الربع سنوية لماكنزي

كيف يمكن للقادة استثمار قوة الضعف لتحقيق النجاح؟

| مقالة

ملاحظة: إننا نبذل قصارى جهدنا للحفاظ على جميع التفاصيل الدقيقة عند ترجمة المقالة الإنجليزية الأصلية، ونعتذر عن أي جزئية مفقودة في الترجمة قد تلاحظونها من حين لآخر. نرحب بتعليقاتكم على البريد الإلكتروني التالي reader_input@mckinsey.com

ما الذي يجعل المدير التنفيذي عظيمًا؟ الأمر يتجاوز المهارات العملية مثل الفهم المالي العميق وإدارة العمليات بكفاءة. هذه المهارات، رغم أهميتها، تمثل الأساس الذي يبني عليه القائد نجاحه. ومع ذلك، هناك سمات جوهرية أخرى تُعتبر ضرورية مثل الثقة بالنفس، والمرونة، والصمود. إلا أن ما يميز القادة العظماء حقًا هو قدرتهم على إتقان المهارات "الناعمة". فخلال مئات المحادثات مع القادة التنفيذيين، لاحظنا أن العديد منهم يواجه تحديًا في تطوير هذه الجوانب، رغم أنها تمثل حجر الزاوية في القيادة الفعالة.

يُعد إظهار الضعف، على سبيل المثال، عنصرًا أساسيًا لبناء الثقة وتعزيز الانفتاح بين القائد وفريقه. ومع ذلك، فإن هذه المهارة، إلى جانب صفات أخرى مثل التواضع والإيثار، ليست سهلة الإتقان. وفي مقالنا الجديد بعنوان "رحلة القيادة: كيف يتعلم الرؤساء التنفيذيون القيادة من الداخل إلى الخارج" (الصادر في سبتمبر 2024)، نسلط الضوء على أهمية دمج مفهوم إظهار الضعف في رحلة التطور الشخصي. هذا النهج لا يساعد فقط في تعزيز مهارات القائد، ولكنه أيضًا يزيد من قدرته على التواصل بفعالية مع فريقه، مما يؤدي إلى تحسين أداء المؤسسة ككل.


في العقود الماضية، عندما بدأ العديد من قادة الأعمال الحاليين حياتهم المهنية، كانت الصورة المثالية للرئيس التنفيذي تتمثل في شخصيات أسطورية مثل "جاك ويلش" من شركة جنرال إلكتريك وكذلك مثل "لي إياكوكا" من شركة كرايسلر. آنذاك، كان هؤلاء القادة يُنظر إليهم كرموز للقوة والحزم، حيث اعتبرهم المستثمرون وأعضاء مجالس الإدارة وحتى وسائل الإعلام نماذج يُحتذى بها. علاوة على ذلك، كان الموظفون يتوقعون منهم أن يمتلكوا جميع الإجابات، وأن يكونوا قادرين على مواجهة أي تحدٍ دون تردد.

وعلى مدى العقود القليلة الماضية، شهدت بيئة القيادة التنفيذية تغيرات جذرية، مما أدى إلى تراجع فعالية النموذج التقليدي للرئيس التنفيذي في تحفيز الموظفين. ففي الوقت الحالي، وخاصة مع بروز جيل الألفية في القوى العاملة، تغيرت التوقعات بشكل كبير. هذا الجيل يتطلع إلى قادة يظهرون الجانب الإنساني من شخصياتهم، بما في ذلك القدرة على الاعتراف بنقاط الضعف والتحديات الشخصية. وعلى عكس الماضي، أصبحت الأصالة اليوم هي الصفة الأكثر طلبًا.

المزيد من الرؤى والتقارير من ماكنزي باللغة العربية

شاهد مجموعة المقالات الخاصة بنا باللغة العربية، واشترك في النشرة الإخبارية العربية الشهرية

تصفح المجموعة

ومع ذلك، يواجه العديد من الرؤساء التنفيذيين اليوم تحديًا يتمثل في عدم وضوح الرؤية حول الصفات والسمات التي تُظهر شخصيتهم الحقيقية في القيادة، وكيف يمكنهم التعبير عن هذه السمات بفعالية. هذا التحدي برز بوضوح خلال محادثاتنا مع أكثر من 500 رئيس تنفيذي عالمي. ومن خلال تحليل هذه المحادثات، اتضح أن هؤلاء القادة، على الرغم من مهاراتهم الكبيرة ونجاحاتهم، لم يخصصوا الوقت الكافي للتأمل في أنفسهم والتواصل مع قيمهم ودوافعهم الشخصية. هذا النقص في التعرف على الذات يُؤدي إلى صعوبة بناء علاقات حقيقية وأصيلة مع فرق العمل، مما يعيق قدرتهم على إظهار جانبهم الإنساني. ونتيجة لذلك، يصبح من الصعب عليهم التواصل بفعالية وتحقيق التأثير الذي يطمحون إليه كقادة.

الأهم من ذلك، يحتاج القادة إلى منح أنفسهم فرصة للتوقف المؤقت من أجل التركيز على فهم وتحسين سماتهم السلوكية. هذا التوقف لا يعني التراجع عن الأهداف أو تعطيل العمل، بل هو خطوة ضرورية تسهم في تعزيز الوعي الذاتي. عندما يُقدِم القادة على هذه الخطوة، يصبحون أكثر قدرة على التركيز على العنصر البشري في قيادتهم، مما يؤدي إلى تضخيم تأثيرهم وزيادة فعاليتهم في إدارة فرقهم. ومع ذلك، غالبًا ما يشعر العديد من المديرين التنفيذيين بعدم الارتياح تجاه هذا المفهوم، لأن طبيعتهم تدفعهم للتركيز على العمل وتحقيق التقدم السريع.

والسؤال هنا، كيف يمكن للقائد أن يصبح أكثر انفتاحًا ويُظهر جانبه الإنساني بطريقة تُعزز من قوته القيادية؟ الإجابة تكمن في التحول من التركيز على إثبات الذات إلى السعي المستمر نحو تحسين الذات. بمعنى آخر، يعني هذا التحول تبني عقلية منفتحة تؤمن بقدرة الفرد على التعلم والنمو، بدلاً من الالتزام بعقلية ثابتة ترى الأمور على أنها غير قابلة للتغيير. هذا التوجه يُحفز القادة على التركيز على النمو الشخصي بدلاً من السعي وراء الصورة المثالية التي يرغب الآخرون في رؤيتها. وعلاوة على ذلك، يتطلب إظهار الضعف الاستعداد لتحمل المخاطر، مثل بناء علاقات قد تنجح أو لا، واتخاذ قرارات جريئة دون ضمانات مطلقة. لكن الأهم هو القدرة على تقبل وجهات نظر الآخرين بصدر رحب، وفي الوقت ذاته، السماح لهم برؤيتك على حقيقتك الكاملة، حتى لو شعرت بالخوف من النقد أو الحكم.

تشير الأبحاث إلى أن السبب الرئيسي لفشل الفرق هو غياب الثقة، وهو عامل أساسي يؤثر على نجاح أي فريق عمل. في هذا السياق، يُعتبر الضعف سمة قيادية ضرورية، حيث يمنح القادة القدرة على دعوة زملائهم ومستشاريهم وأصدقائهم للمشاركة بآرائهم وأفكارهم بحرية. هذه المشاركة تُعزز من روح التعاون وتعمل على بناء جسور من الثقة داخل الفريق. لذلك، إذا كنت ترغب في أن تكون قائدًا موثوقًا به، فإن الخطوة الأولى هي إظهار الضعف كوسيلة لتعزيز الثقة وبناء علاقات قوية ومستدامة مع فريقك.

من المهم التأكيد على أننا لا ندعو القادة إلى التخلي عن مهارات القيادة الحازمة التي يمتلكونها. فهذه المهارات، بلا شك، ضرورية لاتخاذ القرارات الصعبة وضمان تحقيق الأهداف. ومع ذلك، يُطلب من القادة أن يوازنوا بين هذه السمات وبين المهارات القيادية الناعمة، التي غالبًا ما تكون أكثر تحديًا للتطبيق.

عندما يتم التعامل مع الضعف بمهارة ووعي، فإنه يصبح علامة على القوة الحقيقية. فالقدرة على التعبير عن المشاعر ومشاركتها مع الآخرين يمكن أن تكون مصدرًا للجاذبية والتأثير العميق. على سبيل المثال، يُعتبر "ستيف جوبز"، مؤسس شركة أبل، نموذجًا لرواد الأعمال البارزين. ورغم شخصيته الحازمة والمعروفة بحسمها، إلا أنه أدرك في وقت لاحق من مسيرته أهمية إظهار الجانب الإنساني من شخصيته. وقد تجلى هذا الإدراك بشكل واضح في خطابه الشهير عام 2005 في جامعة ستانفورد، حيث تحدث عن معاناته مع مرض سرطان البنكرياس ومواجهة فكرة الموت. وخلال الخطاب، قال جوبز: "تذكري أنني سأموت قريبًا هو أهم أداة واجهتها على الإطلاق لمساعدتي في اتخاذ القرارات الكبيرة في حياتي."

الضعف في القيادة: من يستفيد منه؟

في يوم ماطر في باريس، اجتمع عدد من الرؤساء التنفيذيين في منتدى للقيادة، حيث كانت المفاجأة في عمق المشاعر التي عبّر عنها أحد الحاضرين. كان هذا القائد، الذي يُعرف بنجاحه البارز، يدير شركة تصنيع عائلية عالمية، وقد اشتهر بقدرته على بناء علاقات متينة مع مختلف الأطراف، سواء كان ذلك مع مجلس الإدارة، فريقه الإداري، أو الشركاء الخارجيين.

قال القائد بصوت يحمل مزيجًا من التردد والاعتراف الصادق: "مشكلتي هي أنني لا أستطيع مواجهة الناس."

شرح الرئيس التنفيذي أن أحد أقاربه، الذي يشغل منصبًا في فريق القيادة، كان يتصرف وكأنه المالك الوحيد للشركة، وهو ما كان صحيحًا جزئيًا نظرًا لامتلاكه حصة فيها. هذا السلوك لم يكن المشكلة الوحيدة، إذ أن القريب كان يُحدث تأثيرًا سلبيًا في بيئة العمل من خلال تعليقاته الجارحة. فقد اعتاد على وصف الآخرين بعبارات مثل: "هذا الشخص أحمق"، "ذاك لا فائدة منه"، و"فلان يتآمر ضدي من وراء ظهري". على الرغم من أن الرئيس التنفيذي كان يدرك تمامًا خطورة هذا السلوك وتأثيره السلبي على روح الفريق، إلا أنه لم يستطع جمع الشجاعة لمواجهة قريبه.

قرر أحد الرؤساء التنفيذيين المشاركين في الاجتماع كسر الصمت وسأله مباشرة: "لماذا كان يشعر بهذه الطريقة؟"

احتاج الرئيس التنفيذي إلى قدر كبير من الصراحة والشجاعة ليواجه حقيقة مشكلته. خلال التأمل، أدرك أن طريقة تربيته لعبت دورًا كبيرًا في تشكيل شخصيته، حيث نشأ في بيئة تركز على إرضاء الجميع وتجنب النزاعات. تذكر أنه عندما كان يواجه مشكلات في طفولته ويلجأ إلى والدته لطلب المساعدة، كانت ترد عليه بعبارات مثل: "لا تقلق، هذا ليس بمشكلة. سيتم حلها." في العائلة، كانت النقاشات الحادة والخلافات تُعتبر أمورًا غير مقبولة. فسادت أجواء من اللباقة والاحترام، مما جعله يطور مهارة التوسط واللعب بدور "السفير" بين الأطراف المختلفة. وقد ساعدته هذه المهارة لاحقًا في بناء علاقات قوية مع مجلس الإدارة والشركاء الخارجيين. ومع ذلك، فإن هذه النشأة التي تجنبت المواجهات جعلته يفتقر إلى الخبرة اللازمة للتعامل مع الصراعات المباشرة. هذا النقص ظهر بوضوح في الموقف الحالي، حيث لم يكن مستعدًا لمواجهة قريب يتصرف بشكل عدائي ويؤثر سلبًا على بيئة العمل.

وعندما أدرك الرئيس التنفيذي الأسباب الحقيقية وراء سلوكه، اكتسب ثقة أكبر بنفسه. ورغم أنه تربى على إرضاء الجميع وتجنب المواجهات، إلا أنه أدرك أن هذا الأسلوب ليس قاعدة ثابتة عليه الالتزام بها. بعد عودته إلى العمل، اتخذ قرارًا حاسمًا بمواجهة قريبه بشكل مباشر. خلال هذه المواجهة، أوضح له أن الأفضل للجميع هو البحث عن فرصة جديدة خارج الشركة تتناسب مع طموحاته. لم يكن يتوقع أن يتقبل القريب الأمر بسهولة، لكنه شعر بارتياح كبير عندما غادر الأخير الشركة دون أي مشكلات أو نزاعات. لم تكن هذه الخطوة مجرد حل لمشكلة داخل الشركة، بل كانت تجربة مميزة ساعدت الرئيس التنفيذي على تعزيز قدرته على مواجهة التحديات واتخاذ قرارات جريئة تخدم مصلحة العمل.

وكما يتضح من هذه الحالة، نلاحظ أن القادة غالبًا ما يتعاملون مع التحديات بشكل غريزي، باستخدام أنماط سلوكية تشكلت لديهم بفعل تأثيرات مبكرة من الوالدين أو المعلمين أو الرؤساء السابقين. ومع ذلك، عندما يسمح القادة لأنفسهم بإظهار ضعفهم والتواصل مع مشاعرهم بصدق، فإنهم يكتسبون القدرة على إعادة النظر في أساليبهم وتطوير طريقة تعاملهم مع هذه المواقف. وكما قال أحد الرؤساء التنفيذيين المخضرمين: "التعلم الحقيقي لا يحدث إلا عندما يكون هناك تواصل عاطفي."

تعرف على ذاتك (ومحفزاتك)

للاستفادة من قوة الضعف في القيادة، يجب على القادة تعلم كيفية التعامل مع اللحظات التي تثير ردود أفعال عاطفية قوية، والتي تُعرف بـ "المحفزات".

قد تكون المحفزات أفعالًا أو كلمات تصدر عن الآخرين، أو مواقف معينة تضع القائد تحت الضغط. على سبيل المثال، قد يكون المحفز وجود أحد أعضاء الفريق الذي يتسبب دائمًا في توتر الأجواء داخل العمل، أو احتجاج من ناشط يعترض على سياسات الشركة، أو حتى تعليق نقدي من أحد أعضاء مجلس الإدارة حول الأداء المالي الأخير. هذه اللحظات، رغم كونها جزءًا طبيعيًا من بيئة العمل، يمكن أن تثير مشاعر الخوف أو القلق لدى القائد.

إذا لم يتمكن القادة من التعرف على المحفزات التي تؤثر على سلوكهم، فإنهم يصبحون عرضة للوقوع في أنماط سلوكية متكررة قد تؤدي إلى نتائج سلبية وأداء ضعيف. وتكمن الخطورة هنا في أن الاستجابة الفورية لهذه المحفزات قد تدفع القائد إلى العودة إلى أساليب قديمة وغير فعالة، مثل محاولة السيطرة على موقف ما أو التركيز على الدفاع عن ذاته بدلاً من التركيز على مصلحة العمل.

لحسن الحظ، يمكن لكل شخص أن يختار الطريقة التي يستجيب بها للمواقف، سواء بشكل إيجابي أو سلبي. ولكن يتميز القادة الناجحون بقدرتهم على التعرف على الأشياء التي تثير ردود أفعالهم، ثم التعامل معها بأسلوب هادئ ومتفتح وإيجابي. هنا يظهر دور الضعف، حيث يصبح إدراك القائد لردود أفعاله السلبية أو الدفاعية فرصة لتغيير سلوكه. ولتغيير هذا السلوك، يمكن للقائد أن يتوقف لحظة للتفكير ويسأل نفسه: "لماذا أتصرف بهذه الطريقة؟" أو يناقش الأمر مع شخص يثق به لفهم الموقف بشكل أفضل. أحيانًا، يتطلب هذا الغوص في أعماق الذات لاكتشاف الأسباب الحقيقية خلف هذه الاستجابات. هذا الفهم العميق يمكن أن يساعد القائد على تطوير ردود أفعال أكثر حكمة وفعالية، تعزز من أدائه وتواصله مع فريقه.

خلال الاجتماعات مع مجلس الإدارة، لاحظت إحدى المديرات التنفيذيات الجدد أنها تنزعج باستمرار من أحد الأعضاء. كانت تشعر أن هذا العضو لا يمتلك الفهم الكافي لما يتحدث عنه، وكلما سمعت منه تعليقًا تعتبره خاطئًا أو غير منطقي، كانت تتدخل فورًا لتصحيحه. هذا السلوك أدى إلى جعل الاجتماعات مشحونة بالتوتر وأحيانًا غير مريحة. بعد فترة من التأمل الذاتي العميق، أدركت المديرة التنفيذية أن المشكلة لم تكن في العضو نفسه، بل في حاجتها الدائمة إلى إثبات أنها على حق. هذه الحاجة كانت نتيجة نمط سلوكي نشأ منذ طفولتها، عندما اعتادت أن تكون "الطفلة التي تعرف الإجابة الصحيحة دائمًا". هذا السلوك القديم خلق لديها شعورًا بالخوف من أن تُخطئ أو تُفهم بشكل خاطئ، وهو خوف لم يكن مرتبطًا بالموقف الحالي أو بمصلحة العمل، بل بجذور عاطفية تعود إلى الماضي.

مع مرور الوقت، تمكنت المديرة التنفيذية من تطوير وعي ذاتي ساعدها على تغيير طريقة تعاملها مع المواقف. وعبرت عن هذا التحول بقولها: "عندما أشعر بالاستفزاز، فهذا يعني أنني أدافع عن نفسي بدلاً من أن أكون مبدعة." في الاجتماعات التالية، بدأت في التحكم بردود أفعالها. بدلاً من مقاطعة العضو وتصحيح كلامه، اختارت أن تلتزم الصمت، موجهة طاقتها نحو تحقيق الهدف الأهم وهو المحافظة على تركيز مجلس الإدارة على القضايا الجوهرية المتعلقة بالعمل.

عندما يصبح الضعف قوة

وجدنا أن الأشخاص الذين يتسمون بالراحة في التعبير عن أنفسهم، ويظهرون الانفتاح والصدق في تعاملاتهم، يتمتعون بقدرة أكبر على كسب ثقة واحترام الآخرين. كلما كان الشخص صادقًا وأصيلًا في طريقة تواصله، شعر الآخرون بالراحة للتحدث معه والانفتاح عليه.

نجحت "ريتا روي"، الرئيسة التنفيذية لمؤسسة ماستركارد الخيرية، في تحقيق توازن مناسب بين الجرأة في قول الحقائق الصعبة وبين التواضع في التعامل مع الآخرين. هذا التوازن مكّنها من إدارة المؤسسة بفعالية، حيث استطاعت مواجهة التحديات بشفافية وصراحة دون أن تفقد الاتصال الإنساني الذي يجعل الآخرين يشعرون بالراحة والثقة تجاهها.

في عام 2006، أطلقت "ماستركارد" مؤسسة مقرها تورونتو بهدف تعزيز التعليم والشمول المالي على مستوى العالم. كان مجلس الإدارة بحاجة إلى قائد متمكن لتحديد مسار هذه المؤسسة الجديدة، فوقع اختيارهم على "ريتا روي"، التي كانت تشغل منصب نائب رئيس إقليمي في شركة "أبوت" العالمية للرعاية الصحية. بدأت روي مهمتها بالاستماع بعناية إلى مجموعة واسعة من الآراء. بينما رأى البعض ضرورة تركيز المؤسسة على الجهود العالمية، اقترح آخرون أن تركز جهودها على كندا أو الهند. ومع ذلك، اختارت "روي" مسارًا غير تقليدي ومثيرًا للجدل في عالم العمل الخيري، حيث قررت توجيه جهود المؤسسة نحو إفريقيا جنوب الصحراء. واجه هذا القرار انتقادات عديدة، إذ اعتبر البعض أن المنطقة تفتقر إلى البنية التحتية الكافية أو تعاني من الفساد الذي قد يعيق استيعاب التمويلات الكبيرة. لكن "روي" كانت تؤمن بقدرتها على تحقيق تغيير حقيقي، وقالت بثقة: "كنت أعلم أن لدينا فرصة حقيقية لإحداث تأثير جوهري في إفريقيا."

بعد أشهر من الاجتماعات والحوارات المكثفة في دول مثل إثيوبيا وكينيا وأوغندا والسنغال، أدركت "ريتا روي" أن شباب القارة الأفريقية بحاجة ماسة إلى فرص أوسع للحصول على التعليم وأدوات مالية متطورة وشبكات دعم فعّالة. وبفضل التعاون مع شركاء من مختلف أنحاء القارة، قامت المؤسسة بتطوير برامج تهدف إلى تمكين الشباب، مع التركيز بشكل خاص على دعم النساء الشابات لاستكمال تعليمهن. إضافة إلى ذلك، عملت المؤسسة على دعم رواد الأعمال الصغار من خلال تسهيل وصولهم إلى التمويل والأسواق المحلية والدولية. ومع مرور الوقت، وسعت المؤسسة جهودها لتشمل تحدي البطالة المنتشر بين الشباب. وبحلول نهاية عام 2023، حققت هذه الجهود نتائج ملموسة، حيث تمكن حوالي 6.6 مليون شاب وشابة من الحصول على فرص عمل، بينما استفاد ملايين آخرون من برامج تدريب المهارات والخدمات المالية التي وفرتها المؤسسة.

لم تكن رحلة "ريتا روي" نحو النجاح سهلة على الإطلاق. فقد نشأت في ماليزيا، وعندما كانت في الرابعة عشرة من عمرها، توفي والدها، مما ترك أسرتها تعاني من ضائقة مالية كبيرة. ومع ذلك، أظهرت والدتها إصرارًا لا مثيل له، إذ رهنت منزلهم، وهو الأصل الوحيد الذي تمتلكه، لتتمكن "ريتا" من الالتحاق بالمدرسة الثانوية في ولاية نورث كارولاينا. وعندما ودعتها، قالت لها والدتها كلمات لا تزال محفورة في ذاكرتها: "أستطيع أن أوصلك إلى هناك، لكن بعد ذلك، ستحتاجين إلى إيجاد طريقك بنفسك". كانت تلك الكلمات نقطة تحول في حياتها، حيث تعلمت من خلالها الاعتماد على نفسها ومواجهة التحديات بشجاعة وإصرار.

حصلت "ريتا روي" على منحة دراسية للالتحاق بكلية سانت أندروز بريسبيتيريان (المعروفة الآن بجامعة سانت أندروز). ومع ذلك، لم تعتمد فقط على المنحة، بل عملت في عدة وظائف، بما في ذلك العمل في كافيتيريا الكلية، لتوفير المال اللازم لدعم دراستها. تقول روي: "القيمة الأهم بالنسبة لي كانت دائمًا هي التواضع، وهي صفة تعلمتها من طفولتي". وتوضح فكرتها بالقول: "سواء كان الأمر متعلقًا بشخص يمتلك سلطة كبيرة أو مؤسسة ذات ثروة هائلة، فإن التواضع والوعي الذاتي أمران أساسيان. يجب أن نتحلى بالقدرة على الاعتراف بأن هناك دائمًا أمورًا نجهلها ونحتاج إلى تعلمها." وأضافت روي: "هذا ليس مجرد تواضع، بل هو أسلوب ذكي لإدارة الذات. فالاعتراف بوجود ما يمكن تعلمه يفتح آفاقًا جديدة للنمو والتطور، سواء كأفراد أو كمؤسسات."

ساعدتها هذه الرؤى في التغلب على العديد من التحديات أثناء بناء المؤسسة. في إحدى الحالات، قدمت منظمة غير حكومية في إحدى الدول اقتراحًا لتنفيذ برنامج تمويل صغير يهدف إلى دعم رواد الأعمال الشباب من خلال منحهم قروضًا منخفضة الفائدة. ولكن، بعد مرور ستة أشهر على إطلاق البرنامج، لم يتم إصدار أي قرض. وعندما زارت "روي" وفريقها البلد لفهم المشكلة، اكتشفوا أن الشباب لم يكونوا بحاجة إلى قروض كما كان متوقعًا، بل كانوا يرغبون في فتح حسابات توفير تتيح لهم بناء مدخراتهم بشكل آمن ومستدام. كان هذا الموقف مثالًا واضحًا على كيفية تأثير الافتراضات المسبقة في حجب الاحتياجات الحقيقية للمجتمع. فبفضل استعداد المؤسسة للاستماع والتكيف مع الموقف، تم تعديل البرنامج ليتناسب مع متطلبات الشباب. ونتيجة لذلك، تعززت العلاقة بين المؤسسة والمجتمع المحلي، مما ساهم في بناء شراكة أقوى قائمة على الثقة والتفاهم المتبادل.

أحيانًا، يتطلب إظهار الضعف وضع الكبرياء جانبًا وتقديم اعتذار عند الضرورة. في إحدى المناسبات، حضرت "ريتا روي" اجتماعًا مع منظمة شريكة لمناقشة برنامجها وكيفية توسيعه. في البداية، بدا الاجتماع يسير بسلاسة، حيث جلس حوالي 20 ممثلًا في دائرة صغيرة تعكس أجواء من الود والانفتاح. لكن، خلال النقاش، قاطع قائد المنظمة الشريكة الحديث بلهجة صريحة قائلاً: "المؤسسة لم تعاملنا كما ينبغي. أنتم تجعلوننا نشعر وكأننا نتسول من أجل المال، وهذا ليس مقبولًا." هذا التعليق كان صادمًا، ودفع "روي" وفريقها للتحقق من الأمر. تبين أن أحد أعضاء مؤسستها لم يكن يستجيب لاستفسارات الشريك بشأن موعد بدء البرنامج، مما تسبب في شعور بالإحباط لدى المنظمة الشريكة. دون تردد، وقفت "روي" ووجهت اعتذارًا صادقًا قائلة: "شكرًا على صراحتك. من حقكم أن تتوقعوا منا مستوى أفضل، وسنتخذ الإجراءات اللازمة لتصحيح هذا الوضع." وبالفعل، وفت المؤسسة بوعدها وأجرت التغييرات الضرورية لتحسين تواصلها مع الشركاء.

استخدمت روي مثل هذه اللحظات كفرص لتشجيع زملائها على التفكير في كيفية حدوث الأخطاء وكيف يمكن تصحيحها بشكل فعّال. وأكدت على ضرورة أن تكون المؤسسة دائمًا واضحة في أفعالها. تقول روي: "من المهم أن نذكر أنفسنا بشكل دوري أنه لتحقيق تأثير كبير، يجب علينا بناء علاقات عمل قائمة على الثقة والإنتاجية مع شركائنا." وأضافت: "هذه هي اللحظات الحاسمة التي تميز النجاح عن الفشل."

هل يجعل الضعف القادة أقوى أم أكثر عرضة للضعف...؟

قد ينطوي إظهار الضعف على بعض المخاطر. إذا لم يتم التعامل معه بشكل مناسب، فإنه يمكن أن يقلل من تأثيرك في أعين البعض. في عالم تشهد فيه الهياكل التنظيمية تغيرات مستمرة، حيث يُتوقع من القادة إظهار التواضع والضعف، يطرح السؤال: كيف يمكن للقادة الحفاظ في نفس الوقت على الاحترام والسلطة؟ على سبيل المثال، في بيئة العمل المفتوحة حيث يتواجد الموظفون معًا، ويشترك الجميع في نفس قواعد اللباس والسلوكيات، قد يصبح من الصعب الحفاظ على الهيبة القيادية. في مثل هذه الظروف، قد تجد أنك تفقد بعض تأثيرك بمرور الوقت. لذلك، من الضروري أن تبرز كقائد من خلال بناء حضورك بشكل فعّال، مما يتطلب منك إيجاد توازن بين إظهار التواضع وبين اتخاذ القرارات الحاسمة التي تحافظ على قيادتك.

يقول "دان فاسيلا"، الرئيس التنفيذي السابق لشركة نوفارتس: "إنه توازن صعب للغاية أن تحققه". ويضيف قائلاً: "القادة اليوم يكسبون الاحترام من خلال إظهار الكفاءة والصدق معًا. هذا لا يعني أنه يجب عليك قول كل ما تفكر فيه، لكن يجب أن تكون أصيلًا. إذا كنت تتمتع بهذا التوازن وتعرف ما تقوم به، سيراك الناس قائد حقًا."

الشفافية ضرورية لتكون قائدًا ملهمًا. لكن مع تطور بيئة العمل، قد يشعر موظفوك الآن براحة أكبر في تحدي أفكارك وآرائك، مما قد يجعلك تشعر بعدم الراحة في بعض الأحيان. يتم توجيه الكثير من التوقعات إليك كما لو كنت شاشة سينمائية، حيث يضع الناس عليها تجاربهم الإيجابية والسلبية مع السلطة. هذا العبء من التدقيق اليومي قد يكون مرهقًا وصعبًا تحمله على المدى الطويل.

من خلال تجربته الطويلة في القيادة، يقدم "فاسيلا" نصيحة قيمة ويقول: "يجب أن تفهم أن الانتقادات التي تواجهها ليست دائمًا موجهة إليك شخصيًا. إنها مرتبطة بما تمثله بالنسبة لهم. فغالبًا ما تكون الانتقادات موجهة نحو المؤسسة أو السلطة التي تمثلها، وليس إليك كفرد، لأن الرئيس التنفيذي هو منصب، وليس شخصًا واحدًا."

التركيز على "من يجب أن تكون عليه" بدلاً من "ما يجب أن تفعله"

عندما تكون في أعلى المناصب القيادية، يتوقع منك الجميع أن تكون حاسمًا ومؤكدًا في قراراتك. يتعين على القادة اتخاذ قرارات صعبة تتعلق بالتوظيف والفصل وتخصيص الميزانيات والترقيات والرواتب، ولا يمكنهم التنازل عن قدرتهم على اتخاذ هذه القرارات المهمة. ومع ذلك، من الضروري أيضًا أن تكون منفتحًا على الآخرين، وأن تكون مستعدًا للاستماع إلى ملاحظاتهم، سواء كانت تحليلية أو عاطفية، قبل اتخاذ هذه القرارات الصعبة. لتحقيق أفضل النتائج، يُفضل أن تتلقى هذه الملاحظات من مجموعة متنوعة من الأشخاص الذين يمتلكون وجهات نظر مختلفة، مما يتيح لك فحص الأمور من زوايا متعددة. هذه الخطوة تساهم في اتخاذ قرارات مدروسة وأكثر توازنًا.

للحفاظ على التوازن في القيادة، يعتمد معظم القادة على قائمة المهام التي يجب عليهم إنجازها لتنظيم يومهم. ولكن، هل يمتلك القائد قائمة أخرى، وهي قائمة تذكره بمن هو كإنسان وكيف يريد أن يتصرف يوميًا في عمله؟ على سبيل المثال، هل يكون القائد مغرورًا أم منفتحًا على آراء الآخرين؟ هل هو عصبيًا أم لطيفًا؟ هل هو جاف عاطفيًا أم يظهر الضعف والتعاطف؟ هذه القائمة الأخرى ترتبط بالصفات الإنسانية التي تحدد أسلوب القيادة، وهي أساسًا تعكس الشخصية الحقيقية للقائد.

حافظ "مايكل فيشر" على التوازن المثالي بين الخصوصية والشفافية أثناء قيادته لمستشفى سينسيناتي للأطفال. عندما تم تشخيصه بالسرطان في عام 2018 واضطر لأخذ إجازة علاجية لمدة ستة أشهر، وجد نفسه في موقف صعب حول كيفية مشاركة الخبر. كان شخصًا يميل إلى الحفاظ على خصوصيته، وكان شعوره الطبيعي هو الابتعاد بصمت للتركيز على العلاج. ولكن مع مرور الوقت، شعر أنه من المهم أن يكون موظفوه وأصحاب المصلحة على علم بما يحدث له. لذلك، قرر "فيشر" أن يشارك الجميع بتفاصيل وضعه الصحي، حيث أرسل رسالة إلى جميع الموظفين والمجتمع ليعلن عن مرضه، ويشرح مدة غيابه المتوقعة. بعدها، نشر فيلمين: في الأول، قدم تقريرًا عن حالته أثناء تلقيه العلاج الكيميائي المكثف، وفي الثاني، أعلن عن تحسن حالته ودخوله في مرحلة الشفاء، مؤكدًا أنه سيعود إلى عمله بعد عدة أسابيع.

يقول فيشر: "من الصعب الحفاظ على العلاقة المتوازنة بين إظهار الضعف والحفاظ على تأثيرك كقائد، ولكننا بشر في النهاية، والأشخاص يفضلون العمل مع أشخاص حقيقيين، وصادقين وأصيلين، يعكسون سلوكيات وقيم الفريق والمؤسسة."


إن الاستفادة من نقاط الضعف الشخصية كطريق نحو الانفتاح وبناء الثقة قد تبدأ بطرح بعض الأسئلة البسيطة. أولاً، هل لدي الشجاعة لأكون صريحًا ومنفتحًا أمام الآخرين؟ وهل أنا مستعد لتحمل خطر الفشل؟ ثم، هل يُنظر إلي فقط كمدير تنفيذي يشغل دورًا محددًا، وإذا كان الأمر كذلك، كيف يمكنني تغيير سلوكي ليتم رؤيتي كشخص حقيقي وليس فقط أمارس دور مهني؟ أخيرًا، هل أمتلك قائمة "ما يجب أن أكون عليه"، التي تذكرني بنفسي وكيف أريد أن أتصرف؟

الضعف ليس نقطة ضعف، بل هو قوة حقيقية. أن تكون ضعيفًا يعني أن تكون على اتصال مع مشاعرك وتعرف كيف توجه هذه المشاعر إلى طاقة إيجابية. كما يعني أن تكون مستعدًا للتأثر بالآخرين أثناء مشاركة آمالك وقلقك بطريقة تدعوهم لدعمك. كما تذكر بروفيسورة جامعة هيوستن والمؤلفة (برينيه براون): "الضعف هو القوة." السر يكمن في معرفة الوقت والمكان والطريقة المناسبة لإظهار الضعف. ولأن الحياة لا تسير دائمًا وفقًا للخطط، فإن الضعف يعني أيضًا أن تكون قادرًا على التعامل مع الفشل بطريقة بنّاءة وتحويله إلى فرصة للنمو والتعلم.

مقتطفات من مقال "رحلة القيادة: كيف يتعلم الرؤساء التنفيذيون القيادة من الداخل إلى الخارج" من تأليف كل من دانا ماور، هانس-فيرنر كاس، كيرت ستروفينك، راميش سرينيفاسان، باتفاق مع بورتفوليو، وهي علامة تجارية تابعة لمجموعة بنجوين للنشر، إحدى أقسام بنجوين راندوم هاوس. حقوق الطبع والنشر © ماكنزي آند كومباني، 2024.


نحتفل في هذه الفترة بالذكرى الستين لمجلة ماكنزي بتدشين حملة تستمر على مدار العام، وتشمل أربعة أعداد رئيسية تناقش موضوعات هامة تتعلق بمستقبل الأعمال والمجتمع. بالإضافة إلى ذلك، ستتضمن الحملة تفاعلات متنوعة، ومجموعات مختارة من أرشيف المجلة، وغير ذلك من المحتوى ذو الصلة. تُعرض هذه المقالة في العدد الثاني من السلسلة، الذي سيخصص لموضوع مستقبل القيادة، والذي سيتم إطلاقه في شهر يناير. يمكنكم الاطلاع على الأعداد الأخرى في السلسلة من خلال الرابط هنا، كما يمكنكم التسجيل في قائمة التنبيهات الخاصة بـمجلة ماكنزي الفصلية ليتم إعلامكم فور نشر المقالات الجديدة.

Explore a career with us