كيفية تعزيز مرونة الشركات

| مقالة

ملاحظة: إننا نبذل قصارى جهدنا للحفاظ على جميع التفاصيل الدقيقة عند ترجمة المقالة الإنجليزية الأصلية، ونعتذر عن أي جزئية مفقودة في الترجمة قد تلاحظونها من حين لآخر. نرحب بتعليقاتكم على البريد الإلكتروني التالي reader_input@mckinsey.com

تتميز الشركات المرنة بالقدرة على النهوض من الأزمات والتغييرات أكثر قوة وتقدمًا، من خلال تجاوز الاضطرابات وتحويلها إلى فرص لتحقيق النمو الشامل والمستدام. ويسارع القادة والفرق في الشركات المرنة فور ظهور التحديات إلى تقييم الحالة، وإعادة توجيه جهودهم، وتعزيز الممارسات الناجحة وتفادي الممارسات غير المثمرة.

ولا شك أنه من الصعب تحقيق هذا المستوى من المرونة المؤسسية، لا سيما خلال الفترة الراهنة التي تفرض تحديات عديدة أمام قادة الشركات وموظفي الخطوط الأمامية ووحدات الأعمال، بما فيها، على سبيل المثال، تزامن الحرب في أوكرانيا مع تراجع الأسواق وأزمة كوفيد-19، والتي انعكست في حدوث التسرب الوظيفي الكبير وتفاقم حدة التغير المناخي.

المزيد من الرؤى والتقارير من ماكنزي باللغة العربية

شاهد مجموعة المقالات الخاصة بنا باللغة العربية، واشترك في النشرة الإخبارية العربية الشهرية

تصفح المجموعة

وتنطوي الموجة الأخيرة من التغييرات والاضطرابات على تأثيراتها السلبية الخاصة، حيث يندر عمومًا أن تتزامن التقلبات الاقتصادية مع النقص في المواهب، أو تنتج عن اضطرابات في سلسلة التوريد. ولكن الواقع يحمل معه تغيرات مستمرة على الدوام، ما يتطلب من الشركات الحفاظ على مرونتها. وسيحمل المستقبل دومًا مزيدًا من عدم اليقين والتغييرات التي تدفع الموظفين باستمرار نحو تحقيق النتائج بوتيرة أسرع. ويمكن للشركات التي تركّز على تعزيز مرونتها المؤسسية تحقيق أفضلية طويلة الأمد على نظيراتها، مدفوعةً بالحاجة إلى تخطي الأزمات والسعي إلى اغتنام الفرص.

ويظهر ذلك جليًا في البحث الذي أجرته ماكنزي حول العلاقة بين الصحة المؤسسية للشركات وأدائها المالي خلال فترة أزمة كوفيد-19؛ والذي أوضح بأن الشركات التي اتبعت سلوكيات سليمة ومرنة، مثل مشاركة المعارف ومراجعات الأداء ودعم ابتكارات الموظفين من مختلف المستويات، كانت أقل عرضة للإفلاس مقارنةً بنظيراتها التي لم تتبع مثل هذه الممارسات خلال العامين التاليين لبدء الأزمة الصحية (الشكل).

ويبرز السؤال حول نقطة البداية للشركات الراغبة في تعزيز مرونتها. وأشارت أبحاث ماكنزي، وخبراتها في التعاون مع الشركات لتحسين مرونتها على مدار عدة عقود، إلى ضرورة تعزيز القدرات ضمن أربعة مستويات مختلفة، تشمل:

  • بناء شركة مرنة؛ أي التحول نحو عملية اتخاذ القرارات الجماعية المستندة إلى البيانات بوتيرة أسرع، وتحديد نتائج مُرضية وكافية، الأمر الذي يسهّل على قادة الشركات وفرقهم الاختبار والتعلم والتأقلم مع التحديات المعقدة.
  • تكوين فرق مكتفية ذاتيًا، وقادرة على الإمساك بزمام الأمور وتحمل مسؤولية النتائج، وتحصل على الدعم اللازم لتنفيذ الخطط الاستراتيجية والبقاء على اطلاع على متطلبات العملاء. كما تعتمد هذه الفرق على استراتيجية تحليل احتمال الفشل واستراتيجية ما بعد الفشل وغيرها من آليات التقييم للحصول على المعلومات اللازمة لمواصلة المسار أو الابتكار.
  • توظيف ودعم قادة قادرين على التأقلم، والذين يعتمدون منهجية استباقية لمواجهة الكوارث الطبيعية أو تحركات المنافسين أو تغير هيكليات فرق العمل. ويركز هؤلاء القادة على تزويد فريقهم بالتدريب الكافي خلال أوقات التغيير، كما يحفزون سلوكيات جديدة ويطورون قدرات تهيئ الظروف الملائمة لتحقيق استجابة سريعة ومرونة طويلة الأمد.
  • الاستثمار في المواهب والثقافة، بما يواكب المتطلبات الحالية والمستقبلية. ويمكن للشركات التركيز على تطوير عمليات وفرق وقادة يمتازون بالمرونة لتحقيق مجموعة من المزايا بطريقتين؛ إذ تستقطب مثل هذه البيئات أصحاب المواهب البارزة لأنها تمنحهم آفاقًا أوسع للنجاح، وتحافظ هذه المواهب بدورها على مستويات المرونة المطلوبة.

ويتعين على فرق الإدارة العليا اكتساب هذه القدرات على المدى القصير، والسعي لتحقيقها في نفس الوقت، وهو ما يستلزم تقييم سرعتهم في اتخاذ القرار (والتي يرى معظم المدراء أنها غير كافية)، إلى جانب التحقق من أن نماذج التشغيل القائمة تتيح اتخاذ تدابير سريعة عند حدوث التغييرات أو التقلبات في الأسواق، وتحديد جدوى عروض القيمة للموظفين في استقطاب المواهب "المناسبة".

ويستغرق تحقيق المرونة المطلوبة في الشركات بعض الوقت، بالتالي فإن المبادرة إلى اتخاذ التدابير اليوم سيحقق نتائج مرضية لاحقًا. وأظهرت دراسات سابقة أجرتها ماكنزي بأن فترة الانكماش الاقتصادي الأخيرة شهدت نجاح 10% من الشركات المساهمة العامة المشمولة بالدراسة في تحقيق نجاح أكبر من الشركات الأخرى. وتُظهر النتائج نجاح هذه الشركات المرنة في تحقيق زيادة بنسبة 10% في الأرباح قبل احتساب الفوائد والضرائب والاستهلاك وإطفاء الدين، عند وصول الانكماش الاقتصادي أسوأ فتراته في عام 2009، مقابل تكبد نظيراتها خسائر بنسبة 15%.

المرونة الشاملة في الشركات

أجبرت أزمة كوفيد-19 العديد من الشركات على الإسراع بتعديل استراتيجياتها وعملياتها وعروض القيمة المقدمة للموظفين، في ضوء نقص الإمداد وتغير احتياجات المستهلكين وتغير توقعات الموظفين حول بيئة العمل النموذجية. وأظهرت بعض هذه الشركات رغبتها في استقاء الدروس من هذه التجارب ومواصلة تعزيز مرونتها، بما يتيح لها مواكبة تحديات المستقبل. وتدرك هذه الشركات مدى التباين بين هذه الأزمات أو الفرص، وهو ما يستلزم أنواعًا مختلفة من الهيكليات والموارد وتوظيفها بأشكال وأوقات مختلفة. ووجدت هذه الشركات أساليب جديدة لإنشاء بيئات عمل مرنة تتيح اتخاذ القرارات بفعالية وإدارة الوقت بشكل أفضل، بالإضافة إلى الحفاظ على الجاهزية التشغيلية، بما يشمل تعزيز القدرات الإنتاجية وسلاسل التوريد والأنظمة التقنية وما إلى ذلك.

عمليات اتخاذ القرارات الفعالة نادرًا ما يتم الإعلان صراحةً عن الجهات المسؤولة عن اتخاذ القرارات في غالبية الشركات، ما يؤدي إلى تشتّت الموظفين والفرق للحصول على الموافقات، وينتهي الأمر بتعطيل اتخاذ القرارات المهمة. وتنطوي هذه الناحية على العديد من المشاكل، ولا سيما في أوقات الأزمات أو الاضطرابات، عندما يسعى قادة الشركات إلى اتخاذ القرارات بسرعة وكفاءة، وغالبًا دون إدراكهم لضرورة تحقيق العاملين معًا. فعلى سبيل المثال، من غير المجدي اتخاذ قرار يخص المشتريات سريعًا ثم العودة عنه بعد شهر واحد لأن أحد القادة فشل في الحصول على معلومات تتعلق بهذا القرار من باقي القيادات الوظيفية.

وفي سبيل تسريع وتيرة اتخاذ القرارات، يتعين على القادة التفكير مليًا للتمييز بين مختلف أنواع القرارات المفصلية ومتعددة الجوانب والتفويضية الواجب اتخاذها، فضلًا عن مستوى التعرض للمخاطر، وتعديل منهجياتهم وفقًا لذلك. ويمكن اتخاذ القرارات المفصلية من خلال إنشاء مركز رئيسي أو هيئة لصنع القرار تضم مجموعة من كبار القادة أو الجهات المعنية الرئيسية، ممن بوسعهم الاستجابة للمستجدات بشكل فوري باستخدام بيانات واقعية. ويتولى الرئيس التنفيذي الإشراف على هذه الهيئة، فيما يتحقق باقي أعضاء الإدارة العليا بشكل دوري من اتساقها، كما يتم تفويض الهيئة باتخاذ القرارات اليومية سريعًا.

يجب على قادة الشركات أيضًا تحفيز الموظفين على التساؤل دومًا حول الجهات المخولة باتخاذ القرارات، والقيام وفق مقتضيات كل حالة على حدة بتوضيح المتطلبات التي ينبغي تسليط الضوء عليها، والجهات الواجب استشارتها، والجهات المخولة باتخاذ القرار النهائي. ولنأخذ مثلًا إحدى شركات الطاقة المتجددة، والتي سعت إلى تعزيز مستويات المساءلة والشفافية لديها عن طريق تنظيم جلسات حوارية بين المدراء وموظفيهم لمدة نصف ساعة. وقام المدراء خلال المحادثات بتحديد سلطات اتخاذ القرار ومعايير المحاسبة لكل موظف. وأتاحت الخطوة للشركة تسريع وتيرة اتخاذ القرارات والتأكد من تركيز قراراتها على احتياجات العملاء.

الاجتماعات المثمرة وإدارة الوقت. كشف أحدث استبيانات ماكنزي أن 80% من المدراء التنفيذيين كانوا يعتزمون أو ينفذون بالفعل تغييرات على مستوى محتوى وهيكلية ونمط اجتماعات العمل خلال فترة ما بعد كوفيد-19، بعد التفكير مليًا بالهدف الفعلي لهذه الاجتماعات. وعمدت إحدى شركات السلع الاستهلاكية إلى تقليص مدة الاجتماعات إلى 30 دقيقة أو أقل، حيث يتعين على المشاركين مراجعة المواد مسبقًا كي يتسنى لهم استخدام الوقت في حل المشاكل بدلًا من العروض التقديمية. وخصصت شركات أخرى أيامًا محددة لا يتم عقد الاجتماعات خلالها أو تركز على مهام تدعم الابتكارات، مثل مختبرات تبادل المعارف بين الموظفين وفعاليات الهاكاثون. ولا يجب الاكتفاء بالتركيز على ترتيبات الاجتماعات، بل يتعين على القادة والفرق التفكير جيدًا بشأن ممارساتهم الخاصة لإدارة الوقت والأولويات، والتأكد من أنهم يجتمعون بالأشخاص المناسبين وفي الوقت المناسب، وأنهم يمضون الوقت الكافي مع موظفيهم المباشرين. ويجب على القادة والفرق الحرص على التفكير بهذه الجوانب بصورة مستمرة، مع نهاية وبداية كل مشروع، على سبيل المثال، أو عند تولي مناصب أو مسؤوليات جديدة.

دور الفرق المدعومة والمكتفية ذاتيًا في تعزيز المرونة

يجب أن تحرص الشركات على تحفيز فرق العمل لديها وتمكينها من اتخاذ الإجراءات المناسبة للتعامل مع المعلومات والظروف الجديدة وغير المعتادة. ويمكن للشركات تحقيق المرونة والقدرة على التأقلم عن طريق التفكير بطرق مبتكرة لتنظيم الفرق وإدارتها وتواصلها مع جميع أقسام الشركة. وتحتاج الشركات أيضًا إلى توفير منظومات الدعم التي تتيح للموظفين المشاركة في مناقشات إبداعية، وتبادل الآراء بحرية، والاستفادة من هذه الآراء في تحسين الروتين اليومي، ما يتيح لهم التأقلم مع جميع التغييرات المستقبلية.

يمكن للشركات تحقيق المرونة والقدرة على التأقلم عن طريق اعتماد آليات مبتكرة لتنظيم الفرق وإدارتها.

إدارة الفريق. يحرص قادة الشركات المرنة على الحد من التدابير البيروقراطية وتحفيز روح ريادة الأعمال ضمن الفرق، بدلًا من الاكتفاء بتوجيه الأوامر. وغالبًا ما يتم منح صلاحية اتخاذ القرارات إلى فريق صغير متعدد التخصصات، ويتمتع بتواصل جيد مع قيادة الشركة واطلاع على احتياجات العملاء قدر الإمكان. ويحدد قادة الشركات هدف الفريق والشركة، مع وضع بعض مسارات العمل لضمان المساءلة والاتساق، ثم يتركون للموظفين حرية التصرف. وتوفر منتزهات ديزني خير مثال على ذلك؛ حيث يُعتبر كل موظف عضوًا في الفريق، ويعملون لتحقيق هدف رئيسي في إنشاء تجربة ضيوف متميزة وفق مسارات عمل تشمل، على سبيل المثال لا الحصر، ضمان سلامة الزوار وتحفيز السلوكيات التي تراعي العائلات. ومن جانبها، قامت شركة تصنيع متعددة الجنسيات بتقسيم نفسها إلى آلاف الشركات المصغرة يضم كل منها مجموعة من الموظفين. وتتمتع هذه الشركات المصغرة بحرية التنظيم والتطور، وتتشارك المنهجية ذاتها في وضع الأهداف والتعاقد الداخلي والتنسيق بين الوحدات. وأثمرت هذه النقلة النوعية عن تنمية ذهنية ابتكارية لدى الموظفين.

كما تتمتع الشركات المرنة بالقدرة على إزالة الحواجز بين الفرق المختلفة، واستخدام فرق متخصصة لحل مشاكل الأعمال المعقدة، وهي مجموعات من المتخصصين من مختلف أقسام الشركة يجتمعون معًا بشكل مؤقت للتركيز على مشاكل محددة وحلها، ثم العودة لمزاولة أعمالهم الاعتيادية. فمثلًا، رغبت مؤسسة مالية بتصفية عدد من الأصول المهمة، فجمعت فريقًا مخصصًا يضم أعضاءً من فريق التمويل ووحدات الأعمال بهدف تحديد جميع الخطوات اللازمة وتنفيذها خلال فترة 9-12 شهرًا التالية للحد من التكاليف. ومنح هذا الإجراء قادة المؤسسة فرصة للتركيز على باقي الجوانب المهمة لعملية التصفية.

منظومات الدعم. من الضروري توفير بيئة عمل تتيح مجالًا للخطأ، لأن غيابها يحد من قدرة الموظفين على تغيير سلوكياتهم، ويدفعهم للاستجابة إلى الأزمات والفرص التحولية من خلال إخفاء المشاكل التي تترافق بشكل حتمي مع المشكلات الجديدة، فضلًا عن تفادي المخاطر المرتبطة بالابتكارات والتغييرات، والتردد في طرح الأسئلة. وبالمقابل، تركز الشركات المرنة على السلامة النفسية للموظفين، ما يتيح لهم المخاطرة إلى حد ما على الصعيد الشخصي ومواصلة التعلم. ويحرص قادة هذه الشركات على توفير المجال اللازم للجميع للتعبير عن المخاوف والاعتراضات، وعدم الخشية من ارتكاب الأخطاء، وتعزيز الثقة بالآخرين، ومنحهم التقدير الكافي لمهاراتهم ومواهبهم المميزة. وتتيح هذه العوامل لقادة الشركات اتخاذ تدابير لتحسين الدعم المقدم لموظفيهم.

ويمكن للقادة ابتكار أساليب جديدة لتكريم الأداء المتميز للموظفين أو الفرق، من خلال جوائز الابتكار الشهرية وغيرها من الجوائز التي تكرّم روح المبادرة لدى الموظفين وإنجازاتهم على حد سواء. كما بوسعهم إدراج استراتيجيات تحليل احتمال الفشل وما بعد الفشل في جميع المشاريع، ما يتيح لأفراد الفريق طرح آرائهم أو مخاوفهم واستقاء الدروس من النجاحات والإخفاقات وسط بيئة مفتوحة. وتقوم إحدى المؤسسات المالية بتعيين موظف بصفة مراقب محايد خلال اجتماعات العمل، وذلك بهدف تقديم آرائه حول مدى جدوى الطروحات بعد الجلسة.

القادة القادرون على التأقلم يوفرون البيئة الملائمة لتحقيق المرونة

يسعى القادة القادرون على التأقلم إلى تمكين المرونة المؤسسية، ودعم الفريق، وإرساء أسس المرونة، الأمر الذي يُبرز أهمية تحديد السمات التي تميز هؤلاء القادة وإدراجها في عملية تقييم أداء الشركة، وبالإضافة إلى دعم الجهود التي يبذلها هؤلاء القادة. ويتميز القادة القادرين على التأقلم بالعديد من السمات، تتمثل في القدرة على التعامل مع الأزمات أو المسائل الملحة واستقاء الدروس منها، وتزويد الموظفين والفرق بالتدريب المستمر، وتحفيزهم على السير على خطاهم. كما تتضمن الاعتراف بعدم امتلاك القائد حلولًا لجميع المسائل، والاستعداد لطرح الكثير من الأسئلة.

وتشير تجاربنا إلى أن القادة القادرين على التأقلم أكثر قابلية لاستيعاب الاختلافات الدقيقة في مكان العمل، بدلًا من التعامل مع الأمور في نطاق الصحيح والخاطئ فقط. وأظهر قسم آخر من بحث ماكنزي حول العلاقة بين الصحة المؤسسية للشركات وأدائها المالي خلال فترة أزمة كوفيد-19، أن ميزة القيادة الجريئة تُعد واحدة من أبرز ممارسات الصحة المؤسسية المرتبطة بتحقيق المرونة. وتقوم فكرة القيادة الجريئة على تحفيز الموظفين على الخروج من منطقة الراحة، وابتكار أساليب جديدة للعمل والتفكير لتحقيق الهدف المنشود.

ويتمتع هؤلاء القادة بذهنية منهجية، ويبحثون عن الأنماط والروابط، وهم أكثر قدرة على اكتشاف الفرص وسط الأزمات. ويمكنهم أيضًا رسم مسار معين دون تحديد الوجهة المطلوبة، ويفكرون مليًا قبل تحديد قواعد السلوك التي ترشد الموظفين حول كيفية صنع القرار وتحديد الأولويات وإنجاز الأعمال. كما يعتمد القادة القادرين على التأقلم على الاستماع إلى آراء الموظفين، بشكل شخصي أو خلال الاجتماعات الافتراضية، بما يتيح فهم احتياجاتهم في مختلف مراحل مسيرتهم المهنية في الشركة.

يستفيد هؤلاء القادة أيضاً من الدراسات الاستقصائية وغيرها من الوسائل للحصول على تقييمات فورية حول التغييرات في العمليات والتوظيف وأنشطة التواصل الخارجية وغيرها من أنشطة الأعمال. كما يطرحون ممارسات جديدة وفعالة خلال الأزمات، مع إمكانية تعديلها لمعالجة تحديات الأعمال اليومية، ويحددون مسارًا استراتيجيًا يرتكز على النتائج وتحقيق الهدف بدلًا من مجرد تأدية المهام. لذا عندما ترغب الشركة في اعتماد نموذج أعمال جديد أو إجراء تعديلات بعد الأزمات، يمكن أن يثمر التغيير عن تحقيق مزيد من السرعة والمشاركة في التنفيذ.

وينطبق ذلك على المنهجية التي اتبعتها شركة نورثروب جرومان في مطلع عام 2020 حسبما قالت رئيستها التنفيذية كاثي واردن، حيث أعادت الشركة صياغة السلوكيات السابقة التي شكلت مجموعة القيم التوجيهية فيها. وقالت واردن في هذا السياق: "ربطنا هذه القيم مع سلوكيات القيادة، وزودنا قادتنا بالأدوات والتدريب لمنحهم فرصة تطبيق هذه القيم والسلوكيات وتعزيزها لدى فريقهم. ومنحت هذه الخطوة موظفينا معيارًا ومكنتهم من العمل في نطاق منظومة قيمنا، كما ساعدتنا بمرور الوقت على إحراز التقدم بوتيرة أسرع".

وأخيرًا، يعمل القادة على المحافظة على طاقاتهم وطاقات موظفيهم، ويفضلون رفاه الموظفين عوضًا عن دفعهم للعمل طوال الوقت، ويقدمون نموذجًا يُحتذى للموظفين الذين يعملون تحت الضغط. وأفاد بعض القادة القادرين على التأقلم الذين تحدثنا معهم أنهم يأخذون استراحة للتفكير خلال أيام العمل المزدحمة لخمس أو عشر دقائق، وينظمون الاجتماعات أثناء المشي، أو يخصصون بعض الوقت للتواصل الاجتماعي وتجديد النشاط وحاجات الرعاية الذاتية البسيطة. وأظهرت الدراسات بأن توفير القدوة ينعكس إيجابيًا في جميع أنحاء المؤسسة. وأشار أحد استبيانات ماكنزي حول تجربة الموظفين إلى مساهمة اهتمام الموظفين بصحتهم الجسدية والنفسية في تعزيز كفاءة العمل بنسبة 21% وتفاعل الموظفين بنسبة 46% ورفاهيتهم بنسبة 45%.

المواهب وثقافة العمل ركائز أساسية للعمل اليوم ومستقبلًا

يتعين على الشركات إعادة التفكير بمنهجيتها في إدارة المواهب، والتركيز على عوامل الثقافة الرئيسية بهدف تحقيق استجابة مرنة على المدى الطويل. وتتميز الشركات القادرة على الجمع بين المواهب المتميزة والاستراتيجية المناسبة بقدرة أكبر على التفوق على نظيراتها. ومع ذلك، أظهر أحد أبحاث ماكنزي أن 45% من الشركات تتوقع حدوث نقص في المواهب خلال السنوات الخمس المقبلة، فيما تؤكد النسبة ذاتها من الشركات معاناتها من نقص في المواهب اليوم. ويُضاف إلى ذلك أن الشركات ما تزال تعاني من تأثيرات التسرب الوظيفي الكبير؛ حيث شهدت فترة أزمة كوفيد-19 ترك أعداد غير مسبوقة من الموظفين وظائفهم، كما يطالب العائدون منهم بمستويات أفضل من التعويضات والمرونة وفرص التطور المهني والأهداف في العمل.

حوالي 45% من الشركات تتوقع حدوث نقص في المواهب خلال السنوات الخمس المقبلة وتؤكد النسبة ذاتها معاناتها من نقص المواهب اليوم.

بدأت الشركات المرنة ببناء الهيكليات والإمكانات اللازمة لمعالجة تحديات إدارة المواهب الحالية والمقبلة. وتستثمر هذه الشركات، على سبيل المثال، في قدرات التحليلات لتعيين المواهب وتطويرها والحفاظ عليها بفعالية أكبر، بالإضافة إلى تعديل عمليات التعيين لديها بما يتخطى مصادر المواهب التقليدية، ووضع قوائم مرشحين أكثر تنوعًا، وتبسيط عمليات التقديم وتسريع وتيرة اتخاذ القرار. وتعمد شركات أخرى إلى تمديد فترة إعداد الموظفين الجدد لتغطي الأسابيع التي تسبق استلام المرشحين عملهم رسميًا، بما يضمن عدم قبولهم عروضًا من شركات أخرى خلال هذه الفترة. وتبذل الشركات جهدًا كبيرًا لاكتشاف مهارات الموظفين أصحاب الإمكانات المتميزة لديها والاستفادة منها، والتركيز على الخبرة أكثر من الدرجة الجامعية. كما يدرك المدراء التنفيذيون في بعض الحالات أن شهادات التخصص أو التدريب المهني تُعتبر كافيةً لتلبية متطلبات مناصب محددة.

وتنطبق هذه الناحية بشكل خاص في حالة المواهب في مجال التكنولوجيا. فتوازيًا مع انتشار الأدوات التكنولوجية في جميع الشركات اليوم، أفاد نحو 90% من المدراء التنفيذيين العالميين بأن شركاتهم غير مستعدة للتعامل مع النقص في المهارات الرقمية. ورغم أنه قد يبدو من الصعب المخاطرة بتعيين مرشحين مع خبرات غير مألوفة في وظائف تكنولوجية، أشار بحث أجرته ماكنزي مؤخرًا إلى مدى أهمية الخبرة العملية في تعزيز قيمة رأس المال البشري بمرور الوقت، وقدرة الموظفين من خلفيات أو حتى مجالات عمل متنوعة على إتقان مهارات جديدة. ويساهم التوظيف بناءً على الإمكانات عوضًا عن المؤهلات الأكاديمية في تعزيز فرص الانتقال بين أقسام الشركة، وتحسين ولاء الموظفين وقدرات الشركة على المدى الطويل.

ويتعين على الشركات الساعية إلى تعزيز مرونتها أن تكون واضحة قدر الإمكان حول كيفية تعديل ثقافة العمل وتجربة الموظفين لديها، بهدف منح القيمة للموظفين حديثي التعيين والنجاح في استقطاب المواهب مع ضمان تنفيذ الشركة استراتيجيتها ومهمتها. وتقوم بعض الشركات، على سبيل المثال، بإعادة تقييم حزم التعويضات والمزايا، وإدراج الخيارات التي يرغب بها الموظفون، بما يشمل توسيع نطاق تغطية التأمين لاحتياجات الصحة النفسية، أو رعاية الأطفال أو خدمات المساعدة الشخصية، إلى جانب ساعات العمل المرنة.

وتبذل شركات أخرى جهودًا حثيثة في إعادة بناء رأسمالها البشري، والذي خسرت غالبيته خلال أزمة كوفيد-19 وبعدها. وتُعتبر هذه الشركات رأس المال الاجتماعي عاملًا مهمًا في التطور المهني للموظفين، من خلال اعتماد مؤشرات الأداء الرئيسية المرتبطة بالعلاقات المهنية (مثل المقاييس ذات الصلة بالتعاون والتدريب وإنشاء العلاقات)، عوضًا عن التركيز بشكل كامل على الأهداف العملية. فضلًا عن الاستثمار في برامج تحفز المشاركة في شبكات العلاقات الداخلية والخارجية. وتقوم شركات أخرى بإعادة تصميم مكاتبها لتشجيع التفاعل العفوي بين الموظفين.


سجلت الكثير من الشركات أداءً متعثرًا خلال السنوات القليلة الماضية بفعل الأزمة الصحية العالمية، والصراعات الجيوسياسية، والتغير المناخي، إضافة إلى التوجهات التحولية السائدة مثل التحول الرقمي والعولمة. وتسببت اضطرابات سلسلة التوريد في خسائر قيمتها تريليونات الدولارات للشركات الأمريكية، يُضاف إليها تسرب المواهب بمعدلات غير مسبوقة.

وتبرز في هذه الأوقات الأفضلية الحقيقية للشركات المرنة. فعلى الصعيد الداخلي، تحقق هذه الشركات عوائد مساهمين تتخطى نظيراتها، بفضل استخدام التقنيات الحديثة ودعم العملاء وبناء الشراكات واستقطاب الموظفين والحفاظ عليهم. أما على الصعيد العام، تدعم هذه الشركات الاستثمارات في أعمال جديدة، وتساهم بقوة في الناتج المحلي الإجمالي، وتحسن إنتاجيتها وتتيح الفرصة لتسريع تنقل أصحاب المواهب والمهارات ونموهم. كما أنها تولي أهمية قصوى لتطوير المهارات القيادية بالاعتماد على القادة القادرين على التأقلم، ممن يدعمون تحقيق التغيرات اللازمة في السلوكيات والعقليات المتبعة بهدف تحقيق المرونة المنشودة استجابةً للتغيير.

ويتمتع قادة الشركات المرنة بالقدرة على رؤية الجانب الإيجابي في اضطرابات الأعمال المفاجئة، وبذل الجهود اللازمة في الاستجابة لها، واعتبارها فرصًا سانحة لإجراء تغييرات جوهرية وإيجابية ودائمة على ممارسات الأعمال الاعتيادية.

Explore a career with us