معهد ماكنزي للصحة

البحث عن الذات وعمّا هو أكبر: استكشاف الصحة الروحية

| مقالة

ملاحظة: إننا نبذل قصارى جهدنا للحفاظ على جميع التفاصيل الدقيقة عند ترجمة المقالة الإنجليزية الأصلية، ونعتذر عن أي جزئية مفقودة في الترجمة قد تلاحظونها من حين لآخر. نرحب بتعليقاتكم على البريد الإلكتروني التالي reader_input@mckinsey.com

لمحةٌ سريعة

  • يمكن تعريف الصحة الروحية بأنها السبيل الذي يعثر من خلاله الإنسان على معنى وقيمة لحياته، فهي تُشعرك بحالةٍ من الإرشاد الروحي، والاتصال الدائم بواقعٍ أعمق أو بكيانٍ أكبر من ذاتك. إن اكتشاف هذا المعنى يرتبط بشكلٍ وثيق وقوي بالصحة العقلية والاجتماعية والبدنيّة.
  • بالرغم من أن تقييم الصحة الروحية يختلف باختلاف الأعمار والمناطق الجغرافية، إلا أن نتائج الاستطلاع الذي أجراه معهد ماكنزي للصحة كمحاولةً لفهم وتقييم مجموعةٍ كبرى من أبناء جيل Z في 26 دولة حول العالم أظهرت أن الصحة الروحية أمر مهم للغاية بالنسبة لهم.
  • يمكن لجميع الجهات المعنية، "الاجتماعية والعامة والخاصة"، توفير سُبُل الدعم لأفراد حتى يتمكنوا من العثور على معنىً لحياتهم، وإرشادهم بطريقةٍ أو بأخرى لتحديد قيَمهم الخاصة وأهدافهم. بما في ذلك أصحاب الأعمال، فمن واجبهم تشجيع موظفيهم على فهم المعنى والقيمة فيما يقومون به.

المزيد من الرؤى والتقارير من ماكنزي باللغة العربية

شاهد مجموعة المقالات الخاصة بنا باللغة العربية، واشترك في النشرة الإخبارية العربية الشهرية

تصفح المجموعة

تؤكد الدراسات التي أجراها معهد ماكنزي للصحة، والتي ارتكزت بشكلٍ رئيسي على المفهوم الحديث والشامل للصحة، أن الصحة الروحية باتت جزءٌ لا يتجزأ من الصحة العامة للإنسان، و لا تقل أهميةً عن الصحة البدنيّة أو العقلية أو حتى الاجتماعية. ومع ذلك، فإن وضع تعريفٍ دقيقٍ لها قد يكون أمرًا صعبًا، خاصةً في ظل الربط الذي يقوم به البعض بين الصحة الروحية والدِّين، بينما يربطها آخرون إما بمنظومة القيم الأخلاقية، أو بالسلام الداخلي للإنسان، أو بالتأمل، أو غيرها من العوامل الأخرى التي تختلف باختلاف المجتمعات. وعلى الرغم من وجود هذه التباينات، إلا أن رؤية المعهد للصحة الروحية1 لا ترتبط بالضرورة بالمعتقدات الدينية، بل تتمحور حول مفهومٍ أعمق لمعنى حياة الفرد، ومدى شعوره بالاتصال بما هو أكبر من الذات، وامتلاكه لأهدافٍ ساميةٍ في الحياة. فإن الأشخاص الذين يعملون على تطوير صحتهم الروحية، غالبًا ما يدركون انعكاساتها الإيجابية على صحتهم العامة.

في جميع الأحوال، تظل هناك فروقٌ ملموسةٌ بين الأجيال المختلفة في تقييمهم لأهمية الصحة الروحية. ولعل الاستطلاع الذي قام به معهد ماكنزي للصحة يسلط الضوء بشكلٍ كبير على هذا الجانب، فقد اشتمل على عينةٍ أكبر من المعتاد من جيل Z، بهدف التعمق في التفاصيل الخاصة بهذا الجيل، مع الحفاظ – في نفس الوقت - على تمثيل جميع الأجيال الأخرى، لنتمكن في النهاية بمقارنة نتائجهم معًا. إن هذه الاختلافات الكبيرة والمتنوعة في كيفية فهم الأفراد لمعنى الصحة الروحية، وتأثيرها على الرفاهية العامة2 للإنسان، هي ما صَعّبت من وضع تعريفٍ موحدٍ لها، لذلك ركز الاستطلاع على فهم وتحليل أسباب اختلافات أجوبة المشاركين. لقد اشتملت عينة الاستطلاع على أكثر من 41,000 مشاركٍ من مختلف الأجيال من 26 دولة. وقد أظهرت النتائج أن غالبيتهم ينظرون إلى الصحة الروحية على أنها إما مهمةٌ إلى حدٍ ما، أو مهمةٌ للغاية. وهو ما يتفق مع نتائج استطلاعات معهد ماكنزي السابقة. إن هذا الاستطلاع يُبرز حجم التنوع الكبير في الآراء حول أهمية الصحة الروحية على مستوى العالم. فعلى سبيل المثال، أشار أكثر من 80% من المشاركين من البرازيل وإندونيسيا ونيجيريا وفيتنام، إلى أن الصحة الروحية مهمةٌ جدًا بالنسبة لهم، بينما لم تتخطى نسبة المؤيدون لهذا الرأي من المشاركين في الاستطلاع من أيرلندا وهولندا والسويد 45%. ولذلك فإن إدراك هذا التباين في الآراء حول أهمية الصحة الروحية، يساعد على فهمٍ أوضح للتنوع الثقافي بشكلٍ عام. وهو ما يُعد ضروريًا للأشخاص الذين يعملون في المجالات الاجتماعية العامة أو الخاصة.

علينا الاعتراف بوجود فجوةٍ كبيرة في الأبحاث المتعلقة بفهم وإدراك الأفراد للأبعاد الصحية الأربعة، العقلية، والبدنّية، والاجتماعيّة، والروحية ، ففي الغالب تركز معظم الدراسات الصحة البدنية، بنسبةٍ تصل إلى 75%، بينما لا تتعدى نسبة الدراسات التي تركز على الصحة العقلية 12%، فيما تبلغ نسبة الدراسات المتعلقة بالصحة الاجتماعية 6%، أما الأبحاث والدراسات التي تركز على الصحة الروحية فتأتي في المرتبة الأخيرة، بنسبة لا تتعدى 1% 3. وفي هذا الصدد قام معهد ماكنزي للصحة بإجراء العديد من الاستطلاعات العالمية لمعرفة كيف ينظر الأفراد لأبعاد الصحة الأربعة، وأسباب الفجوات الموجودة فيما بينها. وفي استطلاعٍ حديثٍ شمل موظفين من 30 دولة، أفاد أكثر من نصف المشاركين بأنهم يتمتعون بصحةٍ جيدة بشكلٍ عام، بينما سجلت تقييمات الصحة الروحية لديهم أقل النتائج. وهو ما يدل على الإهمال الشديد لهذا الجانب، فهناك العديد من الأشخاص يواجهون بالفعل صعوبةً في إيجاد المعنى والغاية من وراء حياتهم وعملهم. لذلك من المحتمل أن يتسبب التراجع في مستويات الصحة الروحية لأي شخصٍ في تراجع صحته بشكلٍ عام.

في هذا المقال سوف نستعرض مجموعةً من آراء المشاركين من مختلف الأجيال، ممن شاركوا في استطلاع ماكنزي العالمي لجيل Z. والذي بحث في أهمية الصحة الروحية لهذا الجيل، وكيف يرونها مع اختلاف أعمارهم وبلدانهم، كما نستعرض أيضًا أهمية مساعدة الأفراد في العثور الهدف والغاية من حياتهم. وستكون البداية بمحاولة فهم كيف تتداخل الصحة الروحية مع الجوانب الصحية الأخرى لهذا الجيل وخاصةً عند انتقالهم إلى مرحلة البلوغ، وذلك بهدف تنمية وتطوير قدراتهم على التحمل والمرونة من أجل تحقيق الرفاهية الشاملة.

ففي التوقيت الذي يُظهر فيه أبناء جيل Z ممن يتمتعون بصحةٍ روحية جيدة أداءً جيدًا على صعيد جميع الأبعاد الصحية (العقلية، الجسدية، والاجتماعية). يواجه آخرون ممن يعانون من ضعفٍ في الصحة الروحية، العديد من الصعوبات، كما هو موضح في (الشكل 1). إن أولئك الذين أفادوا بأن حالتهم الروحية ليست بجيدة، كانوا أقل احتمالًا بما يصل إلى أربع مرات للقول بأن صحتهم العقلية جيدة أو جيدة جدًا، وذلك عند مقارنتهم بأولئك الذين أفادوا بأن حالتهم الروحية طبيعية أو جيدة. بالإضافة لذلك، فإن الأفراد من ذو الصحة الروحية الضعيفة أقل احتمالًا بحوالي مرتين للإبلاغ عن صحةٍ اجتماعيةٍ أو بدنيةٍ جيدة.

1
In search of self and something bigger: A spiritual health exploration

لم يكن الاستطلاع الذي أُجري على جيل Z، هو البحث الوحيد الذي استهدف الكشف عن العلاقة بين الصحة الروحية والأبعاد الأخرى للصحة، وإنما سبقه العديد من الدراسات الأخرى التي بحثت في نفس الموضوع4. ولعل النقاش المتزايد حول كيفية دمج الصحة الروحية في الرعاية الطبية الشاملة، يعكس الاعتراف المتنامي بأهميتها5. بما في ذلك انعكاس المعتقدات الروحية على الصحة العقلية. فقد أثبتت بعض الدراسات التي أجريت في هذا المجال أن الأشخاص الذين يتمتعون بدرجاتٍ عاليةٍ من الروحانية، يعانون من أعراضٍ اكتئابيه أقل. وتحسن في صحتهم النفسية والجسدية بشكلٍ عام، بالإضافة لتقلص مشاعر القلق والخوف من فكرة الموت، والتي غالبًا ما تنتاب العديد من كبار السن.6

وكما ذكرنا سابقًا، فإن جميع الدراسات تشير إلى الارتباط القوي بين الصحة الروحية والصحة البدنية، بما يعني أن التحسن في أحدهما يمكن أن يؤثر إيجابيًا على الآخر. وهو ما رصدته دراسةٌ متخصصةٌ تم إجراؤها في الولايات المتحدة عام 2011، أكدت على أن 41% من المرضى يرغبون في مناقشة قضاياهم الدينية أو الروحية أثناء إقامتهم في المستشفى7. وهو ما أظهرته دراسةٌ أخرى أجريت في إيران عام 2017، أكدت أن كبار السن ممن يمارسون السلوكيات الروحية ويتمتعون بصحةٍ اجتماعية جيدة، يُظهرون قدرةً أكبر على الاعتناء بأنفسهم، مما يدعم استقلاليتهم ويرفع من جودة حياتهم.8

وبالعودة لأبناء جيل Z ، فبشكلٍ عام، أفاد المشاركون منهم في الاستطلاع بأنهم يواجهون تحدياتٍ كبيرة في الحصول على الصحة الروحية مقارنةً بالأجيال الأخرى. وهو ما كشفته نتائج الاستطلاع، والتي أكدت أن عدد من يعانون من صحةٍ روحية سيئة من أبناء جيل Z يبلغ ثلاثة أضعاف أبناء جيل "baby boomers".9صحة العقل لجيل: Z تأثير التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي"، الصادر عن معهد ماكنزي للصحة، بقلم كلٍ من إريكا كو، أندرو دوي، كانا إنوموتو، وشيريل هيلي، في 28 أبريل 2023.(وهم الأشخاص الذين وُلدوا ما بعد الحرب العالمية الثانية، في الفترة ما بين عامي 1946 و، 1964، ويطلق عليهم أيضًا "جيل الحرب")، كما أنهم أكثر عرضة للاعتراف بعدم وجود غايةٍ ومعنى لحياتهم بثلاث مراتٍ مقارنةً بأولئك الذين يتمتعون بصحةٍ عقلية جيدة، كما هو موضح في (الشكل 2). وللأسف فهذه النتائج لم تقتصر على أبناء جيل Z فقط. وإنما امتدت لغيرهم من المشاركين في الاستطلاع ممن يعانون من صحةٍ عقليةٍ سيئة فهم أكثر عرضةً بأربع مراتٍ للإبلاغ عن عدم وجود معنى لحياتهم، إذا ما قارناهم بأولئك الذين يتمتعون بصحةٍ عقليةٍ جيدة.

2
In search of self and something bigger: A spiritual health exploration

ورغم ما كشفته نتائج الاستطلاع من أن الأفراد الذين لا يتمتعون بصحةٍ روحيةٍ جيدة لا يتمتعون بالتبعية بصحةٍ عقليةٍ جيدة ، إلا أن رؤية الأفراد لهذه العلاقة تختلف من بلدٍ لآخر. ففي إندونيسيا مثلًا، يعتقد 88% ممن شاركوا في الاستطلاع، أن الصحة الروحية الإيجابية تساهم بشكلٍ أساسيٍ في تحسين صحتهم العقلية. في حين أن 15% فقط من المشاركين اليابانيين يوافقون على هذا الرأي.10ولذلك يصعب في بعض البلدان إثبات أن الاستثمار في تحسين الصحة الروحية يمكن أن يحسّن الصحة العقلية.

إن الاستطلاع الذي قام به معهد ماكنزي للصحة شمل 26 بلداً، مما أتاح لنا نظرةً أكثر عمقًا على مواضع الاختلاف بين الأفراد في إدراك معنى الصحة الروحية من منظور إقليمي، كما هو موضح في (الشكل 3). وكمثالٍ على ذلك، فقد أظهرت النتائج 27% من الأفراد الذين يعيشون في اقتصادات ذات دخل مرتفع يرون أن الصحة الروحية مهمة للغاية بالنسبة لهم، في حين ترتفع النسبة المؤيدة لهذا الرأي إلى 43% ممن يعيشون في الاقتصادات ذات الدخل المنخفض أو المتوسط المنخفض.

3
In search of self and something bigger: A spiritual health exploration

كما أنه ليس بالضرورة أن يرتبط مفهوم الصحة الروحية بالدين. فعلى سبيل المثال، أفاد أقل من نصف المشاركين في الاستطلاع من فرنسا وأيرلندا وهولندا والسويد، بأن الصحة الروحية مهمةٌ للغاية بالنسبة لهم. بينما في المقابل، ارتفعت هذه النسبة إلى 85% في أراء المشاركين النيجيريين، ورغم أن كثيرٍ من الناس يقيمون صحتهم الروحية بعيدًا عن العادات الدينية التقليدية، فقد أكدت الغالبية العظمى ممن شاركوا في الاستطلاع، في 21 بلدٍ من أصل 26، أن الصحة الروحية مهمةٌ بالنسبة لهم. ومع ذلك، فإن القليل منهم فقط هم من يمارسون العادات الدينية بانتظام، كالذهاب للقيام بالخدمات الدينية الإيمانية، أو غيرها من الممارسات الدينية المعروفة.

وفي هذا الإطار قام مركز أبحاث" بيو"، بمجموعةٍ من الدراسات الحديثة التي دعمت فكرة وجود منطقةٍ وسطى بين الإلحاد التام، والممارسات الدينية أو الروحية، حيث أظهرت نتائج هذه الدراسات أن ما يقرب من ثلثي المشاركين من الولايات المتحدة ينتمون إلى هذه الفئة الوسطى، وهم من يُعرفون بالملحدين المتدينين (أي أنهم ليسوا بالملحدين تمامًا أو بالمتدينين بشكلٍ كامل). وقد سجلت النتائج التفصيلية أن 17 % منهم ملحدون، و20 % ملحدون بشكلٍ غير مبالٍ، بينما 63 % منهم يصفون أنفسهم بأنهم "لا شيء تحديدًا". وقد قال ما يقرب من نصف "الملحدين المتدينين" إن أسباب كونهم ملحدين، ترجع إلى عدم إعجابهم بالمنظمات الدينية، بينما أبدى ثُلثُهم أسباباً تتعلق بالتجارب السلبية مع أولئك الذين يصفون أنفسهم بالدينيين. وعلى الرغم من أن هذه المجموعة لا تعتبر نفسها متدينةً بشكلٍ تقليدي، إلا أن ما يقرب من نصفهم أقرّوا بأن الروحانية مهمةٌ بالنسبة لهم، لدرجة أن بعضهم يعتبر نفسه روحانيًّا.11

إن الدراسات والأبحاث يمكن أن تساعد في الوصول إلى حالةٍ من الفهم المتعمق للمشاعر والمعتقدات الدينية والروحية المختلفة لدى الأشخاص في بلدان العالم، بما يحقق الصحة الشاملة، ويساعد في تقديم رعايةٍ صحية تتوافق مع احتياجات وتوقعات الأفراد من ذوي الخلفيات الثقافية والدينية المتنوعة.

هذا الفهم المتعمق يحفز على إجراء حوارٍ بناء داخل البيئات الاجتماعية العامة والخاصة، حول العوامل التي تؤثر على الصحة الروحية. كما يمكن لطرح أسئلةٍ محددةٍ مثل "ما هي الطرق التي تتبعها لإيجاد هدفٍ وقيمة في حياتك؟" أو "كيف تساعد الآخرين في اكتشاف معنىً لحياتهم؟"، أن تساعد الأفراد على التفكير بعمقٍ في معتقداتهم وتجاربهم الشخصية، مما يفتح المجال لحوارٍ بناءٍ ومفيد.

ورغم أهمية الوصول إلى الصحة الروحية بالنسبة لجميع الأجيال، لكن يظل هذا الهدف يحظى بأهمية خاصة لدى أبناء جيل Z، اطلع على(الشكل 4). فعند استطلاع آرائهم، وجد الباحثون أن هذا الجيل هو الأقل احتمالاً لإعطاء بياناتٍ إيجابيةٍ حول الصحة الروحية. فقد أفاد أكثر من ثلثي المشاركين من جيل Z، بعدم وجود معنى في حياتهم. كما أنهم كانوا الأقل احتمالاً في العثور على معنى وغاية لأعمالهم أيضًا، ولعل أحد التفسيرات الممكنة لهذه النتائج، هو أن الأفراد في هذه المرحلة من حياتهم يمرون بمرحلة تطويرٍ لإدراك مفهوم الغاية والمعنى. فهذه الفترة من العمر تتسم بالتغيرات الكبيرة والتطور الشخصي، مما قد يجعل من الصعب على البعض العثور على معنى وهدف ثابت في حياتهم. الأمر الذي يستدعي تقديم الدعم لهم بشكلٍ خاص، ومساعدتهم في مسعاهم للعثور على الغاية والمعنى في العمل والحياة.

4
In search of self and something bigger: A spiritual health exploration

ويعتبر معهد ماكنزي للصحة من أوائل المعاهد والجهات البحثية الذي أبدت اهتمامًا بالغًا بدراسة التحديات التي تواجه الأجيال الشابة للحفاظ على صحتهم، كما اهتم المعهد بدراسة كيف يمكن لأصحاب الأعمال لعب دورٍ مهمٍ في تحقيق ذلك عبر مجموعةٍ من الإجراءات التي تعزز من السلوكيات الإيجابية، وتحدّ من السلوكيات السلبية في مكان العمل، مثل توفير بيئة عملٍ داعمة، وإتاحة الفرص للتطور المهني، وتشجيع النشاط البدني. إن هذه السلوكيات وغيرها تترك أثرًا جيدًا على نفوس الموظفين وصحتهم الشاملة. ورغم أن بعض الأفراد قد يجدون في أماكن عملهم الهدف والمعنى من الحياة، يجد آخرون غاية حياتهم في أنشطةٍ أخرى خارج نطاق العمل، كممارسة أنشطةٍ تطوعية في المجتمعات التي يعيشون بها، أو ممارسة أنشطةٍ فنية، أو مشاركاتٍ نقابية، أو الأعمال الخيرية، وما إلى ذلك من أعمال المشاركة المجتمعية.

وفي هذا الإطار أشارت نتائج الاستطلاع إلى أن مكان العمل يمكن أن يكون أحد العوامل التي يشعر فيها الأفراد بحالةٍ إيجابية فيما يخص صحتهم الروحية بشكلٍ عام، اطلع على (الشكل 5). بينما يجد آخرون إشباعهم الروحي خارج نطاق العمل الذي يتقاضون عليه أجرًا. فعلى سبيل المثال، أقر حوالي ثلثي المشاركين في استطلاع ماكنزي من جيل Z أن الاعتبارات الروحية الخاصة بالصحة، مثل وضوح الهدف، وإتاحة الفرص للعمل التطوعي، أمورٌ "مهمةٌ للغاية" أو "مهمة" عند اختيارهم للجهات التي يرغبون بالعمل بها. وبالمثل، أفاد 70% من جيل الألفية (وهم الأشخاص الذين ولدوا تقريبًا بين أوائل الثمانينيات ومنتصف التسعينيات)، و66% من جيل X (وهم مواليد منتصف الستينيات وأوائل الثمانينيات) بنفس الرأي.

5
In search of self and something bigger: A spiritual health exploration

وبالرغم من الأهمية القصوى للعثور على الشعور بالغاية والمعنى في مكان العمل، إلا أن هذا الشعور لا يمكن أن يتخطى العناصر السلبية12 التي قد تتواجد في بيئة العمل، مثل العلاقات السيئة والتنمر بين الزملاء، أو الاحتراق المهني الناتج عن الإرهاق الشديد والتوتر المستمر وعدم الحصول على الراحة الكافية. هذا الأمر قد يجعل بعض الأفراد يُفضلون عدم البحث عن الغاية والمعنى في مكان العمل، واستبداله بالمشاركة في الأنشطة الخيرية أو المجتمعية، كدعم أفراد الأسرة ورعايتهم، أو المشاركة في الأنشطة الدينية أو الروحية كمحاولة للوصول إلى هذا المعنى. ومع هذا، يُعد الاعتراف بأهمية دور بيئة العمل في تعزيز الصحة الروحية خطوةً أساسيةً لتحقيق الصحة الشاملة للموظفين، وهو ما يعتبر حجر الأساس لمستقبلٍ عمليٍ مُشرق.


يمكن اعتبار الصحة الروحية جزءًا من الرفاهية العامة للفرد، لذلك فإن الحصول عليها يعد بمثابة رحلةٍ طويلةٍ تستمر ما استمرت الحياة، كما هو الحال تمامًا مع الصحة البدنية والعقلية والاجتماعية. لذلك فهي تحتاج إلى متابعةٍ ومراجعةٍ دورية ومستمرة. وهو ما أشارت إليه ليزا ميلر، الباحثة في الصحة الروحية ومؤلفة كتاب "العقل المنتبه: العلم الجديد للروحانية وسعينا نحو حياة هادفة "، والصادر عن دار (RandomHouse) للنشر، في أغسطس 2021، عندما قالت "البعض منا يميل أكثر من غيره إلى الشعور بالارتباط الروحي... ولكن بإمكاننا جميعًا تنمية هذه القدرة الطبيعية وبناء عضلاتنا الروحية".

إن الصحة الروحية تتشابه مع الصحة العقلية بشكلٍ كبير، فهي مسألة شخصية تخص كل فرد. وكلاهما يؤثر على الحالة النفسية للإنسان. وفي هذا السياق، يمكن أن يعزز التفاعل والدعم المتبادل بين أفراد المجتمع في اكتشاف الهدف والمعنى في هذه الحياة. وهنا تظهر أهمية دور أصحاب الأعمال في تقديم الدعم اللازم لموظفيهم من خلال مجموعة من الإجراءات التي تساهم في تحقيق هذا الهدف، مثل خلق بيئة عملٍ صحيةٍ وداعمةٍ خالية من الضغوط الزائدة. بالإضافة لتعزيز التوعية والتثقيف بكيفية العثور على الهدف والمعنى من الحياة والعمل، فضلًا عن ضرورة قيام أصحاب الأعمال بتقديم رسائل تقديري مباشرة للموظفين، ذلك الأمر الذي يكون له أثرٍ إيجابيٍ بالغ على الصحة الروحية والنفسية لهؤلاء الموظفين. كما يتعين علينا جميعًا، أن نكثف من جهودنا لمواجهة التحدي الحقيقي، والمتمثل في اعتبار الحالة الصحية وصمة عارٍ لصاحبها، واتخاذ كل ما يلزم لتشجيع المجتمع على إجراء حوارٍ مفتوح حول هذا الموضوع بشكلٍ طبيعيٍ وبدون أي قيود.

في النهاية يجب الانتباه إلى أن الصحة الروحية تلعب دوراً حيوياً في تعزيز الرفاهية العامة للأفراد والمجتمعات. وهو ما يجب علينا الاعتراف بأهميته، لنبدأ حوارًا بناءً حوله، وسُبل تحقيق التوازن والتناغم بينها وبين باقي جوانب الصحة الأخرى. فقد تكون هذه خطوتنا الأولى نحو تحسين صحتنا الشخصية وصحة الآخرين.

Explore a career with us