هل يتعين على الشركات قبول الموظفين بناءً على الدرجة العلمية التي يحملونها وحسب؟ تعمل الشركات على إعادة النظر بمنهجيتها المتعلقة برأس المال البشري وإدارة المواهب مدفوعةً بمجموعة من العوامل، مثل تأثيرات جائحة كوفيد-19 والركود الاقتصادي المحتمل وتفاقم مستويات التضخم والتسرب الوظيفي الكبير. وتتجه الشركات اليوم نحو اعتماد مقوماتٍ أخرى غير الشهادات الجامعية والمسميات الوظيفية، مثل المهارات التي يتطلبها العمل ويمتلكها المرشحون للوظائف. وأكّد البحث الذي أجرته ماكنزي بالتعاون مع تحالف تعزيز العمل في الولايات المتحدة تزايد عدد الشركات التي تعتمد هذا التوجه الجديد. ويهدف التحالف إلى مساعدة ملايين الموظفين على الترقية من الوظائف منخفضة الدخل إلى مرتفعة الدخل، بالإضافة إلى تعزيز الحراك الاقتصادي ومستويات المرونة في عمليات الأتمتة.
ويمثل البحث مساهمة غير ربحية مقدمة للتحالف، عملنا خلالها على تقييم الفرص والتطور الوظيفي الفعلي القائم على المواهب الذي حققه الموظفون. واعتمد الفريق على بيانات البحث لإطلاق مجموعة من الأدوات العملية، بما فيها أداة للتطور الوظيفي يستخدمها المدربون المهنيون في المنظمات المجتمعية، مثل منظمة "يونيدوس يو إس" و"الرابطة الحضرية الوطنية" و"منظمة جودويل"، لمساعدة العاطلين عن العمل على تكوين آفاق أفضل في مجال العمل في المستقبل. ويمكن استقاء العديد من الدروس حول متطلبات تطبيق المنهجية القائمة على المهارات بالاستفادة من خبراتنا الواقعية والأبحاث الحديثة الصادرة عن ماكنزي وغيرها من الجهات. فانطلاقًا من استقدام مهارات جديدة وغير تقليدية، ووصولًا إلى إقامة برامج تدريب محسّنة تسهم في الارتقاء بالتطور المهني على المدى البعيد، تشكل هذه المنهجية وسيلةً رئيسيةً لمساعدة الشركات على بناء فرق عمل أكثر شمولًا.
المنهجية القائمة على المهارات تدعم الشركات والموظفين على حدٍ سواء
تواجه الشركات العديد من العوائق التي تحول دون اعتماد ممارسات التوظيف القائمة على المهارات بصورة أوسع. ورغم قدرة بعض الشركات على تنفيذ خطوات سريعة ناجحة، فإنها قد تواجه صعوبات أكبر في تطبيق الممارسات بشكل مستدام وعلى نطق أوسع. وبالتالي، قد يواجه الموظفون (وخصوصًا في الأدوار الوظيفية منخفضة الدخل) صعوبات في الحصول على الدعم اللازم للوصول إلى وظائف في القطاعات الجديدة التي تتطلب تدريبًا إضافيًا.
للمزيد من الرؤى والتقارير من ماكنزي باللغة العربية
شاهد مجموعة المقالات الخاصة بنا باللغة العربية، واشترك في النشرة الإخبارية العربية الشهرية
ولا يقتصر الاهتمام بهذه الممارسات على القطاع الخاص، حيث أعلنت ولاية ميريلاند الأمريكية في مايو الماضي إلغاء شرط الشهادة الجامعية في نحو 50% من المناصب، وهو ما قاد إلى تزويد شريحة أكبر من المتقدمين بآلاف فرص العمل في قطاع الرعاية الصحية والمؤسسات الإصلاحية، ووضع السياسات والمهن المتخصصة والهندسة.
وتدرك الشركات أن ممارسات التوظيف القائمة على المهارات توفر حلًا فعالًا لمواجهة التحديات التي ازدادت تعقيدًا منذ بداية الجائحة الصحية. كما تبذل الشركات جهودًا حثيثة للعثور على المرشحين المناسبين للمناصب المهمة والمحافظة عليهم. وتتيح المنهجية القائمة على المهارات زيادة عدد المتقدمين للمناصب الشاغرة والارتقاء بجودتهم، بالإضافة إلى مساعدة الموظفين على إيجاد مزيد من فرص التطور المهني ضمن الشركة، وتمكين الشركات من تحسين ممارسات المحافظة على المواهب. كما تحمل هذه المنهجية فائدة اجتماعية من خلال توفير مزيد من فرص العمل لشريحة أوسع من الموظفين.
استقطاب شريحة أوسع من المواهب والمحافظة عليهم
تساعد ممارسات التوظيف القائمة على المهارات الشركات على إيجاد شريحة أوسع من المواهب واستقطابها، ولا سيما الأشخاص الأكثر ملاءمة للمناصب الشاغرة على المدى الطويل. كما تمنح هذه الممارسات الفرصة للمتقدمين غير التقليديين، مثل الأشخاص الذين لا يتمتعون بالمؤهلات النموذجية والنساء والفئات العرقية الأخرى.
واستضاف التحالف خلال هذا العام برنامج المسرّع لمدة عشر أسابيع، بهدف تمكين الشركات من اعتماد الممارسات القائمة على المهارات لاستقطاب الكفاءات. وكان معظم المشاركين في البرنامج من الشركات الصغيرة والمتوسطة، إلى جانب بعض الشركات الكبرى في "أتلانتا" و"مينيابولس" و"دينفر" و"أوستن". وشمل البرنامج أربع ورش عمل واسعة النطاق وجلسات تدريب فردية منفصلة طرح المشاركون خلالها تغييرات فعالة في استراتيجيات استقطاب المواهب وكيفية مواكبتها للممارسات القائمة على المهارات.
ونتج عن هذه التغييرات تأثير فوري، حيث أشار المشاركون إلى حدوث زيادة ملموسة في عدد المتقدمين من شريحة أوسع من الموظفين بفضل اعتماد منهجية التوظيف القائمة على المهارات. وقال أحد المشاركين إن إجراء بعض التغييرات في منهجية التوظيف ساهم في زيادة عدد المتقدمين بمقدار أربع مرات مقارنةً مع الأسبوع الذي سبقه. وأثمرت هذه المنهجية عن توظيف مرشح واحد، في حين لم يستطع أي مشارك اجتياز مرحلة دراسة السيرة الذاتية قبل تطبيق هذه المنهجية.
نجح مشارك آخر بإنشاء نسخة قائمة على المهارات من إحدى الوظائف الشاغرة، وتمكن من استقطاب 18 من المتقدمين ذوي المهارات العالية، مقارنةً بمتقدم واحد يتمتع بمؤهلات عالية عند اعتماد منهجية التوظيف التقليدية. وتم توظيف متقدم واحد وتحويل بقية المتقدمين للشواغر الأخرى في الشركة.
وتحظى هذه المنهجية بانتشار واسع لدى الشركات الأخرى بشكل عام. فعلى سبيل المثال، أجرى التحالف دراسة حالة كشفت عن نجاح إحدى شركات الرعاية الصحية متوسطة الحجم بتطوير حلها الخاص القائم على المهارات لمعالجة فجوة المواهب لديها. وكانت الشركة بحاجة مساعدين لطاقم التمريض يتمتعون بالمهارات والمؤهلات اللازمة، ولكنها كانت تواجه صعوبة في العثور على المتقدمين المناسبين. وقررت الشركة إجراء تدريب شامل وإجراء تغييرين رئيسيين، أولهما الاستغناء عن متطلبات الخبرة في المناصب الشاغرة، أما الثاني فاعتمد على التعاون مع إحدى كليات التقنية المحلية لإقامة برنامج تدريب سريري شامل. وأثمرت هاتان الخطوتان عن استقدام 200 مساعد جديد لطاقم التمريض إلى البرنامج.
تحسين عروض القيمة في الشركات
تساهم منهجية التوظيف القائمة على المهارات في بناء فريق عمل يتسم بالمرونة، لأنها تشكل استراتيجية فعالة تتيح للشركات الحد من التسرب الوظيفي، وهي نقطة غاية في الأهمية في الفترة التالية لجائحة كوفيد-19. كما توفر هذه المنهجية قدرة أفضل بخمس مرات على توقع أداء الموظفين مقارنةً بالتوظيف القائم على المستوى التعليمي، وأفضل بمرتين من التوظيف القائم على الخبرة. وأفادت الدراسة أيضًا بأن الموظفين ممن لا يحملون مؤهلات علمية يستمرون في وظائفهم لفترة أطول بنسبة 34% مقارنةً بالموظفين أصحاب الشهادات العلمية، الأمر الذي يتيح للشركات التي تعتمد الممارسات القائمة على المهارات إيجاد الموظفين المناسبين والمحافظة عليهم حتى خلال أصعب الفترات. وبالتالي، تسهم هذه المنهجية في توفير الوقت والطاقة والموارد وتعزيز جاهزية فريق العمل ومستويات التنوع بينهم.
بناء فريق عمل أكثر جاهزية
نشرنا العام الماضي دراسةً حول نجاح الموظفين الذين لا يملكون مؤهلات علمية في الوصول إلى وظائف متقدمة ومرتفعة الدخل بفضل مهاراتهم. توفر ممارسات التوظيف القائمة على المهارات للموظفين خريطة طريق واضحة لتحقيق التقدم الوظيفي في شركاتهم، وبخاصة خلال فترات الركود المحتملة، فضلًا عن دعم تطورهم الشخصي في مرحلة قد تشهد تراجع وتيرة التوظيف الخارجي. وتتوافر حاليًا فرصة جديدة للتطور الوظيفي القائم على المهارات ضمن الشركات، إلا أن العديد منها لا تملك الأسس القوية لتمكين ترقية الموظفين بشكل عام، وبصرف النظر عن خلفيتهم الاجتماعية.
وأصدرت جمعية إدارة الموارد البشرية دراسةً في عام 2018 وجدت خلالها أن الشركات كانت تستطيع الحفاظ على نسبة 77% من الموظفين الذين تركوا وظائفهم، حيث أفادت نسبة كبيرة من المشاركين في الدراسة أن سبب مغادرتهم لشركاتهم هو غياب فرص التطور الوظيفي باعتبارها عنصرًا هامًا لإحداث فرقٍ ملموس. كما أشرنا في تقريرنا الأخير حول رأس المال البشري في مكان العمل إلى أن أكثر من 80% من حالات الترقية الوظيفية تمت من خلال الانتقال من شركة إلى أخرى، وهو ما يعني أن الموظفين يتمتعون بالمهارات اللازمة للتطور، ولكنهم لم يحظوا بفرصة مواتية للترقية داخل شركاتهم.
وتعزز مسارات التوظيف القائمة على المهارات من مرونة الشركات في مواجهة الركود الاقتصادي، إلى جانب توفير شروط توظيف أفضل وأكثر أمانًا لموظفيها. كما تتيح هذه المنهجية للشركات رسم مسارات مدروسة تعتمد على مهارات الموظفين، وسد فجوة المهارات في الأدوار الوظيفية الأخرى. ويمكن للشركات الإعداد للتطور الوظيفي بصورةٍ استباقية، من خلال تحديد نوعية المهارات المطلوبة لكل دور وظيفي، إلى جانب تحديد فجوات المهارات والتداخلات بين المناصب الأدنى والأعلى، فضلًا عن وضع خطط للتدريب والانتقال الوظيفي لمساعدة الموظفين على التطور داخل الشركة.
وأشارت الشركات المشاركة في برنامج المسرّع إلى استعدادها الكامل ورغبتها باعتماد هذه المسارات للموظفين. واستفادت هذه الشركات من المنهجية التي تعلموها خلال الجلسات لوضع تصور واضح حول طريقة تطبيق التقدم الوظيفي بصورة منتظمة، وبالاستناد إلى ممارسات توظيف قائمة على المهارات، بالإضافة إلى كيفية إعداد الموظفين للترقية الوظيفية (يُرجى الاطلاع على العمود الجانبي "الترقية في السلم الوظيفي القائم على المهارات").
تذليل العقبات أمام تطبيق ممارسات التوظيف القائمة على المهارات
تواجه الشركات العديد من العوائق التي تحول دون اعتماد ممارسات التوظيف القائمة على المهارات بصورة أوسع. ورغم قدرة بعض الشركات على تنفيذ خطوات سريعة ناجحة، فإنها قد تواجه صعوبات أكبر في تطبيق الممارسات بشكل مستدام وعلى نطق أوسع. وبالتالي، قد يواجه الموظفون (وخصوصًا في الأدوار الوظيفية منخفضة الدخل) صعوبات في الحصول على الدعم اللازم للوصول إلى وظائف في القطاعات الجديدة التي تتطلب تدريبًا إضافيًا.
بالنسبة للشركات
تواجه الشركات صعوبات في تطبيق ممارسات التوظيف القائمة على المهارات على امتداد جميع مراحل التوظيف، إذ يتطلب تحقيق هذا الهدف اتخاذ إجراءات تتجاوز الاستغناء عن متطلبات الدرجة العلمية عند التوظيف.
قبل إطلاق برنامج مسرّع الشركات، أجرينا استبيانًا أفاد المشاركون فيه بأن استقدام الموظفين والتحقق من مهاراتهم وتطوير ممارسات التوظيف القائمة على المهارات في الشركة تمثّل ثلاثة من أبرز التحديات عند تطبيق المنهجية القائمة على المهارات. وتنسجم هذه النتائج مع مخرجات الاستبيان الذي أجريناه في أواخر عام 2021، وشمل حوالي 300 شركة صغيرة ومتوسطة، حيث حدد المشاركون استقدام الموظفين والتحقق من مهاراتهم بوصفهما أبرز تحديين أمام الشركات عند توظيف المواهب (الشكل 1).
وواجهت الشركات صعوبات في تحديد الوظائف التي قد تثمر عن أفضل الموظفين - وخصوصًا المناصب منخفضة الدخل التي يشغلها الكثير من الموظفين غير الحاصلين على درجات علمية - بالإضافة إلى طريقة تعريف الموظفين بالفرص المتاحة في الشركة. ورغم ثقة تلك الشركات بقدرتها على الاستغناء عن متطلبات المؤهل العلمي عند التوظيف، إلا أنها كانت تفتقر للثقة في جانب وضع الآليات الصحيحة والفعالة للتحقق من مهارات محددة لدى المرشحين من خلال أسئلة المقابلات أو عمليات التقييم. وبرزت هذه التحديات في إجابات المشاركين في استبيان حالة التوظيف (الشكل 2).
وإلى جانب مسألتي استقدام الموظفين والتحقق من المهارات، قد يصعب تطبيق ممارسات التوظيف القائمة على المهارات خارج نطاق مسؤولي الموارد البشرية المباشرين؛ فرغم تركيز أخصائيي التوظيف والموارد البشرية على هذه الممارسات، ما يزال بعض مدراء التوظيف غير مقتنعين بها بالشكل الكافي.
وأشار المشاركون في برنامج المسرّع إلى التعليم الداخلي وتعزيز التوافق بين أفراد الفريق بوصفهما أبرز تحديين تواجههما الشركات عند تطبيق منهجية التوظيف القائمة على المهارات. وعلى سبيل المثال، أشار مدراء الموارد البشرية المشاركون في البرنامج إلى أن مدراء التوظيف أبدوا شكوكاً حول إمكانية اكتساب المهارات بطريقة أخرى غير تولي المنصب، وذلك عندما اقترح مدراء الموارد البشرية استبدال شرط سنوات الخبرة بامتلاك المرشح للمهارات الأساسية ذات الصلة. وأفاد مشاركون آخرون بأن مدراء التوظيف أبدوا شكوكاً حول جدوى الابتعاد عن أسئلة التعارف التقليدية أو الأسئلة المتعلقة بخلفية المرشح للوظيفة (التي قد تقود إلى نوع من التحيز) في دليل المقابلات، والتركيز بدلاً من ذلك على الأسئلة التي تعكس المهارات السابقة أو المفترضة بحيث تعكس أداء المرشح في الوظيفة بصورة أدق.
بالنسبة للموظفين
قالت المنظمات المجتمعية المعنية بإعداد فرق العمل المحلية ودعمها إن تطبيق مسارات توظيف قائمة على المهارات يدعم جهودهم في مساعدة الموظفين من خلال العديد من الإجراءات، مثل التدريب والتطوير الوظيفي، حيث تُستخدم أدوات التطور الوظيفي بشكل واسع لوضع تصور واضح حول هذه المسألة. ولكنّ العوائق المعروفة ما زالت تحدّ من تطبيق هذه المسارات في الوظائف عالية الدخل.
ولا شك أن الشركات تواجه صعوبة في سد الفجوة بين المهارات الحالية للموظفين والمهارات اللازمة للنمو، إذ يحتاج العديد من الموظفين إلى التدريب لاكتساب المهارات المطلوبة في العمل، على الرغم من امتلاكهم للمهارات الأساسية في مناصبهم الأصلية (مثل خدمة العملاء) وهي مهمة تتطلب وقتًا لتعليم هذه المهارات للموظفين. وكما ورد في أحدث تقاريرنا حول رأس المال البشري، من الضروري إجراء تدريب دقيق وشامل، لفترة تتراوح بين ستة أشهر و12 شهرًا، بهدف تطوير الموظفين وصقل مهاراتهم اللازمة للنجاح في المناصب الجديدة، إلا أن قلة من الشركات تعمد إلى تطبيق هذه الممارسات.
قد تشكل المهارات والمؤهلات عوائق تحول دون حصول الموظفين المؤهلين على المناصب عالية الدخل، حيث اعتبر 26% من المشاركين في استبيان ماكنزي حول الفرص الأمريكية لعام 2022 أن العوائق الأكبر أمام البحث عن الوظائف في شركات أخرى تتمثّل في الحاجة إلى مزيد من الخبرة، أو إلى نوعية خبرة مختلفة، بالإضافة إلى المهارات ذات الصلة والمؤهلات والشهادة العلمية. وقال 87% من المسؤولين التنفيذيين في استبيان ماكنزي العالمي الأخير إنهم يواجهون فجوةً في المهارات ضمن شركاتهم، ولا سيما لدى الخريجين الجدد من الجامعات، الذين يمثلون أحد أبرز المصادر الموثوقة للمهارات، ويفتقرون عادةً للمستوى المطلوب من المهارات الأساسية.
وتقود التكنولوجيا في الوقت الراهن مستقبل القوى العاملة بطرق عديدة، وتتصدر المهارات التقنية قائمة المهارات المطلوبة في الوظائف الأسرع نموًا. ويتوقع المنتدى الاقتصادي العالمي أن نسبة 50% من جميع الموظفين سيحتاجون إلى اكتساب مهارات جديدة بحلول عام 2025 لمواكبة التطورات التكنولوجية. ومع ذلك، يفتقر العديد من الموظفين (وخصوصًا في المناصب منخفضة الدخل) للأدوات التكنولوجية الضرورية للحصول على الوظائف المطلوبة، وللوصول إلى التدريب الذي يساهم في إعداد الموظفين لتوليها. وأشار استبيان ماكنزي حول الفرص الأمريكية إلى أن 43% من الموظفين الأمريكيين في المناصب منخفضة الدخل ليس لديهم وصول إلى شبكة اتصالات النطاق العريض، بينما لا يملك 41% منهم حواسيب محمولة أو ثابتة، و24% منهم لا يمتلكون هاتفًا ذكيًا. كما أفاد 39% من المشاركين بأن عدم قدرتهم على الوصول إلى شبكة نطاق عريض موثوقة يشكل العائق الأبرز أمام تأدية وظائفهم.
تطبيق منهجية التوظيف القائمة على المهارات
يمكن للشركات والجهات المعنية والمنظمات المجتمعية اتخاذ إجراءين استراتيجيين لتطبيق التطور الوظيفي والممارسات القائمة على المهارات.
تنسيق الجهود ومواصلة التقدم
تستطيع الشركات البدء بتنسيق الجهود على المستوى الداخلي لتطبيق ممارسات التوظيف القائمة على المهارات، وضمان معالجة المخاطر أو العقبات القانونية الداخلية، مثل وضع خطة لدراسة تأثير الاستغناء عن شرط المؤهل العلمي للموظفين من حاملي تأشيرات H1-B للأعمال التجارية. كما يمكن للشركات الكبرى في هذا السياق الاعتماد على وحدات الأعمال التابعة لها، والاستفادة من حضورها القوي في مجال التوظيف وقدرتها على تحديد المهارات اللازمة للوظيفة.
ومن ناحيةٍ أخرى، يمكن للشركات تطبيق ممارسات التوظيف القائمة على المهارات من خلال تحقيق خطوات إيجابية سريعة، مثل توسيع قاعدة الموظفين الجدد أو الاستغناء عن شرط المؤهل العلمي في الوظائف. ولكنّ هذه العملية تتطلب متابعة الخطة طويلة الأمد باستمرار، حيث يزداد تأثير ممارسات التوظيف القائمة على المهارات عند تطبيقها على كامل مراحل تجربة الموظفين، بما يشمل عمليات استقدام الموظفين وتوظيفهم والتطوير المهني.
استقدام الموظفين. تفيد ممارسات التوظيف القائمة على المهارات في اختيار الموظفين المؤهلين عن طريق التركيز على مهارات المرشح أكثر من مؤهلاته، إلى جانب استخدام لغة تتسم بالشمولية في إعلانات التوظيف. ويمكن للشركات وضع إطار عمل قوي للمهارات يغطي جميع المناصب، من خلال التركيز على المهارات المطلوبة عوضًا عن المؤهلات المفضلة، بالإضافة إلى الابتعاد عن الربط بين المؤهلات والمهارات، والتواصل مع المنظمات المجتمعية التي توفر الدعم لفرق العمل من أجل الوصول إلى المرشحين المحتملين.
التوظيف. تساعد ممارسات التوظيف القائمة على المهارات الشركات في ضمان تمتع الموظفين الجدد بالمهارات المطلوبة للنجاح منذ البداية، وذلك من خلال استخدام أساليب وطرق موضوعية لإجراء المقابلات مع المرشحين وتقييمهم. وتركز هذه الطرق على التحقق من مهارات المرشحين بعيدًا عن الإجراءات غير الموضوعية (والمتحيزة) مثل الملاءمة الثقافية. وقد يطرح مدراء التوظيف خلال المقابلات أسئلة تتعلق بسلوك الموظف أو وضعه للكشف عن وجود مهارة معينة لدى الموظف، إضافةً إلى إنشاء نماذج تقييم موحدة لتسجيل إجابات المرشحين عوضًا عن الاعتماد على التقييمات الشخصية لمسؤولي المقابلات. يُضاف إلى ذلك استخدام آليات التحقق من مؤهلات الموظفين (مثل أمثلة عن الأعمال السابقة) بالاعتماد على مهارات معينة أكثر من المؤهلات التي قد لا تعكس قدرة المرشح على تأدية مهامه في الوظيفة.
التطوير المهني. تسهم ممارسات التوظيف القائمة على المهارات في تمكين الشركات من صقل مهارات الموظفين وتوفير فرص التعلم لتعزيز الترقية الوظيفية ضمن الشركة والاحتفاظ بالموظفين. ويمكن للشركات تحقيق هذه الخطوة من خلال تصميم برامج مخصصة لإعداد الموظفين (عبر مواءمة البرامج الحالية أينما أمكن)، وذلك بهدف التعرف على مستويات الموظفين وضمان امتلاكهم للمهارات الضرورية للنجاح على المدى الطويل، إضافةً إلى توفير التدريب الوظيفي وبرامج التعلم المستمر، وتطوير خرائط طريق داخلية للترقية من الأدوار الوظيفية الأولية دون اشتراط المؤهل العلمي.
تفعيل المشاركة الشاملة وبناء شبكات العلاقات
تتوفر العديد من الخيارات لدى الشركات والموظفين لتحويل الترقية الوظيفية القائمة على المهارات إلى واقع ملموس. ويمكن لكامل منظومة تطوير القوى العاملة، التي تشمل الشركات ومؤسسات دعم القوى العاملة و التوظيف والمسؤولين الحكوميين، التعاون فيما بينهم ضمن مجتمع واحد لدعم مشهد الترقية الوظيفية القائمة على المهارات. ونشير هنا، على سبيل المثال، إلى خطة الإنقاذ الأمريكية التي أعلنت مؤخرًا عن التزامها بتقديم أكثر من 40 مليار دولار أمريكي لدعم القوى العاملة وتوسيعها، على أن يتم تخصيص هذا المبلغ لإقامة برامج تدريب تعاونية بين الشركاء من القطاعين العام والخاص في المجتمعات على امتداد الولايات المتحدة.
ويمكن لقادة المجتمعات دعوة الجهات المعنية الرئيسية لدعم منهجية التوظيف القائمة على المهارات، ومناقشة سبل التعاون بين تلك الجهات لضمان ترقية الموظفين إلى المناصب المطلوبة الأعلى دخلًا في مجتمعاتهم. وتشمل الإجراءات في هذا السياق منح الأولوية لبرامج التدريب التي تركز على المهارات اللازمة لإعداد الموظفين لتولي الوظائف في الشركات المحلية، بالإضافة إلى مشاركة السير المهنية للموظفين المحليين المناسبين للوظائف الشاغرة في الشركات المحلية، إلى جانب التركيز على الاستثمارات في برامج التدريب التي تعزز الإلمام الرقمي، وتزويد الموظفين ذوي الدخل المنخفض بوصول إلى شبكة أفضل من البنى التحتية للاتصالات.
كما يمكن لدوائر التنمية ومؤسسات دعم القوى العاملة ووسطاء التوظيف استضافة برنامج مسرّع الشركات لتشجيع الشركات المحلية على اعتماد ممارسات التوظيف القائمة على المهارات. ويقيم مكتب "دينفر" للتنمية الاقتصادية الحكومي المحلي برنامجًا يضمّ مجموعة من الشركات التي ستقدم جلسات تدريب وندوات وفعاليات ودعم عملي لعدد من الشركات المهتمة بهذا الموضوع. وتعتمد غرفة مترو أتلانتا في ولاية جورجيا منهجية التوظيف القائمة على المهارات في إطار تعاونها مع الشركات المحلية، بهدف مساعدتها على تحديد مجموعة المهارات المشتركة والضرورية في بعض القطاعات أو الأدوار الوظيفية، إضافةً إلى تزويد الموظفين بتلك المهارات اللازمة لنجاحهم. وتتولى المؤسسات في كلتا الحالتين تحفيز مشاركة الجهات المعنية المحلية في مجال قوى العمل لاعتماد هذه المنهجية، وتزودها بالموارد اللازمة لتطبيق الممارسات ذات الصلة على امتداد جميع مراحل تجربة الموظفين. ويساعد هذا النوع من القيادة على ربط المجتمعات مع الجهات المعنية الصحيحة والتركيز على ممارسات التوظيف القائمة على المهارات في الشركات.
تلعب مؤسسات دعم القوى العاملة دورًا رئيسيًا من خلال مساعدة الشركات على فهم المواهب غير التقليدية في مجتمعاتها، والمهارات التي يمتلكونها وكيفية سد فجوة المهارات لديهم. ولا تمتلك الشركات في أغلب الحالات أي تواصل مع هذه المؤسسات، وبالتالي فهي لا تستفيد من الموارد التي تقدمها هذه المؤسسات. وأشارت مؤسسات دعم القوى العاملة والشركات المشاركة في برنامج مسرّع الشركات إلى الدور المحوري للتعارف والحوارات المشتركة فيما بينهم في تكوين شراكات تحمل سمة المنفعة المتبادلة. وتتيح هذه الشراكات إمكانية التعاون لمشاركة مصادر المواهب وتوفير التدريب لمعالجة مشاكل قوى العمل الأوسع نطاقًا في المجتمعات.
ومن ناحية أخرى، بمقدور غرف التنمية الاقتصادية ومنظمات التطوير المهني توفير فرص التواصل اللازمة، بينما يمكن لمؤسسات دعم القوى العاملة تفعيل مشاركة الشركات من خلال تزويدها بمجموعة مخصصة من البرامج القائمة على المهارات لتلبية احتياجاتها. وعلى سبيل المثال، تعاون مركز "وورك فورس سوليوشنز كابيتال إيريا" في مدينة أوستن بولاية تكساس الأمريكية مع شركات تكنولوجيا لتحديد تحديات التوظيف وسد فجوة المهارات. وقدم المركز جلسات تدريب للمرشحين غير التقليديين، وهو ما أتاح للشركات الوصول إلى المواهب الجديدة من أصحاب المهارات اللازمة، وتوفير الوقت والموارد الداخلية. كما عمد مركز "مي كاسا للموارد" في مدينة "دينفر" بولاية كولورادو إلى توسيع مسار الخدمات المالية التي يقدمها لتشمل مسؤولي الموارد البشرية والمساعدين الإداريين في المجال الطبي، بعد أن كشف التحليل الذي قدمه التحالف عن نمو في الوظائف الموجودة في المجتمع المحلي. وساعدت البيانات الصادرة عن تحليل التطور الوظيفي الشركات على تطوير جلسات تدريب للموظفين والتركيز عليها من أجل بناء المهارات اللازمة للوظائف الموجودة، بالإضافة إلى ربطهم بالوظائف المتنامية في القطاعات الأخرى التي تستفيد أيضًا من تلك المهارات. وساهمت هذه الشراكات في فتح شواغر جديدة للموظفين وسد فجوة المواهب في القطاعات سريعة النمو.
تتجه الشركات اليوم لإدراك أهمية دور ممارسات التوظيف القائمة على المهارات في تعزيز وصولها إلى المواهب المميزة، والتي تعود منافعها على الشركات والموظفين والمجتمع ككل. ويسهم اعتماد الشركات لهذه الممارسات على مدار كامل مراحل تجربة العمل في إعداد الموظفين بالشكل الأمثل لإيجاد الوظائف المناسبة بناءً على مهاراتهم وليس شهاداتهم العلمية أو خلفيتهم التعليمية أو سنوات خبرتهم في منصب معين. وفي ظل التحديات التي يشهدها الاقتصاد الكلي، حان الوقت اليوم لتقوم جميع الجهات المعنية في مجال تطوير القوى العاملة بتخصيص الموارد والدعم لتسريع اعتماد هذه الممارسات والنهوض بازدهار المجتمعات بصورة عادلة.