في ظل ما نشهده اليوم من تنامٍ متزايد لاستخدامات الذكاء الاصطناعي التوليدي في كافة قطاعات الأعمال، بات من الضروري أن تعتمد المنظمات على استراتيجياتٍ قوية تُنظم استخدامه بما يحافظ على أمنها وخصوصيتها. لذا وفي هذه الحلقة من بودكاست ماكنزي، يسلِّط كلًا من ألكسندر سوخاريفسكي و لارينا يي، الشريكان الرئيسيان في مكتب ماكنزي، الضوء على أحدث ما صدر من أبحاثٍ حول تبنّي الذكاء الاصطناعي، بمشاركة مديرة التحرير روبرتا فوسارو.
وفي الجزء الثاني من الحلقة، تقدم شيرينا إبراهيم، الشريك الرئيسي في مكتب نيوجيرسي، نصائح هامة تساعدك على التحدث بشجاعة عن أمورٍ وشؤون غير مريحة في بيئة عملك؟
الآن بدأ عصر تألق الذكاء الاصطناعي
روبرتا فوسارو: وفقًا لآخر تقارير ماكنزي، الخاصة بحالة الذكاء الاصطناعي، رصدنا تطور هذه التقنية بوتيرةٍ متسارعة. وكان أكثر ما لفت انتباهنا هو أن 65 في المائة من المشاركين في هذا الاستطلاع أفادوا باستخدامهم تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي بانتظام، وهي نسبةٌ تضاعفت مقارنةً بما سجله استطلاعنا السابق قبل أقل من عام. فكيف تفسران هذه الزيادة الكبيرة في النسبة من حيث الأهمية؟
لارينا يي: أرى أن هذه النسبة تعكس روح التفاؤل التي تسود المشهد الحالي. فعلى الرغم من أننا ما زلنا في المراحل الأولى من رحلة المستخدمين نحو الذكاء الاصطناعي، إلا أن رقمًا كهذا يُظهِر تحوُّل الناس من مرحلة الفضول إلى الجدية في التعامل مع هذه التقنيات، وحرصهم على دمجها ضمن استراتيجيات أعمالهم.
وفي هذا الإطار لابد من الإشارة إلى أن التقرير لم يقتصر فقط على رصد استخدامات الذكاء الاصطناعي التوليدي، وإنما كافة استخدامات الذكاء الاصطناعي بشكلٍ شامل. فقد شهدت هذه الاتجاهات جميعها تطورًا مستمرًا على مدى أربعين عامًا. وما نلاحظه اليوم من حماسٍ متزايدٍ نحو الذكاء الاصطناعي التوليدي، يفتح آفاقًا جديدة ويضيء مسار التقدم لمجموعةٍ أوسع من القدرات التي تعزز من نمو الشركات.
المزيد من الرؤى والتقارير من ماكنزي باللغة العربية
شاهد مجموعة المقالات الخاصة بنا باللغة العربية، واشترك في النشرة الإخبارية العربية الشهرية
ألكسندر سوخاريفسكي: بالفعل، لقد سمحت تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي بجعل رحلة الذكاء الاصطناعي التي تمتد لحوالي 40 عامًا، جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية، فبفضل هذا التطور، أصبحنا قادرين على التفاعل مع هذه التكنولوجيا بمنتهى البساطة ورصد آثارها بوضوحٍ في مختلف المجالات. حتى أن الأطفال باتوا يتعاملون معها بشكلٍ يومي، ويتناقشون مع عائلاتهم بشأنها حتى على مائدة العشاء. مما جعلها ظاهرةً عامة، بعد أن كانت سوقٌ متخصصة.
من جهةٍ أخرى، عندما يصرح 75 في المائة من المستجيبين بأنهم يستخدمون الذكاء الاصطناعي التوليدي في أماكن عملهم، فإن السؤال التالي يفرض نفسه: ما هي تلك الأغراض المحددة التي يستخدمون فيها هذه التكنولوجيا؟ وهل يتعاملون معها كأداةٍ للاستكشاف والتعرف، أم أنهم يسعون جديًا من وراء استخدامها لتحقيق قيمةٍ حقيقيةٍ لأعمالهم؟
شراكةٌ من أجل نجاح الذكاء الاصطناعي
روبرتا فوسارو: أخبِرني "ألكسندر"، كيف ترى إيجابيات وسلبيات اعتماد ما يقترب من نصف المشاركين في بحثنا على نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي المتاحة والمعدة مُسبقًا، بدلاً من بناء نماذج خاصةٍ بهم؟
ألكسندر سوخاريفسكي: عند النظر في رحلة نماذج الذكاء الاصطناعي، من الضروري أن نأخذ بعين الاعتبار أن 11 في المائة فقط من هذه النماذج تصل إلى مرحلة الإنتاج لتتحول بعد ذلك إلى أدواتٍ فعّالة تساهم في الأعمال اليومية. ومع وجود عناصر التكاليف والمخاطر المرتبطة باستخدامات الذكاء الاصطناعي التوليدي، فإن هذه النسبة تنخفض بشكلٍ كبير، خاصةً في الشركات التقليدية. وهو ما يُثبت أن النموذج في حد ذاته لا يُمثِّل سوى 15في المائة فقط من عناصر النجاح. أي أن هناك عواملٌ أخرى تلعب دورًا حاسمًا في تحقيق النجاح.
وما نحن بصدده الآن هو التعامل مع نموذجٍ جديد يتجاوز فكرة "البناء مقابل الشراء"، ليشمل ثلاثة خياراتٍ رئيسية، أولها بناء وتطوير النموذج داخليًا من الصفر، والثاني شراء نموذجٍ جاهز تم إعداده من قِبل شركةٍ أخرى، أما الخيار الثالث فيُركز على الشراكة التي تسمح للشركات بالاستفادة من خبرات الشركاء الخارجيين وتقاسم التكاليف والمخاطر معهم. فهناك نماذجٌ يمكن للشركات استخدامها وتعديلها عبر مصادرٍ متاحةٍ للجميع، وذلك بحسب الاحتياج. وهناك أيضًا نماذجٌ مطورة من قبل شركاتٍ معينة تحتاج إلى ترخيصٍ لاستخدامها. هذه النماذج قد تكون متقدمةً للغاية، لكنها تتطلب استثماراتٍ ماليةٍ كبيرة، مما يجعل من الصعب على بعض الشركات تطوير تلك النماذج بمفردها، لذلك تلجأ إلى التعاون مع جهاتٍ وأطرافٍ خارجية.
وبهذه الطريقة تمتلك المؤسسة في نهاية المطاف مجموعةٌ متنوعةٌ من النماذج الأساسية، منها ما يتم شراؤه، ومنها ما هو مُطوَّرٌ داخليًا، وبعضها من مصادر متاحةٍ للجميع. لذا، فالإجابة عن هذا السؤال [الشراء أم البناء] تعتمد بشكلٍ أساسي على العميل نفسه.
لارينا يي: تُعَدُّ مسألة "الشراء مقابل البناء" من أكثر الأسئلة شيوعًا في مجال التكنولوجيا، فهل من الأفضل شراء التقنية الجاهزة أم بناءها من الصفر. ومن خلال تجربتنا أنا وألكسندر في مجال النشر والتي اعتمدنا فيها بشكلٍ أساسي على نموذج الشراكة، اكتشفنا أنه من الصعب أن تتحمل بمفردك عناء بناء كل شيءٍ من الصفر، كما أنه ليس من الممكن شراء كل ما تحتاجه بشكلٍ كامل. لذا، يبقى الحل الأمثل في تبنّى مفهوم "الشراكة عبر كامل العملية"، وهو مصطلحٌ تقنيٌ معروف يستلزم الانخراط مع مزودي النماذج اللغوية الكبرى، نظرًا لما توفره تلك النماذج من خياراتٍ متعددة في هذا المجال.
وفي النهاية يبقى الهدف الأساسي من وراء هذه الخيارات هو تحقيق أو إطلاق قيمةٍ تجارية لم تكن متاحةً في السابق. ولعلنا نلحظ اليوم سعي العديد من الشركات لبناء شبكاتٍ واسعة من الشراكات، أملًا منها في تحقيق المزيد من المكاسب التي تقدمها حلول الذكاء الاصطناعي التوليدي.
ألكسندر سوخاريفسكي: عند حديثنا عن الاستفادة من نماذج الذكاء الاصطناعي المختلفة، لابد من الإشارة لضرورة توافر بنيةٍ تحتيةٍ قوية تكنولوجيًا. لذا، ستحتاج إلى شركاء معينين لتوفير هذه الموارد حتى وإن كانت شركتك تتمتع بمواردٍ كبيرة، فلن تتمكن من الحصول على تلك الموارد الضخمة وحدك.
لارينا يي: أول سؤال ينبغي عليك طرحه هو: "ما الهدف التجاري الذي أطمح لتحقيقه؟" ومن خلال الإجابة عن تساؤلٍ كهذا، ستتمكن من تحديد مجموعات المزودين الذين تحتاجهم لتحقيق هدفك على الوجه الأكمل. فقد تحتاج إلى مزودٍ للنماذج اللغوية الكبرى ليركز بشكلٍ رئيسي على الشركات، أو ربما شريكًا يمتلك خبراتٍ قوية في الفيديو كما يُجيد العمل أيضًا في مجال النصوص.
وبالرغم من أن هذا المجال يتطور بسرعةٍ هائلة، إلا أن الأمر يعتمد دائمًا على تحديدك لأهدافك التجارية والبشرية. كما يجب أن تكون منفتحًا على عملية دمج مزودي التكنولوجيا المختلفين ومجموعات الشركاء المتنوعة، لتتمكن في النهاية من تحقيق ما ترمي إليه بالسرعة والفعالية المطلوبة.
لا يزال المستقبل للإنسان
روبرتا فوسارو: دائمًا ما تكون الاستعانة بالكوادر وأصحاب المهارات الوظيفية محل اهتمامٍ لدى أصحاب الأعمال. ولعل أكثر ما يثير فضولي، هو ما إذا كانت الأبحاث قد كشفت عن متطلباتٍ أخرى من الواجب توافرها لدى أصحاب الموهبة من التنفيذيين الذين يسعون لتحقيق تقدمٍ في مجال الذكاء الاصطناعي التوليدي.
لارينا يي: عادةً ما تأتي عملية البحث عن أصحاب المواهب في مقدمة الاهتمامات. وحتى تضمن صحة اختياراتك، يجب أن تتوافق قدرات هذه المواهب مع ما تتطلبه تقنيات الذكاء الاصطناعي المختلفة من مهارات. فلكل تقنية منها استخداماتها الخاصة، كالذكاء الاصطناعي التوليدي، أو تقنيات التعلم الآلي. لذلك يجب أن يمتلك أفراد الفريق مفاتيح ومهارات التعامل مع هذه التقنيات بنجاح. والتي يأتي على رأسها القدرة على التعامل مع البيانات، وهو الأمر الذي أظهره التقرير وأكدته تجاربنا الشخصية مع العملاء. لذا، فإن طريقة تفكيرك في البيانات ونوعية المواهب التي تمتلكها هما أمران بالغا الأهمية.
إن أكثر ما يتم طرحه علينا من أسئلة تخص المواهب، غالبًا ما تتركز حول الوظائف التي شغلتها هذه المواهب أو تلك التي فقدوها، مما يجعله في الأساس سؤالاً اقتصاديًا. فنحن ندرك أن هذه التكنولوجيا تعيد تشكيل هيكل الوظائف برُمته. ومع ذلك، فهناك جانبٌ إيجابيٌ في الأمر، فهو لا يُقتصر على الاستغناء عن بعض الوظائف وإنما يساهم أيضًا في خلق وظائف جديدة. لذلك، فعند الحديث عن المواهب، علينا تناول الأمر من زاويتين اثنتين، الأولى هي ما تحتاجه الشركات من مواهب لتطوير حلولٍ تكنولوجيةٍ جديدة، والثانية تركز على التأثير العام لهذه التكنولوجيا على هيكل الوظائف سواء كان ذلك التأثير إيجابيًا أم سلبيًا.
ألكسندر سوخاريفسكي: احدى أجمل الاقتباسات التي سمعتها من لارينا هي " كل دولارٍ نستثمره في التكنولوجيا، نحتاج في مقابله لاستثمار من ثلاثة إلى خمسة أضعافه في البشر ". وفي الواقع، إن البشر مكلفون جدًا ومن الصعب تغييرهم.
على سبيل المثال، إذا كانت هناك شركةٌ ما تمتلك قسمًا متقدمًا للتكنولوجيا يضم بداخله أحدث التقنيات والأدوات، تظل التحديات الحقيقية التي يمكن أن تواجه هذه الشركة هي الإجابة عن بعض الأسئلة الهامة، مثل" من هم الأفراد أو الشركاء الذين يمكنهم تشغيل وتطوير هذه الأدوات بشكلٍ فعّال؟ وكيف يمكنك إقناع باقي أفراد الشركة من الموظفين والزملاء الذين ليس لديهم خلفيةٌ تقنية باستخدام هذه الأدوات وتبنّيها؟ وكيفية إدارة المخاطر المرتبطة باستخدام هذه الأدوات بالتعاون مع أطرافٍ خارجية؟". وللتغلب على هذه التحديات يجب على الشركة تكوين فريقٍ يتعلم التكنولوجيا ويثق بها، حتى وإن كانوا من خلفياتٍ غير تقنية. فهي عمليةٌ معقدة تتطلب منك إدارةً جيدة للتغيير، وبناء القدرات بشكلٍ استراتيجي داخل الشركة.
لارينا يي: بالفعل، فنحن نركز كثيرًا على التكنولوجيا، وهي في الواقع الجانب الأسهل من العملية. فإحداث التغيير على مستوى البشر هو التحدي الحقيقي، وللأسف كثيرًا ما نميل إلى تجاهله. إن الهدف ليس في الذكاء الاصطناعي التوليدي في حد ذاته، وإنما في استخدام هذه التكنولوجيا كأداةٍ لتحسين حياة البشر الذين هم جوهر العملية برُمتها، وإحداث التغيير المطلوب بينهم لهو أمرٌ صعبٌ للغاية. فهو يتطلب معالجة جوانبٍ متعددة ومعقدة لضمان تحقيق الأهداف المرجوة من هذا التغيير.
الآن، نحن نشهد بداية ظهور أنظمةٍ تكنولوجيةٍ قادرة على اتخاذ القرارات بشكلٍ مستقل، مما يثير تساؤلاتٍ عدة، مثل "هل عليّ أن أثق في طريقة تفاعلي مع الآلات؟ وما هو شعوري حيال ترك اتخاذ القرارات لها؟". إن التكيف مع مثل هذه التغييرات يعد بمثابة رحلةٍ استكشافية، تتطلب تغيير العمليات التجارية الأساسية التي نستخدمها، وهذا هو الجانب الأكثر تعقيدًا في الأمر.
أمثلة للاستخدامات والتطبيقات
روبرتا فوسارو: هل كشفت الأبحاث الحديثة عن وجود أنواعٍ جديدة أو مختلفةٍ من تطبيقات الذكاء الاصطناعي التوليدي. وما هي أكثر القطاعات استخدامًا لهذه التكنولوجيا؟
لارينا يي: بمُراجعتنا للتقرير الأخير، لاحظنا أن مجالات التسويق والمبيعات، وتطوير المنتجات وهندسة البرمجيات تعد أكثر القطاعات استخدامًا لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي التوليدي. فجميعها مجالاتٍ تتماشى مع قدرات هذه التكنولوجيا الحديثة التي تتميز بقدرتها على تلخيص النصوص واختصارها.
كما تختلف القطاعات فيما بينها من حيث درجة تبنيها لهذه التكنولوجيا. فعلى سبيل المثال، تعد قطاعات التكنولوجيا والطاقة والخدمات المالية، هي الأكثر تطبيقًا واستخدامًا لهذه القدرات التكنولوجية وعلى نطاقٍ واسع.
ألكسندر سوخاريفسكي: بإمكاننا اعتبار الذكاء الاصطناعي التوليدي هو الواجهة البشرية والوسيلة الأكثر ملاءمةً والتي تجعل من السهل على المستخدمين التفاعل والاستفادة من قدرات الذكاء الاصطناعي الأخرى. إذ يظل التركيز الأساسي على كيفية تكامل هذه التكنولوجيا مع الأنظمة المختلفة، سواء كان ذلك عبر الوصول إلى قواعد البيانات ومعالجتها بطريقةٍ سهلة وفعالة، أو عن طريق التنسيق مع خوارزمياتٍ أخرى، أو حتى عبر التواصل مع تطبيقاتٍ متعددة للذكاء الاصطناعي التوليدي.
ومن وجهة نظري التي تتماشى مع ما ذكرته "لارينا"، أتوقع أن نرى في المستقبل مزيدًا من الوكلاء الافتراضيين المستقلين يتواصلون مع بعضهم البعض لحل مهامٍ مختلفة تحت إشرافٍ بشريٍ دقيق، لضمان الحصول على منتجٍ نهائي ذو جودةٍ عالية. وبينما نشهد الآن تفاعلًا بين البشر والآلات الذكية، نتوقع أنه مع التطورات التكنولوجية المستقبلية، ستصبح الآلات أكثر قدرةً على التواصل والعمل فيما بينها بشكلٍ مباشرٍ، دون الحاجة لتدخلٍ بشري مستمر. وبالرغم من أننا لا زلنا نبتعد بسنواتٍ عن الذكاء الاصطناعي العام أو الخارق، إلا أننا سنرى مساعدين أكثر تطورًا وتخصصًا ليساعدونا على أداء وظائفنا بشكلٍ أفضل وأسرع وأكثر دقة.
الحد من مخاطر الذكاء الاصطناعي
روبرتا فوسارو: من المؤكد أن استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي يوفر العديد من الفرص الواعدة، ولكن وفقًا لما ورد في تقريرنا، فكثيرًا ما تواجه الشركات والمؤسسات تحدياتٍ رئيسية عند تطبيقها لتلك التقنية. ويأتي على رأس تلك التحديات عدم الدقة وانتهاك حقوق الملكية الفكرية. ومع تزايد هذه المخاطر، يصبح السؤال الأكثر إلحاحًا: هل بدأت المؤسسات باتخاذ خطواتٍ لمواجهة تلك التحديات والحد منها؟ وما هي الإجراءات التي اعتمدتها؟
لارينا يي: إن مخاطر التكنولوجيا الحديثة، كثيرةٌ ومتعددة. لذلك ننصح عملاءنا أنا وألكسندر بالحرص الشديد عند استخدام هذه التقنيات الحديثة التي لا تزال في مراحلها الأولى. خاصةً وأن عدم دقة البيانات الصادرة عنها يُعد من أبرز المخاطر التي تواجه مستخدمي هذه التقنيات، بالإضافة إلى أمورٍ أخرى مثل انتهاك حقوق الملكية الفكرية، والتهديدات السيبرانية، وانتهاك خصوصية الأفراد، وعدم الامتثال التنظيمي. فضلًا عن غيرها من التحديات التي لا تقل خطورةً والتي تتعلق بالقدرة على التفسير، والعدالة، إلى جانب الخطر المتزايد جراء تعزيز التحيُزات.
وفي إطار البحث عن سبلٍ جديدة يمكن من خلالها معالجة المخاطر المرتبطة باستخدامات التقنيات المتقدمة، يبذل المطورون المعنيّون بالنماذج اللغوية الكُبرى جهودًا ضخمة ومتسارعة خاصةً فيما يتعلق بقابلية التفسير، لجعل تلك النماذج أكثر شفافيةً في كيفية وصولها إلى النتائج. إلى جانب ذلك، فقد شهد العام الماضي تحسنًا كبيرًا في تقليل ظاهرة "الهلوسات" التي طالما تسببت في إنتاج معلوماتٍ غير دقيقة، مما يعزز دقة وموثوقية هذه النماذج.
وبالرغم من أن هذه المشكلة لم تُحل بعد بشكلٍ كامل، إلا أن مقدمي التكنولوجيا قد بذلوا جهودًا ملموسةً لتحسينها، وهو ما أدى بالفعل إلى تقليل حالات عدم الدقة. ومن جهةٍ أخرى، يظل الجانب الحاسم في الأمر، هو كيفية تنفيذ الشركات لهذه النماذج. فطريقة تطويرها وتدريبها، بل واختبارها قبل إطلاقها تعد أمورًا بالغة الأهمية لضمان نجاح تلك النماذج.
ألكسندر سوخاريفسكي: أعتقد أن الجزء الأهم في الأمر هو إدراك ماهية المخاطر، إذ يعتقد أغلب من شاركوا في تقريرنا بوجود مخاطر جراء استخدام تلك الأدوات التكنولوجية الحديثة، لكنهم يجدون صعوبةً في تحديدها بدقة. وأول طرق التعامل مع تلك المخاطر يعتمد على وجود الإنسان ضمن عملية الاستخدام نفسها. ولذلك، أُفضِّل استخدام مصطلح "الذكاء الهجين" بدلًا من "الذكاء الاصطناعي"، حيث نستطيع دمج أفضل ما في البشر والآلات للعمل معًا، حتى نتغلب على ما قد يواجهنا من تحدياتٍ ومخاطر ولنتمكن من استكشاف وفتح آفاقٍ جديدةٍ لفرصٍ واعدة.
من ناحيةٍ أخرى، لا تُعتبر التكنولوجيا مصدرًا للمخاطر فقط، بل يمكن أن تكون أيضًا أداةً فعالة لمواجهة التحديات. كدورها المحوريّ في حماية حقوق الملكية الفكرية وتتبُّعها. لكن، وعلى الرغم من ذلك، يجب علينا أن ننظر للصورة بمنظورٍ أشمل. فبدلًا من التركيز على الأخطار قصيرة الأجل، من المهم أن نتساءل عن تأثير هذه الحلول التكنولوجية على المدى الطويل. وما هي الفوائد التي من المتوقع أن تُقدمَها للأجيال القادمة؟ وكيف يمكن أن تُستخدم بطريقةٍ تعود بالنفع على الإنسانية والمجتمع والبيئة؟ وما هو نوع المستقبل الذي نساهم في تشكيله بتطبيق تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي؟ كل هذه الأسئلة الجوهرية تتطلب منا البحث والتعمق فيها بجديةٍ حتى نصبح على وعيٍ كامل بما نحن مُقدمون عليه، وبكيفية تشكيل مستقبلنا عبر استخدام هذه التطبيقات التكنولوجية المختلفة وبالأخص الذكاء الاصطناعي.
لارينا يي: تدفعنا هذه التكنولوجيا لطرح العديد من الأسئلة العميقة والفلسفية بعض الشيء حول كيفية تعامُلِنا مع الآلات، وما إذا كانت تلك الآلات تؤثر على قدراتنا البشرية في التكيف والإبداع. فعلى سبيل المثال، يُثير موضوع السرقة الأدبية قلقًا ملموسًا لدى الجميع، بمن فيهم الآباء والمعلمون وحتى الطلاب، فقد يخشى البعض من استخدام الطلاب لتلك الأدوات مثل( ChatGPTأو Claude) في عمليات الغش الأكاديمي. وهو أمرٌ يتجاوز كونه خطرًا يمُس النظام التقني، بل هو واقعٌ ملموس يتعلق بإساءة استخدام الطلاب لمثل هذه الأدوات.
لهذا يلجأ بعض المعلمين لإجراء الامتحانات في الفصل باستخدام الكتابة اليدوية بالورقة والقلم. وهذه الطريقة التقليدية تساعد المُعلم في التأكد من أن الطلاب جميعهم يمتلكون المعرفة بالفعل دون الاعتماد على التكنولوجيا. غير أنها تطرح العديد من الأسئلة الأخلاقية الهامة حول تأثير هذه التكنولوجيا على حياتنا اليومية، وإلى أي مدى نُحسن استخدامها.
الحوكمة الرشيدة لتقنيات الذكاء الاصطناعي
روبرتا فوسارو: "لارينا"، لقد شاركت في تقريرٍ سابقٍ عن حوكمة الذكاء الاصطناعي، وكما يبدو لي أنه يناقش المخاطر المحتملة التي قد تنشأ نتيجة التمادي في استخدام هذه التقنية. على ضوء هذا، ماهي الخطوات التي يمكن للشركات أن تبدأ من خلالها في تعزيز حوكمة الذكاء الاصطناعي بشكلٍ فعال؟
لارينا يي: عندما نتحدث أنا وألكسندر مع الشركات، نحرص على التأكيد من البداية على ضرورة أن يبدأ دمج الذكاء الاصطناعي المسؤول من اليوم الأول. ففي الماضي، كان التركيز ينصبُّ على تطوير الحلول التكنولوجية أولاً، ثم التعامل مع المخاطر الواردة بعد ذلك. فقد كنا نواجه المشكلات بعد ظهورها، بدلًا من التنبؤ بها مُسبقًا واتخاذ التدابير الوقائية.
ومع حاجتنا الماسّة لتحسين الامتثال وضمان الالتزام بالقوانين والمعايير الأخلاقية، بات من الضروري دمج مفهوم الذكاء الاصطناعي المسؤول في كل مراحل عملية التطوير ومنذ اليوم الأول. وهو ما يستلزم الاستعانة بأحد خبراء الذكاء الاصطناعي ليكون ضمن فريق الإدارة العُليا، كمساعدٍ في اتخاذ القرارات وضامنٍ لاستخدام التقنية بشكلٍ مسؤولٍ وأخلاقي.
وهو ما يعني أيضًا، ضرورة أن تتضمن عملية التطوير اختبارًا ودمجًا لبعض الممارسات لمنع حدوث مشكلاتٍ مثل التحيز وعدم الدقة. لذلك، فالتفكير في الذكاء الاصطناعي المسؤول لا يقف عند خطوةٍ بعينها، بل من الحتميّ أن يتضمن جميع مراحل تطوير الحلول، بدءًا من تطوير الخطط التجارية، مرورًا ببناء الحلول واختبارها، وصولاً إلى تنفيذها ومراقبة أدائها. كما يُشترط لذلك وجود نظام امتثالٍ قويٍ يعالج الأخطاء حال حدوثها.
خطواتٌ لتحقيق القيمة
روبرتا فوسارو: ما هي الخطوات الأساسية التي ينبغي على الشركات اتباعها، لتحقيق القيمة الفعلية من استثماراتها في الذكاء الاصطناعي التوليدي؟
لارينا يي: أعتقد أن الخطوة الأولى تكون بتحديد الهدف المراد تحقيقه من استخدام هذه التقنية. فاستخدام الذكاء الاصطناعي لإظهار قدراته أو لإنشاء نموذجٍ تجريبي لا يحقق قيمةً تجاريةً حقيقية. ففي البداية يجب وضع أهدافٍ ومقاييس محددة للنجاح. على سبيل المثال، ما الذي سأحققه كل ثلاثة أشهر؟ ومن ثم عليك متابعة العمل حتى تصل إلى أهدافك. فإذا كنت تتوقع زيادة الإنتاجية بنسبة 20 في المائة، يمكنك وضع هذه الزيادة نُصب عينيك وجعلُها هدفًا للوصول إلى عددٍ أكبر من العملاء.
ألكسندر سوخاريفسكي: أرى أنه قبل اتخاذ أي قرارٍ، عليك بالتوقف والتفكير جيدًا. وبعد أن تحدد ما تريده بدقةٍ، يمكنك العودة لتنفيذ خطَّتك في دمج حلول وتقنيات الذكاء الاصطناعي في شركتك، والتوسع في ذلك ليشمل جميع القطاعات والعمليات.
لارينا يي: إن ما ذكره ألكسندر حول مفهوم التوسع يثير إعجابي، فقد يتساءل البعض عن معنى "التوسع"، وإذا كان استخدام عشرة مهندسين لتقنيةٍ ما لا يعتبر توسعًا، فما هو التوسع إذًا؟ التوسع الحقيقي يحدث عندما يقوم غالبية المهندسين باستخدام تلك التقنية التكنولوجية، محققين من خلالها نتائج ملموسةً بالفعل.
ربما تكون الخطوة الأصعب والأطول هي تبنِّي المستخدمين لتلك التقنية ونجاحهم في تغيير أساليب عملهم وفقًا لها، وهو ما قد يتطلب وقتًا طويلًا. فقد تنجحُ في إطلاق أحد الحلول التكنولوجية خلال 12 أسبوعًا، ولكنك ستحتاج للعمل بشكلٍ ربع سنوي لفترةٍ تتراوح بين 12 إلى 18 شهرًا قبل أن تتمكن من تحقيق النتائج التجارية المرجوَّة من ذلك الحل.
المستقبل الواعد
روبرتا فوسارو: ما هي توقعاتكم للذكاء الاصطناعي التوليدي، ولما نحن مُقبلون عليه في هذا الإطار؟
لارينا يي: إن تقنية الذكاء الاصطناعي التوليدي تمتلك إمكاناتٍ كبيرةٍ ومثيرةٍ للغاية. وحتى نحقق الاستفادة القصوى منها، نحتاج إلى التركيز بشكلٍ أكبر على القرارات العملية. علينا أن نسأل أنفسنا: ما هي التطبيقات التي يمكن أن تُحدث تغييرًا حقيقيًا في أعمالنا؟ كيف نبدأ بالاستثمار الكامل في هذه الفرص؟ وكيف نحوّلها إلى واقعٍ ملموس؟ وكيف نحقق القيمة المطلوبة لأعمالنا؟ هذه الأسئلة جميعها تحتاج لإجاباتٍ واضحة، خاصةً ونحن ندخل عصرًا جديدًا يتطلب منَّا التعامل بواقعيةٍ وعقلانية.
ألكسندر سوخاريفسكي: أتفق تمامًا مع "لارينا"، ولكن لي تحفُّظٌ واحد، وهو أننا ما زلنا في مرحلة الوعي الأوليّ، فهذه التقنية لا تزال حديثة العهد. وخلال أقل من عام، نجح ما يقرب من عشرة ملايين مطوّرٍ من الوصول إلى هذه الأدوات. لذا، فإن ما نراه الآن لهو مجرد بداية، وأعتقد أننا على أبواب عصر الإبداع والتخيل.
وعلى الرغم من إدراكنا لما تقدمه هذه التقنية بشكلٍ عام، إلا أننا لم نتمكن بعد من معرفة كيفية إعادة ابتكار نماذج أعمالنا بالطريقة المثلى. وبغض النظر عما تحدثَت عنه "لارينا" من ضرورة التحلي بالواقعية المطلوبة، وما ذكرتُه من دخولنا عصر التخيل والإبداع، فإنني أعتقد أنه خلال الـ 12 إلى 18 شهرًا القادمة، سنشهد حلولاً عمليةً مبتكرة تُستخدم التقنية فيها لاكتشاف قيمةٍ حقيقية، ليس في مجال الأعمال فحسب، بل على مستوى الإنسانية ككل.
ماذا تفعل عندما تشعر بالتجاهل في العمل؟
لوسيا راهيلي: في الفقرة التالية، تشارك معنا "شيرينا إبراهيم"، أحد شركاء ماكنزي الرئيسيين، بنصيحتين قيمتين بإمكانهما مساعدة كل من يواجه سلوكًا مزعجًا من مديره.
شيرينا إبراهيم: في المرة الأولى التي عدت فيها من إجازة الأمومة، كنت مديرةً وبدأت العمل بدوامٍ جزئي. وفي تلك الآونة، لم تكن سياسة العمل بدوامٍ جزئيٍ شائعةً كما هي اليوم، خاصةً في منصب المدير.
وبعد انتهاء الإجازة، عدت للعمل وكنت أستأذن يومًا واحدًا في الأسبوع. وبالمصادفة كان شريكي في العمل لديه اجتماعٌ في يوم عطلتي، ورغم ذلك شاركت في الاجتماع. وفي الأسبوع الثاني، تكرر الأمر نفسه، مما اضطرني لإلغاء العطلة للمرة الثانية وحضور الاجتماع. وعندما تكرر الموقف في الأسبوع الثالث، حيث كان من المقرر إجراء اجتماعٍ داخليٍ للفريق في نفس يوم عطلتي، أدركت أن الوقت حان للتحدث والإشارة إلى تلك المشكلة.
فقلت له، " أنا أعمل بدوامٍ جزئي، وغدًا هو يوم عطلتي، ومع ذلك تم تحديد اجتماعٍ في هذا اليوم للمرة الثالثة." صُدم شريكي في العمل من ذلك، واعتذر بصدقٍ مبرِرًا ذلك بأنه قد نسيَ الأمر تمامًا. وقمنا بتغيير موعد الاجتماع ومرَّت الأمور بسلاسةٍ بعدها.
إنّ ما تعلمتُه من هذه التجربة كان له أثرٌ كبيرٌ على عدة مستويات. أولاً، تعلمتُ أهمية افتراض النية الإيجابية؛ ففي هذه الحالة، كان الأمر مجرد نقصٍ في الوعي وليس ناتجٌ عن سوء نية. ثانيًا، أدركت ضرورة أن تدافع عن نفسك؛ فعندما تواجه مشكلةً في العمل، يجب عليك طرحها للنقاش على الفور للوصول إلى حلٍ فعّالٍ يرضيك.
لقد كانت هذه التجربة مفيدةً لي على مدار مسيرتي المهنية، فلن تكون الأمور مثاليةً دائمًا. وبدون الحديث عن المشكلات ومناقشتها، لن يكون بمقدورك فهم ما يدور في ذهن مديرك، كما أنه لن يكون لدى مديرك وزملائك فكرةٌ واضحة عمَّا يدور في ذهنك، وهو ما يُعيق وصولك لنتائجٍ إيجابيةٍ في المستقبل.