تشير التوقعات إلى ارتفاع الطلب على الليثيوم من 500 ألف طن متري تقريبًا من مكافئ كربونات الليثيوم في عام 2021 ليبلغ من 3 إلى 4 مليون طن متري في عام 2030، إلا أننا نعتقد أن قطاع الليثيوم قادر على بلوغ مستويات إنتاج تلبي احتياجات قطاع بطاريات أيون الليثيوم المزدهر. ويمكن أن تشكل زيادة معدلات العرض التقليدية من الليثيوم، والتي من المتوقع زيادتها بنسبة تتخطى 300% بين عامي 2021 و2030، إلى جانب تقنيتي الاستخراج المباشر لليثيوم والليثيوم الجاهز للإنتاج، الركائز الأساسية الداعمة لقدرة القطاع على الاستجابة السريعة لارتفاع الطلب. ورغم حداثة عهد هاتين التقنيتين واحتمال تعرضهما للتقلبات بسبب الارتفاع الحاد على الطلب في القطاع ومدة تنفيذهما، إلا أنهما تفتحان آفاقًا واعدة في زيادة معدلات العرض وتقليل بصمة حوكمة الشركات والمسؤولية المجتمعية والبيئية وخفض مستويات التكاليف في القطاع، عدا عن مساهمة القدرة المعلنة الحالية بنحو 10% من الطلب على الليثيوم في عام 2030 إلى جانب عدد من المشاريع المقررة الأقل تقدمًا.
المزيد من الرؤى والتقارير من ماكنزي باللغة العربية
شاهد مجموعة المقالات الخاصة بنا باللغة العربية، واشترك في النشرة الإخبارية العربية الشهرية
عمومًا، لن تكون تلبية الطلب على الليثيوم بالأمر الهيّن، حيث شهدت مبيعات السيارات الكهربائية زيادة بنحو 50% في عام 2020 لتتضاعف في عام 2021 مع بيع 7 مليون سيارة، على الرغم من تأثيرات الجائحة الصحية على قطاع السيارات. وسجلت أسعار أيون الليثيوم ارتفاعًا هائلًا بنسبة تقارب 550% في عام واحد، مدفوعةً بازدياد الطلب على السيارات الكهربائية، حيث تجاوز سعر الطن المتري من كربونات الليثيوم 75 ألف دولار أمريكي، بينما بلغ سعر الطن المتري من هيدروكسيد الليثيوم 65 ألف دولار أمريكي بحلول مارس 2022، وذلك مقابل متوسط خمس سنوات يعادل نحو 14,500 دولار أمريكي للطن المتري.
ويُعد الليثيوم مكونًا ضروريًا لإنتاج جميع بطاريات السيارات الكهربائية والإلكترونيات الاستهلاكية. كما ينتشر استخدام بطاريات أيون الليثيوم في تطبيقات عديدة أخرى بدءًا من تخزين الطاقة وحتى النقل الجوي. وتختلف مكونات كل بطارية تبعًا لمزيج موادها الفعالة، حيث يساهم طرح أنواع بطاريات جديدة في السوق في مفاقمة الشكوك حول تأثير سوق البطاريات على معدلات طلب الليثيوم المستقبلية. ويساهم القطب الموجب المصنوع من معدن الليثيوم على سبيل المثال في تعزيز كثافة الطاقة في البطاريات ويحتوي على نحو ضعف كمية الليثيوم لكل كيلو واط ساعي مقارنةً مع الخلائط الشائعة اليوم والتي تتضمن القطب الموجب المصنوع من الجرافيت.
فهل سيكون إنتاج الليثيوم كافيًا لتغطية الحاجة العالمية مع تنامي الاعتماد على الطاقة الكهربائية؟ وأشرنا سابقًا في مقالة بعنوان "تحدي المواد الخام: الدور الرئيسي لقطاع المعادن والتعدين في تمكين تحول قطاع الطاقة"، إلى مدى أهمية التوصل إلى إجابة مدروسة وفهم كامل لسياق العرض والطلب بالنسبة لجميع الأطراف المعنية على امتداد سلسلة القيمة، بما يشمل شركات التعدين ومصافي النفط وشركات تصنيع البطاريات ومصنعي المعدات الأصلية للسيارات.
عوامل تحفيز الطلب على الليثيوم
تشير توقعات ماكنزي للسنوات العشر القادمة إلى مواصلة النمو في قطاع بطاريات أيون الليثيوم وفق معدل سنوي مركب يبلغ 30% تقريبًا. ويمكن أن تتطلب السيارات الكهربائية ومنظومات تخزين الطاقة والدراجات الكهربائية والأدوات العاملة على الكهرباء وباقي التطبيقات القائمة على استخدام البطاريات مقدار جهد يتراوح بين 4,000 و4,500 جيجاواط ساعي بحلول عام 2030 مما يزيد الطلب على أيون الليثيوم (الشكل 1).
شكّل الطلب من قطاع البطاريات على أيون الليثيوم في عام 2015 نسبة أقل من 30%، بينما جاءت غالبية الطلب من السيراميك والزجاج (35%) والشحوم ومساحيق المعادن والبوليمرات وغيرها من الاستخدامات الصناعية (أكثر من 35%). وتشير التوقعات إلى استحواذ قطاع البطاريات بحلول عام 2030 على 95% من إنتاج الليثيوم مع نمو الطلب السنوي بنسبة تتراوح بين 25% و26% بوصول يتراوح من 3.3 مليون إلى 3.8 مليون طن متري من مكافئ كربونات الليثيوم وفقًا للسيناريوهات المبينة في الشكل 2.
إنتاج الليثيوم المستقبلي
هل يعزز تنامي الطلب على الليثيوم المخاوف حيال معدلات العرض المستقبلية؟ شهد عام 2020 إنتاج أكثر من 0.14 مليون طن متري من مكافئ كربونات الليثيوم والذي ارتفع في عام 2021 ليتجاوز 0.54 مليون طن متري، ما يمثل زيادة نسبتها 32% على أساس سنوي. وتشير تحليلات الحالة الأساسية الراهنة إلى بلوغ الطلب على الليثيوم 3.3 مليون طن متري أو وفق معدل نمو مركب نسبته 25%. ونظرًا لقصر أوقات التنفيذ المتعلقة بإنتاج الليثيوم الجديد يمكننا استشراف إنتاج 2.7 مليون طن متري من الليثيوم في عام 2030؛ ونتوقع تلبية الطلب المتبقي بالاعتماد على توسعة المواقع القديمة والجديدة.
ويأتي معظم إنتاج الليثيوم حاليًا من أستراليا وأمريكا اللاتينية والصين (التي ساهمت مجتمعةً في 98% من الإنتاج عام 2020). ويُرجح أن تساهم المشاريع المرتقبة المعلنة في إضافة لاعبين ومناطق جديدة إلى قطاع تعدين الليثيوم، بما في ذلك أوروبا الغربية والشرقية وروسيا وعدد من أعضاء رابطة الدول المستقلة. ويتعين أن تكون هذه السعة الأساسية المشار إليها كافيةً لنمو العرض بمعدل 20% سنويًا وصولًا إلى 2.7 مليون طن متري من مكافئ كربونات الليثيوم بحلول عام 2030 (الشكل 3).
وتؤكد توقعات معدلات العرض والطلب إلى استقرار القطاع على المدى القصير على الرغم من احتمالية الحاجة إلى توسيع السعة الإنتاجية بحلول عام 2030. وتؤكد التوقعات الحصول على مصادر الليثيوم الإضافية اللازمة لسد النقص في العرض من المشاريع الناشئة في قطاع المعادن التقليدية والمحاليل الملحية، والتي ما تزال مجهولة حتى الآن، والمحاليل الملحية غير التقليدية مثل تلك الناتجة عن مشاريع الطاقة الحرارية الأرضية وحقول النفط. ومن المتوقع أيضًا أن تساهم التقنيات الجديدة مثل الاستخراج المباشر لليثيوم والليثيوم الجاهز للإنتاج في تحفيز الانتعاش ونطاق السعة. ويساعد الشحن المباشر للمواد الخام بدوره في تقليل مخاطر انخفاض مستويات العرض قصيرة الأمد كما حدث في عام 2018 (الشكل 4).
الأصول التقليدية الناشئة
يشهد العالم بأسره جهودًا كبيرة لاستكشاف المخزونات التقليدية من الليثيوم بدءًا من الدول المعروفة في هذا القطاع مثل أستراليا؛ وتشيلي؛ والصين؛ والأرجنتين، وحتى المصادر والاحتياطيات المكتشفة حديثًا في المكسيك؛ وكندا؛ وبوليفيا؛ والولايات المتحدة؛ وأوكرانيا ووصولًا إلى مواقع أخرى جديدة كليًا على هذا القطاع مثل سيبيريا؛ وتايلاند؛ والمملكة المتحدة؛ والبيرو. ونتوقع أن يتم الإعلان عن السعة الإنتاجية الجديدة المحتملة خلال عام 2022 في ظل وضع بعض هذه المشاريع الناشئة قيد التشغيل. وتشمل هذه الإمكانات الجديدة استخدام محاليل ملحية يتراوح تركيزها بين 200 و2,000 جزء في المليون إلى جانب المناجم الصخرية والتي توفر عادةً درجة تتراوح بين 0.4% و1.0% من الليثيوم (الشكل 5).
المحاليل الملحية غير التقليدية (الناتجة عن مشاريع الطاقة الحرارية الأرضية وحقول النفط)
تساهم المخزونات غير التقليدية بتعزيز سعة الإنتاج: مثل المحاليل الملحية الناتجة عن مشاريع الطاقة الحرارية الأرضية وحقول النفط والتي تحتوي على الليثيوم بدرجات تتراوح بين 100 و200 جزء في المليون. وتقدم المحاليل الملحية الناتجة عن مشاريع الطاقة الحرارية الأرضية فائدة مزدوجة من خلال توفير مصدر نظيف للطاقة وموردًا لليثيوم. ورغم عدم التحقق من الجدوى التجارية لكل ما سبق إلا أن بعض المشاريع في أوروبا وأمريكا الشمالية حصلت على الموافقة المالية فضلًا عن عدد من المشاريع الناشئة المرتقبة. ونتوقع في ظل التطور التقني والتحقق من التصورات المسبقة ظهور المزيد من عمليات إنتاج الليثيوم من المحاليل الملحية الناتجة عن مشاريع الطاقة الحرارية الأرضية، ولا سيما مع دعم بعض مصنعي المعدات الأصلية وشركات السيارات أصولًا أقل تطورًا. ويشمل ذلك توقيع كلّ من "مجموعة رينو" و"شركة ستيلانتيس" و"جنرال موتورز" اتفاقيات شراكة استراتيجية واتفاقيات شراء مع مشاريع لاستخراج الليثيوم من مشاريع إنتاج الطاقة الحرارية الأرضية في أوروبا وأمريكا الشمالية.
كما تركز المشاريع في أمريكا الشمالية على استخراج الليثيوم من مياه الصرف في حقول النفط، ما يمكن أن يشكّل مصدرًا إضافيًا شرط وجود التقنيات الملائمة رغم انخفاض درجة الليثيوم فيه.
تقنية الاستخراج المباشر لليثيوم
يتعين تنفيذ تقنية الاستخراج المباشر لليثيوم بطريقة موثوقة بما يكفل الاعتماد على المحاليل الملحية من مشاريع الحرارة الأرضية وحقول النفط كمصدرٍ لليثيوم، حيث تقوم شركات عديدة باختبار منهجيات مختلفة لهذه التقنية. ويعمل هؤلاء رغم اختلاف الأفكار وفق مفهوم أساسي واحد؛ يبدأ بصب المحاليل الملحية فوق مادة ترتبط بالليثيوم باستخدام عمليات الامتزاز (الامتصاص) أو التبادل الأيوني أو الفصل الغشائي أو الاستخلاص عن طريق المذيبات ثم استخدام محلول صقل للحصول على كربونات الليثيوم أو هيدروكسيد الليثيوم.
وبدأت تقنية الاستخراج المباشر لليثيوم تلفت اهتمام الجهات المعنية التقليدية والشركات التي تطور بطبيعة الحال أصولًا ينجم عنها محاليل ملحية قياسية. وتنطوي هذه التقنية على منافع عديدة، بما في ذلك:
- الحد من الحاجة إلى برك التبخير أو الاستغناء عنها كليًا
- تقليل فترات الإنتاج اللازمة مقارنةً مع عمليات المحاليل الملحية التقليدية
- تعزيز نسب الاسترداد من نحو 40% إلى أكثر من 80%
- الحد من استخدام المياه العذبة والتي تمثل أحيانًا عاملًا حاسمًا يؤثر في الإقدام على طلب امتياز التعدين في منطقة تعاني من شح المياه
- تقليل استخدام الكواشف الكيميائية وتعزيز نقاء المُنتج (مثل المغنيزيوم والكالسيوم والبورون) مقارنةً مع عمليات المحاليل الملحية التقليدية
تقتصر حاليًا العمليات التجارية لتقنية الاستخراج المباشر لليثيوم باستخدام الامتزاز على الصين والأرجنتين. ويمكن توسيع نطاق هذه التقنية ونشرها في جميع الأصول التي تنتج محاليل ملحية، بما يساهم في تعزيز سعة الإنتاج الحالية من خلال زيادة معدلات الاسترداد وخفض تكاليف العمليات فضلًا عن تحسين جوانب الاستدامة في العمليات (الشكل 6).
تقنية الليثيوم الجاهز للإنتاج
تهدف تقنية الليثيوم الجاهز للإنتاج، على غرار تقنية الاستخراج المباشر لليثيوم، إلى احتواء معدن الليثيوم ضمن مركب بوليمير ثم استخلاصه في أنبوب تحليل كهربائي وتحويله إلى منتج الليثيوم النهائي. وتشكل هذه العملية في حال نجاحها إضافةً مهمة على معدلات عرض الليثيوم.
الشحن المباشر للخام
يبرز شحن الخام مباشرةً إلى السوق بوصفه خيارًا آخر لسد النقص قصير الأمد في مستويات العرض لدى تأخر إضافة الإمكانات الجديدة. ويمكن توفير الإسبودومين المركّز منخفض الجودة في السوق خلال مدة قصيرة (أقل من عام واحد في الحقول القديمة)، حيث يتم استخدام عوائد المبيعات في إنشاء مصنع شامل لمعالجة الإسبودومين. ويعتبر تحسين عمليات الشحن المباشر للخام أصعب وأكثر تكلفة، إلا أننا شهدنا مثالاً على كيفية تطبيق ذلك في عام 2018، حيث استوردت مصافي النفط الصينية من أستراليا الإسبودومين المُركّز مع نسبة تقل عن 1.5% من أوكسيد الليثيوم (0.7% ليثيوم)، وذلك من أجل تلبية احتياجات السوق؛ واستجابةً لارتفاع الأسعار والنقص الذي تعاني منه.
إعادة الاستخدام وإعادة التدوير
يتساءل كثيرون حول إمكانية إعادة تدوير بطاريات أيون الليثيوم، حيث من المتوقع أن تزداد إمكانية إعادة تدوير البطاريات خلال العقد الحالي وفق مستويات محدودة، نتيجة عمر البطاريات المتوقع بين 10 - 15 عامًا في سيارات الركاب وإمكانية تمديد عمرها من خلال استخدامها في قطاع تخزين الطاقة. ويمكن استرداد الليثيوم وفق نسب تتراوح بين 0% - 80% من البطاريات منتهية الصلاحية حسب عملية إعادة التدوير المستخدمة. وتشير التوقعات إلى مساهمة هذا المصدر الثانوي بحلول عام 2030 بأكثر من 6% من إجمالي إنتاج الليثيوم (الشكل 7).
مخاطر بدائل الليثيوم
يبرز سؤال آخر حول إمكانية إيجاد بديل لليثيوم، حيث تحتوي غالبية تطبيقات تخزين الطاقة بشبكات الكهرباء قائمة تقنيات أكثر أو أقل تطورًا منه يمكنها أداء المهمة، وهي: بطارية تدفق الأكسدة والاختزال من الفاناديوم، وبطاريات الهواء-الزنك، وكبريت الصوديوم، ونيكل الصوديوم وغيرها. وتعجز جميع بدائل الليثيوم اليوم عن تلبية المتطلبات اللازمة في قطاع النقل، حيث أن البديل الأوفر حظًا هو أيون الصوديوم والذي لن يمكن استخدامه إلا في التطبيقات منخفضة الأداء حتى بعد استكمال الأبحاث لتطويره. ويؤكد ذلك قلة مخاطر تراجع الطلب على الليثيوم بحلول عام 2030.
ما هي المرحلة التالية؟
هل يلبّي المخزون العالمي من الليثيوم الطفرة المقبلة في تصنيع السيارات الكهربائية؟ نعتقد ذلك شرط اتخاذ تدابير محددة في جميع مراحل سلسلة توريد الليثيوم:
- تمويل التقنيات الحديثة. يمكن أن تساعد تقنية الاستخراج المباشر لليثيوم في تحفيز إنتاج هذا المعدن من المحاليل الملحية التقليدية، وذلك من خلال تعزيز مستويات الاسترداد وتمكين إنتاج الليثيوم من الأصول التي تختزن الليثيوم مثل المحاليل الملحية الناجمة عن محطات الحرارة الأرضية وحقول النفط.
- استكشاف مشاريع جديدة. وانحصرت 90% من عمليات تعدين الليثيوم في عام 2021 بثلاث دول هي أستراليا وتشيلي والصين. ويمكن أن يساعد توسيع نطاق العمليات نحو مناطق جديدة في تطوير مصادر جديدة للتعدين.
- الاستعداد مبكرًا لمتطلبات المصنّعين. ستتصاعد حاجة القطاع إلى كربونات الليثيوم أو هيدروكسيد الليثيوم وفقًا لمسار تطور تقنيات البطاريات. ويمكن للمستخدمين النهائيين مثل مصنعي المعدات الأصلية وشركات التصنيع بمساعدة الحاسوب تقديم المساعدة من خلال الإشارة إلى مواصفات المنتج والكميات المطلوبة من الليثيوم في مراحل مبكرة، إذ يساهم الإعلان مبكرًا عن هذه الاحتياجات في منح الشركات العاملة في تعدين الليثيوم الوقت الكافي للاستعداد.