تسبب الغزو الروسي لأوكرانيا بكارثة إنسانية لم تشهد لها القارة الأوروبية مثيلًا منذ الحرب العالمية الثانية، وأدى إلى مستويات عالية من التوتر الجيوسياسي منذ أزمة الصواريخ الكوبية، بالإضافة إلى ظهور مجموعة من الخطوات والردود المضادة على الصعيد السياسي والاقتصادي والاجتماعي والتي يصعب تقدير تداعياتها في الفترة الحالية. كما أن نهاية الأزمة لا تبدو واضحة على المدى المنظور.
ونظرًا لأن روسيا هي إحدى أكبر الدول المنتجة للنفط والغاز والسلع الأساسية في العالم، فمن الطبيعي أن يؤثُر النزاع سلبًا على الجهود العالمية الضخمة اللازمة لمعالجة الأزمة المناخية المحدقة بعالمنا. فهل ستكون الحرب وتداعياتها مجرّد تحوّل صغير في جهود الانتقال نحو الحياد المناخي التي انطلقت سابقاً؟ أم ستمثّل مفترق طرقٍ ومنعطفًا جذريًا؟
يبدو واضحًا في الوقت الحالي أن الحرب ستفرض تحديات إضافية على مسار الانتقال نحو الحياد المناخي على المدى القصير، ولكن من الممكن أن تؤدي على المدى الطويل إلى تحول اعتبارات الاقتصاد وأمن الطاقة نحو تسريع التقدّم في هذا المسار. ويفرض هذا الانتقال اتخاذ خطوات جريئة وبسرعة غير مسبوقة بهدف تعزيز كفاءة استهلاك الطاقة واعتماد خيارات الطاقة المتجددة البديلة عن الوقود الأحفوري. ويمكن لتطبيق مثل هذه الإجراءات تخفيض منحنيات التكلفة الخاصة بتقنيات الحياد المناخي، فضلًا عن توفير مسارات أسرع لخفض انبعاثات الكربون في مناطق أخرى.
المزيد من الرؤى والتقارير من ماكنزي باللغة العربية
شاهد مجموعة المقالات الخاصة بنا باللغة العربية، واشترك في النشرة الإخبارية العربية الشهرية
ولا تُعتبر مثل هذه النتائج جديدة في السياق التاريخي، فكثيرًا ما أسهمت النزاعات في تسريع جهود التحول في مجال الطاقة، فقد قادت الحروب البحرية في القرن التاسع عشر إلى تعزيز تسريع الانتقال من المركبات العاملة بطاقة الرياح إلى تلك العاملة بالفحم، فيما أدت الحرب العالمية الأولى إلى التحول من الفحم نحو النفط، وقادت الحرب العالمية الثانية إلى اعتماد الطاقة النووية كمصدر رئيسي للطاقة. وصبّت ابتكارات فترة الحرب مباشرةً في صالح الاقتصاد المدني، وفتحت الباب أمام مرحلة تاريخية جديدة في جميع الأمثلة السابقة. والفرق هنا أن الحرب في أوكرانيا لا تسهم في تسريع الابتكار في مجال الطاقة، إنما تعزز الحاجة إلى مثل هذه الابتكارات، وهي ناحية لا تقل أهمية من حيث الأثر المحتمل على تعزيز جهود التحول.
ونقدّم في هذه المقالة استعراضًا أكثر تفصيلًا حول السيناريوهات الممكنة في هذا السياق، من خلال دراسة تأثيرات الحرب المحتملة وتداعياتها على المتطلبات الأساسية اللازمة لتحقيق انتقال أكثر انتظامًا نحو الحياد المناخي. كما نستكشف في هذه المقالة التأثيرات المحتملة على القطاعات الرئيسية، ودور تقلبات أسواق الطاقة والمال في هذه المعادلة على صعيد التكتلات الإقليمية الرئيسية والعالم، إلى جانب اقتراح خطوات يمكن للجهات المعنية اتباعها لتوجيه جهودها خلال هذه الفترة المضطربة وضمان انتقال منتظم قدر الإمكان نحو الحياد الكربوني. ونبدأ التحليل بدراسة سياق الحياد المناخي مع بداية الغزو الروسي لأوكرانيا.
توقيتٌ حرج
تزامن الغزو الروسي لأوكرانيا مع فترة لا تشهد فيها جهود الانتقال نحو الحياد المناخي تقدمًا كافيًا. وتأثرت وتيرة هذا التقدم سلبًا بالظروف الاقتصادية الصعبة، واكتسب أهمية أكبر نتيجة المخاطر المادية المتراكمة.
ولم يكن المسار العالمي المتبع قبل الحرب قادرًا على تحقيق الحد من انبعاثات الغازات الدفيئة بحلول عام 2050، على الرغم من تنامي الالتزامات التي أعلنتها المؤسسات العامة والخاصة خلال عام 2021. وحتى عند تحقيق جميع الالتزامات القائمة في ذلك الوقت، لم يكن بمقدور العالم المحافظة على معدل ارتفاع درجة الحرارة العالمية عند 1.5 درجة مئوية، كما أن غالبية هذه الالتزامات لم تكن مدعومة بالموارد المالية والخطط التنفيذية اللازمة.
ومن ناحية أخرى، عانى الاقتصاد العالمي في تلك الفترة من العديد من التحديات القائمة مسبقًا، حيث واجه الجائحة الصحية العالمية غير مسبوقة في هذا القرن سببت 25 مليون حالة وفاة، إلى جانب الارتفاع السريع في معدلات التضخم حول العالم، وزيادة الدَّين العام العالمي بنسبة 28 بالمئة ليصل إلى 256 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي - الذي انخفض بدوره بنسبة 3.3 بالمئة. فيما واجهت سلاسل التوريد العالمية أعباء كبيرة، وارتفعت مستويات الطلب في أسواق الطاقة، ووصلت أسعار السلع الأساسية حول العالم إلى أعلى معدلاتها في عشر سنوات. وقادت الحرب في أوكرانيا إلى تفاقم جميع تلك الظروف، وأثرت على حياة الناس ومصادر رزقهم على المستوى المحلي والدولي، كما فرضت على الشرائح الاجتماعية الأكثر ضعفًا خطر تراجع الأمن الغذائي وأمن الطاقة والقدرة على تحمّل تكاليفهما.
وتزامنًا مع هذا الواقع، ازدادت حدة مظاهر التغير المناخي، سواء من خلال موجات الحر غير المسبوقة في الهند ووصولًا إلى تفاقم الجفاف في منطقة الغرب الأمريكي. وأطلق تقرير التقييم السادس، الصادر عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ بعد أيام قليلة من بدء الغزو، تحذيرًا خطيرًا من تأثيرات التغير المناخي الشديدة على البشر والأنظمة الطبيعية، مشيرًا إلى أن هذه التأثيرات ستتفاقم بصورة غير متوقعة نتيجة استمرار ارتفاع درجات الحرارة، ومحذرًا من التراجع السريع في المهلة الزمنية المتاحة لتفادي التأثيرات الأكثر كارثية. وتوازيًا مع دراسة تأثيرات النزاع المحتملة على الجهود المناخية، تجدر الإشارة إلى أن غياب العمل المناخي يمكن أن يؤدي إلى زيادة خطر النزاعات الداخلية وبين الدول بنتيجة التنافس على الموارد الشحيحة مثل الغذاء والماء.
تأثير الحرب على المتطلبات الأساسية للانتقال نحو الحياد المناخي
طرحنا في دراسة بحثية سابقة تسعة متطلبات رئيسية نعتقد بضرورة تلبيتها لتمكين الانتقال نحو الحياد المناخي. وتندرج هذه المتطلبات ضمن ثلاث فئات رئيسية هي: البنى المادية الرئيسية الضرورية؛ والتعديلات الاقتصادية والاجتماعية؛ والحوكمة والمؤسسات والالتزامات، والتي تشمل الدعم الشعبي للتقدم في جهود الحد من الغازات الدفيئة. ويمكن لاستيعاب تأثير الحرب على كل من هذه الفئات مساعدة القادة على تقييم آفاق الانتقال نحو الحياد المناخي بشكل أفضل.
احتمال تراجع توفر إجمالي البنى المادية الرئيسية على المدى القصير
يتطلب الانتقال نحو الحياد المناخي ثلاث بنى مادية رئيسية هي الابتكار التكنولوجي، وإنشاء سلاسل توريد تساعد على تطبيق التكنولوجيا الجديدة، وتوافر الموارد الطبيعية الأساسية اللازمة. وتخضع هذه العوامل لمجموعة من التطورات، مثل توقف عمل مراكز الإنتاج في أوكرانيا، والعقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا، إضافة إلى تراجع مستويات التعاون الاقتصادي بين الدول. ومن المرجح أن تتسارع وتيرة الابتكار التكنولوجي على المدى القصير، توازيًا مع بحث الجهات المعنية المتضررة من ارتفاع الحاجة إلى الطاقة أو السلع الأساسية عن بدائل أفضل من الناحية الاقتصادية، بالإضافة إلى زيادة إدراكها لأهمية التدابير التعويضية مثل التقاط الكربون وعزله. ونشهد منذ بداية الحرب تخصيص كميات ضخمة من رؤوس الأموال لصالح صناديق الطاقة المتجددة بعد تراجعها لعدة أشهر سبقت النزاع. وبالمقابل، ورغم تزايد الرغبة بتوسيع البنية التحتية لخطط الحياد المناخي على المدى القصير، قد يواجه تنفيذ هذه المشاريع تحديات بسبب الضغوطات اللوجستية الناجمة عن عملية إعادة تنظيم السوق (بفعل العقوبات الاقتصادية) وارتفاع أسعار الطاقة، الأمر الذي قد يلقي بتأثيرات سلبية على سلاسل التوريد الخاصة بتكنولوجيا الحياد المناخي التي تتصف بالتعقيد وامتدادها عبر العديد من الدول (وبالتالي اعتمادها الكبير على المواصلات والنقل).
ونعتقد أن تأثير الحرب على البنى المادية الرئيسية سيكون سلبيًا بالمجمل على المدى القريب، وسينتج عن تراجع الوصول إلى الموارد الطبيعية الأساسية. فعلى سبيل المثال، أدت مكانة روسيا القوية في سوق الموارد الطبيعية، بما فيها المعادن الرئيسية مثل النحاس والنيكل والسيليكون، إلى حدوث صدمة كبيرة من ناحية العرض (الشكل 1). وتُعد هذه المواد مكونات رئيسية لإنتاج أربع من أهم تقنيات الحياد الكربوني، وهي التوربينات الهوائية البرية والبحرية، والألواح الشمسية، والمركبات الكهربائية، وبطاريات التخزين. وستقود حالات النقص الناتجة عن الحرب في أوكرانيا إلى زيادة الضغط على سلسلة توريد منتجات الطاقة المتجددة، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع قيمة العقود طويلة الأجل لتوليد طاقة الرياح بنسبة 19 بالمئة وتوليد الطاقة الشمسية بنسبة 12 بالمئة خلال العام الماضي.

وبالتالي، فإن حالات النقص لا تفرض تأثيرات مباشرة على جاذبية تكنولوجيا الحياد المناخي. فعلى سبيل المثال، تتطلب أصول توليد الطاقة المتجددة نفقات رأسمالية لمرة واحدة وتكاليف تشغيلية منخفضة، لذا فإن ارتفاع كلفة المواد الأولية قد يؤثر على قطاع الطاقة بشكل أقل من الزيادة المستدامة في أسعار الوقود الأحفوري. وتنعكس تداعيات الاضطراب في مستويات عرض الموارد بشكل أقل في أوروبا (الأكثر عرضة لمواجهة ارتفاع مستدام في أسواق الوقود الأحفوري) بالمقارنة مع الولايات المتحدة الأمريكية، حيث توفر أسعار الطاقة ثقلًا موازيًا أقل لكلفة المواد الأولية. إضافة لذلك، تحافظ مجموعة من الدول الكبرى المنتجة لتكنولوجيا الحياد المناخي على وصولها إلى الموارد نتيجة عدم مشاركتها في فرض عقوبات على روسيا، الأمر الذي يقود إلى عدم قدرة الشركاء التجاريين لهذه الدول على معرفة تأثيرات الأزمة على التكاليف. كما تؤدي احتمالية استمرار حالات النقص الحالية إلى تحفيز التوجه نحو استكشاف مصادر بديلة، والتي من المرجح أن تؤدي إلى تأثيرات إيجابية على المدى المتوسط.
وأخيرًا، من الضروري ملاحظة التأثير قصير الأجل على عامل الزراعة، الذي يُعتبر من العوامل الحرجة التي عادةً ما يتم إغفالها بالنسبة لجهود الانتقال نحو الحياد المناخي. ولا تقتصر أهمية روسيا وأوكرانيا على تصدير مجموعة واسعة من المعادن، بل يلعبان دورًا رئيسيًا في إنتاج عدد من السلع الزراعية الرئيسية. ومن المرجح أن تؤدي حالات النقص، الناتجة عن العقوبات الاقتصادية والدمار الحاصل في مراكز الإنتاج الزراعي في أوكرانيا، إلى تقليل توفر السلع الزراعية الرئيسية مثل القمح والأسمدة. كما تشير التوقعات المناخية لعام 2022 إلى إمكانية انخفاض إنتاج مناطق السلال الغذائية العالمية إلى أقل من معدلاته الاعتيادية، وبالتالي حدوث تراجع إضافي في مستويات العرض. ويمكن أن يؤدي نقص العرض وارتفاع الأسعار في الأسواق الزراعية إلى تحويل مساحات الأراضي الإضافية نحو الإنتاج الزراعي حول العالم، وهو ما سيزيد معدلات إزالة الغابات ومستويات الانبعاثات الزراعية.
سيشهد العالم تأثيرات متنوعة ناتجة عن التعديلات الاقتصادية والاجتماعية الفعالة في مختلف المناطق على المدى القصير
تعتمد التعديلات الاقتصادية والاجتماعية اللازمة للوصول إلى انتقال أكثر انتظامًا نحو الحياد الكربوني على إدارة تغيّرات الطلب وتكاليف المنتجات، واعتماد آليات تعويضية لمعالجة تأثيرات الانتقال الاجتماعية والاقتصادية، بالإضافة إلى وجود هياكل تمويلية مناسبة والتخصيص الفعال لرؤوس الأموال. ويمكن أن نشهد على المدى القريب تأثيرات إيجابية من حيث إدارة تحولات الطلب وتكاليف المنتجات، إذ يسهم ارتفاع أسعار الطاقة في تحقيق حلول خفض الانبعاثات إيرادات مساوية لتكلفتها ضمن العديد من القطاعات التي يصعب إنجاز التحوّل ضمنها، إضافة إلى التوجه المتنامي نحو عمليات إعادة التدوير بنتيجة نقص السلع الأساسية. ومع ذلك، فرضت الحرب في أوكرانيا أولويات محلية جديدة في الكثير من الدول، مثل زيادة الإنفاق على قطاع الدفاع، وكبح تأثيرات التراجع المترتبة على ارتفاع أسعار الطاقة، إضافة إلى تقديم المساعدات الإنسانية. ويمكن لهذه العوامل أن تؤثر سلبًا على الآليات التعويضية، ولا سيما من حيث تدفق رؤوس الأموال من دول الشمال إلى دول الجنوب. وسجّل تدفق رؤوس الأموال إلى الدول النامية في الفترة السابقة للحرب معدلًا أقل بحوالي 20 بالمئة من المبلغ السنوي الذي تعهدت الدول المتقدمة بتقديمه بحلول عام 2020، والبالغ 100 مليار دولار أمريكي.
ونعتقد أن التأثير الأكبر على التعديلات الاقتصادية والاجتماعية على المدى المنظور سيتمثّل في تحوّل تخصيص رؤوس الأموال والهيكليات المالية نحو زيادة إنتاج الوقود الأحفوري استجابةً لارتفاع الأسعار.
وسيقود ارتفاع أسعار الطاقة في أوروبا إلى زيادة تخصيص رؤوس الأموال على المدى القصير لصالح إنتاج الوقود الأحفوري واستهلاكه، وبخاصة من الأصول القائمة أو المسحوبة مؤخرًا من الإنتاج. ولا يعود هذا التوجه إلى كون بدائل الطاقة المتجددة غير اقتصادية أو متوفرة أو قابلة للتطبيق، بل لأن تطبيق هذه البدائل يستغرق وقتًا طويلًا، ويتزامن مع الأزمة الاقتصادية والسياسية المباشرة الناجمة عن ارتفاع أسعار الطاقة، والتي يجب معالجتها بشكل فوري. ومن المرجح إلى جانب ذلك توجه الدول الأوروبية نحو تنويع مصادر واردات الوقود الأحفوري بهدف الوصول إلى أسعار أقل وضمان أمن الطاقة لديها. ومع ذلك، سيتطلب تنويع مصادر الطاقة بعيدًا عن الغاز الروسي فترة زمنية لتجاوز العقبات اللوجستية والتفاوض على العقود وتطوير مرافق الاستيراد، والتي انعكست بصورة واضحة من خلال شراء أوروبا لكميات من الغاز الروسي بقيمة 46 مليار دولار أمريكي منذ بدء الحرب على أوكرانيا. وأخيرًا، من المرجح عودة التوجه نحو مصادر الطاقة الأرخص ثمنًا والأكثر إطلاقًا للانبعاثات، مثل الفحم، في حال عدم القدرة على تخفيض الأسعار بفعل زيادة الإنتاج المحلي أو تنويع المصادر، وتجري دراسة مثل هذا التوجه في عدة دول مثل ألمانيا. وبالمقابل، قد تواجه الاستثمارات الموازية لتسريع تطوير تكنولوجيا الحياد المناخي تنافسًا على الموارد المالية مع احتياجات مباشرة أخرى مثل، الدفاع والجهود الإنسانية وجهود الحد من التأثيرات التراجعية لارتفاع أسعار الطاقة.
ويُرجّح أن ينتقل التوجه في الولايات المتحدة على المدى المنظور أيضًا نحو إنتاج الوقود الأحفوري بهدف معالجة ارتفاع الأسعار المحلية ودعم تنويع موارد الطاقة في أوروبا، بينما لا تزال التوجهات على المدى المتوسط والطويل أقل وضوحًا. فنظرًا لوفرة احتياطات الوقود الأحفوري، فإن الولايات المتحدة أقل عرضة للتأثر بارتفاع أسعار الطاقة، إلا أنها معرضة بشكل مماثل لأوروبا لتأثيرات نقص المواد الأساسية اللازمة للانتقال نحو الحياد المناخي. وقد تؤدي جهود الانتقال نحو الحياد المناخي في الولايات المتحدة إلى فوائد اقتصادية أقل، واعتبارات أقل خطورة بشأن أمن الطاقة بالمقارنة مع أوروبا. ويتمثّل أحد التأثيرات المحتملة على مشهد الطاقة على المدى المتوسط في الولايات المتحدة في تسارع ابتعاد الأسواق العالمية عن منتجات النفط الأعلى ثمنًا والأكثر إصدارًا للكربون لصالح نفط حوض "بيرمان" الواقع في منطقة الجنوب الغربي الأمريكية، وهي خطوة رئيسية لتحقيق الانتقال الناجح نحو الحياد المناخي نظرًا لاستمرار الطلب على النفط حتى المراحل الأخيرة لعملية الانتقال.
وتجدر الإشارة أيضًا إلى أن الولايات المتحدة تقف أمام فرصة فريدة لتقليل استهلاكها من الوقود الأحفوري، وذلك من خلال تطبيق سياسة واسعة النطاق لتعزيز كفاءة استهلاك الطاقة (نناقشها بالتفصيل بعد قليل) قادرة على عن تقليل التكلفة على المستهلكين وتعزيز أمن الطاقة والمضي قدمًا نحو تحقيق الأهداف المناخية.
وأخيرًا، تواجه قارة آسيا خطر العودة إلى الاعتماد على الفحم على المدى المنظور، ففي حال أدت العقوبات إلى تراجع الوصول إلى أنابيب النفط التي تعتمدها روسيا بشكل رئيسي لإيصال النفط والغاز إلى أوروبا، فستحتاج روسيا إلى زمن طويل لبناء أنابيب بديلة للوصول إلى السوق الآسيوية. وتوازيًا مع زيادة الطلب الحادة المتوقعة في سوق الغاز الطبيعي، قد يقود ارتفاع الأسعار الناتج إلى توجه المستهلكين ذوي القدرات الشرائية الأقل في آسيا نحو الفحم المميز بتوافره وسعره المنخفض والضوابط التنظيمية الأقل صرامة.
احتمال تراجع جهود الحوكمة والمؤسسات والالتزامات على المستوى الدولي وازدياد حضورها على المستويين الإقليمي والخاص على المدى القريب
يعتمد نجاح جهود الحوكمة والمؤسسات والالتزامات على ثلاثة عوامل، تشمل اعتماد المعايير وآليات السوق والمؤسسات الفعالة اللازمة؛ والامتثال والتعاون المشترك بين قادة القطاع العام والخاص والاجتماعي؛ ودعم المواطنين والمستهلكين. ويمكن للحرب في أوكرانيا أن تضعف هذه العوامل الثلاثة على المدى القصير على المستوى الدولي، فيما تؤدي إلى تعزيز مجموعات من العوامل الفرعية ذات الصلة على الصعيدين الإقليمي والخاص.
وقد تسبب الحرب تأثيرات سلبية على التعاون الدولي، وتهدد تطوير المعايير والاتفاقيات والمؤسسات الدولية التي تتطلبها جهود الانتقال المنتظم نحو الحياد الكربوني. كما يمكن أن تقود الأولويات المتنافسة على مختلف الأصعدة إلى إضعاف التركيز على جهود خفض الانبعاثات وتحقيق الحياد المناخي لدى صناع القرار. فعلى سبيل المثال، تشير بيانات إحدى الاستبيانات إلى تراجع الاهتمام بالقضايا المناخية لدى الرأي العام.
ورغم إمكانية أن تؤثر زيادة النزاعات بين الدول وطرح أولويات متنافسة سلبًا على التعاون الدولي، فقد أطلقت العديد من الاقتصادات الكبرى، بما فيها الصين، حوافز لمواصلة دعم الجهود العالمية في مجال الانتقال نحو الحياد المناخي، والتي انعكست في الاستثمارات الضخمة والمستمرة التي تقدمها هذه الدول لإنتاج التقنيات والمكونات صديقة البيئة. فعلى سبيل المثال، تُعتبر الصين مسؤولة عن ثُلث الإنتاج العالمي من توربينات الهواء و70 بالمئة من الألواح الكهروضوئية، كما تحتضن حوالي 75 بالمئة من طاقة إنتاج بطاريات الليثيوم أيون العالمية. ويمكن تعزيز التزامات قادة القطاعات العام والخاص والاجتماعي كاستجابة لتراجع مستويات التعاون الدولي، ومع وجود العديد من الشركات والجهات الاجتماعية العالمية، ستستفيد من التعاون وتملك الحافز للمحافظة على روابط دولية قوية.
تحول صغير مؤقت أم منعطف جذري طويل الأمد؟
بناءً على هذه القوى الجديدة والمؤثرات المختلفة، نعتقد بأن الحرب بالمجمل ستلقي تأثيرات سلبية على المتطلبات الرئيسية على المدى القصير، وستؤدي إلى تغيّر في مسار الانتقال الأكثر انتظامًا نحو الحياد المناخي. ومع ذلك، يمكن أن تمثّل تأثيرات النزاع على المدى الطويل نقطة تحول إيجابية، شريطة أن يتحلى القادة ببعد النظر والشجاعة اللازمة، ويحصلون على الدعم الشعبي المتنامي لتحقيق هذه الأهداف.
ويعتمد هذا السيناريو المستقبلي الإيجابي على عاملين اثنين: الأول هو عدم اتساع نطاق الحرب في أوكرانيا، إذ من المرجح أن يؤدي تنامي رقعة النزاع إلى تعطيل الانتقال نحو الحياد المناخي، والذي يمكن بدوره أن يزيد من حجم تبعات النزاع الكارثية. أما العامل الثاني فهو أن تسريع جهود الانتقال في الفترة التالية للنزاع يحتّم تقديم الالتزامات الكافية من قادة القطاع العام والخاص وفئات المجتمع، وإدراك أن الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة وكفاءة استهلاك الطاقة وجهود خفض الانبعاثات ليست أسباب انعدام أمن الطاقة وارتفاع أسعارها، إنما هي الحلول اللازمة لحل هذه المشكلات. كما تتطلب منهجية القيادة المستقبلية الاستفادة من الوعي المتوفر من أجل تعزيز الدعم الشعبي وتوظيفه لإجراء استثمارات ضخمة ومدروسة في تلك الحلول وسلاسل التوريد الداعمة لها على المدى المنظور.
وعلى سبيل المثال، رغم أن نقص السلع الأساسية وارتفاع أسعارها قد يحمل تأثيرًا سلبيًا على جهود الانتقال على المدى القصير، تمثّل المراحل الحرجة في سلسلة التوريد، مثل إنتاج الليثيوم بالنسبة لعملية تصنيع مكونات البطاريات، منذ فترة طويلة إحدى العوامل التي تقيّد سرعة الانتقال نحو الحياد المناخي. وتعكس صدمة العرض الحالية بوضوح الحاجة والفرص القائمة للاستثمار في تأمين توريد المعادن الرئيسية وتوسيع نطاقه، والذي سينعكس إيجابًا على سرعة عملية الانتقال في المستقبل، فضلًا عن دوره في تقليل تكاليف السلع الاستهلاكية الأخرى التي تتطلب نفس المواد الأولية، وبخاصة المنتجات الإلكترونية.
ويمكن أن يقود ارتفاع أسعار الطاقة إلى زيادة إنتاج الوقود الأحفوري وإعادة تشغيل محطات توليد الطاقة التي سُحبت مؤخرًا من الإنتاج على المدى القصير، إلا أن اعتبارات أمن الطاقة على المدى الطويل قد تدفع نحو الاستثمار في مجالات كفاءة استهلاك الطاقة والطاقة المتجددة بوصفها أدوات رئيسية لتحقيق الاستقلال في مجال الطاقة وإدارة أسعارها. ويُذكر من الأمثلة على ذلك خطة "ريباور إي يو" التي أصدرتها المفوضية الأوروبية في 18 مايو 2022، والتي تتضمن خططًا لزيادة إنتاج أوروبا من الميثان الحيوي بمقدار الضعفين، وتعزيز طاقة إنتاج الهيدروجين الأخضر بمقدار ثلاثة أضعاف من خلال زيادة مستويات الإنتاج والاستيراد بحلول عام 2030، بالإضافة إلى توفير 510 جيجا واط من طاقة الرياح و600 جيجا واط من الطاقة الشمسية بحلول عام 2030، فضلًا عن تركيب حوالي 30 مليون مضخة حرارية، وتحسين قدرات التصنيع المحلية، وتقديم تسهيلات جذرية لعمليات منح الموافقات والتراخيص الخاصة بمشاريع البنية التحتية وتوليد الطاقة المتجددة، والتي من المتوقع إنجازها جميعًا خلال الأعوام الثمانية المقبلة. ويمكن لمثل هذه السياسات الاستفادة من زخمٍ إضافي نظرًا لأن إنشاء البنى الجديدة كليًا الخاصة بالطاقة الشمسية وطاقة الرياح يمثّل عملية أسرع وأقل تكلفة بالمقارنة مع تلك الخاصة بالفحم أو الغاز الطبيعي.
وتقدم إجراءات توفير الطاقة حلولًا مجدية من الناحية الاقتصادية، إلا أنها لا تحظى عادًة بالدعم الشعبي الكافي لتطبيقها. ويشير استبيان إلى أن 80 بالمئة من المواطنين الأوروبيين يدعمون حاليًا فكرة توفير إعانات حكومية لتعزيز كفاءة استهلاك الطاقة في المنازل. ويمكن ملاحظة مستويات مماثلة من الدعم في الولايات المتحدة، ففي استبيان أجرته شركة جالوب في مارس 2022، أبدى 89% من المشاركين دعمهم لتوفير إعفاءات ضريبية لأنظمة الطاقة المتجددة المنزلية، وأيّد 71 بالمئة منهم فرض معايير لضمان كفاءة استهلاك الوقود للسيارات والشاحنات والحافلات، فيما أشار 61 بالمئة من المشاركين إلى دعمهم لتقديم حوافز ضريبية لشراء السيارات الكهربائية. وحظي عدد من هذه الحوافز الضريبية بتأييد المشاركين من كلا الحزبين الرئيسين في الولايات المتحدة.
ويمكن أن يسهم ارتفاع أسعار الطاقة في زيادة التوجه نحو الطاقة البديلة وإجراءات تعزيز كفاءة استهلاك الطاقة، فضلًا عن زيادة جاذبية الاستثمارات في القطاعات التي يصعب إنجاز الانتقال نحو الحياد المناخي ضمنها. ويمكن لاعتماد الخطط عالية التأثير والجاهزة للتطبيق تخفيض تكاليف الطاقة بنسبة تصل حتى 40 بالمئة وتحقيق إيرادات إضافية كبيرة (الشكل 2).

وأخيرًا، يعكس الوضع الراهن الأهمية المُلحّة لجهود التكيّف، إذ يقود التحوّل عن مسار الانتقال نحو الحياد المناخي، مهما كان صغيرًا، إلى زيادة تراكم المخاطر المادية. وكانت الإجراءات والاستثمارات المخصصة لجهود التكيّف غير كافية حتى في الفترة السابقة للحرب، وقد تفاقمت هذه الحالة بفعل النزاع.
التكيف مع المستجدات والمضي باتجاه التحول نحو الحياد المناخي
أصدرت ماكنزي سابقًا دراسة بحثية صنّفت الخطوات المتاحة أمام الجهات المعنية في سياق الانتقال نحو الحياد المناخي. وسنركّز في هذه المقالة على الخطوات الرئيسية التي اكتسبت أهمية إضافية في ضوء النزاع الحالي.
نظرًا لأن الحكومات غير قادرة بمفردها على إنجاز الانتقال نحو الحياد المناخي، يملك قادة القطاع الخاص فرصة لعب دور أكثر أهمية في تحقيق هذا الهدف. ويتطلب النجاح هنا اعتماد منهجية قيادية مستقبلية ومبتكرة على مستوى الأفراد والمؤسسات. ويمكن للشركات في هذا السياق اعتماد الخطوات الثلاث التالية:
- رفع مستوى تحديد المخاطر وآليات الاستجابة. إذ أدت الحرب إلى جهود خفض الانبعاثات ضمن العمليات زيادة الاضطرابات العالمية بشكل واضح، لذلك أصبح الآن من الضروري أكثر من أي وقت مضى العمل على تطوير قدرات إدارية ثابتة لمواجهة عدم الاستقرار. وتتمثل أهم العوامل لتحقيق هذا الهدف في تحديد الظروف المتغيرة بسرعة والاستجابة لها في الزمن الحقيقي، سواء الظروف المتعلقة بوظائف سلاسل التوريد أو المخاطر المرتبطة بتسريع الانتقال نحو الحياد المناخي. ولا تُعتبر هذه النقطة عاملًا جديدًا، إلا أنها اكتسبت مستويات غير مسبوقة من حيث الأهمية وحجم العمل المطلوب القيام به من الشركات من مختلف المستويات دون استثناء.
- تعزيز جهود خفض الانبعاثات ضمن العمليات الرئيسية. يمكن للشركات الاستفادة من التركيز على المراحل التي تقع تحت سيطرتها المباشرة (مثل عمليات الإنتاج)، أو الوسائل التي تقدّم أفضلية استراتيجية، من خلال التحوّط في مواجهة تقلبات أسعار الطاقة أو المخاطر المستقبلية المرتبطة بالانتقال نحو الحياد المناخي. وتنطبق هذه الناحية بشكل خاص على شركات السلع الأساسية التي تحقق مكاسب نقدية غير متوقعة بنتيجة ارتفاع الأسعار. وتستلزم هذه الخطوة تطوير آلية متينة تضمن تطبيق ممارسات صديقة للبيئة لشراء المواد الخام والمكونات، وتنسجم مع المخاطر والمعطيات الجديدة، إلى جانب الحاجة إلى الاتحادات المختصة بالقطاع وجهود التعاون بين القطاعين العام والخاص بهدف معالجة العقبات الماثلة أمام التوريد.
- دعم جهود التعاون الدولي. إذ تلعب اتحادات ومنظومات القطاع دورًا في دعم وتحفيز الاتفاقيات والالتزامات والمعايير والممارسات الدولية المتعلقة بالاستدامة. ويتوجب على الشركات تعزيز زخم هذه الجهود من خلال الالتزام باتفاقيات تعاون واتخاذ المزيد من الخطوات خلال هذه الفترة الحرجة، بما يشمل لعب دور قيادي على مستوى الشركة والقطاع والمنظومة ككل، نظرًا لقدرة المستخدمين على التأثير على الجهات الموردة وممارساتها. ويمكن أن تلعب هذه المنهجية القيادية دورًا رئيسيًا في تحديد أثر الحرب على آفاق الانتقال نحو الحياد المناخي.
من جهة أخرى، يفرض النزاع على قادة الحكومات لعب دور أكثر فعالية في أسواق الطاقة. ويعطي ارتفاع أسعار الطاقة والسلع الأساسية، مصحوبًا بالمخاوف حول أمن الطاقة، لقادة الحكومات فرصة غير مسبوقة لتسريع تطبيق تكنولوجيا الحياد المناخي. ويمكن للحكومات اتباع الخطوات الثلاث التالية في هذا السياق:
- تطوير استراتيجية قوية ومتكاملة للاقتصاد والموارد الوطنية. وتشمل هذه الاستراتيجيات التعاون الوثيق على امتداد الإدارات ومع القطاعات المختلفة، بهدف إعداد خارطة طريق لتحديد وتنسيق جهود السياسة، والابتكار، والبنية التحتية، والموارد المالية اللازمة لتحقيق التزامات خفض الانبعاثات وأمن الطاقة، إلى جانب تطوير خطط لتسهيل إخراج الأصول والمنشآت المطلوبة من الخدمة والحد من تأثيراتها، بالتوازي مع تحسين وتوجيه عمليات تركيب الأصول الجديدة مرتفعة الانبعاثات التي قد تكون ضرورية على المدى القصير في بعض المناطق. وأخيرًا، تتضمن هذه النقطة تسريع الجهود الهادفة إلى توقّع متطلبات الموارد المعدنية المستقبلية في ضوء سيناريوهات مختلفة، فضلًا عن تطوير منهجية مرنة ومتنوعة قدر الإمكان لتأمين هذه الموارد.
- تحفيز الطلب. وتشمل هذه الناحية إعداد مجموعة من الحوافز والمتطلبات الخاصة بتطبيق أهم تقنيات الحياد المناخي، فضلًا عن تعزيز هذه التقنيات وتسريع الأطر الزمنية الخاصة بالتزامات خفض الانبعاثات (وبالتالي تحسين أمن الطاقة)، وتنظيم الأسعار والتخلص من الأصول عالية الانبعاثات بشكل تدريجي. ومن الضروري هنا التنسيق بين محفزات الطلب واستراتيجية التوريد بما ينسجم مع النقطتين السابقتين، وتنفيذ مختلف الخطوات السابقة بالتوازي مع إدارة المخاطر قصيرة الأمد التي تواجه أنظمة الطاقة.
- طرح المزيد من الحوافز والضمانات المالية وتحسين الضوابط. وتتضمن هذه الخطوات الاستفادة من الأموال العامة، وكذلك طرح حوافز مالية لتسريع تطبيق تقنيات الحياد المناخي التي أثبتت فاعليتها، وبخاصة في مجالات كفاءة استهلاك الطاقة وتوليد الطاقة البديلة، إضافة إلى إصلاح عمليات منح الموافقات والتراخيص بهدف تسريع تطبيق هذه التقنيات والبنى التحتية، مثل تشييد مزارع طاقة الرياح والطاقة الشمسية. وتتوازى هذه الإجراءات مع تشديد عمليات منح الموافقات والتراخيص ذات الصلة بتطوير الأصول عالية الانبعاثات، والتي قد لا تُعطى الموافقة للتشغيل في المقام الأول.
وأخيرًا، تلعب المؤسسات المالية دورًا مستمرًا وحاسمًا في هذا السياق. ويمكن لهذه المؤسسات تحقيق نتائج إيجابية عن طريق اتباع الخطوات الثلاث التالية:
- تطوير منهجية للحد من الانبعاثات المموَّلة. تؤدي التوقعات بارتفاع مستويات الانبعاث على المدى القريب إلى عدم جدوى الاستراتيجيات المصممة لإحداث انخفاض خطي وثابت في الانبعاثات المموَّلة. وهنا يتوجب على المؤسسات المالية إعداد مسارات أكثر تطورًا لخفض انبعاثات الشركات في البداية على الأقل، بالإضافة إلى تقديم الدعم والحوافز المناسبة للشركات لتحقيق هذا الهدف، ومواصلة العمل لتعزيز استيعابها للانبعاثات الناتجة عن عملياتها التمويلية، إلى جانب التعاون الوثيق مع العملاء لاتباع مسار تدريجي ومنتظم لخفض الانبعاثات.
- بناء القدرة على تحديد فرص خفض الانبعاثات الجديدة والاستفادة منها. توازيًا مع استمرار ارتفاع أسعار الوقود الأحفوري وانخفاض أسعار الطاقة المتجددة، يمكن لحلول خفض الانبعاثات التي تنسجم مع منحنى تكلفة التخفيض الحدي تقديم خيارات اقتصادية مجدية. ويمكن للمؤسسات المالية تعزيز قدراتها على تحديد إمكانية تمويل هذه الفرص الجديدة والاستفادة منها.
- تطوير وتوفير منتجات وهياكل مالية جديدة لمساعدة الشركات على التخلص من الأصول القديمة. وتشمل الحلول بهذا السياق توفير آليات مالية مخصصة تتيح للشركات تحديد الأصول القديمة المصدرة للانبعاثات وإخراجها من الخدمة بالاعتماد على مسار علمي للانتقال نحو الحياد المناخي؛ واستبدال أصول توليد الطاقة المعتمدة على الفحم من خلال هيكليات مالية مختلفة، مثل توقيع اتفاقيات شراء طويلة الأمد مع محطات الطاقة المتجددة (والتي تتميز بتكاليف إجمالية أقل)؛ بالإضافة إلى توفير أدوات مالية جديدة لدعم الحلول ذات الانبعاثات السلبية أو صديقة البيئة على سبيل المثال.
لم تقتصر نتائج حرب أوكرانيا على الأزمة الإنسانية التي سببتها، بل قادت إلى صدمة كبيرة من ناحية العرض في إطار جهود الحد من انبعاثات الغازات الدفيئة. ومع ذلك، تطرح اعتبارات الاقتصاد وأمن الطاقة الجديدة نقطة تحول تتيح لقادة القطاعين العام والخاص فرصةً لمعالجة الأزمة المناخية العالمية، والتي تستلزم التحلي بالقدرة على اتخاذ القرارات الجريئة الضرورية لتحقيق الانتقال نحو الحياد المناخي.