعزز من قدرة المؤسسة على تحقيق أهدافها وابتكاراتها.

ومن أجل رفع إنتاجية فرق التكنولوجيا، يمكن لقادة البنوك البدء باتخاذ أربع خطوات أساسية (كما هو موضح بالشكل 3). من واقع خبرتنا، غالبًا ما تحقق البنوك التي تطبق واحدة أو أكثر من هذه الاستراتيجيات تحسنًا ملحوظًا في الإنتاجية يتراوح بين 20% إلى 30% خلال فترة تمتد من 18 إلى 24 شهرًا. (أما للوصول إلى الحد الأقصى من التحسين، الذي يعادل سد فجوة 50% بين الأداء المتوسط والأداء الأفضل، فإن الأمر يتطلب رؤية استراتيجية طويلة المدى. تتطلب هذه الرحلة نهجًا متكاملًا ومدروسًا، يعتمد على التنسيق والعمل التدريجي لتحقيق تحولات مستدامة تُحدث فرقًا حقيقيًا في الأداء).

3

1. تحويل دورة حياة تطوير البرمجيات إلى رحلة متميزة في الإبداع الهندسي

كثيرًا ما يُفاجأ القادة التنفيذيون بحجم الجهد اليدوي الذي تبذله فرق التكنولوجيا أثناء تطوير البرمجيات. في أحد البنوك الكُبرى، كان على المطورين البدء بتقديم طلبات إلى فرق متعددة لإعداد بيئة العمل اللازمة قبل أن يتمكنوا من كتابة الأكواد. وبعد الانتهاء من البرمجة، كانوا يُجبرون على إجراء اختبارات يدوية مكثفة لأن الاختبارات الآلية تُغطي فقط عددًا محدودًا من الحالات. إضافةً إلى ذلك، كانت اختبارات التكامل والأمان تُجرى بواسطة فرق مختلفة تعمل وفق جداول زمنية محددة، مما يؤدي إلى تأخير العملية. وعند الوصول إلى مرحلة نشر البرنامج، كانت الموافقات المطلوبة من عدة أشخاص ولجان تزيد من تعقيد الإجراءات. فعلى سبيل المثال، بعد النشر، يتم تسليم التطبيق إلى فريق آخر لإدارة العمليات، مما يتطلب عملية انتقال شاملة ومعقدة. وبدلًا من تبسيط هذه العمليات وأتمتتها، قرر البنك توظيف المزيد من مديري المشاريع ومهندسي الاختبارات للتعامل مع عبء العمل. ولكن هذا الحل زاد التكاليف وزاد من تعقيد العملية، دون معالجة الأسباب الحقيقية للمشكلة.

نجحت إحدى المؤسسات المالية الرائدة في تجاوز هذه التحديات من خلال اعتماد نهج تحليلي شامل، أطلقت عليه اسم "الأشعة السينية"، لفحص فرقها الهندسية بدقة. كان الهدف من هذا التحليل هو فهم الممارسات الحالية لكل فريق وتقييم أدائهم. وبفضل هذا النهج القائم على البيانات، تمكنت الإدارة من تحديد المبادرات الأكثر تأثيرًا في تعزيز الإنتاجية وتحقيق أعلى عائد على الاستثمار. ولتطبيق هذه المبادرات، قامت المؤسسة بإعادة تصميم أدواتها الهندسية بشكل كامل، وأتمت الضوابط الأمنية لتقليل الجهد اليدوي، كما أنشأت فريقًا متخصصًا لتدريب المهندسين وتعريفهم بالنهج الجديد. بعد تطوير الأدوات المركزية، تم تطبيقها على الفرق الهندسية تدريجيًا وبطريقة منظمة، حيث تم إدخالها على مراحل مدتها ثلاثة أشهر لكل مجموعة، واستُكملت العملية بالكامل خلال 12 شهرًا.

أثناء تنفيذ هذا التحول، حرص قادة البنك على تعزيز ثقافة التحسين المستمر كجزء أساسي من استراتيجيتهم. في حين اعتمدت فرق التكنولوجيا على نهج منظم يقوم على مراجعة بيانات الإنتاجية بشكل دوري، مما أتاح لهم تحديد المجالات التي يمكن تحسينها والعمل على تسريع الأداء ورفع الكفاءة لتحقيق نتائج أفضل. هذا النهج لم يكن مجرد عملية تقييم للأداء، بل أصبح وسيلة فعّالة لتحفيز التغيير الإيجابي داخل الفريق. ونتيجة لذلك، تمكن البنك من زيادة قدرة فريق التكنولوجيا بنسبة 30% دون أي زيادة في الميزانية. هذه النتيجة تؤكد أهمية التركيز على التطوير الداخلي واستغلال الموارد بشكل أفضل لتحقيق أهداف كبيرة.

2. استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي لتحسين جميع مراحل دورة حياة المنتج

تُحدث أدوات تطوير البرمجيات المدعومة بالذكاء الاصطناعي التوليدي تحولًا كبيرًا في كفاءة فرق التكنولوجيا، حيث تتيح لفرق المهندسين توفير الوقت وتسريع العمليات بما يتجاوز ما تقدمه الأتمتة التقليدية. وحالياً، تقوم العديد من المؤسسات بتجربة هذه الأدوات، التي تمكن الفرق من كتابة الأكواد بشكل أسرع وأكثر كفاءة. (وحتى في المؤسسات التي لم تطلق برامج تجريبية رسمية، نجد أن المهندسين غالبًا ما يبادرون بتجربة هذه الأدوات بأنفسهم). ورغم النجاح الذي تحققه هذه الأدوات في المراحل الأولية، إلا أن تطبيقها على نطاق واسع يواجه تحديات واضحة. أولاً، تميل المؤسسات إلى التعامل مع هذه التجارب كاختبار لأداة تقنية فقط، متجاهلة أهمية إدارة التغيير المطلوبة لضمان تبنيها بنجاح على مستوى أوسع. في البداية، يكون الحماس كبيرًا من قبل المستخدمين الأوائل، لكن هذا الحماس غالبًا ما يتضاءل عندما تحاول المؤسسة توسيع دائرة الاستخدام. ثانيًا، العديد من هذه الأدوات تقدم حلولًا محدودة وتركز على جوانب معينة، مثل توليد الأكواد، بينما المهندسون ينجزون مهام أكثر تعقيدًا تتجاوز مجرد كتابة الأكواد. ثالثًا، هناك مشكلة أخرى تكمُن في أن بعض هذه الأدوات لا تكون مخصصة للعمل مع قواعد الأكواد الخاصة بالشركة، مما يؤدي إلى إنتاج أكواد غير متوافقة مع معايير المؤسسة، ما يجعل اعتمادها تحديًا إضافيًا.

كما اتخذت بعض المؤسسات الرائدة نهجًا متقدمًا في استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي، حيث وسّعت نطاق استخدامها ليشمل جميع الأدوار المشاركة في عملية تطوير البرمجيات، وليس فقط المبرمجين. هذا النهج يتيح لمديري المنتجات، والمحللين، ومصممي تجربة المستخدم، وغيرهم، الاستفادة من الأدوات لتعزيز كفاءتهم وتحقيق نتائج أسرع وأكثر دقة. على سبيل المثال، يمكن لمديري المنتجات الاستفادة من هذه الأدوات لإنشاء القصص والمخططات الهيكلية للميزات الجديدة خلال ثوانٍ معدودة، وهي مهام كانت تستغرق أيامًا باستخدام الأساليب التقليدية. ولضمان نجاح هذه الأدوات، تستثمر المؤسسات بشكل كبير في إدارة التغيير، مدركة أن الذكاء الاصطناعي التوليدي يُحدث تحولًا جذريًا في أسلوب العمل. لكن الأمر لا يقتصر على توفير الأدوات فقط؛ بل تعمل هذه المؤسسات على تطوير ممارسات تنظيمية تضمن دمج الأدوات في العمل اليومي بسلاسة. كما تقوم بتخصيص الأدوات لتناسب قواعد الأكواد الخاصة بها، مع اعتماد نماذج لغوية كبيرة مخصصة لكل مهمة. على سبيل المثال، تُستخدم بعض النماذج لتوليد الأكواد الجديدة، بينما تُفضل نماذج أخرى لتوثيق الأكواد بما يتماشى مع معايير الشركة. وبفضل هذا النهج الشامل، نجحت المؤسسات التي تعتمد أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي عبر جميع مراحل دورة حياة المنتج في تحسين إنتاجية فرق التطوير بنسبة تتراوح بين 20% إلى 30%، مما يساعد على تسريع الابتكار وتحقيق كفاءة أعلى.

3. تكامل فرق التكنولوجيا والأعمال

ولرفع إنتاجية التكنولوجيا، تحتاج البنوك إلى إعادة صياغة أسلوب التعاون بين فرق الهندسة التقنية وفرق الأعمال. فقد يستغرق تحويل فكرة مميزة جديدة للعملاء إلى مرحلة التنفيذ الفعلي وبدء كتابة الأكواد ما بين ثلاثة إلى ستة أشهر. هذه الفترة الطويلة تُبطئ العملية وتؤثر على سرعة تحقيق الأهداف وجودة تنفيذها. أولًا، تبدأ هذه العملية عادةً بإعداد فرق الأعمال دراسة جدوى للمشروع، يليها تأمين التمويل اللازم، والحصول على موافقة القيادة، ثم صياغة المتطلبات التقنية. وعلى الرغم من قدرة المهندسين على كتابة الأكواد بسرعة وكفاءة بمجرد وضوح المتطلبات، إلا أن الانتظار لفترة طويلة تستغرق ستة أشهر قبل بدء العمل يعيق الإنتاجية ويؤخر تقديم القيمة للعملاء.

استلهمت بعض البنوك الرائدة أفكارها من الشركات الرقمية الناشئة، فأنشأت فرقًا مشتركة تجمع بين مديري المنتجات والمهندسين، (وفي بعض الحالات فرق العمليات أيضًا). تعمل هذه الفرق كوحدات مستقلة، حيث يؤدي مديرو المنتجات دور قادة مصغرين يدعمون فرقهم في التعاون لتحقيق الأهداف والنتائج الرئيسية الفصلية. يتميز هذا النهج بتقليل المهام التي تستغرق وقتًا طويلًا، مثل إعداد المتطلبات الرسمية أو طلبات التغيير، مما يُسهم في تسريع عملية تطوير المنتجات. بالإضافة إلى ذلك، يتيح هذا الأسلوب مرونة أعلى في الاستجابة لاحتياجات العملاء بشكل أسرع وأكثر كفاءة. وعلى الرغم من أن العديد من المؤسسات المالية تعتمد بالفعل هذا الأسلوب الذي يرتكز حول المنتج في إدارة فرقها الرقمية وفِرق التطبيقات المحمولة، إلا أن الكثير منها لا يزال يستخدم النهج التقليدي الذي يركز على المشاريع لإدارة معظم فرقها الأخرى1.

اتجه أحد البنوك الكُبرى نحو نموذج جديد يرتكز حول المنتج، وأجرى تغييرات جوهرية شملت طريقة عمل آلاف الموظفين. جاءت هذه المبادرة تحت إشراف المدير التنفيذي ، ومدير العمليات ، ومدير تقنية المعلومات. وبعد محاولة تجريبية قصيرة، أعاد البنك هيكلة العمل ليعتمد على فرق متكاملة، حيث تم تحديد أدوار جديدة ووضع حوافز مشتركة لتعزيز التعاون بين الفرق المختلفة. وفي إطار تحسين العمليات، استبدل قادة البنك النظام التقليدي لتخصيص استثمارات تقنية المعلومات سنويًا بدورات مراجعة ربع سنوية. ولضمان نجاح هذا التحول، أطلقوا برنامج تدريب شامل استهدف جميع المستويات، من القيادات العُليا إلى مطوري البرمجيات، مع تصميم برنامج خاص لتطوير مهارات مديري المنتجات ودعمهم في أداء أدوارهم بشكل أفضل. ونتيجة لذلك، أسفرت هذه الجهود عن تحسين كبير في الإنتاجية، حيث زادت قدرة البنك التشغيلية بنسبة تراوحت بين 20% إلى 30%. بالإضافة إلى ذلك، أدى هذا التحول إلى تعزيز تركيز البنك على تحسين تجربة العملاء، مما ساهم في تحقيق أهدافه بكفاءة أكبر.

4. تشكيل فرق ذات كفاءة عالية

إن العمل في بيئة تقنية حديثة وأكثر إنتاجية يتطلب تبني نهج مختلف في اختيار الكفاءات الهندسية. ففي حين اعتمدت العديد من البنوك تقليديًا على فرق كبيرة تضم أفرادًا أقل خبرة، بمن فيهم المتعاقدون من خارج المؤسسة، أصبحت المؤسسات الرائدة اليوم تركز على تشكيل فرق أصغر وأكثر تخصصًا داخل الشركة. هذه الفرق تتألف من مهندسين ذوي مهارات عالية وخبرة كبيرة في تطوير البرمجيات بجودة وسرعة عاليتين. ورغم أن توظيف هؤلاء المهندسين قد يتطلب رواتب مرتفعة، إلا أن إنتاجيتهم العالية تعوض هذا الاستثمار بشكل كبير. بل وأكثر من ذلك، يساهم وجود كفاءات عالية في خلق بيئة جاذبة للمهندسين المتميزين الآخرين، مما يعزز قوة الفريق بشكل مستمر. بالإضافة إلى ذلك، فإن هؤلاء المهندسين المتمرسين يلعبون دورًا أساسيًا في استخدام أدوات التطوير الحديثة المدعومة بالذكاء الاصطناعي بكفاءة لتحقيق أهداف المؤسسة.

كما أن استقطاب المواهب الجديدة والاحتفاظ بها في سوق تنافسي يُعد تحديًا يتطلب تخطيطًا دقيقًا وجهودًا كبيرة. ومن أجل تحقيق هذا الهدف، تحتاج المؤسسات عادةً إلى إجراء تغييرات جذرية على القيمة التي تقدمها للموظفين في الأدوار التقنية. يتضمن ذلك إعادة تصميم استراتيجيات التوظيف لتكون أكثر استهدافًا وكفاءة، إلى جانب الاستثمار في برامج تطوير الموظفين التي تعزز مهاراتهم وتدعم نموهم المهني.

اعتمد أحد البنوك استراتيجية متميزة لجذب المواهب التقنية من خلال تسليط الضوء على الفرص التي يقدمها للعملاء المحتملين، حيث ركز البنك على أن العمل لديه يوفر فرصة حقيقية لخدمة ملايين العملاء، واستخدام أحدث التقنيات، والتعاون ضمن فرق مبتكرة، بالإضافة إلى التعلم في بيئة تقدّر المهندسين. وبالتعاون بين قادة تقنية المعلومات والموارد البشرية، تم تطوير مسارات مهنية واضحة تتيح للمهندسين الترقية تلقائيًا عندما يصبحون جاهزين، دون الحاجة للتقديم على أدوار جديدة. علاوة على ذلك، أنشأ البنك برنامجًا لتسريع تنمية المواهب، إذ تم توظيف مهندسين محترفين ومتخصصين من الموارد البشرية بهدف تسريع عملية توظيف الكفاءات، وتحديد معايير عالية للمرشحين، وتسهيل تجربة الموظفين الجُدد من خلال تحسين عملية التوظيف والتدريب. ونتيجة لتبني هذه الاستراتيجية، شهد البنك تحولًا كبيرًا في فريقه الهندسي خلال ثلاث سنوات فقط، حيث أصبح الموظفون داخل المؤسسة يشكلون 70% من الفريق بعد أن كانت هذه النسبة من نصيب الموظفون المتعاقدون من خارج المؤسسة. هذا التحول لم يقتصر على تحسين الإنتاجية فقط، بل ساهم أيضًا في تحقيق تكامل أكبر بين استراتيجيات الأعمال والتكنولوجيا، كما أدى إلى تقليل معدل دوران الموظفين بشكل ملحوظ.

كيفية تحقيق أقصى مستويات الإنتاجية

كل بنك نتحدث معه هو في مرحلة ما من مراحل تبني هذه المبادئ الأربعة، ذلك لأن التخلف عن الركب تكنولوجيًا أصبح خيارًا لم يُعد مطروحًا. ومع ذلك، لم تتمكن العديد من البنوك من تحقيق تحسن ملموس في الأداء من خلال نموذج تطوير تكنولوجي يركز على زيادة الإنتاجية.

تعود صعوبة هذه التحولات بشكل جزئي إلى أنها ليست سهلة أو مباشرة. تجد العديد من المؤسسات صعوبة في قياس الإنتاجية الحالية لفرقها، مما يجعل من الصعب إظهار الحاجة الفعلية للتحسين. كما أن هناك مجموعة واسعة من الخيارات التي يمكن أن يختارها القادة التنفيذيون، وبعضها قد يكون له مزايا أو عوائد غير واضحة المعالم، مما يجعل من الصعب تحديد الأولوية والإجراءات الأكثر فاعلية لتحقيق عائد استثماري جيد. إضافة إلى ذلك، الفرق التي يجب أن تنفذ هذه التحولات مشغولة بالفعل بتقديم وتطوير المنتجات، وغالبًا ما تكون في سباق مستمر لتلبية احتياجات العملاء. لهذا السبب، لم تعطي العديد من البنوك الأولوية لهذه التحولات، حتى وإن كانت بعض الفرق مقتنعة بمزاياها وقيمتها.

تشترك المؤسسات التي تنجح في تطبيق نهج يركز على الإنتاجية في عامل أساسي واحد: وهو تلقي الدعم المبكر من المدير التنفيذي واللجنة التنفيذية. في الغالب، يتطلب الحصول على دعم قادة المستوى التنفيذي تلبية خمسة شروط أساسية، التي تمثل الأسس الضرورية لبدء التحول بنجاح.

  • الرؤية الطموحة: البنوك التي تحقق أفضل أداء تشجع قادتها في مجال التكنولوجيا على استكشاف ما حققته الشركات في صناعات أخرى، ومن ثم تحديد أهداف طموحة تركز حول فكرة التغلب على المصاعب والتغلب عليها.
  • التأثير القابل للقياس: من الضروري تحديد مستوى الإنتاجية الأساسي للمؤسسة لفهم الإجراءات التي قد تحقق أعلى عائد على الاستثمار، وكذلك لقياس التقدم المحرز، تبدأ المؤسسات التي تحقق أفضل أداء بتحديد المستوى الأساسي للأداء استنادًا إلى بعض المؤشرات التي تم توضيحها في هذا المقال. ثم تقوم بحساب التحسينات المحتملة والفوائد الناتجة عنها، مما يساعدها على قياس تأثير التغييرات بشكل دقيق وواقعي.
  • التعاون مع الفرق خارج قسم تقنية المعلومات: ستكرس فرق الهندسة وقتها لتحسين أدائها فقط إذا كانت التحولات التكنولوجية تحظى بأولوية من قبل الفرق التجارية. بالإضافة إلى ذلك، يتطلب نموذج العمل السريع والمستمر من قادة الأعمال تبني طُرق جديدة للعمل لتحقيق الفائدة المرجوة. لذا، من المهم توضيح قيمة التحول الهندسي لقادة الأعمال، وكذلك العثور على داعمين مبتكرين يمكنهم دعم هذه الجهود وتعزيز نجاحها.
  • وضوح المسؤولية في فريق قيادة تقنية المعلومات: تعتبر عملية تحول الهندسة التقنية مهمة جماعية تتطلب تعاونًا وثيقًا بين جميع أعضاء فريق قيادة تقنية المعلومات، حيث سيكون لكل عضو دور خاص يُساهم في تحقيق التحول، من القادة على مستوى الأقسام التقنية، إلى رئيس البنية التحتية، وصولًا إلى المدير التنفيذي للأمن السيبراني. ولتنفيذ هذا التحول بشكل فعّال، تحتاج هذه الأدوار إلى تنسيق مستمر. لهذا السبب، قامت بعض المؤسسات المالية بتعيين عضو واحد من فريق القيادة التقنية ليكون قائدًا مسؤولًا عن قيادة عملية التحول. يقوم هذا القائد بتحديد الإجراءات المتتابعة وتوضيح التوقعات، كما يعمل على توجيه الفرق وتقديم الإرشادات اللازمة لتحقيق النتائج المرجوة.
  • النجاحات المبكرة في الأعمال: تعتبر أفضل طريقة لبناء الثقة في نهج يركز على الإنتاجية هي تحقيق تأثير ملموس في مرحلة مبكرة، ومن ثم عرضه على قادة الأعمال في مجالات تهمهم بشكل مباشر. على سبيل المثال، يمكن تحقيق ذلك من خلال تحسين تطبيقات الهواتف المحمولة أو تحسين النطاقات المركزية للبيانات.

لذا، فإنه بمجرد استيفاء هذه الشروط الأساسية، يمكن تحقيق التغييرات بشكل سريع، بدءًا من المستوى الأعلى في المؤسسة ثم الانتقال إلى فرق العمل بشكل تدريجي. وعلى عكس بعض المبادرات التكنولوجية التي تستغرق وقتًا طويلًا وتتطلب تغييرات معقدة، تتميز التحولات الهندسية التي تركز على الإنتاجية بأنها تحقق نتائج ملموسة في وقت قصير، حيث إنها لا تعتمد على إجراءات معقدة مثل استبدال المنصات الأساسية أو نقل بيانات العملاء. هذا يعني أن المؤسسات التي تتبنى نهجًا جريئًا لزيادة إنتاجية فرقها الهندسية يمكنها تحقيق نتائج أفضل للأعمال والعملاء بسرعة وكفاءة.

Explore a career with us