حقق قطاع التجميل، بفئاته المختلفة من العطور ومستحضرات العناية بالبشرة والشعر ومستحضرات التجميل، عائدات بلغت قرابة 430 مليار دولار في عام 2022. ويسجل القطاع اليوم مسيرة نمو تصاعدي في جميع فئاته، بعدما أبدى مرونة كبيرة وقدرة على التأقلم في ظل الأزمات الاقتصادية وتقلبات الاقتصاد الكلي العالمية، ما جعله وجهة للعديد من كبار الممولين وأبرز المشاهير وغيرهم من الراغبين بدخول القطاع. وبعد تحقيقه انتعاشًا كبيرًا منذ ذروة أزمة كوفيد-19، من المتوقع أن يتابع قطاع التجميل نموه بمعدل نمو سنوي يبلغ 6%، لتصل قيمته إلى 580 مليار دولار تقريبًا بحلول عام 2027 (الشكل 1). وبذلك يحقق القطاع نموًّا مماثلًا أو أعلى بقليل مقارنة بنمو القطاعات الاستهلاكية الأخرى، كالأزياء والأحذية والنظارات ومنتجات رعاية الحيوانات الأليفة والأغذية والمشروبات.
ويتسم قطاع التجميل بالحيوية والقدرة على الانتشار، ويتجه نحو التركيز على مجموعة متنامية من المنتجات وقنوات التوزيع والأسواق قبل نهاية العقد الحالي. ويأتي هذا التوجه مدفوعًا بتوجهات المستهلكين، لا سيما الأجيال الصاعدة، التي تعيد صياغة أفكارها عن الجمال مع تطور تصوراتها عن كل شيء، بدءًا من مفاهيم الاستدامة ودور المؤثرين وقادة الرأي، ووصولًا إلى أهمية العناية بالذات. ومن المتوقع أن يرتبط مفهوم الجمال بالفخامة والمنتجات الفاخرة بشكل عام، إذ تشير التوقعات إلى نمو فئة المنتجات الفاخرة بمعدل سنوي يبلغ 8% بين عامي 2022 و2027، مقارنة بمعدل نمو سنوي يبلغ 5% لفئة المنتجات المتوسطة، وذلك نتيجة لزيادة إنفاق المستهلكين على المنتجات الفاخرة، خاصة في فئتي العطور ومستحضرات التجميل.
كما نتوقع أن يشهد القطاع مزيدًا من المنافسة المحتدمة، في ظل بروز تحديات جديدة وسعي مجموعة كبيرة من العلامات المستقلة، التي دخلت السوق بنجاح على مدار العقد الماضي، إلى التوسع والانتشار. وسيدفع هذا الواقع العلامات العريقة وتجار التجزئة إلى تغيير استراتيجيات العمل كذلك، لا سيما وأن 42% من المشاركين في استبيان ماكنزي لعام 2023، والذي شمل مستهلكين من الصين وفرنسا وألمانيا وإيطاليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، قد أعربوا عن استمتاعهم بتجربة منتجات العلامات الجديدة، ما ينسجم تمامًا مع حركية القطاع المدفوعة بالتوجهات السائدة. وأشار الاستبيان إلى اتساع نطاق الشرائح السعرية التي ينفق فيها المستهلكون، كما أكد على التأثير الكبير للمتاجر الإلكترونية والتقليدية على سلوك التسوق لديهم. ومن المتوقع أن يساهم تفضيل المستهلكين للتسوق متعدد القنوات في تعزيز حضور العلامات العريقة عبر المتاجر الإلكترونية من جهة، وتقوية حضور العلامات المستقلة الناشئة ضمن المتاجر التقليدية من جهة أخرى.
وسجلت التجارة الإلكترونية نموًّا بواقع أربعة أضعاف في قطاع التجميل بين عامي 2015 و2022، لتتجاوز نسبة مبيعاتها اليوم 20%، ولا يزال المجال أمامها مفتوحًا لتحقيق مزيد من النمو والانتشار. وبالمقارنة، بلغت نسبة التجارة الإلكترونية 30% في فئتي الأزياء والأحذية، وحوالي 65% في فئتي الألعاب والدُّمى خلال عام 2022.
المزيد من الرؤى والتقارير من ماكنزي باللغة العربية
للمزيد من الرؤى والتقارير من ماكنزي باللغة العربية شاهد مجموعة المقالات الخاصة بنا باللغة العربية، واشترك في النشرة الإخبارية العربية الشهرية
ويعود نمو التجارة الإلكترونية في قطاع التجميل إلى عدة عوامل، كازدياد العروض على منتجات القطاع من المتاجر الإلكترونية الكبرى، مثل أمازون في الولايات المتحدة وتي مول في الصين، إلى جانب التحول الرقمي المتزايد لشركات البيع المباشر للمستهلكين، والأهمية المتنامية للتجارة الإلكترونية بالنسبة لمتاجر التجزئة متعددة القنوات، إضافة إلى ازدهار التجارة على مواقع التواصل الاجتماعي، مثل عروض البث المباشر في آسيا. ومن المتوقع أن تواصل التجارة الإلكترونية نموها بوتيرة هي الأسرع بين قنوات البيع، بمعدل سنوي يبلغ 12% بين عامي 2022 و2027، إلى جانب تحقيق قنوات البيع التقليدية، من متاجر التجزئة المخصصة ومتاجر البقالة والصيدليات، انتعاشًا بعد انتهاء أزمة كوفيد-19، مدفوعة بتفضيل المستهلكين للتسوق متعدد القنوات، والناجم عن رغبتهم الدائمة في استكشاف المنتجات وتجربتها داخل المتجر (الشكل 2). في حين تشير التوقعات إلى استمرار تراجع حصة المتاجر الكبرى في الأسواق العالمية.
تغيرات مستمرة في هيكلية القطاع وتنافسيته
تبرز الأهمية المتزايدة لموقع الانتشار والتسويق، إلى جانب استراتيجية المنافسة، نتيجة للتغير المستمر في توجهات النمو الأساسية. وتؤثر الديناميكيات المتغيرة سلبًا على فعالية أساليب العمل التقليدية التي اعتمدها القطاع على مستوى العالم خلال العقد الماضي، وتضطر العلامات إلى إعادة تقييم استراتيجياتها العالمية، والتركيز بشكل أكبر على المنتجات المخصصة، والاهتمام بالفروق الدقيقة.
وسيلعب تنويع الحضور الجغرافي دورًا محوريًّا أكثر من أي وقت مضى. فحتى وقت قريب، كان بوسع العلامات التركيز على تعزيز حضورها في أهم دولتين في القطاع فقط، وهما الصين والولايات المتحدة. وعلى الرغم من محافظة كلا الدولتين على مكانة رائدة في القطاع، مع توقعات بوصول قيمة قطاع التجميل إلى 96 مليار دولار في الصين و114 مليار دولار في أمريكا الشمالية بحلول عام 2027 (الشكل 3)،
ستواجه العلامات المستقلة صعوبة أكبر في تحقيق النمو في أسواق الدولتين في ظل المنافسة الكبيرة بين العلامات المحلية والأجنبية فيها. وبالمقابل، تستعد دول أخرى كالهند ودول الشرق الأوسط لجذب الاهتمام، من خلال توفير إمكانات نمو فريدة لفئات معينة وشرائح سعرية محددة. لذا فمن المرجح أن تعمد العديد من العلامات إلى رسم استراتيجياتها الجغرافية بما ينسجم مع التوجه العالمي الجديد، الذي يفرض الاعتماد على مجموعة متنوعة من أساليب التسويق المحلية المخصصة.
كما تتيح المناطق الجغرافية المختلفة فرصة نمو جديدة لمنتجات وخدمات الفئة العليا من الشرائح السعرية، التي تتضمن المنتجات الفخمة والفاخرة في القطاع، والتي يمكن أن تتضاعف قيمتها من قرابة 20 مليار دولار اليوم وصولًا إلى حوالي 40 مليار دولار بحلول عام 2027.
خمسة تغيرات أساسية
تمثل السنوات القليلة المقبلة فترة مليئة بالتغيرات والتحولات وغنية بالفرص والتحديات الجديدة لقطاع التجميل. وتواصل الأرباح العالية التي يدرها القطاع استقطاب الشركات الناشئة والمستثمرين الجدد، مع وصول هامش الأرباح قبل الفائدة والضرائب والاستهلاك وإطفاء الدين إلى 30%. وفي ضوء محدودية الشواغر المتوفرة في مشهد القطاع، سيكون على العلامات الناجحة التأقلم مع التوجهات الجديدة، وتوفير عروض فريدة وعالية القيمة، توازيًا مع احتدام المنافسة في السوق، وازدياد متطلبات المستهلكين. وتتضمن الديناميكيات الرئيسية ما يلي:
- إعادة رسم مخططات النمو. يبدو أن دور الصين المحوري في تنمية القطاع سيشهد تراجعًا ملحوظًا، بسبب تباطؤ النمو واشتداد المنافسة على الصعيد المحلي. ونتيجة لذلك، ستكتسب أسواق الولايات المتحدة مزيدًا من الأهمية، مع توقعات بتسجيلها نموًّا قويًّا خصوصًا خلال السنوات القليلة القادمة، ما سيجعلها أسواقًا تنافسية بالنسبة إلى العلامات العريقة، ووجهة غنية بالفرص للشركات الجديدة الناشئة. ومن جانب آخر، تشير التوقعات إلى مساهمة دول الشرق الأوسط في دفع عجلة نمو القطاع خلال الفترة ذاتها، إضافة إلى بروز الهند كوجهة جذابة جديدة على المدى البعيد.
- نمو قطاع العافية. يزداد اهتمام المستهلكين واستخدامهم لمنتجات وخدمات قطاع التجميل، بهدف اكتساب مظهر جميل ينعكس عليهم بمشاعر إيجابية، الأمر الذي يضفي مزيدًا من الضبابية على الحدود بين الجمال والعافية، ويفتح أمام العلامات وتجار التجزئة والمستثمرين آفاقًا جديدة من الفرص المشتركة في السوق العالمي بقيمة تصل إلى تريليوني دولار. وقد تزايد إقبال المستهلكين، الذين يولون اهتمامًا أكبر للعناية بأنفسهم ودعم صفائهم الذهني، على منتجات العناية بالصحة، وجعلوها جزءًا من حياتهم اليومية بعد جائحة كوفيد-19، كمستحضرات العناية بالبشرة، ومستحضرات التجميل المحتوية على الخمائر وعناصر الطب البديل "أيورفيدا" والمكملات القابلة للهضم، إلى جانب أجهزة التجميل كأقنعة LED للوجه. ويسهم هذا الواقع في تعزيز التداخل بين قطاعي العافية والتجميل خلال السنوات القادمة، مع توقعات بنمو قطاع العافية بمعدل نمو سنوي مركب يبلغ 10% حتى عام 2027، الأمر الذي سيوفر فرصة جديدة تمامًا، تمنح الشركات المبادرة مزايا فريدة ومكاسب كبيرة
- تأثير الجيل زد. يتفحص شباب جيل ما بعد الألفية منتجات العلامات التجارية عن كثب في سبيل بحثهم عن القيمة الحقيقية. وأشار حوالي نصف المشاركين في الاستبيان من جيل الألفية وما بعده عن إجرائهم بحثًا دقيقًا حول مكونات المنتجات وفوائدها قبل شرائها، بالمقارنة مع ثلث المشاركين من الجيل إكس وخُمس المشاركين من مواليد فترة الطفرة السكانية. ويطالب شباب الجيل زد العلامات التجارية بالالتزام بالقضايا الأخلاقية، كالتركيز على الاستدامة والتنوع والشمولية، إلى جانب الشفافية وتوفير المنتجات الفعالة. كما يحترمون العلامات التي تتميز بطابع أصيل وقصة ملهمة تتخطى حدود المنتجات، وتعامل المستهلكين كعائلة واحدة كبيرة. وانطلاقًا من اهتمام الشباب بمنتجات وخدمات القطاع، بهدف التحلي بمشاعر إيجابية تساعدهم على التعبير بصراحة عن أنفسهم بدل التقيد بالقيم الثقافية الخاصة، يساهم شباب الجيل في تحدي المفاهيم والأفكار التقليدية عن الجمال الجسدي والفروقات الجنسية وفئات المنتجات على حد سواء.
- الحاجة إلى التوسع. على الرغم من استفادة عدد كبير من العلامات المستقلة الجديدة من التسهيلات المتزايدة للدخول إلى القطاع خلال العقد الماضي، لا تزال العديد من الشركات عاجزة عن تسجيل نمو مستدام يتجاوز مرحلة الانطلاق الناجح نحو تحقيق توسع حقيقي وفعال. فمن بين العلامات الـ 46 التي تم تأسيسها منذ عام 2005 والتي حققت مبيعات تتراوح بين 50 و200 مليون دولار بحلول عام 2017، نجحت 5 علامات فقط في تجاوز حاجز 250 مليون دولار في مبيعات التجزئة العالمية بعد خمس سنوات في عام 2022. فيما نجحت علامتان فقط في تسجيل مبيعات تخطت 750 مليون دولار. لذا يتوجب على العلامات التركيز على التوسع متعدد القنوات وتعزيز حضورها العالمي، لتتمكن من التوسع والانتشار بنجاح. فيما يمكن لتوسيع فئات المنتجات أن يعود بأقصى فائدة ممكنة عند نمو العلامة وتوسعها بما يساهم في تعزيز وحماية عروضها الفريدة وعالية القيمة.
- تغيير استراتيجيات عمليات الاندماج والاستحواذ. ستواصل عمليات الاندماج والاستحواذ لعب دور مركزي في قطاع التجميل، وسط الاهتمام المتزايد في القطاع من مختلف الأطراف، من صناديق الاستثمار الاستراتيجية وحتى صناديق الأسهم الخاصة. وكما هو الحال خلال السنوات الماضية، سيستمر المستثمرون الماليون والتكتلات الاستثمارية في عقد صفقات الاستثمار في العلامات الواعدة، لكنها لن تكون على نطاق واسع كما في السابق حين كانت تكلفة رأس المال منخفضة. ومن المرجح أن يتم عقد عدد محدود من الصفقات الضخمة المتباعدة على المدى القصير، في ظل الاضطرابات العاصفة بالسوق. إضافة إلى ذلك، ستشهد معايير تحديد أهداف عمليات الاندماج والاستحواذ تحولًا من التركيز على العلامات المستقلة سريعة النمو في الوقت الحالي، إلى العلامات التي تتميز بخط إنتاج مبتكر، وتتمتع بقدرة بارزة على تحقيق النمو المستدام والأرباح العالية على المدى البعيد.
ستحمل السنوات القادمة جميع العوامل اللازمة لمضي قطاع التجميل في مسيرة النمو، من الاعتماد على قنوات بيع متنوعة ومرنة إلى حرص المستهلكين على التعرف على المنتجات الجديدة. كما ستفسح المجال أمام العلامات الرائدة والمنافسة في القطاع للاستفادة من باقة من الفرص الوفيرة لتحقيق الازدهار، من خلال تطوير استراتيجيات جديدة ومخصصة والاعتماد عليها في التأقلم مع تقلبات قطاع التجميل.
يتوفر التقرير الكامل الذي استندت هذه المقالة إليه باللغة الإنجليزية عبر الرابط، "حالة قطاع الموضة: قطاع التجميل" (بصيغة PDF وحجم 10 ميغابايت).