نعيش اليوم في عصر الذكاء الاصطناعي المتقدم، حيث يطفو على السطح مفهوم "إدخال البشر في دائرة التكنولوجيا" كحل للمخاوف الشائعة. لكن، ما هو معنى هذا المفهوم بالضبط؟ في إحدى حلقات سلسلة (حوارات ماكينزي حول المواهب)، تناقش البروفيسورة "ميليسا فالنتاين" من جامعة ستانفورد، وينضم إليها كلُ من براين هانكوك وبروك ويدل- شركاء مؤسسة ماكنزي- ولوسيا رهيلي، المديرة العالمية للتحرير، مفهوم الذكاء الاصطناعي المرتكز على الإنسان، حيث يناقشون في هذه الحلقة جوهر الذكاء الاصطناعي، ودوره في تعزيز الأداء، وكيف يمكن لتطبيقه تحويل نظرة الموظفين من الشك والريبة إلى الحماس والتفاعل معه.
تم تعديل هذا النص ليكون أكثر وضوحاً وإيجازًا.
فما هو الذكاء الاصطناعي المرتكز على الإنسان؟
لوسيا رهيلي: في العام الماضي، لاحظنا تزايد انتشار الذكاء الاصطناعي، وبشكل خاص الذكاء الاصطناعي التوليدي، في مجالات الأعمال التجارية والثقافة الشعبية. ميليسا، هل يمكنك شرح مفهوم "الذكاء الاصطناعي المتمركز حول الإنسان؟" ما المقصود بالضبط بهذا المصطلح؟
المزيد من الرؤى والتقارير من ماكنزي باللغة العربية
شاهد مجموعة المقالات الخاصة بنا باللغة العربية، واشترك في النشرة الإخبارية العربية الشهرية
ميليسا فالنتاين: هناك مقاربات متعددة لتصميم الذكاء الاصطناعي، ولكن الفكرة الأساسية هي التركيز على تعزيز القدرات البشرية. وهذا يعني تبني نهج يجعل الذكاء الاصطناعي مركزيًا للإنسان. الذكاء الاصطناعي التوليدي ليس مجرد تجميع بيانات أو نموذج لغوي؛ بل هو أيضًا تكامل للأبعاد الاجتماعية التي تمكّن من استخدامه بشكل فعّال. لذلك، لابد من وجود ترتيبات اجتماعية محكمة لتحقيق الإمكانيات الكاملة التي يوفرها هذا الذكاء.
لوسيا رهيلي: ما الذي تكشفه الأبحاث بخصوص موقف الأفراد تجاه الذكاء الاصطناعي في بيئة العمل؟ هل هناك فعلًا مخاوف حقيقية تجاه تأثيره على الوظائف، سواء كان هذا التأثير محتملًا أو غير محتمل؟
ميليسا فالنتاين: عادةً ما يستوعب الأشخاص بسهولة القدرات التي يقدمها الذكاء الاصطناعي التوليدي. فالفكرة أن يكون لدى كل شخص "مساعد شخصي من الذكاء الاصطناعي" في عمله لا يبدو أنها تشكل خطرًا كبيرًا. ومع ذلك، يبدو أن الصعوبة تكمن في فهم كيفية ارتباط التطورات الحالية - مثل تسريع إنتاج الشرائح أو الإكمال الآلي لرسائل البريد الإلكتروني - بالمخاوف المتعلقة بفقدان الوظائف. هذا هو الجانب الذي يثير القلق الحقيقي، الخوف من مستقبل اقتصادي قد يكون خاليًا من الوظائف. ومن هذا المنطلق، يبدو أن الاعتماد الفردي على الذكاء الاصطناعي ليس مصدر قلق كبير للأشخاص.
في فترة التسعينيات، شهدنا اهتمامًا كبيرًا من خبراء اقتصاد العمل والباحثين المتخصصين في دراسة التقنيات الرقمية الجديدة، خاصة تلك المتعلقة بالإنترنت. كانت النتائج التي وثقها هؤلاء الخبراء تشير إلى أن بعض المهن خضعت لتطوير وتعزيز في مهاراتها، بينما تقلصت مهارات مهن أخرى. ونتيجة لذلك، ظهرت مهن جديدة عبر الإنترنت. يمكننا ملاحظة أن التوقعات التي كانت تنذر بفقدان الوظائف في التسعينيات لم تتحقق بالشكل الذي توقعته السيناريوهات الكارثية. ومع ذلك، لا يمكن إنكار حدوث تحولات جذرية في طبيعة المهن منذ التسعينيات وحتى الآن.
السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: هل سيكون التغيير القادم مستمرًا كما في الماضي، حيث نشهد تغييرات جذرية في شكل المهن ولكن دون فقدان شامل للوظائف في المجتمع؟
التحول من نظرة الشك والريبة إلى الاندفاع والتفاعل
لوسيا رهيلي: كيف يمكننا مواجهة الشكوك والتحديات التي تظهر مع بداية تبني الذكاء الاصطناعي التوليدي في بيئة العمل؟ ما هي الاستراتيجيات أو الأساليب التي يمكن اتباعها للتغلب على هذه المقاومة المبكرة وتسهيل استخدام هذه التقنيات؟
ميليسا فالنتاين: قمت بعمل دراسة في شركة تكنولوجيا بسان فرانسيسكو تُعرف باسم "Stitch Fix". تركزت الدراسة على فريق من قسم علوم البيانات بالشركة، الذي كان يعمل على تطوير تقنيات جديدة ويسعى لتشجيع القوى العاملة في الشركة على استخدامها. بنهاية الدراسة، استطاع الفريق تحقيق قبول واسع النطاق لهذه التقنيات في قسم كبير من الشركة، ونجحوا في إعادة تدريب وتطوير مهارات العاملين لديهم.
ركز الفريق على تحليل أداء القوى العاملة مع الأخذ في الاعتبار أدواتهم في علم البيانات. طرحوا أسئلة مثل: "كيف يمكننا مساعدة الفرق لتحقيق أهدافهم بفاعلية أكبر؟" و"كيف يمكن استخدام قدرات علم البيانات لتحسين التحليلات؟" كان التركيز على استخدام القدرات الجديدة لتحسين العمل. وأعتقد أن هذا النهج هو مفتاح النجاح.
عنصر مهم آخر في نجاح الشركة هو وجود مطور متميز لواجهة المستخدم. هذا المطور الرئيسي قام بإنشاء واجهة مستخدم فعالة ومبتكرة خصوصًا لمشتري أزياء (Stitch Fix). لا تعرض الواجهة فقط صور المنتجات الموجودة في المخزون، بل تتضمن أيضًا جداول بيانات محورية لمساعدة فريق الشراء في اتخاذ قراراتهم بشكل أكثر فعالية. أحد الجوانب الفريدة لهذه الواجهة هو أنها تعرض العناصر المختارة بفقاعات تتغير أحجامها بناءً على حجم العناصر التي يختارها الفريق، مما يسهل تتبع حالة المخزون وتحديثاته بطريقة واضحة ومباشرة.
كان المشترون معجبين للغاية بهذه الأداة، فقد فتحت أمامهم نافذة واضحة على عمل هذه التقنيات، مما جعل من السهل عليهم استكشاف وفهم المدخلات المتاحة لديهم. بل قدمت لهم هذه الواجهة إمكانية استكشاف التوصيات التي تقدمها الخوارزمية بطريقة تفاعلية. كما سمحت لهم بتجربة طرق مختلفة لاتخاذ القرارات بكفاءة. بشكل عام، تم تصميم النظام بأكمله لمنحهم قدرات جديدة وفريدة من نوعها. واجهة المستخدم هذه كانت عنصرًا قويًا في مساعدتهم على استيعاب وتبني التكنولوجيا الجديدة بفعالية.
براين هانكوك: غالبًا ما أبدأ المحادثات مع عملائي حول الذكاء الاصطناعي التوليدي بمناقشة إمكانيات الأتمتة وخفض التكاليف. ولكن مع تطور الحديث، يتجه النقاش نحو الإيرادات المحتملة. أوضح لهم أن هناك فرصة كبيرة لتحسين البيع، والملاءمة بشكل أكثر فعالية مع الأسواق، ومواكبة الاتجاهات بصورة أفضل، وجمع المعلومات من مصادر متعددة لخدمة عملائنا بطريقة أكثر فعالية، مما يؤدي في النهاية إلى زيادة الإيرادات.
ومن ثم تتحول المحادثات من مجرد تقبل الأفكار إلى شعور ملموس بالإثارة والترقب، حيث يدرك الجميع في الغرفة أن هذه القدرات قد تفتح الأبواب لاستغلال فرص سوقية غير مستغلة بالكامل. حينها يبدأ الجميع في التساؤل عما إذا كانت هذه الأدوات الجديدة يمكن أن تكون محركًا حقيقيًا لتحفيز ونمو الإيرادات وتعزيز الحماس لدى الفريق.
ميليسا فلنتاين: نعم، بالتأكيد، هذه طريقة رائعة أحسنت التعبير عنها.
إعادة تقييم الأدوار مع استخدام الذكاء الاصطناعي كأداة المساعد الشخصي "Copilot"
لوسيا رهيلي: ميليسا، هل تعتقدين أن الطريقة التي يرى بها الموظفون أنفسهم تؤثر على استقبالهم للذكاء الاصطناعي؟ أتساءل تحديدًا عن المجالات الإبداعية، حيث قد يُنظر إلى الخوارزميات على أنها تشكل تحديًا للإبداع الفردي والموهبة الطبيعية. أو كما في مجال الموضة، حيث تعتبر الخبرة والبصيرة التي تُكتسب على مر السنين أمرًا ثمينًا وصعب المنال.
ميليسا فلنتاين: نعم، أعتقد أن دور الهوية المهنية في عالم التكنولوجيا الحديثة لا يزال قيد الاستكشاف. هذا يرجع إلى حد كبير إلى أن الكثير من هذه التقنيات جديدة نسبيًا، ولم يكن هناك وقت كافٍ حتى الآن للسماح بتطور وتشكل هويات مهنية جديدة تتوافق مع هذه التغييرات.
تذكرت دراسة مثيرة أجرتها جامعة نيويورك، تناولت كيفية تعلم فريق عمل "ناسا" استخدام منصات الابتكار المفتوح. هذه المنصات تتيح طرح المشكلات على الإنترنت ليقوم أشخاص من خارج المنظمة بحلها. وقد كان هذا النهج بمثابة تحدٍ كبير للعلماء المعتادين على التوصل إلى حلول بأنفسهم. فعلى مدار خمس سنوات، تغيرت هوية علماء "ناسا" من مجرد فريق يعالج ويحل المشكلات إلى أشخاص يسعون لإيجاد حلول من مصادر خارجية.
وخلال فترة عملي في (Stitch Fix)، شاهدت وضعًا مشابهًا. استمرت دراستي لمدة 18 شهرًا، وخلال هذا الوقت لم أستطع تأكيد تطور الهويات المهنية بشكل كامل. ولكن، لاحظت الصراع الذي تحدثت عنه حول الهوية. الناس عادةً يختارون العمل في مجال الموضة لحبهم لهذا المجال، وليس لرغبتهم في العمل مع النماذج الإحصائية. لذا، أفضل مشتري الأزياء كان لديهم خلفية في الموضة، مع علاقات قوية مع البائعين وإلمام تام بأحدث التوجهات في الصناعة.
واجه الأشخاص الذين كان من المقرر أن يستخدموا هذه الأداة التحليلية في مجال الموضة، وهم المشترون، تحديًا في فهم المخاطر والغموض في عملهم. بدأوا يتساءلون كيف يمكنهم تحسين أدائهم وما هي التنازلات التي يجب أن يقدموها. بالنسبة لهم، كان التحدي الأكبر هو الجمع بين معرفتهم كمشترين متميزين في الموضة واستخدام البيانات استراتيجيًا لدعم اتخاذ القرار وتقييم الخيارات الاستراتيجية المختلفة.
براين هانكوك: ما هو تصورك لتأثير فكرة أداة (copilot) على الهوية الشخصية؟
ميليسا فلنتاين: إذا استخدمت أداة (copilot) للقيام بالمهام التي لا تفضل القيام بها بنفسك، مثل إدارة كافة القياسات المالية، فهذا أمر ترحب به. لكن، إذا كنت عاشقًا للموضة وفجأة بدأت أداة (copilot) تتولى تصميم الملابس، كيف سيؤثر ذلك على هويتك؟ وما الذي يعنيه ذلك بالنسبة لك؟
براين هانكوك: هذا مثير للاهتمام. يتبادر إلى ذهني مقال عن أستاذ اللغة الإنجليزية الذي حث طلابه على استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي لتحسين مهارات الكتابة، قائلاً "يجب أن تكون كتابتك أفضل من هذا". وفي الواقع كان هذا بمثابة الأساس للانطلاق كنقطة بداية. فالتبصر والفهم الإنساني هما اللذان يعززان هذه الأسس. بالفعل، تعتبر المجالات مثل التسويق، المبيعات، والاتصالات من بين القطاعات الأكثر إمكانية للاستفادة من تطبيقات الذكاء الاصطناعي.
ميليسا فلنتاين: كما أنني أفكر في أي من منتجاتنا تكون كافية بحالتها الأولية عندما يكون الذكاء الاصطناعي التوليدي هو من قام بتطويرها، وأي منها يحتاج إلى الابتكار الحقيقي والتحسين من خلال العديد من النماذج الأولية، والتفاعل، والفهم البشري، والإبداع؟
بروك ويدل: إذن، كيف نستطيع تطبيق نظرة أعمق للتحيز وفحص تأثيره، في حين أن هناك حاجة إلى تعزيز مهارة التفكير النقدي لدينا، والتي تُعتبر ضرورية للاستفادة القصوى من الذكاء الاصطناعي التوليدي؟
ميليسا فلنتاين: أوافقك الرأي تمامًا. هناك نقطة مثيرة للاهتمام ألا وهي كيفية قياس التأثير. على سبيل المثال، في بحثي الذي أجريته في (Stitch Fix)، كان على المشترين في مجال الأزياء تعلم العمل بشكل كامل ومتكامل مع الخوارزميات لتقييم تأثير حدسهم وقراراتهم.
في هذا السياق، لم يكن الذكاء الاصطناعي هو المسؤول المباشر عن الإنتاج؛ بدلاً من ذلك، كانت الخوارزمية تقدم توصيات مع عرض المؤشرات المتعلقة بها. بينما يتدخل المشترون في هذه التوصيات، مما يؤدي إلى تعديلها. في حين تنبه الخوارزمية، بدورها، المستخدمين تلقائياً بأن تدخلهم ينطوي على تحمل تكلفة معينة - في هذا المثال، دولار واحد من الإيرادات. بعد ذلك، يقيم المشترون ما إذا كانت هذه التكلفة مبررة أم لا. وتساعد هذه العملية في تقييم الأثر المالي للتدخل البشري على الخوارزمية.
إن تعلم كيفية قياس تأثير هذا التدخل البشري على مخرجات الخوارزميات يُعد مهارة أساسية، خاصةً في مجال الذكاء الاصطناعي التوليدي.
الذكاء الاصطناعي التوليدي والثقافة التنظيمية
بروك ويدل: من منظور ثقافي تنظيمي أشمل، عند استخدامي لأداة (Copilot) التي تساعد في اتخاذ قرارات خفض الأسعار، قد ينشأ تساؤل هام ألا وهو: هل سيقلل هذا من احتمالية تواصلي مع أقسام مثل التسعير أو المالية في المؤسسة؟ وهل استخدام هذه الأداة قد يخلق نوعاً من الانفصال أو العزلة داخل المؤسسة؟ تعتبر القيم مثل الثقة والعلاقات الجيدة أموراً حيوية لنجاح أي شركة. فكيف يمكن أن يؤثر استخدام أداة (Copilot)على هذه العناصر الهامة؟
ميليسا فلنتاين: نعم بكل تأكيد، فكر للحظة في كيفية استخدام بعض الشركات للخوارزميات كأدوات لتصنيف البيانات، مثلما يحدث في الأنظمة التفاعلية للعاملين. مثال على ذلك موقع (Tripadvisor)، حيث يتم دمج أنواع مختلفة من التقييمات والبيانات. وعندما تحاول الفنادق فهم تصنيفاتها على (Tripadvisor)، قد تجد صعوبة في تحديد مصدر البيانات المختلفة التي جمعتها الخوارزميات. نتيجة لذلك، يواجهون تحديًا في التعامل مع هذه الخوارزمية الغامضة، محاولين فهم كيف يمكنهم تحسين أدائهم.
استخدمت مثال الفندق لتوضيح كيف يكون الوضع مختلفًا عندما يتلقى الفندق نصائح من مقيم محترف حول ما يحتاج إلى تغيير، مقارنة بالتعامل مع تقييمات على موقع مثل (Tripadvisor). وينطبق هذا النمط نفسه أيضًا على العمال، خصوصًا في سوق العمل الإلكتروني، حيث يُقيّمون بدرجة واحدة تعكس أدائهم. ويجد العديد من الأشخاص صعوبة في تعلم كيفية تحسين أدائهم في ظل هذه الظروف. فماذا يعني أن يكون لديك فقط خوارزمية لتوجهك نحو التحسين بدلاً من وجود مدير محترف يقدم لك الإرشادات؟
براين هانكوك: ما يجعلني أفكر كثيرًا ميليسا هو أن إحدى إمكانيات النماذج اللغوية المتقدمة التي تتمثل في قدرتها على تحليل وتدقيق البيانات والتعليقات غير المنظمة بفعالية، مما يساعد المستخدمين في إعداد قوائم محددة بالمهام المطلوبة.
على سبيل المثال، في سياق الإدارة، يمكن استخدام هذه التكنولوجيا لمعالجة شكاوى الموظفين. تخيل مديرًا يشرف على آلاف الموظفين؛ هنا يمكن للنموذج اللغوي أن يحدد ما إذا كانت شكوى معينة تمثل حالة فردية أو جزءًا من اتجاه عام. من خلال تحليل البيانات المتاحة، ويمكن للتكنولوجيا أن تقدم رؤى سريعة ودقيقة، مثل تحديد شكوى غير مألوفة لا تظهر في مصادر أخرى مثل "Glassdoor" أو الاستبيانات، أو تقديم تلخيص موضوعي للمشكلات الرئيسية المتكررة في استطلاعات الرأي الداخلية ومصادر خارجية مثل "Reddit". هذه التكنولوجيا تعد بتوفير فهم عميق وسريع للمشكلات داخل المؤسسات.
أتساءل إن كان بإمكان مثل النماذج اللغوية الكبيرة تقديم تحليلات مفصلة وتوصيات عملية بناءً على البيانات المتاحة وتحديد الاتجاهات والمشكلات الرئيسية، واقتراح خطوات محددة للتعامل معها؟
ميليسا فلنتاين: ما تدعو إليه وأعتقد أنني محقة فيه هو استخدام جميع المعلومات والعواطف المتوفرة لتعلم واكتشاف أشياء جديدة.
لوسيا رهيلي: هل يشعر الناس بالقلق من أن الذكاء الاصطناعي قد يؤثر على قرارات قسم الموارد البشرية، مثل تحديد من يتم تعيينه أو من يجب أن يُفصل من العمل، استنادًا إلى الشكاوى التي تُكشف عبر الخوارزميات (التقنيات)؟
ميليسا فلنتاين: هناك قلق متزايد من أن الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في مراقبة الموظفين واتخاذ قرارات التوظيف والفصل قد يؤدي إلى مقاومة من قبل الأفراد، نظرًا لأن هذه الأساليب قد تُعتبر غير مراعية للجوانب الإنسانية. في الوقت نفسه، من الممكن أن تتأثر بعض المهن التي تتمتع بدرجة كبيرة من الاستقلالية بشكل أقل بهذه التغييرات، بينما المهن ذات المستويات الدنيا قد تواجه مزيدًا من الرقابة الآلية والإدارة بواسطة الخوارزميات، مما ينطوي على تحديات وتداعيات سلبية مرتبطة بالتحكم الخوارزمي.
على سبيل المثال، حادثة مشهورة ذُكرت في الصحافة تتعلق بسائق تم فصله من قبل نظام آلي ولم يجد سبيلاً للطعن في القرار. عجز السائق عن التواصل مع قسم الموارد البشرية لاستيضاح الأمر. ويعكس هذا الموقف بوضوح المقاومة المتزايدة ضد استخدام الأتمتة في اتخاذ قرارات مصيرية بالمؤسسات.
بروك ويدل: في حين يُنظر إلى الذكاء الاصطناعي التوليدي في كثير من الأحيان كأداة للتحكم والرقابة، يوجد منهج آخر يستخدم هذه التقنيات لتمكين الموظفين وتحفيزهم بطرق مبتكرة. هذا الأسلوب يهدف إلى تحويل العمل من مجرد مهام مرهقة إلى مسار يؤدي إلى النمو والازدهار المهني.
تسعى إحدى المؤسسات التي أعمل معها لإنشاء ما يمكن وصفه بنموذج تشغيل إداري مستحدث. يعتمد هذا النموذج على تحليل بيانات الأداء اللحظية للمؤسسة ودمجها مع أفضل الممارسات الإدارية التي تعزز الإنتاجية الجماعية. ومن أجل تحقيق ذلك، من الضروري تطوير استراتيجيات لكسب دعم الإدارة، وتحفيز الموظفين على القبول والتفاعل، وضمان أن يكون التأثير متبادلاً. هذا النهج ليس فقط جزءًا من الخطة، بل يهدف أيضًا إلى تشجيع الموظفين على الارتقاء بأنفسهم.
هذه الرؤية تحمل إثارة كبيرة، ولكنها تتطلب التنقيب والتغلب على العديد من التحديات لتصبح وسيلة لتمكين الموظفين، لا للسيطرة عليهم.
مستقبل التصميم التنظيمي
براين هانكوك: أنا متحمس لفكرة استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي في تحسين الأدوار الإدارية. لنتفحص الأنشطة التي يجدها المدراء مزعجة أو غير مفضلة ونستعين بالذكاء الاصطناعي للتقليل من هذه المهام الإدارية. أود أن أعرف رأيكم في كيفية استخدام التصميم الذكي لتقليل الأعمال التي تثقل كاهل المدراء وتسبب لهم إحباطًا.
ميليسا فلنتاين: تبدو الفكرة الجديدة المتمثلة في تطبيق التفكير التصميمي بالتزامن مع الذكاء الاصطناعي التوليدي لتقييم عمل المدراء المتوسطين ذكية جدًا. حاليًا، يركز الكثير على اتخاذ القرارات في المستويات الأمامية، مثل الأطباء أو المتخصصين الآخرين كمشتري الأزياء والتجار، وكذلك في مجالات مثل خوارزميات التسعير. لكن المثير للاهتمام هو أن المدراء غالبًا ما يتخذون قرارات بشأن التصميم التنظيمي، وهذا النوع من التصميم ليس علمًا بقدر ما هو فن. لذلك، إذا بدأ المدراء في الاعتماد بشكل أكبر على البيانات أو تبني منهج تجريبي في قراراتهم التنظيمية، فقد يفتح ذلك آفاقًا لإمكانيات مثيرة. سيكون من المثير متابعة هذا التطور.
لوسيا رهيلي: ميليسا، فيما يتعلق بمسألة التصميم التنظيمي، أضرب لي مثالًا حول الأسلوب والطريقة التي قد يغير بها الذكاء الاصطناعي أو الذكاء الاصطناعي العام طريقة عمل موظفي الشركات؟ وهنا يدور في خاطري، التجارب التي تم إجراءها على فرق العمل والمؤسسات المؤقتة.
ميليسا فلنتاين: كانت الشركات تقوم بمهمة ما مع الفرق المؤقتة، وكان البوت الآلي يقدم توصية بشيء جديد يجب عليهم تجربته، مثل اتخاذ قرارات أكثر مركزية، أو المشاركة أكثر في اتخاذ القرارات، أو شيء من هذا القبيل باعتبارها تدخلات صغيرة.
بمرور الوقت، تمكنا من مساعدة الفرق على تجربة التوصيات التي قدمها الذكاء الاصطناعي لهم، وأظهرنا أن الفرق التي حصلت على توصيات محددة بشأن الهيكل التنظيمي لها، كان أداؤها أفضل مقارنة بالفرق الأخرى. وفيما يتعلق بتشكيل وتعيين فرق مؤقتة في مشروع ما، يمكن للبرنامج الذكي أن يتنبأ بالحاجة إلى أدوار مختلفة لإنجاز ذلك المشروع، ثم يبحث عن أشخاص مناسبين في سوق العمل ويقوم بتشكيل الفريق تلقائياً بناءً على المهارات المطلوبة. كما يمكن لهذا البرنامج تنظيم عمل الفريق مع مرور الوقت: على سبيل المثال، أن يظهر لكل عضو من يجب أن يسلم العمل بعد الانتهاء منه وفي أي وقت، وأين يتم رفع العمل المنجز، ومن هو المشرف على المشروع، وغير ذلك من التفاصيل التنظيمية.
براين هانكوك: هل تعتمدون بشكل كبير على أسواق العمل المستقلة والفريلانس لاستقطاب الفرق المؤقتة هذه؟ أم أن هناك طرقًا أخرى تستخدمونها للوصول إلى سوق العمل وتشكيل تلك الفرق؟
ميليسا فلنتاين: لقد أجرينا أبحاثًا مع شركات تستخدم فرق مؤقتة من موظفيها. في الماضي كان من الأسهل استخدام أسواق العمل الخارجية لأنها متاحة عبر الإنترنت، ولديها منصات ذكية جدًا. ولكن ما زلنا نستطيع تشكيل تلك الفرق داخليًا ضمن شركة كبيرة ومن موظفيها.
خصوصية البيانات والمخاطر الأخرى
لوسيا رهيلي: كل ما نناقشه يدور حول البيانات، وانتشار البيانات بسرعة كبيرة. إذاً، كيف تقومون بتقييم مخاطر خصوصية البيانات في سياق الموارد البشرية والتوظيف؟
بروك ويدل: يتم تناول هذا الموضوع بنسبة 100% من مناقشاتي حول بيانات الذكاء الاصطناعي التوليدية، وليس فقط من منظور الموارد البشرية، الذي بالطبع يعد مهم جدًا. ولكن حتى في سياق شركة ماكنزي، حيث يوجد أشخاص يقدمون الاستشارات للشركات المنافسة. كيف يمكن تقسيم البيانات بعناية؟
كيف يمكن تصنيف البيانات بطريقة تجعل بعضها قابلاً للنقل والمشاركة، والبعض الآخر غير قابل لذلك؟ من الذي يتخذ هذا القرار؟ وكيف يمكن تطبيق ذلك على المستوى العالمي في العديد من الدول؟ إنها معضلة معقدة للغاية يفكر فيها الكثيرون بالفعل، ولكنها أساسية للاستفادة من الذكاء الاصطناعي التوليدي والتأثير الإيجابي الناتج عنه.
ميليسا فلنتاين: بالتأكيد. حتى مجرد أسئلة المدخلات التي يكتبها الأشخاص تخبرنا شيئًا ما عن الشركة.
بروك ويدل: بالطبع، بنسبة 100%.
براين هانكوك: هذا يجعلني أفكر في المخاطر بشكل أوسع. كما ذكرنا في حلقة بودكاست سابقة، إحدى الأمور التي تقلقني هي خطر أن نصبح أقل إبداعًا وتميزًا. قد لا يكون لدينا الوقت للارتقاء بالحدود وتحقيق إجابات ونتائج استثنائية. هذا هو الخطر غير المتوقع بالنسبة لي.
بروك ويدل: أمر آخر ظهر كثيرًا في المناقشات هو إذا انتقلنا إلى نموذج يتم فيه مساعدتك من خلال خوارزمية أو شريك تعاوني، فهناك مخاوف من فقدان فرص تراكم الخبرات والتعلم من الأخطاء. هناك قيمة في ذلك من ناحية التطور المهني. إذا حصلت دائمًا على هذه المساعدة، فماذا سأفقد كموظف مبتدئ مثلاً؟ قد أفقد فرصة اكتساب رؤى وخبرات قيّمة في المستقبل.
ميليسا فلنتاين: نعم، هناك تراجع في الخبرة البشرية. كلما زادت المساعدة التي نتلقاها من الذكاء الاصطناعي، قلت المرات التي نمر بها لتطوير خبراتنا بشكل مستمر.
لوسيا رهيلي: بالضبط. سؤال أخير: هل ترى أن اعتماد نهج مرتكز على الإنسان يغيّر من طريقة تقييم نجاح أدوات الذكاء الاصطناعي في المؤسسات؟ وما هي الطريقة المُثلى للقيام بذلك؟
ميليسا فلنتاين: دعوني أروي قصة أخيرة توضح التوتر بين مصلحة العمال ومصلحة الشركات في تطبيق الذكاء الاصطناعي. كنا ندرس كيفية تقييم أداء فرق العمل بواسطة الخوارزميات، وأردنا التأكد من أن هذا التقييم مركز على الإنسان بشكل كامل.
فكرنا بإضافة متغير للخوارزمية، وهذا المتغير يراعي الجانب الإنساني، لكن كان هناك موعد نهائي عاجل للشركة التي نتعاون معها، فاضطررنا للتضحية بهذا المتغير مؤقتًا لتحقيق نتائج سريعة.
وهكذا دائمًا ما يفرض الواقع ضغوطه. يجب منح الوقت الكافي لتبني الحلول المثالية المركزة على الإنسان، وإلا سينتصر الجانب العملي على المثالي.
بروك ويدل: أوافق تمامًا على هذا الرأي.
براين هانكوك: هذا يذكرني بالمفاضلة المعتادة بين المدى القصير والطويل. قد تكون هناك مكاسب قصيرة المدى من استخدام الخوارزميات على الفور. ولكن على المدى الطويل، سيؤدي التركيز على الإنسان إلى المزيد من الفرص والاستدامة للمنظمات والمجتمع.
ولكن على المدى الطويل، فإن اتباع نهج يرتكز في آلية عمله على الإنسان سوف يكشف عن المزيد من الفرص للموظفين والعملاء، ويساعد في استدامة المؤسسات، ويساهم أيضًا في فتح أسواق جديدة، ومجموعات جديدة من الفرص، ومجموعات جديدة من الأفكار.
بروك ويدل: نعم، ستكون بطاقة قياس أداء وفوائد الذكاء الاصطناعي مهمة جدًا، لضمان التوازن بين الأداء على المدى القصير والفوائد الإنسانية على المدى الطويل. وإن اقتضى الأمر التحرك ببطء، فالمفاضلة واضحة لصالح المدى الطويل.
ميليسا فلنتاين: أوافق تمامًا على ذلك.