عشرة متطلبات أساسية لتبني استراتيجية منهجية في التأقلم مع تغير المناخ

| مقالة
Disruptor1up 1]]

لمحة سريعة

  • عبر تاريخها الطويل، تعاملت البشرية مع تغيرات المناخ بطرق متنوعة، متكيفة معها بشكل مستمر. ولكن، يختلف التحدي المناخي الحالي عن تحديات الماضي في جانبين أساسيين. أولًا، التغيرات الحاصلة الآن تحدث بوتيرة أسرع بكثير من أي فترة سابقة. ثانيًا، تزداد المخاطر المناخية بشكل كبير في ظل تبني أنظمة مستقرة ومعقدة، والتي تشمل كيفية زراعة الغذاء، وبناء المدن، وإنتاج السلع والخدمات، وإدارة سلاسل الإمداد، من بين أمور أخرى. وتقوم هذه الأنظمة على فرضية استمرارية استقرار المناخ، غير أنها دون استجابة مناسبة، ستصبح هشة ومعرضة بشكل متزايد لأخطار تغير المناخ.
  • تنطوي هذه الفروقات في تحديات المناخ الحديثة على ثلاث نتائج حرجة. أولاً، التكيف مع التغير المناخي ضروري، لكنه وحده لا يكفي للتعامل مع التحديات المناخية بشكل فعال على المدى الطويل. ثانيًا، ينبغي أن يكون النهج الاستباقي للتكيف أكثر استهدافًا ودقة بكثير مما كان عليه في الماضي، حيث كان النهج العفوي هو السائد. وأخيرًا، وكما هو الحال مع الانتقال نحو اقتصاد صافي الانبعاثات، يتطلب التكيف أيضًا رؤية منهجية لدعم الجهود على المستويات المحلية والوطنية والعالمية، وضمان تنظيمها وفعاليتها بأكبر قدر ممكن.
  • يهدف البحث الأساسي بهذا المقال إلى وضع إطار عمل للتكيف بشكل منهجي مع تغير المناخ، مع التركيز على جمع مختلف العناصر بشكل منسق ومتكامل. ونحدد عشرة متطلبات أساسية تنقسم إلى أربع فئات رئيسية وهي: عقلية إدارة مخاطر المناخ؛ الأدوات التكنولوجية والسلوكية للتكيف؛ والتغييرات الاقتصادية والاجتماعية اللازمة للتكيف؛ والإدارة والدعم المؤسسي والالتزام بالتنفيذ.
  • فيما يتعلق بكل مطلب من تلك المتطلبات العشر الأساسية، لاحظنا بدايات مبشرة للتقدم. على سبيل المثال، تتوافر الكثير من الحلول التكنولوجية والسلوكية المطلوبة للتكيف الفعال بشكل أو بآخر، ويختلف هذا عن جهود التخفيف حيث لا تزال بعض التقنيات اللازمة غير متوفرة في قطاعات معينة. بالمثل، أصبح الحصول على البيانات المناخية أكثر سهولة في كل من القطاع العام والخاص، كما أن نماذج تقييم المخاطر والخسائر الاقتصادية قيد التطوير. ومع ذلك، يبقى هذا التقدم في مراحله الأولى في كل المجالات. على سبيل المثال، رغم أن بعض التقدم الأولي في القطاع العام - حيث قامت 84% من 197 دولة ذات سيادة بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي بنشر خططها الوطنية للتكيف - ما زالت هناك فجوات كبيرة1. إذ تفتقر الكثير من هذه الخطط إلى إستراتيجيات واضحة لتحديد وتقبل مستويات المخاطر، وغالبًا لا ترتبط حلول التكيف بشكل كامل بالمخاطر المادية التي تسعى لتقليلها. كما أنه لا يتم تحديد مستويات الاستثمار المطلوبة في كثير من الأحيان. والأكثر أهمية، أن معظم هذه الخطط لا تزال تحتاج إلى موارد كافية وخطط تنفيذية واضحة.
  • في الوقت الذي تقوم فيه الجهات الفاعلة في القطاعين العام والخاص بمراجعة الإطار المقترح في هذا المقال، من الضروري التأكيد على أن كل مناطق العالم لن تتأثر بالمخاطر المتصاعدة بنفس الدرجة خلال هذا العقد. حتى تلك المناطق التي تتعرض للمخاطر، قد لا تواجه تلك المخاطر بنفس الشدة. لذا لا ينبغي أن تكون هذه الاختلافات ذريعة للتهاون، بل على العكس تمامًا، يجب على جميع الأطراف استغلال هذه الفترة كفرصة لتطبيق تدابير التكيف الضرورية على المدى القصير، ودمج اعتبارات التكيف في القرارات ذات الآثار طويلة الأمد، وتطوير القدرات اللازمة لتحقيق أهداف التكيف الطموحة على المدى الطويل. وعليه، سيتطلب هذا الجهد وقتًا وموارد كبيرة.
  • وفي مجال التكيف مع المناخ، كما هو الحال في جهود التخفيف، من الضروري عدم السماح للسعي وراء الكمال أن يعيق تحقيق ما هو جيد ومفيد، حيث يمكن البدء في تنفيذ عدة تدابير نحو تحقيق التكيف اليوم بسهولة نسبية. على سبيل المثال، يمكن الشروع في وضع استراتيجيات لإدارة مخاطر المناخ لتقييم وتنفيذ خطط التكيف، وتطبيق حلول تكنولوجية وسلوكية مثل تخضير المناطق الحضرية أو طلاء الأسطح باللون الأبيض للتحكم في درجات الحرارة. هذه التدابير لها تكلفة نسبيًا منخفضة، ولها فوائد متعددة، ولا تنطوي على مخاطر سوء التكيف.

منذ ظهور الإنسان الحديث قبل حوالي 200,000 عام وحتى الآن، كان التكيف هو الاستراتيجية الرئيسية للبشرية للتعامل مع التغيرات المناخية على كوكب الأرض. بمعنى آخر، مع تطور المناخ، قامت البشرية بتغيير أسلوب حياتها بشكل تدريجي لتتأقلم وتزدهر تحت ظروف بيئية جديدة. في الواقع، كان انتشار الإنسان الحديث من أفريقيا إلى أنحاء العالم مدفوعًا بالبحث عن بيئات مواتية خلال فترة جيولوجية شهدت تقلبات مناخية كبيرة. وقد شهد مناخ الأرض عبر الآلاف من السنين الماضية تغيرات كبيرة وجذرية، متأرجحًا بين فترات المناخ المعتدلة والعصور الجليدية، حيث كانت مناطق واسعة من نصف الكرة الشمالي مغطاة بالجليد. لقد كان انتشار الإنسان الحديث حول العالم يتماشى بشكل وثيق مع التغيرات في درجات الحرارة، وكميات الأمطار، والحياة النباتية.2

تستمر عملية التكيف الطبيعية مع التغيرات المناخية اليوم، بالرغم من التطور التكنولوجي والتقدم الاجتماعي الذي حققته البشرية عبر آلاف السنين. على سبيل المثال، لمواجهة مخاطر ارتفاع درجات الحرارة، تقوم مدينة "GIFT City"، وهي منطقة تجارية مركزية قيد التطوير في ولاية جوجارات الهندية، بإنشاء نظام تبريد مركزي يوزع المياه المبردة إلى المباني عبر أنابيب تحت الأرض. ويعمل هذا النظام على تخفيض الطلب على الطاقة اللازمة للتبريد بنسبة تتراوح بين 35% إلى 50% مقارنةً بالتكييفات الهوائية الفردية3. من جهة أخرى، تعالج هولندا التي تواجه خطر الفيضانات بسبب موقعها المنخفض - هذا التحدي عبر توسيع الأنهار، وحفر قنوات للفيضانات، وإنشاء مناطق لتجميع المياه. ونتيجة لهذه الإجراءات، أصبحت الأنهار الرئيسية في دلتا هولندا قادرة على تصريف آلاف الأمتار المكعبة من المياه في الثانية بأمان، بقدر أكبر مما كان مُمكنًا قبل ثلاثين عامًا4.

بيد أنه، في الوقت الحالي، يبرز تحدي تغير المناخ بخمس خصائص مميزة تفصله عن الأمثلة السابقة في مسار التطور البشري وهي: -

  1. يتميز تغير المناخ الحالي بكونه نتيجة مباشرة للأنشطة البشرية، ومن المتوقع أن يستمر هذا التغيير حتى نحقق الانبعاثات الصفرية. أما في الماضي، كانت البشرية تتفاعل فقط كمستقبل للتغيرات المناخية، لكن اليوم أصبحت هي أيضًا المحرك الرئيسي وراء هذه التغيرات. وهكذا، يواجه البشر تحديًا مزدوجًا يتمثل في: التخفيف من تغير المناخ وإعادة التوازن مع الطبيعة، بالإضافة إلى التكيف مع الآثار التي أحدثتها التغيرات السابقة. وإن أحد الجوانب المعقدة لتغير المناخ الناجم عن الأنشطة البشرية هو غموضه، نظرًا لعدم اليقين بشأن كيفية تطور الأنشطة البشرية ومواجهة صعوبات في نمذجة تأثيرات تغير المناخ. لذا، يتوجب على صانعي القرار العمل في ظل عدم اليقين بخصوص حجم التغيرات المستقبلية، وذلك يتوقف أيضًا على قرارات وأفعال الآخرين.
  2. إن التغير المناخي الذي نشهده اليوم يحدث بوتيرة أسرع بكثير من أي تغير مناخي سابق ناجم عن الغازات الدفيئة. فالمعدل الحالي لإطلاق ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي هو الأعلى بشكل غير مسبوق خلال الـ 66 مليون سنة الماضية، على الأقل.5
  3. مع الوصول إلى مستويات قياسية في درجات الحرارة، وهي الأعلى خلال الـ 125,000 عام الماضية,6 يُنذر الارتفاع المستمر في درجات الحرارة بتحدي غير مسبوق في تاريخ البشرية. إذ يمكن أن تصل الحرارة إلى مستويات تتجاوز قدرة تحمل العديد من الأحياء، ما يشكل تهديدًا جوهريًا لصلاحية الحياة في بعض المناطق الأكثر كثافة سكانية على كوكب الأرض.7
  4. يتم استهلاك رأس المال الطبيعي بوتيرة تتجاوز قدرتنا على تجديده، وتتجاوز الحدود والنقاط الحرجة للنظم البيئية العالمية. ومن بين هذه الحدود، نجد تدهور سلامة النظم البيئية، والتغيرات في التدفقات البيوجيوكيميائية، وتآكل طبقة الأوزون. يعمل هذا الاستنزاف على تفاقم8 آثار تغير المناخ وتصاعدها بشكل ملحوظ.
  5. يواجه العالم اليوم تغيرًا مناخيًا في ظل ظروف جديدة وتحديات فريدة. بينما نعيش في عصر يتميز بأعداد سكانية ضخمة لم يشهدها التاريخ من قبل، وحضارة تشكلت خلال فترة من الثبات المناخي، وهي تستند إلى فرضية استمرار هذا الثبات. يعتمد الاقتصاد الحديث، بتعقيداته وأسسه المادية المحددة جغرافيًا، بشكل كبير على هذا الاستقرار المناخي. في حين تواجه الحلول التقليدية كالهجرة الجماعية، التي كانت ممكنة في الماضي، الآن تحديات جديدة بسبب الحدود السياسية الراسخة واستقرار السكان. وتعمل هذه الأنظمة، التي لم تُصمم للتعامل مع تغيرات مناخية متسارعة، حاليًا بأقصى طاقتها، متأثرة بعوامل مثل القدم، والنمو السكاني، وغيرها من العناصر غير المرتبطة بالمناخ.

لدى هذه الفروقات الخمسة ثلاثة آثار خطيرة.

أولًا، يتطلب التكيف مع تغير المناخ الفعالية ولكنه لا يكفي بمفرده للتحكم في تغير المناخ بمرور الزمن. حتى لو توقفت الانبعاثات اليوم، ستستمر آثار تغير المناخ في التفاقم مع استمرار التأقلم التدريجي للكوكب مع الحالة المناخية الأكثر دفئًا9 حتى تحقيق الأهداف المحددة في اتفاق باريس 2015، الرامية إلى الحد من الزيادة في درجات الحرارة إلى أقل بكثير من درجتين مئويتين، ومثاليًا إلى 1.5 درجة مئوية مقارنةً بمستويات ما قبل العصر10 الصناعي، مع العلم لن يوقف هذا التأثير بالكامل. وقد أظهرت الدراسات الأخيرة من الأمم المتحدة أن اتجاهات الانبعاثات العالمية تجاوزت بالفعل مسارات التخفيف اللازمة لتحقيق هذه الأهداف، وأن الفرصة لتغيير هذا المسار تتضاءل بسرعة.11

في الوقت نفسه، تواجه جهود التكيف مع تغير المناخ قيودًا محددة، سواء كانت هذه القيود ملموسة أو أقل وضوحًا كالقيود المؤسسية أو الاقتصادية. وتشير الدراسات الأخيرة إلى أننا قد نكون بالفعل على وشك الوصول إلى بعض هذه الحدود، على الرغم من أنها ليست شاملة لجميع الجوانب. ووفقًا لهذه القيود (كما هو موضح في العمود الجانبي بعنوان "حدود التكيف")، يتضح أن التكيف والتخفيف يجب أن يتم تنفيذهما معًا، في علاقة تكاملية وليست اختيارية بين الاثنين. وفي الواقع، توجد علاقة مترابطة بين التكيف مع التغيرات المناخية، وتقليل تأثيرها، وإعادة تأهيل رأس المال الطبيعي، والتطور الاقتصادي، والتي يمكن أن يكون لها ثمارها المتبادلة الواضحة في بعض المجالات إذا تم التعامل معها بشكل متكامل وحكيم.

أما النتيجة الثانية، فتشير إلى أن النهج الحالي في التعامل مع التكيف يجب أن يكون أكثر تحديدًا ووضوحًا بكثير من الأسلوب التلقائي الذي كان معمولًا به في الماضي. بما أن جميع جوانب مجتمعنا تقريبًا - من بناء المنازل وزراعة المحاصيل، إلى تحديد معايير الهندسة والتصميم، وحتى طرق استثمار رأس المال - تعتمد على افتراضية ثبات المناخ، وسيكون التكيف الكبير ضروريًا مع مرور الوقت لتجنب حدوث اضطرابات كبرى في النظم الاجتماعية والاقتصادية الحالية، خصوصًا عند مستويات ارتفاع درجة الحرارة العالية. وسيتطلب التكيف تحولًا جوهريًا في الافتراضات المتعلقة بالمخاطر، ليس فقط باستخدام الوسائل المادية مثل بناء الحواجز الساحلية وتركيب وحدات تكييف الهواء، بل أيضًا في تغيير السلوكيات وإعادة النظر في كيفية إدارة المخاطر.

المزيد من الرؤى والتقارير من ماكنزي باللغة العربية

شاهد مجموعة المقالات الخاصة بنا باللغة العربية، واشترك في النشرة الإخبارية العربية الشهرية

تصفح المجموعة

فضلًا عن ذلك، يحدث تغير المناخ في الوقت الحالي في ظل ظروف تهدد فيها مخاطر كبيرة أخرى - مثل التحديات الاقتصادية الكلية، والقضايا الجيوسياسية، والصحة العامة - الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي العالمي، بالإضافة إلى حياة ومعيشة الأشخاص الأكثر عرضة للخطر. وقد تتداخل هذه المخاطر وتتفاعل مع بعضها البعض، مما يسرع من وتيرة حدوث تداعيات شديدة الصعوبة.12 ببساطة، لم يعد التكيف التلقائي كافيًا. ومع ذلك، يُعد هذا الوضع أيضًا فرصة حقيقية. فمن خلال دمج المخاطر المتعلقة بالمناخ بعناية في عملية تحديث الأنظمة القائمة أو إنشاء أنظمة جديدة، يمكن للعالم التكيف مع المخاطر المتزايدة بطريقة أكثر تحديدًا وفعالية، وبتكلفة إجمالية أقل.

النقطة الثالثة المهمة هي أن التكيف، مثل الانتقال إلى اقتصاد خالٍ من الانبعاثات الكربونية، يحتاج إلى نهج منظم لدعم المبادرات على المستويات المحلية، والوطنية، والعالمية. هذا النهج المنظم هو الجوهر الرئيسي لهذا التقرير. والسؤال الأساسي الذي نسعى للإجابة عليه هو: ما هو الإطار الشامل لجمع كل العناصر اللازمة لتحقيق التغيير المنهجي الذي يتطلبه التكيف؟ التقرير لا يفترض أن جميع الأطراف المعنية يجب أن تركز بالتساوي ودائمًا على جميع عناصر هذا الإطار. بدلاً من ذلك، يمكّن هذا الإطار القطاعات الخاصة والعامة والمجتمعية من التأكد من أنها تصمم وتنفذ استراتيجيات التكيف الشاملة والفعالة، مع التعرف على التحديات التي تعيق التقدم وتحديد المجالات التي تحتاج إلى تعاون أكبر.

في مقال نُشر في عام 2021 بعنوان "حل معادلة صافي صفر انبعاثات: تسعة متطلبات لتحقيق انتقال أكثر تنظيمًا"، قمنا بتحليل مماثل للانتقال إلى الحياد الكربوني. ركز هذا المقال على تسعة متطلبات رئيسية موزعة عبر ثلاث فئات رئيسية: البُنى التحتية المادية؛ والتكيفات الاقتصادية والاجتماعية؛ والحوكمة والمؤسسات والالتزامات. كان هدفنا هو توضيح جميع العناصر الضرورية لتخفيف تأثيرات تغير المناخ والتأكيد على أهمية تكاملها بشكل مترابط. وبما أن تأثير تغير المناخ يعد تأثيرًا نظاميًا، ينبغي أن يكون النهج المتبع للتحول إلى الحياد الكربوني نظاميًا أيضًا. وهناك ترابطات بين احتياجات التمويل، والابتكار التكنولوجي، والمعايير والمؤسسات، وطرق معالجة الآثار السلبية الناجمة عن هذا التحول، ومن الضروري فهم هذه التأثيرات والتفاعلات بينها بشكل جيد لتحقيق نتيجة فعالة.

يهدف هذا التقرير إلى التوصل إلى ما توصل إليه التقرير السابق، لكن فيما يخص التكيف مع تغير المناخ. ويكمن الاختلاف هنا في أن الأفكار حول التكيف أحدث بكثير، مما يجعل الفجوات في المعرفة والتنفيذ أكثر وضوحًا. ونقدم في هذا السياق إطارًا يتكون من عشرة متطلبات أساسية لتعزيز جهود التكيف المحلية والعالمية بطريقة أكثر فعالية وتنظيمًا (كما هو ملخص في العمود الجانبي "ملخص المتطلبات العشرة").

بينما يقوم الفاعلون في القطاعين العام والخاص بدراسة هذا الإطار، من الضروري أن يدركوا أن المخاطر المتزايدة لن تؤثر على كل أجزاء العالم بالتساوي خلال هذا العقد. حتى الأجزاء الأكثر عرضة للمخاطر قد لا تتأثر بنفس الشدة. ومع ذلك، من الأهمية بمكان لجميع البلدان والمناطق استغلال هذه الفترة كفرصة لتطبيق تدابير التكيف اللازمة على المدى القصير ودمج اعتبارات التكيف في القرارات ذات الأثر طويل الأجل (مثل تصميم البنية التحتية الدائمة) التي يمكن أن تتحمل المخاطر المستقبلية، وبالتالي بناء القدرات اللازمة لاتخاذ قرارات التكيف الفعالة على المدى الطويل.

التقدم الذي تم إحرازه حتى اليوم

تحققت بعض الخطوات الأولية المهمة في سبيل التكيف الاستراتيجي مع تغير المناخ. وقد وُضعَت نسبة تزيد عن 84% من الأطراف الـ 198 المشاركة في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ - والتي تتألف من 197 دولة ذات سيادة بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي - خططًا أو استراتيجيات أو قوانين أو سياسات13 للتكيف مع تغير المناخ. بالإضافة إلى ذلك، حتى في بعض البلدان التي لا تمتلك خطة وطنية شاملة، مثل الهند والولايات المتحدة، توجد خطط تكيف خاصة بكل ولاية في بعض الحالات.

ومع ذلك، فإن معظم خطط التكيُّف الحالية لا تراعي المستوى المقبول من المخاطر، ومستوى تغير المناخ والاحتباس الحراري الذي تستهدف التكيُّف معه، والمخاطر المُتوقَّعة عند هذا المستوى من التغير، وأدوات التكيُّف التي سيتم تطبيقها لإدارة تلك المخاطر، وحدود ما يمكن أن تُحقِّقه أدوات التكيُّف المُقترَحة، والتكلفة الإجمالية للتكيُّف. إنَّ اللاعبين الأكثر تقدُّمًا فقط عبر القطاعات والمناطق الجغرافية هم مَن بدأوا بالتفكير في هذه الأمور. وبصرف النظر عن الحاجة إلى التخطيط، يؤكِّد تقرير فجوة التكيُّف الصادر عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة لعام 2022 على ضرورة دمج التفكير في المخاطر ضمن الاستراتيجية، وتوفير التمويل اللازم، والعمل على التكيُّف مع وقائع المناخ الجديدة، إلا أنَّ كل هذه الأمور متأخِّرة أيضًا عن تحقيق المطلوب.14

إطار عمل توسيع جهود التكيف العالمية

نرى أربع15 فئات أساسية لمتطلبات التكيف عند أعلى مستوى:

  1. عقلية إدارة مخاطر المناخ: تأسيس فهم متعمق حول المخاطر القائمة وتوقع كيفية تطورها وتحديد مستويات واضحة للمخاطر ومدى تحملها وذلك كله بمساعدة أنظمة البيانات والمعلومات اللازمة لدعم عملية اتخاذ القرارات.
  2. مستويات التكيف التكنولوجي والسلوكي: اقتناء الحلول، التكنولوجية والسلوكية، لتلبية متطلبات التكيف الحالية والمستقبلية وضمان توافر هذه الحلول على نطاق واسع أو بمعنى آخر تطوير سلاسل التوريد وتأمين الموارد التي تساعد في تحقيق تلك العملية.
  3. إجراء التعديلات الاقتصادية والمجتمعية: توفير التمويل اللازم لتوظيف حلول التكيف والإقرار الفعال بالمخاطر الناجمة عن تغير المناخ وتوزيع وتحديد القيمة المناسبة للمخاطر وتقديم الدعم للمجتمعات الأكثر عرضة لتلك المخاطر.
  4. الحوكمة والدعم المؤسسي والالتزام: توفير المؤسسات ووضع السياسات وتعزيز الوعي وتقديم الدعم المجتمعي والريادي اللازم لترسيخ عملية التكيف.

يشير التقرير - على وجه التحديد إلى عشرة متطلبات رئيسية منقسمة إلى أربع فئات كما هو موضح في (الشكل 1). ما يندرج تحت كل من هذه المتطلبات ليس ثابتًا ويجب إعادة النظر فيه ومعالجته باستمرار في ضوء المخاطر التي تشهد تطورًا مستمرًا والتقدم الذي يتم إحرازه في هذا الصدد.

1

عقلية إدارة مخاطر المناخ

خلال عملية التكيف مع تغير المناخ، سيكون لزامًا على المنظمات والكيانات تطوير عنصرين أساسيين في عقليتها لإدارة مخاطر المناخ بفعالية تتمثلان في: الفهم الدقيق للمخاطر المادية المتغيرة بسرعة والفهم العميق لأولويات المخاطر وعملية التكيف.

1. الفهم الدقيق للمخاطر المادية المتطورة وتداعياتها في ظل سيناريوهات تغير المناخ المختلفة مستقبلًا. يتوجب على قادة المجتمعات أن يكونوا على دراية بالمخاطر التي قد تؤثر على مجتمعاتهم وكيفية تطورها مع مرور الزمن لضمان التكيف الفعّال. ومن الضروري أيضًا على الشركات أن تأخذ في الاعتبار المخاطر المادية التي تهدد مبانيها، ومراكز الإنتاج، والعمليات، وسلاسل التوريد الخاصة بها. كما يجب على الشركات والمجتمعات على حد سواء أن يكونوا على دراية بأشكال المخاطر المناخية المادية التي تهدد أصولهم حاليًا وكيفية تعرضها للمخاطر في المستقبل، كما هو موضح في (الشكل 2). بالإضافة إلى ذلك، يتطلب التكيف الناجح من جميع الأطراف المعنية الاستمرار في تحديث فهمهم للمخاطر المادية الجديدة التي تنشأ. ونظرًا لأن البيانات والتحاليل الجديدة تكشف عن تفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري وتوجه أماكن احتمالية للمخاطر، فإن القدرة على تقييم هذه البيانات والاستفادة منها بشكل منتظم ستكون أمرًا بالغ الأهمية.

2

مع ذلك، يُعتبر تحليل البيانات المناخية مهمة معقدة. كما يُؤكد تقريرنا لعام 2020 بعنوان "مخاطر المناخ والاستجابة لها: الأخطار المادية والتأثيرات الاجتماعية الإقتصادية" ، فإن المخاطر المناخية المادية لها عدة سمات رئيسية: وهي أنها متزايدة مع مرور الوقت، وهي مكانية بطبيعتها، وتوزيعها غير ثابت، وتطورها غير مستقر، ولها تأثيرات غير مباشرة مهمة تؤثر بشكل منهجي على الاقتصادات والبيئة. وبالإضافة إلى ذلك، لها تأثيرات اجتماعية واقتصادية سلبية.16 تجعل تلك السمات فهم هذه المخاطر أمرًا صعبًا وتتطلب تجاوزها بعناية. كما تعزز هذه التحديات من ضرورة توفير بيانات مناخية شفافة وسهلة الوصول لتوجيه عمليات التكيف واتخاذ القرارات بشكل أفضل.

في سياق عملية اتخاذ القرارات للقادة وصناع القرار، يُعتبر تحقيق التكيف الفعّال مرتبطًا بثلاثة متطلبات أساسية:

  1. التمييز بين المخاطر الحادة والمزمنة يتطلب استخدام نماذج قوية للتحليل المناخي على مستوى تفصيلي مناسب لكل نوع من هذه المخاطر. ويعتبر استخدام النماذج المناخية فعالًا للغاية في توقع التغيرات المناخية ذات المدى الزمني الطويل والتأثيرات العالمية والإقليمية الناجمة عن انبعاثات غازات الدفيئة الناتجة عن النشاط البشري. ومع ذلك، يتعين أيضًا تطوير واستخدام وجهات نظر تفصيلية متقدمة لفهم العلاقة التفصيلية بين التغيرات المناخية والأنظمة البيئية. هذا يعني أنه يجب على الباحثين والمختصين في المناخ التفاعل بشكل أفضل ومتكامل بين المعلومات المناخية والبيولوجية لفهم أفضل تأثير المخاطر المناخية على البيئة والنظم البيئية.17
  2. تأسيس فهم متعمق حول القيمة المعرضة للخطر بأكبر قدر ممكن من الوضوح عن طريق تحويل المخاطر المادية إلى تأثيرات محتملة عبر مجموعة من السيناريوهات، بما في ذلك تقدير الأضرار المباشرة على المباني والأصول، فضلًا عن تقدير التأثيرات على الموارد الطبيعية والبشرية. كما يمكن أن تلعب المنهجيات والمعايير الواضحة دورًا مهمًا في ضمان وجود إطار متسق لتقييم هذه المخاطر وفهمها بشكل أفضل.
  3. تقييم وأخذ التأثيرات الثانوية لتغير المناخ بعين الاعتبار، والتي تتجاوز الآثار المباشرة، شاملةً التأثيرات غير المباشرة على المجتمعات وسلاسل الإمداد، بالإضافة إلى التفاعلات مع الاقتصاد ككل، حيث يُعد تقدير هذه التأثيرات تحديًا أساسيًا، نظرًا لصعوبة التنبؤ بحجمها ودرجة تعقيدها. وبينما قد تكون هذه التأثيرات أقل وضوحًا من التأثيرات المباشرة، إلا أن تقييمها وقياسها أكثر صعوبة بكثير. ونظرًا لتعقيد مثل هذه التقييمات، فقد لا تتمكن العديد من المنظمات والمجتمعات من إجرائها. ومع ذلك، فإن بدء تقييم نوعي يُعد خطوة أولى أساسية نحو اتخاذ قرارات ملائمة للتكيف مع مخاطر تغير المناخ.

تُعد فهم التأثيرات المباشرة لتغيّر المناخ على الأصول والعمليات الأساسية للمؤسسات والمجتمعات، الخطوة الأولى المهمة. وغالبًا ما يتضمن ذلك إجراء تقييم نوعي أولي لتعرّض أصول المنظمة للمخاطر، بالإضافة إلى دمج البيانات المناخية، لفهم طبيعة التعرض المتزايد والحصول على فكرة تقريبية عن حجمه. ويمكن ملاحظة بعض التحرك في هذا الاتجاه بالفعل، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى متطلبات الإفصاح الطوعي عن المخاطر المناخية من جانب القطاع المالي العالمي.

على سبيل المثال، وفقًا لفريق عمل الإفصاح المالي المعني بالمناخ (TCFD)، كشف حوالي 80% من 1400 شركة - شملها استطلاع عام 2022 الذي تم إجراءه - عن مستوى مخاطر تغير المناخ لديها، بما يتماشى مع واحد على الأقل من 11 إفصاحًا موصى بها من قبل فريق عمل الإفصاح المالي المعني بالمناخ. وتبدو المؤسسات المالية ملتزمة بهذا الأمر، إذ قدم 50% من مديري الأصول و75% من مالكي الأصول تقاريرهم وفقًا لخمسة على الأقل من أصل 11 إفصاحًا موصى به.18 كما أن الإفصاح عن المخاطر المناخية مطلوب قانونيًا بالنسبة للشركات المدرجة في بعض الدول والسلطات القضائية، مثل المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي. بالإضافة إلى ذلك، بدأت بعض الهيئات التنظيمية المالية في إجراء اختبارات ضغط أولية تتعلق بالمخاطر المناخية.

تسهم هذه الإفصاحات في زيادة الشفافية حول المخاطر المهمة وآثارها. ومع ذلك، لتحقيق استجابة فعالة لهذه المخاطر، فمن الضروري الحصول على مزيد من البيانات وتطوير معايير إضافية وتعزيز التعليم لتحسين عملية صنع القرار.

2. تحليل متعمق للموازنة بين المخاطر والفوائد الناجمة عن مختلف استراتيجيات التكيف مع تغير المناخ: لتطوير خطة قوية وفعالة للتكيف مع تغير المناخ، من الضروري أن تقوم المنظمات والمجتمعات بتحديد أولوياتها بخصوص المخاطر وفهمها بشكل واضح. ويشمل ذلك تقييم مستويات المخاطر وأنواعها وقبولها وتحديد الإطار الزمني لها، مع الأخذ في الاعتبار درجة تحمل الأصول و/أو الأنظمة المعنية بالمخاطر. كما يتضمن ذلك النظر في الأهداف المرجوة من استخدام هذه الأصول والأنظمة. ويُعد اختيار مستوى المخاطر جزءًا أساسيًا من استراتيجيات التكيف مع تغير المناخ، سواء للشركات أو المجتمعات أو المنظمات. وهذا القرار ليس ثابتًا، بل يتطلب تقييمًا دائمًا من أجل مواكبة التغيرات البيئية والمناخية، بالإضافة إلى ظهور بيانات جديدة أو تغيير في الاستراتيجيات ومستويات القبول الاجتماعي. وتُسهم عملية ترتيب أولويات المخاطر هذه في توجيه القرارات المتعلقة بالتكيف مع تغير المناخ، حيث قد تقوم منظمة معينة بخيار حماية منشآتها من الفيضانات، بينما تتقبل منظمة أخرى بعض المخاطر مثل ارتفاع المياه حتى متر واحد بناءً على تصميم منشآتها. وتتطلب هذه القرارات تقييمًا دوريًا ومستمرًا، فهي ليست مجرد إجراء يُتخذ مرة واحدة، بل إنها بحاجة إلى مراجعة مستمرة بناءً على تغير الظروف ومرور الزمن.

وينبغي تحديد أولويات المخاطر مع مراعاة تكلفة الفرصة البديلة. وفي ظل محدودية الموارد، يتعين على أصحاب المصلحة تقييم الحد الأقصى للإنفاق المتاح للتكيف مع المخاطر المستقبلية، مع تخصيص في الوقت ذاته استثمارات كافية بهدف التخفيف من الآثار وتحقيق النمو.

وتعتمد خطة التكيف الفعّالة أولاً على تحديد درجة ارتفاع الحرارة العالمية التي تستعد لها منظمة أو مجتمع معين، مع تحديد المخاطر الرئيسية التي يجب التكيف معها وأسبابها. وعند تطوير الخطة، من الضروري أن يأخذ مطوّروها في الاعتبار تأثيرها على أهداف التخفيف من المخاطر والنمو، سواء كانت هذه التأثيرات إيجابية (مثل تعزيز النمو) أو سلبية (مثل قبول المخاطر وتقليص حجم الموارد المتاحة). ولقرارات التكيف مع تغير المناخ تأثير طويل الأمد؛ على سبيل المثال، يجب أن تُصمم البنية التحتية مثل الجسور وأنظمة الصرف الصحي بما يتماشى مع مختلف سيناريوهات التغير المناخي المستقبلية. وفي النهاية، ينبغي أن تسترشد هذه العملية بفهم دقيق وشامل لإمكانيات وحدود التكيف المتاحة.

ولا يزال القطاعان العام والخاص يواجهان تحديًا كبيرًا لتحقيق الأهداف العالمية في مجال التكيف مع تغير المناخ. ففي القطاع العام، حددت أكثر من ثلث الدول الموقعة على اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، البالغ عددها 198 دولة، أهدافًا محددة وقابلة للقياس بشأن التكيف مع تغير المناخ عام 2018.19 ومع ذلك، لا ترتبط معظم هذه الأهداف بوضوح بالمخاطر التي تسعى إلى التصدي لها أو بالنتائج المرجوة، بل إنها تميل إلى التركيز بشكل عام على العمليات والإجراءات التنفيذية، مثل زيادة المساحات الخضراء (توسيع المساحة التي تغطيها الغابات. وهي تنطوي على أنشطة مثل زراعة الأشجار، أو الحفاظ على الغابات الموجودة، أو استعادة مناطق الغابات المتدهورة) أو توظيف القوى العاملة للتكيف مع تغير المناخ أو تحديد المناطق الساحلية والبحرية التي تكون بحاجة للحماية.20

فيما يتعلق بالقطاع الخاص، لا تزال إسهاماته في التكيف مع تغير المناخ في مراحلها الأولية. ووفقًا لتقارير فريق العمل المعني بالإفصاحات المالية المتعلقة بالمناخ لعام 202221, أشارت 9% فقط من الشركات التي قامت بالإبلاغ عن مخاطر المناخ إلى مستويات معينة من الاحتباس الحراري في تقاريرها، بينما ذكرت أقل من 4% من هذه الشركات تجاوز مستويات الاحتباس الحراري درجتين مئويتين. ويشير تقرير فجوة التكيف لعام 2022 الصادر عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة إلى نتائج متباينة فيما يخص توجيه القطاع الخاص نحو دمج التكيف مع أولويات أخرى مثل التخفيف من حدة المخاطر، حيث ركزت بعض الشركات إلى الفوائد المتبادلة المحتملة أو الآثار السلبية الناجمة عن سوء التكيف مع المناخ فقط، بينما ضمنت شركات أخرى هذه العوامل والمعايير بشكل أساسي في استراتيجياتها.22

آليات التكيف التكنولوجية والمادية والسلوكية

تستند استراتيجية التكيف الفعالة إلى توفر الآليات التكنولوجية والسلوكية بشكل متوازن، إلى جانب وجود قبول واسع النطاق لأهمية الآليات السلوكية في عملية التكيف.

3. تقييم مدى توافر التكنولوجيا والموارد المادية لمواجهة المخاطر الناجمة عن تغير المناخ: سيكون من الضروري تحديد آليات تكنولوجية ومادية فعالة للتكيف مع تغير المناخ واستحداثها، مع التركيز على إنتاجها وتطبيقها على نحو واسع النطاق وبكفاءة وعلى نحو اقتصادي. وتشمل هذه الآليات ما يلي:

  1. تعزيز أو تحصين البنية التحتية المادية، بما في ذلك استحداث تدابير وقائية، مثل إنشاء حواجز بحرية أو تعزيز هياكل محطات الطاقة ونقل خطوط الكهرباء تحت الأرض.
  2. التحكم في ظروف مناخية معينة عن طريق استخدام التكنولوجيا مثل أجهزة تكييف الهواء لتحسين البيئة المعيشية للأفراد أو الدفيئات الزجاجية التي يتم التحكم في درجة حرارتها لتوفر ظروف مناخية مثالية نباتات معينة.
  3. تطوير أنظمة لإعطاء تحذيرات مبكرة أو مراقبة المخاطر الناجمة عن التغيرات المناخية وذلك باستخدام تكنولوجيا مثل أنظمة التنبؤ بموجات الحرارة23
  4. تطوير استراتيجيات فعالية للاستجابة للأزمات من خلال توفير مولدات الطوارئ وتحسين تقنيات البحث والإنقاذ وتطوير نظام الرعاية الصحية ليتعامل مع المخاطر المناخية المفاجئة على نحو أكثر فعالية.

ومن أجل توظيف آليات التكيف بكفاءة، من الضروري أن تدرك المنظمات كيف تسهم كل أداة في مواجهة المخاطر وتأثيرها المحتمل على التنمية الاقتصادية أو استراتيجيات التخفيف من المخاطر، فضلاً عن إمكانية حدوث عواقب غير متوقعة أو آثار ناجمة عن سوء التكيف. فعلى سبيل المثال، تساهم زراعة أشجار "المانغروف" في توفير الحماية الطبيعية من العواصف والمساعدة في خفض مستويات الكربون، وهو ما يتوافق مع استراتيجيات التخفيف مع المخاطر. ومع ذلك، قد تسفر بعض التقنيات المهمة الأخرى عن نتائج سلبية على التقدم المحرز في التخفيف من المخاطر، مثل أجهزة تكييف الهواء التي تزيد الطلب على الطاقة وتسرب المبردات أو محطات تحلية المياه التي تستهلك الطاقة بكثافة وتطلق كميات كبيرة من المياه المالحة التي قد تضر بالنظم المائية.

والجانب المشجع في التكيف مع تغير المناخ هو توفر العديد من التقنيات المفيدة في مواجهة تغير المناخ اليوم، إذ إن تغير المناخ لا يُخلق أنواعًا جديدة من المخاطر، بل يزيد من حدة المخاطر الحالية التي يواجهها العالم بالفعل. وفي أغلب الحالات، لا يتطلب الحصول على هذه التقنيات ابتكارات جديدة أو إثارة مخاوف بشأن سلاسل التوريد، نظرًا لأن سلاسل التوريد متاحة بالفعل. بالإضافة إلى ذلك، يعتبر العديد من هذه التدابير منخفضة التكلفة نسبيًا ولها فوائد متعددة. على سبيل المثال، تُعد الحلول المستندة إلى الطبيعة، كزراعة الأشجار في المناطق الحضرية لتحقيق آلية تبريد طبيعي عن طريق الظل والتبخر، خيارات منخفضة التكلفة وصديقة للبيئة من أجل التصدي لهذه التحديات، خاصةً في تقليل الانبعاثات الكربونية. ومع ذلك، يتطلب التكيف الشامل مواجهة عدة تحديات بمرور الزمن، مع الاستمرار في تطبيق النهج الذي يركز على إدارة مخاطر المناخ ومواكبة تطور هذه المخاطر.

أولاً، في ظل توافر معظم التقنيات الأساسية، يتعين تقليص الوقت والمهارات اللازمة لإنتاجها ونشرها لزيادة فعاليتها. فعلى سبيل المثال، وفقًا لدراسة حديثة تأخذ في الاعتبار مسارات التنمية المختلفة، تظهر التوقعات أنه بحلول عام 2040، سوف تضم البرازيل والهند وإندونيسيا والمكسيك، التي تعتبر من بين أكثر الدول تضررًا بالإجهاد الحراري، نحو 100 مليون أسرة (أو ما يقرب من 500 مليون شخص) غير قادرة على تحمل تكلفة أجهزة التكييف.24 وأشارت دراسة أخرى حول جدوى تكلفة تحلية المياه إلى أنها ممكنة اقتصاديًا في 34 دولة فقط من بين 140 دولة شملتها الدراسة، ومن المتوقع أن يرتفع هذا العدد إلى 77 دولة بحلول عام 2050 وفقًا للتوجهات التنموية الحالية.25

ثانيًا، يجب تطوير التقنيات الرئيسية (مثل تكييف الهواء وتحلية المياه) التي لا تتمتع بالقدرة على التكيف مع المناخ، وذلك لتقليل تأثيرها السلبي على المناخ. ويمكن تحقيق ذلك من خلال خفض نسبة الكربون في مصادر الطاقة التي تُشغل هذه التقنيات والتقليل من الآثار الضارة للنفايات، مثل تسرب المياه المالحة وسوائل التبريد.

ثالثًا، ينبغي إدارة تنفيذ الحلول طويلة الأمد، مثل الحواجز البحرية، بدقة. ويتطلب ذلك استحداثها ليس فقط لمواجهة المخاطر الحالية، بل أيضًا للتصدي للمخاطر المستقبلية غير المتوقعة.

رابعًا، في بعض السيناريوهات، يتطلب التكيف مع المناخ استحداث ابتكارات جديدة. على سبيل المثال، عندما تؤدي الحلول الأساسية للتكيف مع المناخ، مثل استخدام الخرسانة لتعزيز البنية التحتية، إلى تأثيرات سلبية على جهود التخفيف من المخاطر، يصبح تطوير بدائل صديقة للبيئة واقتصادية ومتاحة أمرًا حتميًا.

4. التكيف مع المخاطر المادية من خلال تبني تغييرات سلوكية فعالة: إلى جانب الحلول التكنولوجية، يمكن للتغييرات السلوكية على مستوى الأفراد أو المجتمعات أو الشركات أو الدول أن توفر طرق فعالة واقتصادية للتخفيف من بعض المخاطر المرتبطة بتغير المناخ. وفي بعض الحالات، يتطلب إجراء هذه التغييرات السلوكية موافقة المجتمع على إجراء تغييرات جوهرية في السلوكيات أو أنماط الحياة نظرًا لتأثيرها على العادات وأسلوب الحياة. وفي حالات أخرى، قد يستلزم التكيف مع هذه التغييرات السلوكية بعض التكاليف الإضافية، مثل الحاجة إلى موارد أو مخزون إضافي.

في بعض الحالات، يتطلب إجراء هذه التغييرات السلوكية موافقة المجتمع على إجراء تغييرات جوهرية في السلوكيات أو أنماط الحياة.

قد تتضمن هذه الآليات عدة حلول منها:

  1. تطوير أنظمة احتياطية ومخازن مؤقتة، مثل تعديل كميات تخزين المواد الغذائية وإنشاء أنظمة تسمح بتقليل استهلاك الطاقة خلال أوقات الذروة وتوسيع سعة البطاريات.
  2. تبني استراتيجية التنويع من خلال تحفيز مجموعة متنوعة من الأنشطة الصناعية لتقليل الاعتماد على العمل في الهواء الطلق أو التعاقد مع عدة موردين مختلفين جغرافيًا لضمان تنوع مصادر الإمدادات.
  3. تعديل الإجراءات والسلوكيات الشخصية، على سبيل المثال تغيير مواسم زراعة المحاصيل أو تغيير ساعات العمل لتجنب العمل في أكثر ساعات اليوم حرارة.
  4. تقليل فرص التعرض للمخاطر، مثل التراجع المُدبر (نقل البنية التحتية من المناطق عالية المخاطر) أو تجنب إقامة بنى تحتية جديدة في هذه المناطق.

وعلى مر التاريخ، يُنفذ العديد من الإجراءات السلوكية للتكيف مع المناخ على نطاق واسع لمواجهة التقلبات المناخية البسيطة التي تحدث كل عام والفروق الجغرافية في المناخ بين المناطق المختلفة التي تشترك في الصناعات ذاتها. كما يجب تطوير أساليب جديدة لتبني الاستراتيجيات المعروفة من أجل التصدي للمخاطر الجديدة. على سبيل المثال، إحدى الأساليب الشائعة هي إنشاء أنظمة احتياطية ومخازن مؤقتة، مثل الاحتفاظ بمخزون إضافي لحماية سلاسل التوريد. لكن هذه المخازن المؤقتة تعتمد عادةً على البيانات القديمة، والتي لم تعد مؤشرًا دقيقًا للتنبؤ بالمخاطر المستقبلية. وهناك أيضًا استراتيجيات بحاجة إلى التطوير، مثل مراعاة المخاطر المتعلقة بالمناخ عند تحديد مواقع البنى التحتية الجديدة. وفي ظل تزايد المخاطر، يجب التأني في اتخاذ قرارات بشأن مواقع الاستثمارات الجديدة، خاصة في المناطق عالية المخاطر.

وكما هو الحال مع الآليات التكنولوجية، يستلزم التكيف السلوكي الفعّال تطوير منهجية متطورة في إدارة مخاطر المناخ. ويشمل ذلك الحصول على بيانات دقيقة واستخدامها لفهم كيفية تطور المخاطر المناخية المستقبلية على مستوى الأصول والأنظمة على حد سواء. وفي بعض الحالات، قد يتطلب التكيف السلوكي الفعّال إجراء تغييرات ملحوظة، مثل تغيير ساعات العمل، وهو ما قد يستدعي إدخال تعديلات في أنظمة النقل الجماعي أو تنويع شبكات الموردين من خلال تطوير استراتيجيات وعلاقات جديدة. كما يتطلب التكيف السلوكي تفاعلاً ملموسًا مع المجتمعات التي تتأثر بتغير المناخ، وخاصة أثناء تطبيق إجراءات تقليل فرص التعرض للمخاطر. ويجب أن يتمتع صناع القرار بالقدرة على التواصل والتعاون والتفاعل بفعالية مع المجتمعات أو العاملين أو العملاء الذين سيتولون في النهاية تبني هذه التغييرات السلوكية وتحمل عبء تحدياتها وتكاليفها. (يتم توضيح هذا الأمر باستفاضة في المطلب التاسع).

مدى توفر التعديلات الاقتصادية والاجتماعية

تشمل المجموعة الثالثة من المتطلبات اللازمة للتكيف مع تغير المناخ المتطلبات الاقتصادية والاجتماعية، وتتضمن توزيع رأس المال بشكل فعّال وتطوير هياكل التمويل المناسبة وتسعير المخاطر وإيجاد طرق للنقل، بالإضافة إلى استحداث آليات لتعويض الدول والمجتمعات والمؤسسات الأكثر ضعفًا.

5. التوزيع الفعال لرأس المال وآليات التمويل: تتطلب التعديلات الاقتصادية والاجتماعية اتخاذ مجموعتين واسعتين من الإجراءات المتنوعة: وهي إعداد تقديرات دقيقة لمتطلبات التمويل اللازم وتطوير الابتكارات المالية لضمان توجيه الاستثمارات العامة والخاصة نحو أنشطة كانت تعتبر سابقًا ضمن نطاق المسؤولية العامة.

لتقدير تكلفة التمويل على نحو فعال، يجب اتباع عدة خطوات رئيسية وهي: فهم المخاطر في سياق السيناريوهات المختلفة المتعلقة بالاحتباس الحراري، وتحديد مستوى المخاطر المقبولة، وتقييم الآليات التكنولوجية والسلوكية للتكيف مع تغير المناخ، وإنشاء بديل مفاهيمي لمنحنى تكلفة التخفيض الحدي، وتصنيف أدوات التكيف المتاحة حسب التأثير والتكلفة وأخيرًا الاستفادة من المعلومات لصياغة استراتيجية شاملة لكل خيار على حدة. ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن الآليات الأقل تكلفة والأكثر فعالية ربما يترتب عليها عواقب غير مقصودة مرتبطة بسوء التكيف، مما يعني أنه لا يمكن تطبيق منحنيات تكلفة التكيف بطريقة موحدة. وبينما يتمثل الوضع المثالي في اتخاذ جميع الخطوات المذكورة، إلا أنه من الناحية العملية، قد يمثل تحديد الأولويات الأساسية لآليات التكيف المتاحة نقطة انطلاق جيدة.

وفيما يخص تلبية احتياجات التمويل، تواجه الأموال العامة ضغوطًا شديدة في كافة الأماكن، مما يستدعي خلق حوافز لجذب المزيد من رؤوس الأموال الخاصة في أنشطة التكيف مع تغير المناخ.26 ونظرًا لأن التمويل الخاص عادة ما يسعى إلى تحقيق عوائد مالية مباشرة، وبما أن آليات التكيف نادرًا ما تولد إيرادات مباشرة، يصبح الابتكار المالي عنصرًا حاسمًا في هذا السياق.

تواجه الأموال العامة ضغوطاً شديدة في كافة الأماكن، مما يستدعي خلق حوافز لجذب المزيد من رؤوس الأموال الخاصة في أنشطة التكيف مع تغير المناخ.

وكما ذكرنا سابقًا، لا تزال معظم خطط التكيف، سواء العامة أو الخاصة (وكذلك تقديرات التكلفة المرتبطة بها)، في مراحل مبكرة من التطوير. ومع ذلك، هناك بعض الاستثناءات الملحوظة، مثل خطة التكيف الوطنية لبنغلاديش التي تمتد من عام 2023 إلى عام 2050 وتتضمن تقديرات مفصلة للتكاليف. وتشير هذه الخطة إلى 113 تدخلاً منظمًا في نُهج قصيرة ومتوسطة وطويلة الأمد من المقرر أن تُنفذ في 11 منطقة مناخية عالية المخاطر. بالإضافة إلى ذلك، تتضمن الخطة عملية إعادة تقييم كل خمس سنوات، وهو بمثابة اعتراف بالظواهر الطبيعية الغامضة والمخاطر المناخية والضعف الاجتماعي والاقتصادي. كما يشير هذا الاعتراف إلى ضرورة تكثيف جهود التكيف مع تغير المناخ أو تقليلها أو حتى تعديل طبيعتها مع مرور الوقت. وتُقدر تكلفة هذه الخطة بأكملها، بناءً على كل تدخل على حدة، بحوالي 230 مليار دولار، حيث سيكون من الضروري توفير 75% من هذا المبلغ بحلول عام 2040.27

لجذب رأس المال الخاص لتلبية احتياجات التمويل، ينبغي صياغة استراتيجيات على ثلاث جبهات مختلفة. تركز الجبهة الأولى على تحسين الأصول التي غالبًا ما تُدار من خلال شراكات بين القطاعين العام والخاص، مثل شبكات الطاقة وشبكات النقل بما في ذلك الطرق والسكك الحديدية والبنية التحتية لمعالجة وإدارة المياه. وفي هذا السياق، يمكن أن يسهم تحسين التنظيم في تنفيذ تدابير التكيف مع المناخ من خلال دمج متطلبات التمويل بين القطاعين العام والخاص.

ثانيًا، من الضروري أن يزيد القطاع الخاص من مخصصات الإنفاق المتعلقة بالتكيف مع تغير المناخ في إطار استراتيجيات تخطيط رأس ماله. وتواجه هذه الخطوة حاليًا عدة عقبات في العديد من المناطق الجغرافية، والتي تتجلى في سوء تقييم حجم المخاطر المحتملة والشكوك حول مدى كفاءة التمويل العام في التعامل مع الخسائر التي قد تلحق بالممتلكات الخاصة.

ثالثًا، يعتبر تطوير آليات جديدة لتوجيه التمويل الخاص نحو دعم التكيف مع تغير المناخ في القطاع العام أمرًا ضروريًا. ويتضمن هذا الاستفادة من مفاهيم مثل المشاريع المجمعة للتكيف مع تغير المناخ والتخفيف من المخاطر المرتبطة بذلك والتي تشترك في توزيع الإيرادات والأرباح الناجمة من آليات التخفيف من المخاطر لتيسير تطبيق آليات التكيف. كما يمكن أن تشمل هذه الآليات توسيع مفهوم أرصدة الكربون ليشمل خلق أرصدة لتقليل قابلية التأثر بتغير المناخ، وهي شهادات قابلة للاستبدال تثبت أن المشروع نجح في تقليل مخاطر المناخ بشكل ملحوظ من خلال تدابير التكيف مع المناخ.28 وهذا يعني أنه يجب الاعتراف بتكاليف التكيف باعتبارها جزء أساسي من تكاليف الأعمال التجارية في المستقبل، وليس كمصادر للإيرادات الفورية فحسب.

6. آليات فعّالة لتسعير المخاطر ونقلها: يتم التعامل مع معظم مخاطر الكوارث الطبيعية اليوم من خلال تطبيق استراتيجيات نقل المخاطر، حيث يُعد التأمين الوسيلة الأساسية لهذا الغرض. ويُمكّن التأمين أصحاب الأصول، الذين قد يكونون غير قادرين على تحمل المخاطر، من نقل المخاطر إلى مجموعة أكبر من المشاركين. وتقدم الحكومات في العديد من الدول الدعم لحماية العقارات والشركات من الحوادث الطبيعية مثل الحرائق والفيضانات والأعاصير. وغالبًا ما يلجأ الأشخاص إلى تأمين منازلهم بدلاً من الاستثمار في إجراءات تكيف معينة للحد من المخاطر (مثل تقوية المباني). ويمكن أن يساهم مراعاة المخاطر المناخية المتزايدة في إطار أقساط التأمين، نظريًا، في نقل هذه المخاطر على نحو فعال، سواء عبر توفير حماية أفضل للمؤمّن عليهم أو مساعدة أسواق التأمين على العمل بكفاءة. وبشكل عام، يُسهم تسعير المخاطر بشكل دقيق في زيادة وعي المجتمع بحجمها الحقيقي، وهو ما يسهل عملية اتخاذ قرارات أكثر فعالية بشأن تخصيص رأس المال. على سبيل المثال، يمكن توعية المشترين المحتملين للمنازل بمستوى المخاطر الناجمة عن الفيضانات قبل اتخاذ قرارات الشراء.

مع ذلك، يواجه هذا النهج عدة تحديات، حيث تواجه الأسواق حاليًا صعوبة في تسعير المخاطر المناخية المستقبلية بشكل فعال29 لعدة أسباب. أولًا، يتطلب تسعير هذه المخاطر فهمًا شاملاً للمخاطر المناخية المادية كما هو مبين في المطلب الأول المشار إليه أعلاه. لكن المهارات المطلوبة لهذا الغرض غير منتشرة على نطاق واسع حتى الآن. ثانيًا، وربما الأكثر أهمية، يُعد تحويل الآثار المادية إلى آثار اقتصادية مجالًا بحثيًا جديدًا سواء في الأوساط الأكاديمية أو في أوساط المتخصصين.30 لذلك، يجب تحسين عملية الإفصاح عن هذه المخاطر لتصبح المعلومات متاحة للمؤسسات المسؤولة عن تحديد الأسعار، كما ورد في المطلب الأول.

بمجرد إدراج المخاطر المناخية في آليات التسعير، يمكن أن تنبثق تحديات جديدة. على سبيل المثال، عندما تُسعّر هذه المخاطر بشكل دقيق في تقديرات التأمين، من المتوقع أن تزداد قيمة الأقساط في المناطق الأكثر عرضة للمخاطر، مما قد يجعل التأمين فيها باهظ الثمن لبعض الأشخاص. وفي بعض الحالات، قد تؤدي صعوبة تسعير هذه المخاطر إلى جعل بعض المناطق غير قابلة للتأمين من وجهة نظر شركات التأمين. وتسفر مستويات المخاطر الحالية عن زيادة تكاليف الكوارث31 وصعوبة توفير التأمين، ولا سيما في المناطق الأكثر تضررًا بالتغيرات المناخية حول العالم. مثالًا على ذلك، تأثّر سوق تأمين الممتلكات في منطقة ساحل الخليج الأمريكي بشدة في الأعوام الماضية بسبب زيادة شدة الأعاصير والفيضانات، وهو ما أدى إلى إفلاس العديد من شركات التأمين وإلغاء الكثير من بواليص التأمين على المنازل.32 إلى جانب ذلك، توقفت اثنتان من كبرى شركات التأمين عن توفير التأمين على المنازل بولاية كاليفورنيا بسبب الخسائر الناتجة عن الحرائق.33

هناك ثلاثة تحولات في منتجات التأمين وممارساته يمكن أن تسهم في تحسين آليات تسعير المخاطر ونقلها بفعالية. ويتمثل التحول الأول في دور الحكومة في قطاع التأمين. في الوقت الحاضر، يُعتبر العديد من المخاطر غير مؤمن عليها وتلعب الحكومات المحلية والوطنية دور شركات التأمين كملاذ أخير لتوفير تكاليف إعادة البناء والتأمين ضد الكوارث الكبرى. وفي ظل زيادة المخاطر، يمكن أن تصبح هذه الشركات غير قادرة على الاستمرار في الاضطلاع بهذا الدور. بالتالي، يجب النظر في اتخاذ تدابير أخرى مثل البرامج المشتركة بين القطاعين العام والخاص بهدف تعزيز أسواق التأمين أو توسيع نطاقها. لنأخذ مثالًا آخر من مجال مختلف وهو قانون التأمين ضد مخاطر الإرهاب في الولايات المتحدة. وتُفرض شركة "Flood Re" في المملكة المتحدة رسومًا سنوية على جميع شركات التأمين على المنازل وتستخدم الأموال التي تجمعها لتعويض أي شركة تأمين تواجه مطالبة صالحة بالتعويض عن الأضرار الناجمة عن الفيضانات. علاوة على ذلك، يمكن أن تساهم التعديلات التنظيمية، مثل رفع الحد الأقصى لأقساط التأمين أو اتخاذ إجراءات معينة للتكيف مع المناخ من أجل التمتع بحق الحصول على برنامج تأمين، في إنشاء نظام فعّال لتمويل المخاطر.

ثانيًا، يمكن أن تلعب أسواق إعادة التأمين دوراً بارزًا، حيث تقوم شركات التأمين بشراء تغطيات تأمينية لمواجهة الكوارث. ويتمثل هذا الدور في توفير منتجات مثل سندات الكوارث التي تساهم في تحسين الدعم المقدم لأسواق التأمين المباشر واستدامة خطط التأمين العامة والخاصة في المناطق عالية الخطورة. ثالثًا، تتضمن بعض بواليص التأمين أقساط تأمينية أعلى وخصومات أكبر، بالإضافة إلى الحوافز المرتبطة بالقدرة على التكيف مع تغير المناخ واحتمالية إنشاء نُهج بديلة بدلاً من التعويض. وفي الوقت ذاته، قد تؤدي هذه الخطوات إلى خفض تكاليف التأمين وتغيير طبيعة المخاطر التي يتم مواجهتها. على سبيل المثال، يوفر التأمين المعياري تغطية تأمينية لمخاطر محددة عن طريق سداد مبلغ محدد فور وقوع حدث معين كالفيضانات أو الحرائق، ولا يتطلب هذا التأمين إثبات وقوع الضرر. كما يتيح هذا النوع من التأمين تحديد أقساط التأمين بشكل دقيق ويساهم في خفض التكاليف التشغيلية التي تتكبدها شركات التأمين، بالإضافة إلى ضمان تغطية التكاليف.

ويجب النظر بعناية في تأثيرات التأمين على الفئات الأكثر ضعفًا، لا سيما وأن هؤلاء الأفراد غالبًا ما يفتقرون إلى التأمين ولا يستطيعون تحمل تكلفة الأقساط المرتفعة. وللتغلب على هذه المشكلة، ينبغي أن تعكس الأقساط حجم المخاطر على نحو دقيق، بينما تساعد أشكال الدعم الأخرى، مثل برامج نقل المخاطر، هؤلاء الأفراد على تحمل الأعباء المالية. ومع ذلك، يجب إجراء تقييم شامل لأي آليات تعويض لتجنب خلق ما يعرف بالخطر الأخلاقي الذي يشجع على السلوكيات التي تتجاهل المخاطر، كما هو الحال في مواصلة بناء بنى تحتية جديدة في مناطق عالية المخاطر.

7. آليات التعويض المتاحة للدول والمجتمعات والمؤسسات الأشد تضررًا من التغيرات المناخية: مع استمرار ظاهرة الاحتباس الحراري العالمي، من المتوقع أن تتأثر الدول والمناطق الأكثر فقرًا والأقل نموًا بشكل ملحوظ وغير متناسب. وسوف تتعرض هذه المناطق لأضرار مادية جسيمة بسبب موقعها الجغرافي الذي يجعلها أكثر عرضة للمخاطر المناخية. بالإضافة إلى ذلك، سوف تشهد الدول ذات الدخل المنخفض زيادة فرص التعرض للأضرار الاقتصادية الناجمة عن المخاطر المناخية نظرًا لاعتمادها بشكل كبير على قطاعات مثل الوقود الأحفوري والزراعة.34 كما تفتقر هذه المناطق إلى القدرة الكافية للتكيف مع هذه التحديات. حتى في المناطق ذات الدخل المرتفع، تواجه العائلات ذات الدخل المنخفض صعوبة بالغة في توفير الموارد المالية اللازمة للتأقلم مع التغيرات المناخية.

إن النجاح في تكيف العالم مع المخاطر المناخية يتطلب دعمًا ماليًا مكثفًا من الدول المتقدمة إلى الدول النامية، فضلاً عن تعزيز التعاون المالي داخل الدول المتقدمة، سواء بين المناطق أو المحافظات أو السكان. وعلى الرغم من أن آليات التكيف الفعالة تميل إلى أن تكون محدودة بطبيعتها على عكس طرق التخفيف من المخاطر، إلا أنها تتطلب أيضًا مستوى غير مسبوقًا من التعاون الوطني والدولي، مسترشدين في ذلك بمبادئ المساواة وإدراك مفهوم ترابط مصير جميع الشعوب.

وتشير التقديرات الحالية إلى وجود فجوة كبيرة في تمويل آليات التكيف مع تغير المناخ في الدول النامية. ويرى العديد من الباحثين أن هذه الفجوة قد تكون أكبر مما هو متوقع نظرًا لأن القيمة الإجمالية لتمويل آليات التكيف ربما لم تُقدَّر على نحو صحيح.35 ويشير أحد التقديرات إلى أن تكاليف التكيف السنوية التي تتكبدها الدول النامية قد تتراوح بين 160 و340 مليار دولار بحلول عام 2030. وفي ظل تزايد أهمية التكيف مع تغير المناخ بمرور الوقت وزيادة شدة التغييرات المناخية، من المتوقع أن ترتفع التكاليف السنوية للتكيف لتصل إلى ما بين 315 و565 مليار دولار بحلول عام 2050، كما هو موضح في (الشكل 3).36 وتجدر الإشارة إلى أن التكلفة الإجمالية على المستوى العالمي سترتفع بشكل ملحوظ، حيث أن هذه التقديرات لا تشمل النفقات اللازمة للتكيف في الدول المتقدمة.

3

في عام 2020، بلغ إجمالي التدفقات المالية الثنائية العامة المتعلقة للمناخ، والتي تشمل مشاريع التخفيف من آثار تغير المناخ والتكيف مع تغير المناخ، والمخصصة للدول النامية 33 مليار دولار فقط، حسبما ذكر برنامج الأمم المتحدة للبيئة. وخُصص 37% فقط من هذا المبلغ، أي ما يعادل 12 مليار دولار، لمشروعات التكيف مع تغير المناخ، بينما صُنفت 24% أخرى على أنها تدفقات مالية تشمل كلاً من إجراءات التخفيف من تغير المناخ والتكيف معه37

وتتضمن إحدى الجوانب الأساسية لإجراءات التكيف مع تغير المناخ إنشاء آليات فعالة تضمن توجيه التمويل إلى المناطق الأكثر تضررًا في العالم وتعزيز قدرات جميع المجتمعات الضعيفة على التكيف. وفي حالة استخدام الديون كوسيلة لهذا التمويل، من الضروري أيضًا بذل الجهود الرامية لخفض إجمالي الديون المتعلقة بالمساعدات المناخية. ويؤدي ارتفاع تكاليف الاقتراض إلى تراكم أعباء الديون على الدول النامية والمجتمعات أو المناطق ذات الدخل المنخفض في الدول المتقدمة، مما يؤثر سلبًا على استقرارها المالي على المدى الطويل ويحد من قدرتها على التكيف مع تحديات تغير المناخ المستمرة. وفي وقتنا الحالي، يأتي حوالي 70% من إجمالي تدفقات تمويل المناخ من دول الشمال العالمي إلى دول الجنوب العالمي على شكل تمويل بالدين، وتمثل القروض منخفضة التكلفة أو الميسرة حوالي 10% منها فقط. وفي عام 2020، دفعت الدول النامية 400 مليار دولار لسداد إجمالي الديون، وهو ما يعادل نحو أربعة أضعاف حجم المساعدات المالية المقدمة لها لمواجهة آثار تغير المناخ38

الحوكمة والمؤسسات والالتزامات

لتحقيق الأهداف المنشودة، يجب تأسيس مؤسسات وسياسات حاكمة فعّالة وتوعية المجتمع وتعزيز مشاركته الفعالة، إلى جانب ضمان التزام القادة في القطاعين العام والخاص على المستويين الدولي والمحلي.

8. مؤسسات وسياسات حاكمة فعالة: تلعب المؤسسات والسياسات الحاكمة الفعالة دورًا محوريًا في دعم استراتيجيات التكيف مع تغير المناخ. وتساهم هذه المؤسسات، على الأصعدة المحلية والإقليمية والدولية، في تحديد الأهداف المشتركة ووضع المعايير وتبادل أفضل الطرق والممارسات. كما أن لديها القدرة على ضمان الحصول على المعلومات والبيانات حول التكيف مع تغير المناخ (المطلبين الأول والثاني) وإرساء معايير لتحقيق النمو المستمر وتنفيذ الخطط واستحداث آليات فعّالة لإدارة المخاطر والتمويل (المطلبين الخامس والسادس). بالإضافة إلى ذلك، تعمل هذه المؤسسات على التعاون مع المجتمعات المتضررة بالتغييرات المناخية وتقديم الدعم لها (المطلب السابع).

على سبيل المثال، اتخذت اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ خطوات ملموسة من خلال وضع معايير وشروط خاصة بخطط التكيف الوطنية للدول النامية وتقديم التمويل والدعم الفني اللازم لها. بالتوازي مع ذلك، طلب الاتحاد الأوروبي من جميع الدول الأعضاء تقديم خططها الوطنية. علاوة على ذلك، يتأثر التقدم في القطاع الخاص جزئيًا باللوائح التنظيمية الحالية أو المستقبلية، مثل القاعدة المقترحة من قبل هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية.

ويمكن للهيئات المعنية بوضع المعايير تحديث معاييرها وسياساتها القائمة لتأخذ بعين الاعتبار تقديرات المخاطر المستقبلية وتطوير معايير خاصة لقياس المخاطر المناخية وإعداد تقارير عنها، بالإضافة إلى تحديد إجراءات التكيف التي يتعين على المؤسسات أو المجتمعات اتباعها. على سبيل المثال، تعمل هيئة تنظيم المرافق في ولاية كاليفورنيا على تحسين نماذجها وخططها المتعلقة بكفاية الموارد، حيث تطلب من شركات الكهرباء ضمان توفير الطاقة الكافية لمواجهة الأحداث المناخية الهائلة مثل موجات الحر التي تسببت في انقطاع الكهرباء في أغسطس 2020.39 على صعيد آخر، يتيح مشروع قانون مجلس النواب رقم "2555" لهيئات المرافق وضع الخطط المناسبة لمواجهة الظروف الجوية القاسية والحصول على التمويل اللازم لتنفيذها.40

إلى جانب ذلك، يمثل وضع المعايير عنصرًا حاسمًا ليس في التشجيع على اتخاذ إجراءات التكيف فحسب، بل أيضًا في الحيلولة دون الوقوع في فخ سوء التكيف. على سبيل المثال، يمكن لهذه المعايير أن تحدد ضوابط لكفاءة استهلاك الطاقة في أجهزة تكييف الهواء وأن تفرض استخدام مبردات من شأنها أن تساعد نسبيًا في الحد من ظاهرة الاحتباس الحراري العالمي. كما يجب أن تحرص الهيئات التنظيمية على إشراك المجتمعات المتضررة على نحو فعال في عملية صنع القرارات.

تواجه عملية تطوير المؤسسات والسياسات الفعالة في القطاع العام عدة عقبات. من جهة، تتعامل المؤسسات الحاكمة مع تحديات معقدة تشمل الاضطرابات الجيوسياسية التي باتت أكثر تعقيدًا مقارنةً بالعقود الخمسة الماضية41 ، إلى جانب الصراعات والتوترات الدولية. بالإضافة إلى ذلك، ثمة تحديات تتعلق بالاقتصاد الكلي مثل ارتفاع معدلات الديون والتضخم والبطالة42. كما تواجه هذه المؤسسات تحديات أخرى تتعلق بالصحة العامة، من بينها التداعيات الناجمة عن جائحة كورونا، وتغير ديموغرافية السكان وزيادة أعباء الرعاية الصحية43. وفي المرحلة القادمة، يجب أن يبحث صانعو القرار المسؤولون عن البنية التحتية الأساسية (مثل الطاقة والمياه والنقل) ووضع المعايير المدنية (بما في ذلك قوانين البناء وتنظيم القطاع المالي وقطاع التأمين) عن سُبل دمج استراتيجيات التكيف مع تغير المناخ مع السياسات العملية. ويتضمن ذلك بذل الجهود من أجل تحقيق التوازن بين خطط التكيف ومعالجة أولويات أخرى ملحّة. وقد تكون هناك ضرورة لإنشاء مؤسسات أو سياسات جديدة لتحسين توجيه جهود التكيف مع المناخ وتنسيقها.

9. الوعي والمشاركة المجتمعية: في إطار إدارة المخاطر المرتبطة بتغير المناخ، تبرز أهمية كبيرة للتغييرات في السلوكيات وكيفية التعامل مع المخاطر، حيث إن نجاح استراتيجيات التكيف مع تغير المناخ يعتمد بشكل رئيسي على مدى استجابة المجتمعات المعنية أو المتضررة واستعدادها للمشاركة. وأثناء صياغة هذه الاستراتيجيات، يجب أن تأخذ الأطراف الفاعلة في القطاعين العام والخاص، التي تؤثر قراراتها على المجتمعات أو مجموعات كبيرة أخرى من الأشخاص، في اعتبارها ثلاثة مبادئ أساسية: أولًا، تطوير استراتيجيات التكيف مع تغير المناخ بما ينسجم مع مصالح المجموعات المتضررة، ثانيًا، ضرورة التشاور عن كثب مع المجموعات المتضررة أثناء مرحلة تطوير الاستراتيجيات، وثالثًا، تعزيز مشاركتهم الفعالة في مراحل الإطلاق أو التنفيذ.

ولتحقيق أهداف استراتيجيات التكيف، ينبغي للأطراف الفاعلة في القطاعين العام والخاص اعتبار المشاركة المجتمعية عنصر أساسي في هذه الاستراتيجيات. وتواجه هذه الاستراتيجيات تحديات جمة، خاصةً عندما يتعلق الأمر بتغيير العادات والأولويات المترسخة في المجتمع. وإذا لم تأخذ هذه الأطراف بعين الاعتبار الخصائص المحلية والسياق الاجتماعي للمجتمعات المعنية، قد ينتهي بهم الأمر إلى تطبيق أساليب تكيف غير مناسبة. وقد يؤدي هذا إلى تحقيق الفائدة لبعض الفئات دون غيرها، مما يخلق تفاوتات في العدالة بين مختلف المجموعات.

إن نجاح استراتيجيات التكيف مع تغير المناخ يعتمد بشكل رئيسي على مدى استجابة المجتمعات المعنية أو المتضررة واستعدادها للمشاركة.

ففي زيمبابوي، نجد مثالاً ملهمًا للمشاركة المجتمعية، حيث هناك أكثر من 500 جمعية تعاونية لفقراء المناطق الحضرية، وتتولى هذه الجمعيات إدارة صناديق القروض المبنية على الادخار لدعم التنمية المحلية وأنشطة التكيف. وتتمتع هذه الصناديق بخاصية هامة، وهي أن ملكيتها وإدارتها تعود إلى المجتمعات نفسها التي تخدمها. وبفضل الاعتماد على موارد متنوعة مثل المدخرات المحلية والتمويل الحكومي والتبرعات، تتمكن هذه الصناديق من الاستجابة بكفاءة لحالات الطوارئ المناخية. وتساهم هذه الجمعيات في تمكين المجتمعات المحلية وأفرادها من تمويل مبادراتهم المتعلقة بالتكيف والتعافي، وذلك من خلال تقديم قروض بأسعار فائدة منخفضة وثابتة.44 ورغم أن هذا النموذج يؤدي إلى زيادة الديون، إلا أنه يتميز بأن المجتمع هو من يملك هذه الديون ويختار المشاريع على الصعيد المحلي، مما يعكس مثالاً قويًا على سياسة اللامركزية، حيث تتخد السلطات الأدنى هذه القرارات. وفي هذا السياق، بدأت المشاركة المباشرة للمجتمعات في التخطيط لمشاريع التكيف مع تغير المناخ وتنفيذها، فيما يُعرف بـ"التكيف الذي تقوده المجتمعات المحلية"، تظهر كتوجه جديد ويتسع نطاقه على الصعيد العالمي، مع وجود العديد من الأمثلة في مختلف أنحاء العالم.45 ومع ذلك، فإن الجهات الفاعلة في القطاعين العام والخاص، التي تسعى إلى التعاون على نحو أوثق مع هذه المجتمعات التي يقدمون خدماتها لها (أو يعتبرون مسؤولون عنها)، تواجه تحديين أساسيين.

أولًا، يجب على المنظمات المجتمعية أن تتسلح بمعرفة شاملة ليس فقط حول طبيعة المخاطر المناخية التي تواجهها، بل أيضًا حول الخيارات المتاحة أمامها للتكيف مع هذه المخاطر. ومن المهم أيضًا أن تدرك كيف يمكن لهذه الخيارات أن تخدم مصالحها، بالإضافة إلى تقييم الفوائد والتحديات المرتبطة بكل استراتيجية على حدة. علاوة على ذلك، يتوجب على الأفراد المشاركين في هذه المنظمات اكتساب المعرفة اللازمة وتنمية مهاراتهم في التواصل والتفاعل لكي يتمكنوا من نقل هذه المعرفة بكفاءة وتحفيز المجتمعات المحلية على المشاركة بنشاط في الحوارات المتعلقة بالتكيف وإجراءاته.

ثانيًا، على الرغم من المزايا التي تقدمها اللامركزية في اتخاذ القرارات، إلا أنها قد تحمل أيضًا مخاطر متعلقة بسوء التكيف، خاصةً عندما تكون الدوافع السلبية هي ما تحدد أولويات المجتمع. على سبيل المثال، في بعض الحالات، أسفرت الجهود التي تقودها المجتمعات المحلية للتكيف مع تغير المناخ عن السعي وراء حماية أسعار العقارات على المدى القريب، مما قد يؤدي إلى إغفال بعض الخيارات الهامة للتكيف في مراحل البحث والتخطيط.46

10. التزام متبادل وشامل من قادة القطاعين العام والخاص على المستويين المحلي والعالمي: لتطوير خطط تكيّف فعالة، يجب تنسيق الجهود بين المشاركين من مختلف القطاعات والمناطق الجغرافية وعبر الأزمنة. ويتطلب هذا التنسيق التزامًا مشتركًا من القطاعين العام والخاص. وفي هذا السياق، يجب على قادة القطاع العام وضع خطط متماسكة مبنية على ترتيب أولويات المخاطر التي تعبر عنها بوضوح وتحديثها باستمرار. وفي الوقت ذاته، يتوجب على قادة القطاع الخاص التفكير في الإجراءات اللازمة للحفاظ على نماذج أعمالهم أو تعديلها عبر سلسلة القيمة. ويحتاج القطاع المالي، بشكل خاص، إلى استكشاف فرص لتمويل خطط التكيف وابتكار طرق جديدة لنقل المخاطر. ومن الضروري أيضًا أن يتعاون قادة القطاعين العام والخاص كما هو مطلوب في المرحلة الانتقالية نحو تحقيق صافي الانبعاثات الصفرية، وإقامة البنى التحتية المطلوبة وإجراء التعديلات الاقتصادية والاجتماعية اللازمة لوضع خطط تكيف ناجحة.

ويتخذ التعاون الفعّال أشكالاً متنوعة. ففي القطاع العام، من الضروري أن تتعاون مختلف المجموعات والهيئات معًا لمواجهة التحديات. على سبيل المثال، يستلزم التكيف مع الارتفاع في درجات الحرارة تنسيقًا بين الجهات المسؤولة عن الطرق والبنية التحتية والصحة العامة وإدارة المياه. ويمتد هذا التعاون ليشمل أيضًا التنسيق بين الحكومات المحلية والوطنية. من جهة أخرى، يتعين على الهيئات العامة والخاصة تنسيق جهودها لضمان توافر التكنولوجيا المناسبة والتمويل وآليات نقل المخاطر، فضلاً عن تنفيذ حلول التكيف. كما يحتاج الأمر إلى التزام وتنسيق على المستوى العالمي، مثل توجيه التمويل إلى المناطق الأكثر احتياجًا لحلول التكيف في العالم وتطوير أفضل الممارسات ومشاركتها. وتقدم الشراكات بين القطاعين العام والخاص فرصة مميزة لتعزيز هذا التعاون.

ولا يقتصر التزام قادة القطاعين العام والخاص فقط على المناطق الجغرافية المختلفة، بل يجب أيضًا ضمان استمرار هذا الالتزام على مر الزمن. وفي الوقت الحاضر، يرى الكثير من القادة أن التخطيط واتخاذ الإجراءات لفترات زمنية طويلة قد لا يكون عمليًا. ومع ذلك، يستلزم التكيف مع التغيرات المناخية في بعض مناطق العالم إجراءات سريعة وعاجلة. علاوة على ذلك، القرارات التي تُتخذ اليوم لها تأثيرات طويلة المدى مثل القرارات المتعلقة ببناء البنية التحتية الجديدة من قبل الحكومات المحلية أو إنشاء المصانع الجديدة من قبل شركات القطاع الخاص. لذا، من الضروري أن يأخذ أصحاب الشأن في الحسبان أهمية خطط التكيف في عملية اتخاذ القرارات اليومية.

أجندة أعمال القادة

يتطلب الأمر اتخاذ إجراءات مستدامة وفعالة في جميع الجوانب العشرة المُحددة مسبقًا. وكخطوة بداية، ينبغي لصانعي القرار التركيز على العناصر التالية:

يجب إجراء تقييمات دقيقة للمخاطر المناخية لتحديد السيناريوهات التي قد تتسبب في خسائر. أولاً، ينبغي معالجة القضايا المهمة مثل تحديد نسبة الخسارة المتوقعة في مختلف سيناريوهات الاحتباس الحراري (مثل 1.5 درجة مئوية، 2 درجة مئوية وغيرها) وتحديد توقيت حدوث حالات الاحتباس الحراري. ومن الضروري إجراء تحليلات شاملة تشمل منحنيات الضرر اللاخطية وتقييم الأحداث المحتملة، بدلاً من الاعتماد على نهج مبسط يعتمد على تغير المتوسطات ومنحنيات الضرر.

ينبغي تحديد الحد الأقصى لخطط التكيف الممكنة مع المخاطر التي تواجهها. فلا تنطلق من فرضية أنه يمكن التكيف مع جميع المخاطر المناخية أو القضاء عليها تمامًا. ومن المهم أيضًا الأخذ في الاعتبار احتمالية الحاجة إلى إجراء تغييرات جذرية لتقليل هذه المخاطر، مثل تعديل استراتيجية إدارة الأصول واختيار المواقع.

يجب نشر النتائج بشكل واسع النطاق. ولضمان تحقيق مستوى الوعي المطلوب وتحفيز التعاون اللازم، من الضروري تشجيع تبادل المعلومات حول الموارد المتاحة والمخاطر والتحديات المحتملة في مختلف سيناريوهات المناخ بحرية.

من الضروري اتخاذ خطوات مدروسة للتكيف مع تغير المناخ اليوم واستغلال الفرصة المتاحة حاليًا لهذا الغرض. ويجب التعاون مع قادة آخرين لبناء شراكات تركز على المستقبل. كما أنه يجب التصرف بمسؤولية وتخصيص الاستثمارات الآن لتحقيق هذا الغرض وتمكين القادة المستقبليين من امتلاك الأدوات اللازمة للتصدي بفعالية للتغيرات المناخية الجديدة التي سيواجهونها بالتأكيد.

Explore a career with us