كيف تستفيد المنارات الصناعية من الذكاء الاصطناعي لتحقيق أقصى قدر من القيمة

| مقالة

ملاحظة: إننا نبذل قصارى جهدنا للحفاظ على جميع التفاصيل الدقيقة عند ترجمة المقالة الإنجليزية الأصلية، ونعتذر عن أي جزئية مفقودة في الترجمة قد تلاحظونها من حين لآخر. نرحب بتعليقاتكم على البريد الإلكتروني التالي reader_input@mckinsey.com

تناول المقال الافتتاحي في هذه السلسلة تطور الذكاء الاصطناعي وكيفية استخدامه من قِبل الشركات الصناعية الرائدة في إعادة تشكيل موقع الريادة في قطاع التصنيع. واستعرض المقال أيضًا تسارع وتيرة الثورة الصناعية الرابعة وانتقالها من مرحلة الفهم والتعلم إلى التطبيق العملي. ويتطرق هذا المقال الثاني، وهو أحد ثلاثة مقالات، توظيف تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في أحدث تطبيقات التصنيع اليوم. أما الجزء الختامي، فسوف يتناول القدرات التي طورتها المنارات الصناعية الرائدة الجديدة لاستخدام الذكاء الاصطناعي وتقنيات الثورة الصناعية الرابعة بكفاءة وعلى نطاق واسع.

تُعد المنارات الصناعية (مصطلح يستخدم لوصف المصانع أو الشركات الرائدة في مجال التصنيع وسلاسل التوريد التي تعتمد على التكنولوجيا المتقدمة) روادًا في مجالي التصنيع وسلاسل التوريد، وهي تتجه بشكل متزايد نحو استخدام الذكاء الاصطناعي لتعزيز تحولاتها ضمن الثورة الصناعية الرابعة. في البداية، لم تعتمد سوى نسبة أقل من 20% من حالات الاستخدام الرئيسية في أول ثلاث دورات لشبكة "المنارات العالمية" على تقنيات الذكاء الاصطناعي. لكن الآن، تعتمد 60% من حالات الاستخدام الرئيسية التي نفذها 21 من المنارات الصناعية الجديدة التي أُعلن عنها في ديسمبر 2023 على الذكاء الاصطناعي (الشكل 1). وهذا الأمر لم يكن مفاجئًا: إذ شهدت حالات الاستخدام القائمة على الذكاء الاصطناعي في هذه الدفعة الأخيرة نتائج ملحوظة واستثنائية، منها زيادة معدل الإنتاجية إلى الضعف أو ثلاثة أضعاف، وتحسين مستويات الخدمة بنسبة 50%، وتقليل العيوب بنسبة 99%، وانخفاض استهلاك الطاقة بنسبة 30 %.

الشكل 1
How manufacturing’s Lighthouses are capturing the full value of AI

واستطاعت شركة (سيتيك باسيفيك سبيشال ستيل)، وهي شركة متخصصة في صناعة الصلب في الصين، تحديد عدة تطبيقات للذكاء الاصطناعي ضمن عملياتها الإنتاجية. ومن بين هذه التطبيقات التنبؤ بالآليات الداخلية لأفران الصهر لتحسين معاملات العمليات في الوقت الفعلي، مما أسفر عن زيادة معدل الإنتاج بنسبة 15% وتخفيض استهلاك الطاقة بنسبة 11%. من ناحية أخرى، نجحت شركة "اجيلنت"، الشركة الرائدة في تصنيع معدات العلوم الحياتية في ألمانيا، في تحويل تقنية الرؤية الحاسوبية إلى مجموعة أدوات متقدمة على نحو فعال، وهو ما أتاح لها تطبيق خمس حالات استخدام متنوعة للرؤية الحاسوبية، وبذلك نجحت في خفض نسبة العيوب بمقدار 49% خلال أربعة أشهر فقط.

وتشهد هذه التقنيات تطورًا سريعًا بفضل جهود الشركات التي تهدف إلى تعزيز مستويات الثقة بالتنبؤات والتوصيات التي يقدمها الذكاء الاصطناعي. ونظرًا لتزايد الثقة في هذه النماذج مقارنة بالثقة في المخططين أو المشغلين، تقدم بعض المصانع مثل مصنع الخبز التابع لشركة "موندليز" في بكين نموذجًا للمستقبل، حيث يتحول العمال في الخطوط الأمامية إلى فنيين بدلاً من مجرد مشغلي آلات. ولا يساهم هؤلاء العمال في تحسين معدل الإنتاجية بما يفوق الضعف، بل يساعدون أيضًا في تقليل الفاقد بما يصل إلى 70% وخفض استهلاك الطاقة بنسبة تتراوح بين 10% و25%.

وإذا كانت سرعة تبني أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي في قطاعي البنوك والتكنولوجيا تعطينا أية دلالات، فمن المتوقع أن تتبع المنارات الصناعية هذا النمط قريبًا، حيث تحقق تأثيرات ملموسة على مستوى المصانع. وسوف تكون المعرفة والمهارات وأساسيات البيانات التي طورتها المنارات الصناعية خلال تجاوزها مرحلة التجارب السابقة لتقنيات الثورة الصناعية الرابعة الأخرى ذات فائدة كبيرة لتطبيقات الذكاء الاصطناعي التوليدي. ويتضح هذا بوضوح في مثال شركة "ACG Capsules"، وهي شركة متخصصة في تصنيع الأدوية في مدينة بيثامبور بالهند، حيث طورت الشركة مساعدًا ذكيًا واستخدمته للتفاعل مع اجراءات التشغيل القياسية في أقل من خمسة أسابيع، مما أدى إلى خفض متوسط وقت الإصلاح بنسبة 40%. وعند دمجه مع نموذج تدريبي معزز بالواقع الافتراضي، انخفض وقت تأهيل الفنيين بنسبة تقارب 40%.

ويتطور الذكاء الاصطناعي بوتيرة سريعة ويؤثر بشكل متزايد، ولا يبدو أن تقدمه سيتباطأ. ولم تعد الشركات الصناعية بحاجة إلى التساؤل حول مدى تأثيره، فقد أثبتت المنارات الصناعية ذلك بالفعل. بدلاً من ذلك، يجب أن يركزوا الآن على المخاطر واللوائح وتعقيدات التنفيذ المسؤول للذكاء الاصطناعي - وهو موضوع مهم يستحق النشر بشكل منفصل. والمنارات الصناعية ليست بمنأى عن هذه المخاطر، ولم تكن متفائلة بشكل مفرط. لكنها اتبعت نهجًا مدروسًا يضمن امتلاك الخبرة والأنظمة والقيادة اللازمة لجني الفوائد الهائلة التي يقدمها تطبيق الذكاء الاصطناعي المسؤول.

وتقدم لنا أحدث مجموعة من المنارات الصناعية خمس رؤى حول ما يبدو عليه الذكاء الاصطناعي الذي يقدم حلولاً رائدة في مجال التصنيع (برجاء الاطلاع على الهامش الجانبي "تقدم المنارات الصناعية خمسة رؤى حول تبني الذكاء الاصطناعي والذكاء الاصطناعي التوليدي الموجه نحو تحقيق النتائج")، ودوره في الثورة الصناعية الرابعة (برجاء الاطلاع على العمودين الجانبيين بعنوان "لماذا يحدد الذكاء الاصطناعي معالم الثورة الصناعية الرابعة؟" و"ما هو الذكاء الاصطناعي التوليدي؟"). سوف يستعرض هذا المقال جميع هذه الرؤى بالتفصيل.

استخدام الذكاء الاصطناعي في جميع العمليات

ركزت تجارب الذكاء الاصطناعي الأولية على خطوات العمليات الفردية، حيث كان نطاق العمل محدودًا والمخاطر منخفضة ووتيرة التكرار أعلى. وحتى اليوم، تُنفذ أكثر من 80% من حالات استخدام الذكاء الاصطناعي في المنارات الصناعية على مستوى خطوات العمليات. والجدير بالذكر أن الذكاء الاصطناعي يُحدث تأثيرًا كبيرًا في جميع خطوات سلسلة التوريد، بما في ذلك التخطيط وإدارة الأصول والجودة والتسليم.

المزيد من الرؤى والتقارير من ماكنزي باللغة العربية

شاهد مجموعة المقالات الخاصة بنا باللغة العربية، واشترك في النشرة الإخبارية العربية الشهرية

تصفح المجموعة

وتُظهر المجموعة الأحدث من المنارات الصناعية مدى تنوع تأثيرات الذكاء الاصطناعي وعمقها. على سبيل المثال، في مجال التخطيط، استخدمت شركة (انغراسيس) نموذجًا للتنبؤ بالطلب يعتمد على الذكاء الاصطناعي ويستخدم البيانات السابقة لتدريب النموذج؛ مما أدى في إلى زيادة دقة التنبؤ بنسبة 27% خلال ثلاث سنوات فقط. أما في مجال تحسين العمليات، تستخدم شركة (هينجلونج ألفا للبصريات الإلكترونية) نموذجًا يعتمد على الاستراتيجيات السابقة لضبط معاملات القوالب وتحسينها تلقائيًا. وفي مجال الجودة، استخدمت شركة (فيترا كارو) تقنية الرؤية الحاسوبية في أفرانها، مما أدى إلى خفض معدل الخردة بنسبة 68%. أما في مجال التسليم، فقد عملت شركة (الصين لموارد تكنولوجيا مواد البناء) على تحسين مسارات معدات النقل الثقيل على نحو فعال، مما أدى إلى تقليل وقت الاستجابة لحمل البضائع بنسبة 39%.

شكل 2
How manufacturing’s Lighthouses are capturing the full value of AI

تسهيل وصول الجميع للذكاء الاصطناعي من خلال تحويله إلى أصول قابلة للتداول

لتحقيق تحسينات كبيرة بمعدلات تصل إلى 20%، و 40%، وحتى 60% في مؤشرات الأداء الرئيسية مثل الإنتاجية، والجودة، وكفاءة التسليم، كان لزامًا على المنشآت الرائدة، المعروفة بـ "المنارات الصناعية"، أن تتخطى مراحل التجارب الأولية وإثبات المفاهيم وتنتقل إلى مرحلة التطبيق الشامل للحلول عبر جميع الآلات وخطوط الإنتاج. خاضت بعض هذه المنشآت رحلات دامت بين أربع وخمس سنوات لتجربة التقنيات الجديدة، وتعلم استخداماتها، وتوسيع نطاقها. في المقابل، استفادت منشآت أخرى مثل (CATL) في لييانغ بالصين، و(يونيليفر) في سونيبات بالهند، و"جونسون آند جونسون" في شيان بالصين من خبرات المنارات الصناعية التابعة لشركاتها في تصميم حلولها بما يسمح لها بالتوسع من اليوم الأول. طبقت هذه المنشآت تقنيات الذكاء الاصطناعي المتقدمة وغيرها من التقنيات الحديثة على مجموعة واسعة من العمليات، مما سمح لها بتخطي التحديات التقنية الكبيرة التي كانت تواجه أولى المنشآت الرائدة في هذا المجال.

تتجاوز االمنارات الصناعية اليوم مرحلة التجارب الأولية بشكل سريع من خلال التركيز استراتيجياً على مفهوم "تحويل الحلول التكنولوجية إلى أصول قابلة للتطبيق". هذا الأسلوب يعني أنهم يقومون بتصميم وتنظيم حلولهم بطريقة تمكن من نشرها بسرعة وعلى نطاق واسع. كما تتبع صناعات أخرى هذه الاستراتيجية، حيث أظهرت الشركات الرائدة في استخدام الذكاء الاصطناعي قدرة أكبر بنسبة 1.6 مرة على تطوير تطبيقات الذكاء الاصطناعي من الشركات الأخرى، باستخدام برامج تطوير تتطلب القليل من البرمجة أو لا تتطلب أي برمجة، مما يسرع من عملية التطوير بشكل كبير.1

تبرز المنارات الصناعية في قطاع التصنيع كمثال على كيفية تبني الابتكار بفعالية، حيث تستخدم هذه المنشآت مبادئ التصميم المعياري، وهي طريقة تضمن أن التقنيات الجديدة تعمل بسلاسة مع الأنظمة القائمة. بالإضافة إلى ذلك، تستثمر هذه المنشآت في أدوات تسرع من عملية نشر هذه التقنيات، مثل منصات التطوير التي لا تتطلب برمجة معقدة لتخصيص الواجهات. كما أنها توفر مواد تعليمية مثل الفيديوهات التوضيحية والإجراءات التشغيلية القياسية ضمن الحزم التكنولوجية التي توزعها، ما يجعلها سهلة الاستخدام للجميع. بفضل هذه الاستراتيجيات، يمكن للحلول الجديدة أن تتحول من أدوات محلية محدودة النطاق إلى أصول قيمة تستخدم عبر كامل الشركة، ويتم تخصيصها حسب الاحتياجات المحلية.

وهذا ما فعلته شركة (أجيلنت)، حيث نجحت في تطوير مكتبة خاصة بها من حلول الذكاء الاصطناعي، والتي تم تصميمها لاكتشاف الأخطاء والتعامل مع الانحرافات في العمليات الصناعية. وتشتمل هذه المكتبة على أدوات الرؤية الحاسوبية التي تتصل بسهولة مع أنظمة إدارة التصنيع وبرامج الاختبار. بالإضافة إلى ذلك، تحتوي المكتبة على دلائل التشغيل القياسية، ووثائق المستخدم، وأدلة التدريب للمشغلين، مما يجعل هذه الأدوات سهلة الاستخدام للجميع في الشركة. يتيح هذا التوجه للفنيين، وليس فقط للمهندسين، القدرة على استخدام تقنيات الرؤية الحاسوبية بكفاءة، حيث يمكنهم من تحديد المشاكل، وتطبيق الحلول، واختبار التقنيات الجديدة بأنفسهم. كما ساعدت هذه الطريقة (أجيلنت) على تطبيق خمسة حلول جديدة في 57 وحدة عمل و 16 خط إنتاج، مما أدى إلى تخفيض نسبة العيوب بـ 49% في أقل من أربعة أشهر.

آفاق جديدة: استحداث مراكز تحكم لأتمتة النظم بالكامل

لا تعتمد المنازل الذكية فقط على تطور تقنيات التدفئة، والتبريد، والإضاءة على مر القرون، بل تدمج هذه التقنيات بطريقة مبتكرة، وذلك من خلال أنظمة التحكم الذكية، إذ تُدار الظروف المحيطة بشكل أوتوماتيكي، بدءًا من تنظيم درجات الحرارة وصولاً إلى تعديل الستائر وتشغيل المدافئ تلقائيًا. كما تستجيب هذه الأنظمة للأوامر الصوتية لتشغيل الموسيقى المثالية أو تقديم توصيات حول أفضل وقت للخروج للحاق بالمترو. كما تتبع المصانع الذكية نمطًا مماثلًا، حيث يعتمد نجاحها على تكامل التقنيات وتمركز الذكاء الاصطناعي الذي يتحكم في اتخاذ القرارات الرئيسية. هذا يتيح تحسين العمليات الصناعية بكفاءة، مع وضع العاملين على دائرة القرار، بمعنى أنهم يراقبون ويديرون العمليات بدلاً من التدخل المباشر فيها، ما يزيد من الفعالية ويقلل من الحاجة للتدخل البشري المستمر.

أتمتة العمليات المعرفية

تتبع الأتمتة المعرفية مراحل تطور متدرجة، تمامًا كالأتمتة المادية. في المرحلة الأولى، يُستخدم الذكاء الاصطناعي للمساعدة في تشغيل العمليات اليومية بكفاءة. على سبيل المثال، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يضبط تلقائيًا المعلمات اللازمة للعمليات، مثل درجة الحرارة أو سرعة الآلات، بناءً على الظروف الفعلية. وتأتي المرحلة الثانية لتعمق هذا الدور، حيث يبدأ النظام بتقديم اقتراحات لإجراءات تصحيحية عند الحاجة. على سبيل المثال، إذا لم تعمل آلة بالكفاءة المطلوبة، قد يقترح النظام تعديلات لتحسين أدائها أو يقدم حلولاً لمشاكل في المواد الخام. خلال هذه المرحلة، يظل البشر مشتركين في العملية بشكل مباشر، حيث يقومون بمراجعة وتنفيذ هذه الاقتراحات. أما في المرحلة النهائية، تتطور الأنظمة لتصبح قادرة على إدارة نفسها وإصلاح المشاكل بشكل ذاتي، ليصبح دور البشر رقابيًا فقط، ويشرفون على العملية ويتدخلون فقط في الحالات الطارئة.

تمكنت معظم المنارات الصناعية بالفعل من تحقيق الهدفين الأولين من الأتمتة التكنولوجية. وهي الآن تتجه بسرعة نحو تحقيق المرحلة الثالثة، والتي تُعرف بالعمليات الخالية من الإشراف المباشر، أو العمليات ذاتية التشغيل. هذه التكنولوجيا تمكّن المصانع من تحقيق تحسينات غير مسبوقة في الإنتاجية، والجودة، ومستويات الخدمة، وتعد بإحداث تحول جوهري في طريقة إدارة العمليات الصناعية. في هذه العمليات، يُعاد تصور الدور التقليدي للعاملين؛ حيث يتحول الفنيون إلى "مشغلين جدد"، مجهزين بأدوات تقنية متقدمة. لنلقي نظرة على هذا التطور، تقدم كل من شركتي (مونديليز) و (كي-ووتر) أمثلة حية في مراكز التحكم الخاصة بهما للأتمتة المعرفية ( اطلع على العمود الجانبي بعنوان "مراكز التحكم الخاصة بالأتمتة المعرفية: مناقشة نموذجين لمناقشة كيفية تطبيق هذه التكنولوجيا).

بناء الثقة من خلال التدريب

من أجل تحقيق التشغيل الآلي الفعّال على مستوى الأنظمة، يجب أن يقدم الذكاء الاصطناعي توصياته بثقة ودقة عالية، وأن تكون هذه التوصيات موثوقة في كل مرة. وينطبق ذلك على جميع أنواع الذكاء الاصطناعي، سواء كانت الذكاء الاصطناعي التطبيقي أو الذكاء الاصطناعي التوليدي أو غيره من الأنواع القادمة. لمواجهة هذا التحدي، تركز المؤسسات الرائدة، المعروفة بـالمنارات الصناعية، على إنشاء نظام تغذية معرفية لتحسين نماذجها وزيادة مستوى الثقة في التوصيات قبل منح التحكم الكامل للذكاء الاصطناعي. بالإضافة إلى ذلك، تدمج هذه المؤسسات ضمانات السلامة وآليات المراقبة والتحكم الفوري للحد من المخاطر وضمان اتخاذ قرارات آمنة وموثوقة.

هناك طرق متعددة لبناء الثقة في نماذج الذكاء الاصطناعي، وقد عرضت المنارات الصناعية هذا العام العديد من الأساليب لتحقيق ذلك. وتتمثل إحدى الطرق في إعادة تدريب النماذج بانتظام على البيانات التاريخية، حيث يتم مقارنة التوقعات السابقة بقرارات المشغلين البشريين والأداء الفعلي للعملية. ويستمر ضبط النماذج وتحسينها حتى تصل دقتها إلى مستوى يتجاوز أداء الإنسان، أما النهج الآخر، فيعتمد على المحاكاة المتقدمة مثل التوائم الرقمية (Digital Twins) والنماذج القائمة على الذكاء الاصطناعي لمحاكاة تأثير الإجراءات الموصى بها على مؤشرات الأداء الرئيسية، مثل توفر المواد وتلبية احتياجات العملاء وكفاءة الأجهزة. تُساعد هذه المحاكاة في تحسين دقة اتخاذ القرارات دون الحاجة إلى تجارب مكلفة. في النهج الثالث، تُدمج نماذج الذكاء الاصطناعي تدريجيًا من خلال استخدامها كأداة مساعدة للقرارات البشرية. تُمنح قرارات الذكاء الاصطناعي درجات احتمالية تشير إلى مدى توافقها مع قرارات الخبراء البشريين. يقوم المشغلون بعد ذلك بالتصويت على التوصيات المتعلقة بمستويات إعادة تعبئة المخزون أو إجراءات الصيانة، مما يُساعد في تحسين النماذج ديناميكيًا حتى تصل إلى عتبة الثقة المطلوبة وتصبح جاهزة للتشغيل الآلي الكامل.

توسع تأثير ابتكارات الذكاء الاصطناعي التوليدي لتشمل سلسلة القيمة

من المتوقع أن يضيف الذكاء الاصطناعي التوليدي ما بين 2.6 تريليون و4.4 تريليون دولار إلى القيمة السنوية22للاقتصاد العالمي سنويًا. يُعزى ما يقرب من ربع هذا التأثير إلى تحسينات الإنتاجية، التي يمكن أن تتضاعف، وأتمتة المهام المتعلقة بأنشطة التصنيع وسلاسل التوريد بنسبة تصل إلى 70%. يحقق الذكاء الاصطناعي التوليدي هذا التأثير من خلال تقديم قدرات جديدة في توليد المحتوى، واستخلاص الرؤى، وتحسين التفاعل مع المستخدمين. (انظر العمود الجانبي بعنوان " الذكاء الاصطناعي التوليدي والتصميم الهندسي: سيناريو افتراضي).3

نسعى لاستخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي لمساعدة المهندسين الجدد على تعلم القواعد الأساسية بسرعة. فهل يمكننا تمكين المهندسين والخريجين الجدد من أن يصبحوا مصممين مستقلين، بعد ستة أشهر من تعلمهم لأدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي؟"

ني جون، كبير مسؤولي التصنيع في شركة (CATL)، وأستاذ بجامعة شنغهاي. المصدر: فعالية
(Lighthouses Live 2023)

أدركت المنارات الصناعية إمكانات الذكاء الاصطناعي التوليدي وبدأت في استخدامه في المجالات التي تحتوي على بيانات غير منظمة. وتشمل هذه المجالات تطوير المنتجات والمشتريات، حيث يستندون إلى رؤية "ني جون" لاستشاريي التصميم، كما يعملون على تمكين الأفراد من خلال مستشارين تقنيين وروبوتات محادثة تقدم تعليمات حول إجراءات التشغيل القياسية، ومدربين شخصيين، وفيما يتعلق بتطبيق التكنولوجيا، تُستخدم حالات استخدام مثل 'المساعدين المشتركين' لتطوير البرمجيات، وهي من أكثر تطبيقات الذكاء الاصطناعي التوليدي شيوعًا.

تُمكّن حالات الاستخدام هذه من تحقيق التحولات الرقمية بشكل أسرع مما هو متعارف عليه تقليديًا، حيث تستغرق التحولات عادة بين سنتين إلى ثلاث سنوات. لذلك، ليس من المستغرب أن تمتلك جميع المنارات الصناعية الرائدة الجديدة المعروفة بسعيها لتحقيق السرعة وتوسيع نطاق الثورة الصناعية الرابعة، على الأقل مشروعًا تجريبيًا واحدًا للذكاء الاصطناعي التوليدي قيد التنفيذ، بينما يمتلك بعضها أكثر من خمسة مشاريع.

تسريع الانتقال من التجارب التجريبية إلى التطبيق الفعلي للذكاء الاصطناعي التوليدي

في عام 2019، كانت تجارب الذكاء الاصطناعي التطبيقي في الصناعة تقتصر بشكل أساسي على البرامج التجريبية والتطبيقات النموذجية، حيث كانت الشركات تواجه تحديًا في بناء الأساسيات الضرورية من البيانات والتكنولوجيا، وفي تدريب القوى العاملة على المهارات الجديدة المطلوبة، وفي وضع استراتيجيات لتنفيذ الذكاء الاصطناعي بنجاح. ولكن مع تقدم الزمن، تقدمت المنارات الصناعية في استخدام الذكاء الاصطناعي، حيث بدأت بتخطي مرحلة التجارب التجريبية بشكل كامل. ونتيجة لذلك، فإن الوقت الذي أخذت تستغرقه تلك المنشآت الرائدة الجديدة في تنفيذ حالات الاستخدام الجديدة للذكاء الاصطناعي انخفض بنسبة تقارب 25 في المئة مقارنة بالمجموعات السابقة، مما يعني أن الشركات الرائدة الجديدة التي تبدأ في استخدام تقنيات مثل الذكاء الاصطناعي تبدأ من نقطة أكثر تطورًا بكثير مما كانت عليه الشركات قبل خمس سنوات.

في ظل التطورات السريعة والمستمرة في مجال التكنولوجيا، قامت شركة (ACG Capsules) بخطوة متقدمة في استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي لتلبية الاحتياجات المتغيرة لمهارات العاملين في قطاع التصنيع. خلال فترة قصيرة لم تتجاوز الأسبوعين، طورت الشركة وأطلقت مساعدًا ذكيًا مبرمجًا للتفاعل مع الإجراءات التشغيلية القياسية والسياسات الداخلية للشركة.

خلال فترة قياسية لم تتجاوز خمسة أسابيع، استطاعت شركة (ACG Capsules) تحقيق نقلة نوعية في إدارة عملياتها من خلال تطبيق مساعد الذكاء الاصطناعي التوليدي. وبعد فترة من التعلم النقلي والتحسين المستهدف، بدأ نحو ثلاثة أرباع الفنيين والمشغلين بالشركة في استخدام هذا النظام لتوجيه وتنفيذ إجراءات الصيانة والامتثال بكفاءة. وقد أدت هذه الخطوة إلى تقليل متوسط زمن الإصلاح وحجم الأعطال غير المخطط لها بنسبة 40%.


تؤكد المنارات الصناعية على الإمكانات الكبيرة التي تكمن وراء الذكاء الاصطناعي في قطاع التصنيع، حيث تستغل تلك الشركات الرائدة التي تقود هذا المجال الفرصة لتعزيز المزايا التنافسية التي طوروها. ولكي تتمكن الشركات الأخرى من اللحاق بهذا التقدم، يتطلب الأمر منها اتخاذ خطوات سريعة ومدروسة لسد الفجوات الحرجة ليس فقط على المستوى التكنولوجي بل أيضًا على المستويات الاستراتيجية والبشرية. يجب على هذه الشركات أن تتحرك بسرعة، فلا وقت لإضاعته في سوق يتسم بالتنافسية الشديدة والتغييرات السريعة

للمزيد من المعلومات حول التقرير الكامل للمنتدى الاقتصادي العالمي الذي تم سرد هذا المقال وفقًا له، الرجاء مراجعة تقرير الشبكة العالمية للمنارات الصناعية بعنوان: "تبني الذكاء الاصطناعي على نطاق واسع وسريع"، نشره المنتدى الاقتصادي العالمي في ديسمبر 2023.

في المقال الختامي بهذه السلسلة، نستعرض ستة قدرات نجحت المنارات الصناعية في تطويرها لاستخدام الذكاء الاصطناعي على نطاق واسع وسريع.

Explore a career with us