المزيد من الرؤى والتقارير من ماكنزي باللغة العربية
شاهد مجموعة المقالات الخاصة بنا باللغة العربية، واشترك في النشرة الإخبارية العربية الشهرية
خلال مسيرة الشركات لتنفيذ استراتيجية التحول، قد تظل الإمكانات الواعدة والإنجازات المتميزة حبيسة بعض أقسام وإدارات المؤسسة. فتحقيق النجاحات على نطاق محدود يساهم في تعزيزالامكانات والقيمة المنشودة، إلا أنه لا يكفي لتحقيق الهدف الرئيسي والأسمى بأن تتمحور استراتيجية المؤسسة حول التحول الرقمي لتعزيز الابتكار وتحقيق التطور والنمو المستدام، بهدف تلبية احتياجات العملاء وتخفيض معدلات الإنفاق بشكل أسرع في ظل المنافسة الشرسة.
وتشكل النجاحات الصغيرة والتدريجية ركيزة أساسية يمكن الاستفادة منها في رحلة التحول، ولكن يبقى تحقيق التحول الجذري المنشود مرهوناً بإعادة هيكلة شاملة لإدارة الأعمال، مما قد يشكل تحدياً بارزاً لبعض المؤسسات، ولكنه ضرورة ملحة. وتشمل استراتيجية التحول المتكاملة تغيير نمط تعاون الموظفين لأداء الأعمال، وكيفية التعامل مع البيانات لدعم نماذج الذكاء الاصطناعي، وإدارة كافة الإمكانات والموارد البشرية وتقسيمهم لفرق عمل تضم أعداد متباينة لتعزيز الابتكار.
فلا توجد "حلول سحرية" كما يناقش دليل ماكنزي لإعادة الهيكلة وتعزيز القدرات التنافسية في عصر التكنولوجيا الرقمية والذكاء الاصطناعي، حيث يتطلب الأمر تدخل قادة الأعمال لإجراء تغيرات جذرية. ويسلط هذا المقال الضوء على خمس نماذج ناجحة من الشركات التي تمكنت من تنفيذ استراتيجية التحول الشاملة، وتضم هذه النماذج شركة "أمازون" و"فريبورت-ماكموران" (شركة أمريكية متخصصة في التعدين) و"دي بي إس" (شركة للخدمات المصرفية والمالية متعددة الجنسيات) و"جوجل"، ومجموعة "ليغو". فقد قمنا بتحليل استراتيجيتهم وخططهم لمعرفة التحولات التي تم تنفيذها لتحقيق أهدافهم المرجوة.
إن مجرد تكرار المزيد من نفس نمط الأعمال لن يؤتي بثمار جيدة ولن يؤدي إلى تحقيق قيمة مستدامة، حيث يتطلب تعزيز القدرة التنافسية تطبيق 6 تحولات جذرية من شأنها خلق عمليات تنظيمية جديدة وتعزيز القدرات والإمكانات.
1. التحول من التركيز على المبادرات الرقمية إلى التركيز على تجربة العملاء
تستند الشركات التي يتم إعادة هيكلتها إلى استخدام البيانات كعامل رئيسي، بهدف تحسين خدمة العملاء بشكل مستمر، مما يدفع عجلة النمو المستدام. ولتحقيق ذلك، ينبغي على الشركات تحديد أولوياتها واتخاذ قرارات حاسمة وواعية بشأن الخيارات المختلفة لتقديم قيمة مضافة للعملاء.
تتبع الشركات المعاد تشكيلها طريقتين رئيسيتين لضمان الالتزام نحو تحقيق أهدافها والحفاظ على الانضباط. فيعتمد النهج الأول على وجود هدف شامل وبسيط يتمحور حول العميل. وبينما تزعم العديد من الشركات أنها تضع العميل على رأس أولوياتها، ويؤكد قادتها هذا الإدعاء عن طريق الإشارة إلى أمثلة محددة، إلا أن هذا الاهتمام قد يتلاشى في المستويات الأقل للإدارات والموظفين. وعلى الصعيد الأخر، تتميز شركة "أمازون" بالتزامها الراسخ نحو العملاء على جميع المستويات، بما في ذلك الخدمات اللوجستية وسلسلة التوريد. كما تتمحور الاستراتيجية الرقمية لشركة "دي بي إس" بشكل رئيسي حول " توفير خدمات مصرفية سهلة وممتعة للعملاء" من خلال تركيز مهمتها على تحسين تجربة العملاء. على سبيل المثال، لطالما كانت عملية إنشاء بطاقة الائتمان مصدر إزعاج للعملاء نظراً لصعوبة وتعقيد الإجراءات، مما دفع قيادات البنوك إلى الاهتمام بتطبيق حزمة من التطورات الصارمة بهدف تسهيل العملية وتقليل الوقت المستغرق للحصول على بطاقة ائتمان، من 21 يومًا إلى أقل من 4 أيام.
أما النهج الثاني فيعتمد على أن تضع الشركات المعاد هيكلتها إدارة المنتجات على رأس أولوياتها، حيث يدركون الدور المحوري الذي تلعبه إدارة المنتجات في تعزيز قدرتهم على خلق قيمة مضافة بمنتهى السرعة وبشكل فعال، وبالتالي يعتبرونها ذات أولوية استراتيجية، مما يدفعهم للاستثمار بقوة في المواهب والأدوات والعمليات اللازمة لدعم هذه الركيزة الاستراتيجية على نطاق واسع. وتعد المراجعة الربع سنوية الفعالة بمثابة حجر الأساس لتعزيز هذا النهج، حيث توفر رؤية واضحة للقيادات لدفع عجلة النمو وتمكنهم من التركيز على الأوليات. كما يعتمد أيضاً هذا النهج على مطوري المنتجات الأكثر كفاءة الذين يجمعون بين المهارات التقنية والاستراتيجية والتسويقية، والمهارات المتعلقة بخدمة العملاء من أجل قيادة فرق العمل بشكل فعال، وذلك بهدف تطوير حلول متميزة.
وتعتمد حالياً شركة "فريبورت- ماكموران" على المراجعة الربع سنوية لتحديد الأهداف والنتائج الرئيسية واستثمار الموارد في المجالات الأكثر أهمية. وقد عضدت الشركة هذه الآلية عن طريق توظيف كبار مسؤولي المنتجات الذين يديرون فرق العمل الخاصة بالمنتجات ويساعدون في اتخاذ القرارات المتعلقة بتخصيص الموارد المختلفة. ويعد التركيز على "الأهداف والنتائج الرئيسية" ركيزة هامة لضمان الحصول على القيمة المضافة المرجوة كنتيجة لعمل الفرق المتخصصة في تطوير وتسويق المنتجات.
ارتكزت شركة "أمازون" لتعزيز أعمالها على مسؤولي المنتجات، الذين يطلق عليهم "المركز الرئيسي للتواصل" الذي يربط بين مختلف الأقسام، حيث يتمتعون بسلطات واسعة لإدارة فرق العمل التابعة لهم، وتخصيص الميزانيات، وتحديد الأهداف والمهام. كما يتولى هؤلاء الأشخاص مسؤولية نجاح المنتجات ولديهم صلاحيات مختلفة تمكنهم من اتخاذ مجموعة واسعة من القرارات، مثل تحديد أولويات المبادرات وتخصيص الموارد.
2. التحول من توظيف أصحاب المواهب الرقمية إلى تنمية القدرات الرقمية على نطاق واسع
تدرك الشركات التي تقوم بتطبيق تغيير مؤسسي واسع النطاق الأهمية القصوى لأصحاب المواهب، حيث يمثلون القوة الدافعة للشركة. ومن هذا المنطلق، تولي هذه الشركات اهتماماً كبيراً ببناء قاعدة وظيفية راسخة من المواهب المتميزة. فعلى سبيل المثال، قد أدركت مجموعة "ليغو" في وقت سالف أن حوالي 70% من الشفرات البرمجية المستخدمة في منتجاتها يتم إنشاؤها خارجيًا، مما دفع الشركة لبذل المزيد من الجهود لاستقطاب أصحاب المهارات التقنية المتميزة للعمل داخل الشركة. وفي هذا الإطار، قامت مجموعة "ليغو" بإطلاق حملة إعلامية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لتسليط الضوء على المشكلات التقنية الهامة التي تقوم الشركة بتطوير حلول لها، كما افتتحت استوديوهات رقمية في مدن "شنغهاي" و"كوبنهاجن"، بهدف استقطاب المواهب التقنية المتميزة وتوفير بيئة عمل تحفزها على تطوير مهاراتهم. ونتيجة لهذه الجهود، تمكنت مجموعة "ليغو" من مضاعفة عدد مهندسي البرمجيات والأنظمة لديها، وتعزيز مكانتها كواحدة من أهم الشركات الرائدة في مجال الألعاب التقنية والترفيهية.
وينصب تركيز الشركات الناجحة على ما يلي:
- بناء قاعدة راسخة من أصحاب المواهب: فالتركيز على استقطاب أفضل المواهب ليس كافياً، بل يتعين أيضاً على الشركات إنشاء بيئة داعمة لأصحاب المواهب. ويشمل ذلك النهج توفير خيارات مهنية مختلفة تساهم في تحفيز الموظفين، وإتاحة الفرص للعمل على أحدث التقنيات، وتطوير المهارات بشكل مستدام وفقاً لمتطلبات السوق. وتأتي شركة "جوجل" على رأس قائمة الشركات التي تطبق هذا النهج، حيث قامت بتصميم برنامج لتعزيز مهارات الموظفين من خلال نظام التناوب عبر مختلف الأقسام وفرق العمل، مما يثقل من معرفتهم ويفتح لهم آفاق جديدة تدفعهم للنمو والتطور.
- تطوير المهارات التقنية: في إطار التحولات التكنولوجية المتسارعة والتطور الكبير في تقنيات البرمجة، يتعين على الشركات توفير الوقت اللازم للتقنيين، بهدف تطوير مهاراتهم وثقل معرفتهم بصفة مستمرة. وتعتبر شركة " دي بي إس" خير مثال لتطبيق ذلك النهج، حيث أطلقت الشركة منصة تعليمية رقمية تسمى "ديجي فاي" تشمل 7 برامج رئيسية، على أن يلتزم كل موظف بدراسة 5 برامج منها على الأقل. ويوفر أحد هذه البرامج فرصة لتدريب التقنيين على مجموعة من المهارات، بما في ذلك المهارات المتعلقة بهندسة موثوقية الموقع، والأمن السيبراني، والتعلم الآلي، وذلك بهدف ثقل القدرات التكنولوجية للموظفين. كما قامت "دي بي إس" بتعزيز المعرفة التقنية للأعمال عبر المؤسسة بأكملها، حيث أطلقت برنامج تعليمي لتبادل الخبرات، يقوم فيه مئات من الخبراء في مجال التكنولوجيا بنقل خبراتهم إلى رجال الأعمال حول أحدت التطورات التكنولوجية، كما يشارك أيضاً الخبراء في مجال إدارة الأعمال خبراتهم مع الموظفين المتخصصين في المجالات التقنية. وقد أدى هذا النهج إلى تحسين التواصل بشكل كبير بين قسم إدارة الأعمال وقسم تكنولوجيا المعلومات وتوطيد أواصر التعاون بينهما، مما يعد أساسًا لنجاح الشركات التي تسعى لمواكبة لتحول الرقمي. فيتلقى المسؤولون التنفيذيون تدريبات بشأن المهارات الرقمية الأساسية، مثل استخدام البيانات والابتكار والتركيز على تجربة العميل، وذلك لتحسين الأداء وتحقيق الأهداف المرجوة. كما تقوم الشركة أيضاً بتحفيز الموظفين للتطور من خلال برنامج " خبراء جاندالف" الذي يوفر للموظفين فرصة للحصول على مبلغ مالي لدارسة برامج جديدة من اختيارهم، شريطة أن يشاركوا ما تعلموه مع الآخرين في الشركة في إطار تبادل الخبرات والمعلومات. ومن خلال هذا البرنامج، تمكن نحو 20 في المائة من الموظفين من الترقي إلى مناصب جديدة بحلول العام الثالث، كما استطاع حوالي 50 في المائة من الموظفين تطوير مهارة واحدة أو اثنتين من المهارات الرئيسية المستجدة، مما ساهم في تحسين أدائهم.
3. التحول من منهجية العمل الرشيقة "أجايل" إلى الاعتماد على نموذج المنتج والمنصة
لقد طورت العديد من برامج التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي نموذج العمل المركزي، حيث يتم تشكيل من 20 إلى 30 فريقًا مُدارًا مركزيًا وفق مبادئ العمل الرشيق حسب منهجية "أجايل" لتقديم الحلول بسرعة وفعالية. وعلى الرغم من أن هذا النهج قد يبدو فعالًا في تلبية احتياجات المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، إلا أن توسيع نطاقه لدعم مئات الفرق في المؤسسات الأكبر حجمًا يعد بمثابة تحدٍ كبير.
ولتحقيق قفزة نوعية في الأداء وتعزيز معدلات النمو، يتعين على الشركات بناء نموذج تشغيل موزع يتمحور حول المنصات (مثل حلول أو خدمات محددة لمختلف العملاء سواء داخل أو خارج المؤسسة، مثل بحث عبر شبكة الإنترنت أو إدارة البيانات) من خلال الاستفادة من المنصات المتعلقة بتلك الخدمات (مثل إدارة المخزون أو إدارة علاقات العملاء) بهدف تمكيّن فرق المنتج، من أداء مهمتهم على أكمل وجه. ويتميز هذا النموذج بقدرته على التوسع والتكيف مع التغيرات المختلفة، حيث يساعد على تقليص الخطوات التقليدية المعقدة، مثل إجراءات الموافقة وطلبات الميزانية، التي تعرقل إنجاز الأعمال بسرعة وفعالية.
ويعد التعاون الوثيق بين إدارة الأعمال وتكنولوجيا المعلومات ضرورة ملحة، لتعزيز نموذج تشغيل المنتج والمنصة. ففي الوقت الراهن، لم تعد تكنولوجيا المعلومات تؤدي دورها التقليدي المتمثل في " تلبية المتطلبات" فقط، وإنما باتت تلعب دورًا محورياً في الإشراف على فرق العمل المتخصصة في منصات التكنولوجيا، كما تساهم أيضاً في استقطاب المواهب التقنية لفرق العمل المعنية بالمنتجات.
أدركت شركة "ليغو" الحاجة الماسة إلى تطبيق هذا النهج، حيث قامت بتخصيص فرق عمل مسؤولة عن كل منتج رقمي مطلوب لتوفير حل محدد. وكان وجود مدير تنفيذي من الإدارة العليا للإشراف على العمل ضرورة حتمية لنجاح هذا النموذج. هذا بالإضافة إلى وجود قائد من قسم إدارة الأعمال وآخر من قسم تكنولوجيا المعلومات، حيث يتحملون المسؤولية المشتركة لتحقيق النتائج المنشودة كلاً في مجال عمله. أما على مستوى فريق العمل المتعلق بالمنتجات، فتقع المسؤولية الكاملة للمنتج على عاتق قائد الفريق. ويساعد تعاون إدارة الأعمال والقطاع التجاري في عملية إدارة المنتجات على ضمان تبني الحلول التي طورتها فرق العمل المتخصصة بالمنتجات. كما ساهم هذا النهج في توحيد الأهداف، حيث يعمل جميع أعضاء فرق المنتج وفقاً لمؤشرات الأداء الرئيسية المشتركة والحوافز الموحدة.
اتبعت شركة "دي بي إس" نهجًا مشابهًا لتنظيم فرق المنتجات، حيث قامت بتشكيل منصات متخصصة لإدارة فرق عمل المنتجات، بهدف تقديم الخدمات المختلفة على مستوى المؤسسة بأكملها، مثل تلبية الاحتياجات المتعلقة بالمدفوعات وخدمة العملاء. ولضمان التعاون الوثيق بين فرق العمل، اتبعت "دي بي اس" منهج تعاوني مشترك يطلق عليه منهج "اثنين في الصندوق"، حيث يتولى مديري إدارة الأعمال والتكنولوجيا مسؤولية مشتركة لإدارة جميع فرق المنتج. ويحصل قادة المنصات على صلاحيات واسعة وفقاُ لهذا النهج، مما يمكنهم من اتخاذ القرارات بشأن توزيع وتخصيص الموارد بحرية تامة، وذلك على مدار عام كامل.
4. التحول من استخدام التكنولوجيا كقوة مركزية إلى تعزيز التوزيع الهندسي
من الناحية النظرية، قد تبدو عملية إصدار الأصول الرقمية أمرًا بسيطًا وسهلًا، حيث يستطيع الفريق الذي يمتلك الكود الخاص به إجراء التغييرات والدمج والاختبار وإتمام عملية الإصدار بسرعة وسهولة. ولكن على أرض الواقع، قد يتعرض الفريق لتحدياتٍ تقنية بالغة الصعوبة في كثير من الأحيان، حيث يضطر للتعامل مع قاعدة الشفرات المعقدة والهشة التي يتم تعديلها باستمرار من قبل العديد من الفرق المختلفة. علاوة على ذلك، يتطلب تنفيذ هذه العملية التنسيق مع العديد من المنصات الأخرى، مما يستدعي اللجوء لبعض العمليات اليدوية التي قد تعطل أداء العمل بشكل ملحوظ.
ولحل هذه المشكلة المعقدة، تقوم الشركات المعاد هيكلتها بما يلي:
- تقسيم تكنولوجيا المعلومات بشكل منهجي إلى خدمات مصغرة: تستخدم الشركات واجهات برمجة التطبيقات (API) بشكل واسع، لسد الفجوة بين أنظمة الواجهة الأمامية المرنة والأنظمة الأساسية الخلفية القديمة. ولكن مع مرور الوقت، يصبح من الصعب الاستمرار في استخدام الأنظمة القديمة، حيث تعطل من سرعة وتيرة الواجهة الأمامية. لذلك، تقوم الشركات المعاد هيكلتها بتبسيط العملية من خلال تفكيك حزمة النظم التقنية بشكل منهجي إلى خدمات مصغرة، وتطبيقات مرنة تسمح للفرق بالعمل بشكل مستقل دون الاعتماد على أنظمة أخرى، مما يعزز كفاءة أنظمة هذه الشركات.
- استخدام الشركات ممارسات السحابة الحديثة وعمليات التعلم الآلي للتوسع وتحسين عملياتها: تضع الشركات المتطورة استخدام التكنولوجيا المتعلقة بخدمات السحابة على رأس أولوياتها، حيث يستخدمون خدماتهم وإمكاناتهم بطريقة فعالة بما يعزز السرعة والمرونة. فعلى سبيل المثال، قامت شركة "فريبورت" بترحيل بنية البيانات الخاصة بها إلى السحابة، مما ساهم في نجاح تشغيل نماذج الذكاء الاصطناعي الخاصة بها بشكل ملحوظ. وتمكنت "فريبورت " من الاستفادة القصوى من السحابة لأتمتة العديد من العمليات، مثل إدارة البيانات، والذي كان يمثل سابقاً عملية شاقة تستوجب استخراج البيانات من عشرات الجداول التي تم تحديثها يدويًا. وقد استخدمت مزيج من الممارسات الثقافية والأدوات التي تزيد من قدرة المؤسسة على تقديم التطبيقات والخدمات بسرعة عالية هذا بالإضافة إلى ممارسة التسليم المستمر (CD) والتكامل المستمر، وذلك وفقاً لمعايير واضحة بهدف تطوير الشفرات البرمجية وتعميمها بطريقة خاضعة للرقابة.
- تطبيق معايير واطر نمطية: تدرك الشركات المتطورة أن الاستقلالية والحرية في العمل هي أساس الابتكار التكنولوجي، لذلك قامت هذه الشركات بتصميم اطر وضوابط محددة بهدف تقليل الاعتمادية بين فرق العمل المختلفة وتعزيز الاستقلالية. على سبيل المثال، تعتبر شركة أمازون من الشركات المعروفة بمتطلباتها المتعلقة بواجهة برمجة التطبيقات (API)، حيث تطلب من كل فريق توفير واجهة برمجة تطبيقات لأي منتج أو خدمة يتم تطويرها. وفي نفس الإطار، تهدف الشركة أن تجعل كافة الخدمات المصغرة قابلة للطرح كخدمة مستقلة، بحيث يمكن تسويقها للعملاء كمنتجات جاهزة للاستخدام. كما يجب أيضًا كتابة جميع التعليمات البرمجية على شكل خدمات مصغرة، بهدف تسهيل إعادة استخدام كتل الشفرات بسهولة ودون الاخلال ببقية الأكواد والبرامج.
- تطبيق المعايير الهندسية: طورت "جوجل" نطام موحد للتصميم والبناء التقني يتضمن مجموعة من الأدوات والممارسات حول التسليم والتكامل المستمرين (CI / CD)، وتطالب كافة فرق المنتجات باستخدامها. كما قامت الشركة بتوفير موارد البنية التحتية المشتركة والقابلة للتطوير على نطاق واسع لدعم الاحتياجات المشتركة للمنتجات والشركات. وحرصت الشركة أيضاً على اتباع نهج متسق لكافة التعليمات البرمجية بما يتماشى مع هذا النموذج، مما سهل انتشارها على نطاق واسع في جميع أرجاء المؤسسة. ويسمح هذا النهج للشركات بتطبيق ما يسمى ببوابات الجودة، وهي مقياس يستخدم لتحديد ما إذا كان منتج البرمجيات يفي بمعايير الجودة اللازمة ويتم تطبيقه على أي تغيير في التعليمات البرمجية. وتشمل بوابات الجودة الأكثر شيوعًا على سبيل المثال اختبارالانحدار لمعرفة ما إذا كانت المشكلات الجديدة هي نتيجة تغييرات البرنامج.
5. التحول من مركزية البيانات إلى توسيع دائرة الاستفادة من التحليلات والبيانات عبر المؤسسة
تحرص المؤسسات المعاد هيكلتها على إدراج البيانات عبر كافة العمليات وعلى مستوى جميع فرق العمل، وذلك من خلال الاستعانة بأدوات سهلة الاستخدام، لضمان سهولة الوصول لتلك البيانات من قبل جميع العاملين في الشركة. ولتطبيق تلك المنهجية على نطاق واسع، يجب استخدام ما يسمى بـ "منتجات البيانات" التي تقوم بجمع وتنسيق العناصر المختلفة للبيانات بصورة بسيطة، مما يسهل عملية استخدامها لمجموعة واسعة من العمليات المتنوعة. أحد الأمثلة على ذلك هو تقديم منتج بيانات متكامل للعميل، وهو أحد الأدوات التي تمكن فرق العمل المختلفة من تطوير حلول مصممة خصيصاً للعملاء. فبينما تقوم العديد من الشركات بإنشاء بعض منتجات البيانات في إطار تحولها الرقمي، إلا أن المؤسسة المعاد هيكلتها تخطو بخطى أكثر ثباتًا نحو تطوير وإدارة مجموعة واسعة من منتجات البيانات بصورة مستدامة.
فعلى سبيل المثال، قامت "دي بي أس" بإطلاق مبادرة رائدة تجمع بين نماذج متعددة بهدف تحليل البيانات بشكل أسرع، مما يسمح بالحصول على رؤى ومعلومات أفضل وأكثر دقة حول تهديدات غسل الأموال. واستندت "دي بي أس" إلى مجموعة من القواعد وتقنية تحليل ارتباط الشبكة والتعلم الآلي لتنفيذ هذه المبادرة. كما قامت بالاستعانة بمجموعة واسعة من مصادر البيانات الداخلية والخارجية. وبفضل هذه الأدوات والتقنيات المتقدمة، تمكنت المبادرة من تطوير عملية مراقبة شاملة معتمدة على قوة الذكاء الاصطناعي، بهدف القضاء على ظاهرة غسل الأموال.
إن وجود قاعدة بيانات متكاملة وقوية يعتبر عنصر محوري لتطوير البيانات ومنتجات الذكاء الاصطناعي، بهدف إدارة تدفق البيانات بكفاءة والوصول إليها بسهولة. وقد تمكنت شركة "فريبورت" من النجاح في تنفيذ هذه الاستراتيجية، بفضل وجود مستودع بيانات مركزي شامل لديها، مما يُمكن الشركة من متابعة الأداء بشكل مستمر وفي الوقت الفعلي، وربطها بشكل متكامل.
وتولي "جوجل" اهتماماً خاصاً بإتاحة البيانات بشكل آمن. وفي هذا السياق، قامت جوجل بإنشاء أنظمة مركزية لحفظ البيانات، الذي يسمح للموظفين بالوصول إلى البيانات بسهولة وفي الوقت المناسب لدعم متطلبات المنتجات وعمليات التطوير المختلفة. وتم تصميم هذا المستودع لغرض تخزين وتنظيم كافة البيانات الحساسة وغير الحساسة من مصادر متعددة. بالإضافة إلى ذلك، طورت "جوجل" أيضًا أداة تسمى بـ"مزامنة البيانات"، والتي تسمح بحفظ البيانات بأكثر من مكان في نفس الوقت عبر مصادر مختلفة باستخدام مجموعة من معرفات المفاتيح المحددة مسبقًا (مثل هوية العميل).
6. التحول من ثقافة الأهداف قصيرة المدى إلى الاعتماد على استراتيجية التوسع والنمو المستدام
تعتبر القدرة على تعزيز القيمة المضافة من الحلول الرقمية هي المفتاح الأساسي لتنفيذ استراتيجية التحول الناجحة على المدى الطويل. وتتمكن الشركات المعاد هيكلتها من تحقيق هذه النتيجة عن طريق ترسيخ ثقافة النمو المستدام، المدفوعة بمنهجية التوسع والمُدعمة بآليات التعزيز المناسبة لضمان الحصول على النتائج المرجوة. وتتمحور جهود الشركات المعاد تصميمها بشكل خاص حول ثلاث مجالات.
ترسيخ ثقافة تنمية القادة
لم تعد منهجية القيادة التقليدية كافية لتحقيق النجاح في ظل توسع وازدهار الشركات. ومن ثمّ، تلعب الثقافة دوراً محورياً في إستراتيجية تحول الشركات، من خلال ترسيخ سلوكيات محددة تتماشى مع الإمكانات والمهارات التي تناولتها هذه المقالة. تعمل الشركات التي تخضع لإعادة الهيكلة على تعزيز الثقافة المُحفزة للابتكار من خلال تطوير قادة متميزين، ينصب تركيزهم على العملاء، ويتمتعون بالذكاء والمعرفة الرقمية، كما أنهم لا يدعون معرفة كل شي بقدر ما يسعون إلى التعلم المستمر. لذلك، فإن التزام القادة نحو تعزيز ثقافة التعلم المستمر تمكنهم من إطلاق العنان لقدرات فرق العمل التابعة لهم، مما يدفعهم نحو الابتكار، وذلك من خلال تشجيعهم على إجراء التجارب السريعة لاختبار المفاهيم الجديدة وتطبيق أساليب التنمية المستدامة.
ويتعين على القادة على كافة المستويات المؤسسية أن يلعبوا دوراً حاسماً في ترسيخ هذه الثقافة. فعلى سبيل المثال، شرعت "دي بي أس" في تنفيذ منهجية لضمان ريادة المديرين في تبني التغيير والتحول بدلاً من مقاومته. وفي هذا السياق، استثمرت الشركة بشكل مكثف في توفير برامج تدريبية للمديرين، من شأنها تنمية مهاراتهم في مجالات مختلقة مثل تقديم الملاحظات البناءة، واتخاذ القرارات المدروسة وفقاً للبيانات المتاحة، وتنمية التفاهم المتبادل في إطار العمل، وتعزيز التعاون. وبفضل هذه المنهجية، تمكن العديد من مديري "دي بي أس" من المساهمة والمشاركة الفعالة في فرق المنتجات والمنصات.
يعتبر التوازن بين الاستقلالية والمسؤولية بمثابة حجر الزاوية في ثقافة القائد الذي يسعى إلى التطور المستمر، حيث يتم تزويد القادة بالصلاحيات اللازمة والاستقلالية التامة لاتخاذ القرارات، شريطة تحملهم المسؤولية الكاملة لنتائج تلك القرارات. وتعد إستراتيجية "أمازون" في تطبيق هذا النهج نموذج يحتذى به، حيث تمنح قادتها المسؤولين عن مشاريع أو منتجات محددة الصلاحيات اللازمة لتنفيذ أدوارهم، ولكنها تطالبهم بتحديد أهداف محددة متعلقة بالعملاء والنتائج المالية. ويتم تقييم النتائج المتعلقة بهذه الأهداف في إطار المراجعة الربع سنوية، كما يتم تحليل هذه النتائج بشكل أعمق في المراجعة السنوية، مما يمكن إدارة الشركة من تحديد فرق العمل التي تستحق الحصول على استثمارات إضافية والفرق الأخرى التي يُطلب منها إعادة توجيه تركيزها، وفقاً لتقييم الأداء الشامل.
تعتمد ثقافة التحول على ريادة القادة ومدى التزامهم نحو استراتيجية التغيير، حيث يعتبر تبني القادة لهذا النهج بمثابة نقطة البداية في مسيرة النمو المستدام. فعلى سبيل المثال، أدرك قادة مجموعة "ليجو" الحاجة الماسة لتنبي استراتيجية التحول الرقمي، وأعربوا بمنهى الوضوح عن التزامهم المشترك نحو هذا التحول، مما ساهم في ترسيخ مكانة الشركة.
تقييم الأداء
وبهدف ضمان كفاءة عملية المساءلة وفعالية الحلول في تقديم القيمة المنشودة على أكمل وجه، تقوم الشركات المعاد هيكلتها بتقييم أداؤها وتطورها بشكل دوري بمنتهى الدقة، وعادة ما يهدف ذلك لترشيد معدلات الإنفاق. ولهذا الغرض، أنشأت "دي بي أس" لوحة معلومات لإدارة البيانات ومتابعة ما يقرب من 100 مبادرة قيد التنفيذ بمنتهى الدقة وبشكل لحظي، حيث تقوم "دي بس أس" بتحديث هذه الأداة أسبوعياً، وتُمكن كافة الموظفين من الوصول إليها واستخدامها. وساهم تطبيق هذا النهج في تعزيز رؤية القادة وقدرتهم على تحديد المشكلات والتدخل لحلها بسرعة، مما مكن الشركة من تنفيذ استراتيجية التحول بهدف تحقيق النمو المستدام.
وتتبنى شركة "أمازون" أسلوب إدارة متميز حيث يتابع القادة عن كثب تطور المبادرات بصفة مستمرة ويعيدون ترتيب الأدوار بين الموظفين أصحاب المهارات وكذلك تخصيص الموارد لتعزيز أداء الموظفين الأكفاء. كما أن القادة يكونون على اطلاع دائم بأهم التفاصيل التي تخص مبادراتهم، للتدخل بشكل مناسب لحل المشكلات، وتحديد المخاطر المحتملة.
تسهيل إعادة استخدام الحلول المتاحة
تحرص الشركات المعاد هيكلتها على ترسيخ ثقافة الاستقلالية والنمو المستدام من خلال تسهيل إعادة استخدام الحلول المتاحة لديها عبر مختلف القطاعات المتعلقة بالعملاء والأسواق والوحدات التنظيمية. ومن أهم مزايا هذا النهج هي إمكانية إعادة استخدام أكواد الحلول المصممة مسبقاً والموافق عليها، مما يوفر الكثير من الجهد والوقت ويعزز الابتكار لتطوير الحلول بدلاً من إعادة تصميم الحلول القديمة. ويعتمد هذا النهح على مبدأ تحويل الحلول إلى منتجات أو أصول، فيتم تصميم الحلول بطريقة مرنة تسمح بتكيفها وتخصيصها بسهولة وفعالية، حيث يمكن إعادة استخدام ما يقرب من 60 إلى 90 في المائة من الحلول في معظم الحالات، شريطة تصميمها بشكل صحيح.
وقد قامت شركة " فريبورت" بتطبيق هذا النهج، حيث طورت نموذجًا للتعلم الآلي للمساعدة في التنبؤ بكمية النحاس التي يمكن استخراجها في مختلف الظروف. وذلك بهدف تحسين كفاءة عمليات التعدين. ولتعميم استخدام هذا النموذج عبر مواقع التعدين المختلفة، أعادت "فريبورت" تصميم البرنامج ليناسب مواقع العمل الأخرى بشكل أكبر. ومن خلال تبني هذا النمط، يمكن إعادة استخدام حوالي 60 بالمائة من الأكواد الأساسية بسهولة، بينما يتم تصميم نسبة 40 بالمائة المتبقية خصيصاً للتناسب مع كل موقع تعدين جديد، مما يوفر الوقت والجهد ويحد من إهدار الموارد. كما استثمرت الشركة أيضًا في تطوير قاعدة أكواد مركزية يمكن أن يتم استخدامها من قبل الوحدات الخاصة بالموقع، مما يجعل تطوير الشفرات أسهل وأقل تكلفة.
إن إعادة هيكلة المؤسسات يعد التزاماً طويل الأمد، ولكن تطبيق هذه الاستراتيجية بشكل فعال، يمكن المؤسسات من تحقيق القيمة المنشودة ويعزز قدراتها التنافسية. ففي ظل ما نشهده من تطور تكنولوجي هائل، أصبح تحقيق النجاح مرهوناً بالريادة في مجال التكنولوجيا الرقمية، ومدى التحول من مجرد الاستعانة بأدواتها فحسب إلى الاعتماد الكامل عليها، كاستراتيجية أساسية وركيزة محورية لتحقيق النمو المستدام.