تحوّل الطاقة: الأجندة الخاصة بكل منطقة على المدى القريب

| تقرير

ملاحظة: إننا نبذل قصارى جهدنا للحفاظ على جميع التفاصيل الدقيقة عند ترجمة المقالة الإنجليزية الأصلية، ونعتذر عن أي جزئية مفقودة في الترجمة قد تلاحظونها من حين لآخر. نرحب بتعليقاتكم على البريد الإلكتروني التالي reader_input@mckinsey.com

يسود مسار تحول الطاقة حالة غير مسبوقة من غياب التنظيم مع نهاية عام 2022، ولا سيما مع تأثر الاقتصاد العالمي بأزمة كوفيد-19، والتضخم الكبير الذي أصابه خلال فترة التعافي، إضافةً إلى الصراع المأساوي في أوكرانيا وما نجم عنه من معاناة إنسانية وارتفاع تكاليف الطاقة والمخاطر التي تواجه أمن الطاقة. وتمثّلت الاستجابة الفورية لهذا الوضع في تزايد الاعتماد على الوقود الأحفوري على المدى القصير، وتراجع توافر الموارد اللازمة لتحقيق التحول، فضلًا عن تنامي التحديات التي تواجه جهود التنسيق الإقليمية والدولية.

وتزامنًا مع اقتراب العام الجديد الذي سيشهد إقامة مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ (كوب 28) المرتقب، لا بد من ضمان مرونة الطاقة والقدرة على تحمل تكاليفها، والسعي لخفض الانبعاثات الكربونية في الوقت نفسه. ويتطلب تحقيق هذه الأهداف تسريع اتخاذ الإجراءات اللازمة على المديين القريب والبعيد وتعزيز التنسيق فيما بينها، بدلًا من تأخير تطبيق هذه الإجراءات.

وتلخص هذه المقالة تقريرنا الكامل (الذي يمكن تنزيله بصيغة PDF من خلال الرابط)، الذي يسلط الضوء على الإجراءات التي يمكن للدول والمناطق في جميع أنحاء العالم اتخاذها على المدى القريب لضمان تحول أنظمة الطاقة، ومواصلة التركيز على تلبية احتياجات مرونة الطاقة والقدرة على تحمل تكاليفها، مما يحقق لها مسار تحوّل أكثر انتظامًا في هذا المجال.

المزيد من الرؤى والتقارير من ماكنزي باللغة العربية

شاهد مجموعة المقالات الخاصة بنا باللغة العربية، واشترك في النشرة الإخبارية العربية الشهرية

تصفح المجموعة

ويتناول التقرير هذه الإجراءات ضمن ثلاث فئات رئيسية، تشمل إجراءات قابلة للتطبيق على نطاق عالمي؛ وإجراءات تركز على تلبية الاحتياجات المحلية في مناطق محددة؛ وإجراءات يمكن اتخاذها من قبل الحكومات والمؤسسات المالية والشركات والأفراد ومختلف الجهات المعنية لضمان تحوّل أكثر انتظامًا.

ونركز في التقرير على الإجراءات الملحّة لتحقيق الأهداف قريبة المدى بحلول عام 2030، بدلًا من الحديث عن مسار التحول على المدى البعيد وتأثيراته المختلفة أو تأثيرات مساعي التحول المعمول بها في الوقت الحاضر. ونعتمد في توجهنا هذا على ثلاثة عوامل رئيسية، هي ضرورة الانتقال من الالتزامات إلى الخطط والإجراءات الواضحة؛ والتأكيد أن عملية تحول الطاقة تسير بوتيرةٍ بطيئة، لذا فإن الإجراءات المتخذة حاليًا تحتاج سنواتٍ عديدة لتحقيق النتائج المرجوة؛ والتشديد على ضرورة التحرك بسرعة وعدم تضييع الوقت.

تنامي زخم اعتماد مصادر الطاقة المتجددة لم يقابله انخفاض في الانبعاثات العالمية

تتقدم الجهود العالمية لاعتماد مصادر الطاقة النظيفة بوتيرةٍ متسارعة، حيث تضاعف إنتاج الطاقة المتجددة على مستوى العالم خلال العقد الأخير، وارتفعت نسبتها من إجمالي الطاقة الأولية المستهلكة من 9% عام 2011 إلى 13% في عام 2021. ويغطي مصطلح الطاقة المتجددة العديد من المصادر، بما فيها الطاقة المائية والطاقة الحرارية الأرضية. ونركز في التقرير على الطاقة الشمسية وطاقة الرياح بشكل أساسي.

ورغم هذا النمو في قطاع الطاقة المتجددة، نشهد زيادة الاعتماد على الوقود الأحفوري لتغطية الطلب المتزايد على الطاقة، والذي ارتفع على مستوى العالم بنسبة 14% بين عامي 2011 و2021، وتتم تلبيته من مصادر الطاقة عالية الكربون بشكل رئيسي. ونتيجةً لذلك، ارتفعت الانبعاثات العالمية الناجمة عن مصادر الطاقة بحوالي 5% خلال العقد الأخير، أي ما يعادل 1.7 جيجاطن من غاز ثاني أوكسيد الكربون، وحافظ الوقود الأحفوري على مساهمته المرتفعة في الطاقة الأولية عند 82% (الشكل 1).

1
The energy transition: A region-by-region agenda for near-term action Arabic version

ينبغي إذًا اتخاذ إجراءات جدّية وصارمة للوصول إلى الحياد المناخي وخفض استهلاك الوقود الأحفوري، لا سيما مع مواصلة الاعتماد عليه في جميع أنحاء العالم. وفي الوقت نفسه، يشير أحد السيناريوهات ضمن تقريرنا (والذي يأتي تحت عنوان "سيناريو تحقيق الالتزامات" ويفترض ارتفاع درجات الحرارة العالمية بواقع 1.7 درجة مئوية بحلول عام 2100)، إلى إمكانية أن يتجاوز الطلب العالمي على الغاز الطبيعي في عام 2030 مستوياته المسجلة خلال 2021، مع تراجع استهلاك النفط بأقل من 5% خلال الفترة نفسها. ويتطلب تأمين هذه الاحتياجات زيادة الاستثمار في الوقود الأحفوري لضمان مرونة الطاقة والقدرة على تحمل تكاليفها، كما يحتاج إنجاز التحول بطريقة أكثر انتظامًا إلى تحقيق التوازن بين تسريع عمليات إيقاف تشغيل الأصول منخفضة الكفاءة والمسببة للتلوث من جهة، مثل محطات توليد الطاقة من النفط والفحم، وزيادة الاستثمار تدريجيًا في عمليات إنتاج الطاقة منخفضة الانبعاثات من جهة أخرى. ويجدر بالاستثمارات في مجال الوقود الأحفوري أن تركز على الخيارات منخفضة الانبعاثات والأصول المرنة التي يمكن تعديل إنتاجها بسرعة توازيًا مع انخفاض الطلب لمواكبة أهداف الحياد المناخي. من الضروري كذلك اتخاذ الإجراءات وتقديم الاستثمارات اللازمة لخفض الانبعاثات الناجمة عن الوقود الأحفوري، بما فيها معالجة انبعاثات غاز الميثان واستخدام الكهرباء لتشغيل العمليات في قطاعي النفط والغاز.

شهد السياق الاجتماعي والاقتصادي اضطرابات حادة، وأصبح أكثر تأثرًا بجهود تحول الطاقة. فإلى جانب الخسائر البشرية المؤسفة، أسفرت الحرب في أوكرانيا عن ارتفاع كبير في تكاليف الطاقة والغذاء، فضلًا عن تفاقم مشكلة التضخم التي بدأت معالمها بالظهور خلال فترة التعافي من أزمة كوفيد-19، كما عززت أهمية تحقيق مرونة الطاقة والقدرة على تحمل تكاليفها. وأدت الجائحة أيضًا إلى اضطراب سلاسل التوريد العالمية وتضخّم تكاليف إنشاء مشاريع الطاقة وغيرها. وعززت هذه التحديات سوية الوعي، وحفزت اتخاذ إجراءات جديدة لإنجاز تحول الطاقة، ولا سيما في أوروبا.

وأثمرت مخرجات مؤتمر كوب 27 الشهر الماضي عن تجدد انعدام اليقين حول مساعي تحول الطاقة. ورغم أن المؤتمر ساهم في تعزيز التعاون والتنسيق الدوليين عبر تأسيس صندوق لتمويل الخسارة والأضرار في الدول الضعيفة، لكنه لم يلعب دورًا كبيرًا في تعزيز الجهود اللازمة لخفض الانبعاثات. ويكشف تقريرنا أن تحقيق الالتزامات الوطنية يعزز المساعي نحو تحقيق هدف 1.5 درجة مئوية، لكن إمكانية تحقيق هذه الأهداف أصبحت أقل وضوحًا بعد اختتام مؤتمر كوب 27.

ونشهد نموًا متواصلًا في المخاطر والتأثيرات الملموسة لأزمة المناخ، حيث كشف تقرير التقييم السادس الصادر عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ والتابعة للأمم المتحدة أن تنفيذ السياسات الحالية سيقود إلى وصول متوسط درجة الاحتباس الحراري إلى 2.4 - 3.5 درجة مئوية بحلول عام 2100، مما يجعل الوصول إلى هدف 1.5 درجة مئوية هدفًا بعيد المنال. كما يشير تحليل ماكنزي إلى إمكانية وجود فجوة سنوية تبلغ 2.4 جيجاطن من انبعاثات مكافئ ثاني أكسيد الكربون (والتي تمثّل 7% من انبعاثات الكربون الناتجة عن الطاقة في 2021) بين مسار التحول الحالي والمسار الذي يصفه سيناريو تحقيق الالتزامات. ويستلزم ردم هذه الفجوة زيادة الإنتاج السنوي من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح بحوالي ثلاث مرات، أي زيادة متوسط الإنتاج السنوي من حوالي 180 جيجاواط بين عامي 2016 و2021 إلى أكثر من 520 جيجاواط خلال العقد المقبل، مع تسريع زيادة الإنتاج بما يناسب كل منطقة على مستوى العالم (الشكل 2).

2
The energy transition: A region-by-region agenda for near-term action Arabic version

توجد خمسة نماذج رئيسية للدول من حيث الفرص والأولويات اللازمة لضمان تحوّل طاقة أكثر انتظامًا

ينطوي التحول الأكثر انتظامًا للطاقة على العديد من الفرص والتحديات والمخاطر التي تتوزع بصورة مختلفة في جميع أنحاء العالم. حيث تتميز بعض الدول بموارد طبيعية ومالية أفضل، في حين لا تمتلك جميع الاقتصادات المقومات اللازمة لمواجهة التحديات المرتبطة بتحويل موارد الطاقة لديها. لذا من الأفضل تحديد النماذج أو الفئات الرئيسية للدول ضمن سياق تحول الطاقة، مع تعريف الفرص والتحديات التي تواجه كل نموذج.

وتعتمد قدرة كل دولة على تحقيق تحول أكثر انتظامًا على مرونة قطاع الطاقة والقدرة على تحمل تكاليفها. ونذكر فيما يلي أهم ثلاثة عوامل لتحديد قدرة الدولة على إنجاز التحول، حيث يرتبط أول عاملين بمرونة الطاقة والأخير بالقدرة على تحمل تكاليفها.

العامل الأول: مدى اعتماد الدولة الاقتصادي على واردات الطاقة والقطاعات مرتفعة الانبعاثات على المدى القريب. تعتمد بعض الدول على استيراد موارد الطاقة، ولا سيما الوقود الأحفوري، لتحقيق أمن الطاقة لديها. وتشمل هذه الفئة ألمانيا وبعض الدول الأوروبية التي تعتمد بشكل كبير على إمدادات الوقود، إضافةً إلى الهند والصين اللتين تمثّلان أضخم مركزين سكانيين في العالم وتشهدان طلبًا مرتفعًا على الطاقة واستهلاكًا مترافقًا مع مستويات تلوث عالية.

العامل الثاني: مدى وصول الدولة إلى الموارد الطبيعية. تفتقر بعض الدول إلى المقومات الطبيعية التي تدعم إنتاج الطاقة النظيفة وتطويرها، مثل نقص المستويات الكافية من الرياح وأشعة الشمس، أو عدم توافر المساحات المناسبة لإنشاء المشاريع أو مخزونات الثروات المعدنية الطبيعية مثل النحاس والنيكل الضروريين لتحقيق تحول الطاقة.

العامل الثالث: امتلاك الدولة مواردًا مالية جاهزة للاستخدام والقدرة على استثمار رأس المال لدعم تحول الطاقة. يشير التقرير الذي أصدرناه في يناير 2022 حول الانتقال نحو الحياد المناخي إلى أن الحياد المناخي يتطلب استثمارات سنوية وسطية بقيمة 1 - 3.5 تريليون دولار أمريكي على مستوى العالم بحلول عام 2050؛ كما يستلزم تطوير الطاقة المتجددة وتأهيل الشبكات توفير استثمارات أولية. ومن المتوقع أن تظهر نتائج هذه الاستثمارات خلال فترات متعاقبة متمثلةً بانخفاض تكلفة التشغيل وتحسين مرونة الطاقة وتكلفتها. ويتطلب التحول أيضًا توجيه الاستثمارات لمعالجة مشكلة التكاليف العالقة في أصول الوقود الأحفوري، وإجراء الأبحاث والتطوير على نطاق واسع، وإعادة تدريب القوى العاملة، وتقديم شبكات أمان إلى المجموعات الضعيفة، إضافةً إلى تمويل تشغيل البُنى التحتية الناشئة لدراسة مدى كفاءتها وتطويرها. ومن جانبها، تواجه الدول الثرية والأقل ثراءً قيودًا على ميزانياتها في الوقت الحاضر، إلا أن الثرية منها تمتلك مواردًا أكثر وتحتاج إلى تقديم تنازلات أقل عند توفير الاستثمارات المطلوبة.

النماذج الخمسة

بناءً على تحليل العوامل الثلاثة المذكورة آنفًا، حددنا خمسة نماذج رئيسية للدول التي تواجه تحديات وفرصًا متشابهة في مسار التحول نحو الحياد المناخي (الشكلان 3 و4). ونرى أن كل نموذج يقدم إجراءات وأولويات متشابهة من شأنها تحقيق تحول أكثر انتظامًا برغم الفروقات الفردية لكل دولة. ويكشف التصنيف عدم وجود تكافؤ بين الدول والمناطق حول العالم من حيث أعباء تحول الطاقة وقدرة كل منطقة على مواجهة تحديات التكيف مع التحول والحد من آثاره، كما يؤكد ضرورة تعزيز التعاون وتنسيق الجهود الجماعية على مستوى العالم بما يتجاوز مستويات العمل المشترك الحالية. وعلى سبيل المثال، ارتفعت مستويات التمويل من القطاعين الحكومي والخاص في الدول النامية بشكل كبير، إلا أن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية رجّحت في تحليلٍ لها فشل تحقيق التمويل المستهدف للدول النامية، والبالغ 100 مليار دولار بحلول عام 2020، والذي تم الاتفاق عليه خلال مؤتمر كوب 15 في كوبنهاجن. وما زلنا لا نملك خطة واضحة لحشد التدفقات النقدية العالمية من الدول الثرية إلى نظيراتها الأكثر عرضة للمخاطر حتى اليوم، غير أن تحليل ماكنزي يؤكد قدرة الدول النامية على الاستفادة من الحلول الجاهزة، مثل تجنّب زيادة استخدام الفحم وانبعاثات غاز الميثان وتخفيض مستوياتها إن أمكن، والتي يمكن تحقيقها من خلال زيادة التدفقات النقدية. وتستفيد الدول الثرية من الوصول إلى مزيد من الموارد الطبيعية الأساسية من الدول النامية، والتي يحتاج استخراجها ومعالجتها بالشكل الأفضل إلى استثمارات إضافية.

3
The energy transition: A region-by-region agenda for near-term action Arabic version
4
The energy transition: A region-by-region agenda for near-term action Arabic version

1. الدول الثرية وذات المستوى المرتفع من أمن الطاقة. تشمل هذه الفئة أستراليا والمملكة العربية السعودية والولايات المتحدة، وتشكّل مجتمعةً 8% من التعداد السكاني العالمي و22% من انبعاثات الغازات الدفيئة على مستوى العالم. وتتميز هذه الدول بارتفاع إنتاجها المحلي من الطاقة، وبمستويات مرتفعة من نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي (والذي يعكس مخزون الدولة من الموارد المالية ورأس المال). ومن المتوقع أن تواصل هذه الدول تصدير موارد الطاقة خلال مسيرة التحول، لكنها قد تعدل استخدام موارد الطاقة لديها بما يناسب تحقيق أهداف خفض الانبعاثات الكربونية.

2. الدول الثرية المعرضة لمخاطر أمن الطاقة. تشمل هذه الفئة ألمانيا وإيطاليا واليابان، وتشكّل مجتمعةً 7% من التعداد السكاني العالمي و13% من انبعاثات الغازات الدفيئة على مستوى العالم. وتتميز هذه الدول بمستويات مرتفعة نسبيًا من نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، لكنها تواجه تحديات متعلقة بأمن الطاقة. وقد يتيح تحول الطاقة لهذه الدول فرصة الانتقال إلى إنتاج الطاقة النظيفة محليًا، في حين تستطيع بعض الدول المعتمدة على التصنيع بشكلٍ أكبر ضمن هذا النموذج إدخال مزيد من ممارسات التصنيع الصديقة للبيئة.

3. الدول الكبيرة مرتفعة الانبعاثات. تندرج الصين والهند وجنوب أفريقيا ضمن هذا النموذج، وتشكّل مجتمعةً 37% من التعداد السكاني العالمي و40% من انبعاثات الغازات الدفيئة على مستوى العالم. وتركز هذه الدول في تحولها نحو الحياد الكربوني على تحقيق التوازن بين استخدام موارد الطاقة النظيفة لتلبية الطلب المتزايد على الطاقة من جهة، وتقليل الاعتماد على أنواع الوقود الأعلى تسببًا بالانبعاثات من جهة أخرى، وبخاصة الفحم منخفض التكلفة والمُنتَج محليًا.

4. الدول النامية الغنية بالموارد الطبيعية. تنضوي البرازيل وإندونيسيا والمكسيك ضمن هذا النموذج، وتشكّل مجتمعةً 9% من التعداد السكاني العالمي و5% من انبعاثات الغازات الدفيئة على مستوى العالم. وتمتلك هذه الدول مقوماتٍ كبيرة لدعم التحول من خلال إنتاج الطاقة من الشمس والرياح وغيرها من الموارد الطبيعية الأساسية مثل المعادن النادرة. وتتمثّل أولوية هذه الدول في إعداد إطار عمل فعّال لتطوير هذه الموارد الطبيعية والانتقال إلى نموذج إنتاج مستدام.

5. الدول النامية المعرضة للخطر. يغطي هذا النموذج بعض المناطق في أفريقيا وجنوب شرق آسيا وعدد من الدول الجُزرية، وتشكّل مجتمعةً 11% من التعداد السكاني العالمي و5% من الانبعاثات العالمية. وتعتمد هذه الدول الزراعة بشكلٍ كبير، وهي معرّضة إلى مخاطر الأزمة المناخية بمستويات متفاوتة. وتفتقر بعض هذه الدول إلى المقومات اللازمة لتطوير قطاع الطاقة المتجددة لديها، إما بسبب التحديات المالية أو نقص الموارد الطبيعية، ويستلزم تحول الطاقة لديها تأمين خدمات البنية التحتية الأساسية والاستثمار في حلول التكيف مع تغير المناخ، والذي من المرجح أن يحتاج إلى دعم أجنبي بصورة رئيسية.

ثماني مجموعات من الإجراءات المشتركة بإمكانها إنجاز تحول أكثر انتظامًا للطاقة على مستوى العالم

تستطيع جميع الدول تطبيق مختلف مجموعات الإجراءات على المدى القريب لضمان تحول طاقة أكثر انتظامًا، إلا أن مدى تأثير الإجراءات وتفاصيل تطبيقها تختلف من دولةٍ لأخرى. وفي حين تهدف الإجراءات لمعالجة منظومة الطاقة بأكملها على مستوى العالم، تركز غالبيتها على جانب إنتاج الطاقة أكثر من استهلاكها. ومن الضروري تشجيع المستهلكين على اعتماد التقنيات الصديقة للبيئة، لكن معظم الإجراءات المقرر اتخاذها على المدى القريب ستكون موجهة بشكل أكبر على جانب العرض، مع التركيز بشكل أساسي على تعزيز إمكانية تطوير الأصول والبنية التحتية وخفض الانبعاثات الكربونية الناتجة عن إنتاج الطاقة.

ويعتمد هذا التحليل على مقالة نشرناها سابقًا تصنف المتطلبات الأساسية اللازمة لتحقيق تحول طاقة أكثر انتظامًا ضمن ثلاث فئات هي: البنى المادية الرئيسية؛ والتعديلات الاقتصادية والاجتماعية؛ والحوكمة والمؤسسات والالتزامات. وأصبحت العديد من هذه الإجراءات مفهومةً على نطاقٍ واسع، ونرى أنه من الممكن والضروري إحراز تقدم هادف في تطبيقها جميعًا بحلول نهاية العقد الحالي.

البنى المادية الرئيسية

1. تسهيل الوصول إلى الأراضي وتبسيط إجراءات منح التصاريح لاختصار الوقت وتسريع نشر إمكانيات الطاقة المتجددة والتكنولوجيا النظيفة. يعتمد تسريع تنفيذ المشاريع على تبسيط إجراءات استخراج التصاريح وتقليل عدد الهيئات المطلوبة للموافقة عليها، إلى جانب تسهيل الوصول إلى الأراضي من خلال إطلاق المشاريع التي تدعم المجتمعات المحلية وتطوير الحلول التي لا تحتاج مساحات برية مثل مزارع الرياح البحرية. كما يمكن توسيع المساحات المتوفرة لإنتاج الطاقة المتجددة من خلال الاستفادة من الأراضي البديلة، مثل الأراضي البور التي تدهورت نتيجة تأثرها بالنشاطات البشرية، أو الأراضي التي تضم الألواح الشمسية الزراعية وتستخدم في الزراعة وإنتاج الطاقة الشمسية الكهروضوئية، إلى جانب الحلول المبتكرة مثل مزارع الطاقة الشمسية العائمة.

2. تحديث البنى التحتية القديمة وإعادة توظيفها مع إنشاء أصول جديدة لتسريع دمج الطاقة المتجددة والتكنولوجيا النظيفة ضمن منظومة الطاقة. يمثّل الاستثمار في تطوير شبكة الطاقة وإعادة توظيفها خطوةً أساسية تضمن ربط المناطق ذات الإمكانات العالية لإنتاج الطاقة المتجددة ودمجها مع مراكز الطلب. كما من الضروري تطوير حلول مرنة جديدة مثل البطاريات، مع تعزيز التوافق بين المخزون والطلب على الطاقة من خلال برامج الاستجابة للطلب، والتي تشمل حوافزًا وحلولًا تقنية تتيح دعم الشبكة من خلال إعادة توزيع الأحمال وإمكانات إنتاج الطاقة. ويمكن أيضًا مواصلة الاستفادة من الأصول التقليدية، مثل محطات الغاز والأنابيب، لضمان توفير إمدادات كافية، ولكن بشرط تعديلها بشكل يضمن تخفيض استخدامها أو إعادة توظيفها بحيث تستخدم مزيج وقود صديق للبيئة مثل الهيدروجين.

3. تعزيز سلاسل التوريد العالمية لتأمين مستلزمات قطاع الطاقة من المواد الخام والمكونات والقوى العاملة المؤهلة. يجب على الدول وضع الاستراتيجيات اللازمة لتطوير الموارد بما يضمن المواءمة بين حاجتها للمواد والمكونات وبين المعروض المتوفر منها. وتشمل هذه الإجراءات الاستثمار في إعادة تصميم المنتجات لتشجيع إيجاد بدائل عن المواد المحدودة أو المعرضة للخطر. كما يساعد تعزيز ممارسات إعادة التدوير والاستخدام في تقليل الطلب على الموارد الأساسية، في حين تساهم إعادة جوانب محددة من سلاسل التوريد إلى مناطقها الأصلية في تطوير سلاسل التوريد المحلية. وبدورها، يساعد عقد الاتفاقيات والشراكات مع الموردين على المدى الطويل على توفير الحماية في مواجهة الاضطرابات التي قد تصيب إمدادات السلع الرئيسية.

4. خفض انبعاثات قطاعي الصناعة والنقل من خلال الاستثمار في تطوير التقنيات المبتكرة، مثل حلول الطاقة المعتمدة على الهيدروجين ومشاريع التقاط الكربون واستخدامه وتخزينه، وتعزيز الاعتماد على الكهرباء وكفاءة الطاقة. يساعد تقديم الحوافز لمشاريع الاستثمار في حلول الهيدروجين والتقاط الكربون واستخدامه وتخزينه في زيادة الطلب على الطاقة النظيفة في القطاعات التي يصعب إنجاز التحول ضمنها، وبالتالي دعم القطاعات القائمة على المنتجات الصديقة للبيئة. ويمكن أيضًا دعم تخفيض الانبعاثات الكربونية في الصناعات الخفيفة من خلال الاستثمار في زيادة الاعتماد على الكهرباء وكفاءة الطاقة، ويقابلها في قطاع النقل تقديم الحوافز اللازمة للتشجيع على استخدام وسائل النقل الخفيفة. بينما يساعد تسريع التقدم التكنولوجي على خفض فجوة التكاليف بين السيارات الكهربائية التي تعمل بخلايا الوقود والسيارات التقليدية ذات محركات الاحتراق الداخلي المستخدمة في النقل الثقيل.

التعديلات الاقتصادية والاجتماعية

5. الحد من وسائل إنتاج الطاقة مرتفعة الانبعاثات بهدف تخفيض البصمة الكربونية للوقود الأحفوري والحد من مخاطر الأصول العالقة. ينبغي على الدول تجنب إنشاء أصول جديدة لإنتاج الوقود الأحفوري أو توسيع المحطات الموجودة، ولا سيما الأصول مرتفعة الانبعاثات مثل محطات الفحم. ويمكن الارتقاء بأنظمة إنتاج الوقود الأحفوري من خلال ضمان توازنها مع الإنتاج المتغير للطاقة المتجددة وتوسيع أنظمة التخزين، إضافةً إلى وضع الآليات اللازمة لتطوير أصول توليد الطاقة الثابتة، أي المصادر التي تنتج طاقةً موثوقة وقابلة للضبط، من خلال تعزيز سعتها ومرونة قيمتها، حتى لو تراجعت معدلات الاستخدام في بعض هذه الأصول. وبالنسبة لاستخراج الوقود الأحفوري، ينبغي التركيز بالدرجة الأولى على استخدام الأحواض التي تسجل أقل انبعاثات كربونية ممكنة.

6. إدارة الاضطرابات الاقتصادية لزيادة القدرة على تحمل تكاليف الطاقة وتوفير فرص عادلة للمجتمعات المتأثرة والمعرضة للخطر. تلعب آليات التعويض، مثل الإعانات الحكومية، دورًا كبيرًا في مساعدة شرائح المستهلكين الأضعف على تحمل تكاليف الطاقة. كما ينبغي تسريع تنويع المساهمات الاقتصادية في الناتج المحلي الإجمالي وتعزيز حضور القطاعات الصناعية في مختلف المناطق، ولا سيما التي تعتمد أكثر على الوقود الأحفوري. وبهذا السياق، من الضروري توفير شبكات أمان للعاملين في القطاعات المعرضة للخطر مثل التعدين، مع إطلاق برامج صقل المهارات لبناء جيل جديد من الكفاءات التي تواكب احتياجات تحول الطاقة.

الحوكمة والمؤسسات والالتزامات

7. تطوير منظومة مستقرة وجذابة من برامج المكافآت، وتصاميم السوق، وهيكليات الشراء لاستقطاب الاستثمارات في الطاقة المتجددة والتكنولوجيا النظيفة. يمكن الاستفادة من برامج الشراء منخفضة المخاطر، مثل اتفاقيات شراء الطاقة الافتراضية (التي لا تتضمن توصيل الكهرباء فعليًا)، وتطبيقها في مجال الطاقة المتجددة على نطاق عالمي وحتى على نطاق قطاع التكنولوجيا بأكمله. كما يساعد إنشاء أسواق السعة الكهربائية وتطويرها في تعزيز مرونة الطاقة وجذب الاستثمارات اللازمة لدعم حلول التخزين مثل البطاريات والهيدروجين.

8. تحديث الأطر والمعايير المرتبطة بقياس كمية الانبعاثات الكربونية من الطاقة والمنتجات النهائية، والمساهمة في بناء اقتصاد كربوني عالمي جديد. يمثّل وضع المعايير والحوافز المناسبة، وإنشاء الأسواق اللازمة للكربون، خطوات رئيسية لتسريع تحول الطاقة، مع الحرص على تسعير الكربون بالشكل المناسب لدعم الانتقال من الوقود الأحفوري إلى الطاقة النظيفة وتعزيز إمكانية استخدام التقنيات منخفضة الانبعاثات في سياق الأعمال. كما يجب ضمان الشفافية في قطاع الكربون بهدف ضمان تسعير المحتوى الكربوني، وتحديد تكاليف التقنيات منخفضة الانبعاثات أو الصديقة للبيئة ذات الصلة بأنواع الوقود، مثل الهيدروجين وغيره، إضافة إلى السلع الأساسية مثل الفولاذ والإسمنت.

ويتفاوت تأثير هذه الإجراءات العالمية بين المناطق والدول المختلفة، لذا ينبغي تعزيزها من خلال اتخاذ إجراءات محددة لكل منطقة بهدف تحقيق تحول أكثر انتظامًا للطاقة. ويسلط تقريرنا الكامل الضوء على بعض الإجراءات الخاصة بكل منطقة، مع التأكيد على أن أعباء تحول الطاقة تتفاوت أيضًا بين المناطق. وتواجه الدول النامية تحدياتٍ خاصة عند تحويل أنظمة الطاقة لديها، بما يشمل صعوبة الوصول إلى أسواق رأس المال الخاص؛ والقيود على الإنفاق الحكومي (خاصةً إذا كان تحول الطاقة سيؤدي إلى تراجع إيرادات الحكومة من الضرائب على القطاعات مرتفعة الانبعاثات)؛ وتأثيرات ارتفاع تكاليف الطاقة، لا سيما مع افتقار هذه المناطق لشبكات الأمان اللازمة، وضرورة تعزيز الوصول إلى الطاقة ودعم التطور في هذا المجال.

وبناءً على ما سبق، يتطلب إنجاز تحول أكثر انتظامًا توفير فرص متكافئة للجميع من خلال تحديد التحديات الخاصة التي تواجه الدول النامية وتقديم استجابة جماعية موحدة على مستوى العالم. وتتمثّل هذه الجهود في إجراءات متعددة تشمل زيادة المساعدات المالية المرسلة إلى الدول الفقيرة، واتخاذ الإجراءات اللازمة لتخفيف مخاطر الإقراض على الدول النامية (مثل زيادة مساهمات بنوك التنمية متعددة الأطراف)، وإتاحة وصول أكبر إلى أسواق رأس المال.

الجهات المعنية الرئيسية تستطيع تسريع اتخاذ الإجراءات اللازمة لضمان تحول أكثر انتظامًا بحلول عام 2030

يحتاج إنجاز تحول الطاقة بصورة أكثر انتظامًا إلى التنسيق بين جميع الجهات المعنية على مستوى العالم لاتخاذ قرارات حاسمة ومشتركة، وبما يضمن التكافؤ والقدرة على تحمل تكاليف التحول لدى جميع الدول وعدم المساس بأمن الطاقة. ينبغي إذًا أن تركز الجهات المعنية على مستوى العالم على عدد من الأولويات الرئيسية التي تشمل:

يقع على عاتق الحكومات والمؤسسات متعددة الأطراف مسؤولية كبيرة لتطبيق السياسات والإجراءات اللازمة لإرساء معايير خفض الانبعاثات الكربونية وتشجيع الاستثمار في الطاقة المتجددة، إضافةً إلى وضع خطة متكاملة لقطاع الطاقة تركز في جوهرها على تحقيق أهداف الحياد المناخي، والمتمثلة في تخفيض الانبعاثات وتعزيز المرونة والقدرة على تحمل التكاليف وأمن الطاقة، وتساهم في تخفيف المخاطر الناجمة عن عدم التكافؤ في المجتمعات المعرضة للخطر. لذا ينبغي على الحكومات التعاون مع القطاع الخاص بهدف تطوير الإجراءات اللازمة لتسريع اعتماد التقنيات الصديقة للبيئة وحشد الموارد الرئيسية مثل سلاسل التوريد والكفاءات المحلية.

تلعب المؤسسات المالية دورًا أساسيًا في إعادة ابتكار آفاق الاستثمار ومعدلات المخاطر/العوائد (مثل تخفيف مخاطر الإقراض لتشجيع زيادة الطلب على التقنيات عديمة الانبعاثات)، إلى جانب دورها في تحديد مدى انكشاف محافظها على المدى القريب وتقييمه بالشكل الأفضل، وتسريع توظيف رأس المال في مشاريع الطاقة النظيفة. كما تساهم هذه المؤسسات خارج السياق المالي من خلال مشاركة خبراتها ومعارفها لتعزيز فرص نجاح المبادرات الصديقة للبيئة.

وتستفيد الشركات من التركيز على تطوير الاستراتيجيات وخطط العمل اللازمة للوصول إلى الحياد الكربوني، ومنح الأولوية للابتكار في نماذج العمل والتقنيات الصديقة للبيئة، وبناء سلاسل توريد مستدامة. وتتمثل أولويات مزودي خدمات الطاقة، بما يشمل شركات المرافق ونقل الكهرباء والتوزيع، في تحديد استراتيجية التعامل مع الأصول مرتفعة الانبعاثات بهدف إدارة المخاطر المرتبطة بالأصول العالقة دون تعريض أمن الطاقة للخطر؛ وتأمين سلسلة التوريد الخاصة بالمواد الخام والمكونات والقوى العاملة وتخفيف المخاطر المرتبطة بها؛ ومنح الأولوية للابتكار في نماذج العمل والتكنولوجيا؛ وزيادة اعتماد التقنيات الصديقة للبيئة في قطاعات التصنيع. ومن جانبها، يمكن للشركات التي تعمل في القطاعات عالية استهلاك الطاقة، مثل التعدين والإسمنت واستخراج النفط والغاز، تحديد أهداف لإزالة الكربون من مصادر الطاقة، وربطها مع مبادرات مخصصة ومحدودة بنطاق زمني، مثل اتفاقيات شراء الطاقة وبرامج كفاءة الطاقة، مما يضمن مرونةً أكبر لمواجهة تقلّبات سوق السلع. يمكن للشركات أيضًا الاستثمار في إمداد الطاقة وتطويرها بالتعاون مع الشركاء؛ ووضع استراتيجية لتحول الأصول بحيث تضمن مواءمة محفظة كل شركة وعملياتها مع أهداف الحياد الكربوني؛ إضافة إلى تطوير استراتيجية لإدارة المخاطر المرتبطة بالمشتريات والطاقة للحد من مخاطر أمن الطاقة وتقلّباتها.

ويجب على الأفراد أيضًا إجراء التغييرات اللازمة واتخاذ قرارات مدروسة حول السلوكيات التي يلزم تغييرها، بما في ذلك الانتقال نحو شراء المنتجات الصديقة للبيئة، واستهلاك الطاقة بكفاءةٍ أكبر، وتغيير الأولويات الاقتصادية. ولضمان تحول الطاقة الذي يجمع بين خفض الانبعاثات الكربونية وتحقيق أمن الطاقة والقدرة على تحمل تكاليفها، ينبغي على المواطنين مطالبة قياداتهم بشفافية ومساءلة أكبر حول مسألة تحول الطاقة وخفض الانبعاثات.

Explore a career with us