واقع قطاع العلامات الفاخرة: كيف تتعامل العلامات الراقية مع ركود السوق؟

على مدار السنوات الخمس الماضية, شهدت صناعة العلامات الفاخرة فترة استثنائية من خلق القيمة والنمو الملحوظ. ففي الفترة بين عامي 2019 و2023، أدى الطلب غير المسبوق على السلع الفاخرة الشخصية، بما في ذلك الأزياء والجلود الفاخرة والساعات والمجوهرات، بالإضافة إلى وفرة العرض، إلى تحقيق معدل نمو سنوي مركب نسبته 5 بالمئة. لقد تفوقت العلامات التجارية الفاخرة على أداء الأسواق العالمية وحققت مستويات جديدة من الربحية لم يسبق لها مثيل.

شهدت صناعة العلامات الفاخرة نموًا مذهلاً وسريعًا، حيث استفادت العلامات التجارية الفاخرة العملاقة، التي تحقق عائدات سنوية تزيد على 5 مليارات يورو (5.3 مليار دولار)، من حجمها الكبير لتحقيق مزيد من الانتشار وجذب العملاء (انظر الشكل 1). وخلال هذه الفترة، شكلت الزيادات في الأسعار أكثر من 80 بالمئة من هذا النمو، بينما كان ارتفاع حجم المبيعات أكثر تواضعًا.

مع دخولنا عام 2025، يواجه قطاع العلامات الفاخرة تباطؤًا ملحوظًا يؤثر حتى على كُبرى العلامات التجارية، وهو أمر مشابه لما يعانيه قطاع الأزياء بشكل عام، كما أشرنا في تقريرنا "حالة الأزياء لعام 2025". ولأول مرة منذ عام 2016 (باستثناء عام 2020)، من المتوقع أن يقل إسهام قطاع العلامات الفاخرة في خلق القيمة مقارنة بالسنة السابقة، مما يشير إلى ظهور تحديات جديدة أمام العلامات التجارية الفاخرة في مواصلة تحقيق معدلات النمو المرتفعة التي اعتادت عليها.

توقفت العديد من المحركات التي كانت تدفع نمو صناعة العلامات الفاخرة، حيث بلغ تأثير زيادة الأسعار حدوده القصوى، وأصبحت الأسعار المرتفعة تؤثر سلبًا على الطلب من العملاء الطامحين للحصول على المنتجات الفاخرة. إلى جانب ذلك، تسببت التحديات الاقتصادية الكُبرى، خصوصًا في السوق الصينية التي كانت تشهد نموًا سنويًا يتجاوز 18% بين عامي 2019 و2023، في ضغط كبير على القطاع. هذه العوامل مجتمعة خلقت بيئة صعبة تواجه فيها صناعة العلامات الفاخرة تحديات جديدة تتطلب تكيفًا سريعًا لمواصلة النمو في ظل هذه الظروف الاقتصادية المعاكسة.

في الوقت الحالي، أصبح عملاء العلامات الفاخرة أكثر تنوعًا، وأصبحت علاقتهم مع السلع الفاخرة أكثر تعقيدًا من أي وقت مضى. في ظل توقعات بنمو منخفض في السوق، أصبح من الضروري أن توفر العلامات التجارية عرضًا قيمًا ومتميزًا يجذب هذه الشريحة المتنوعة من العملاء. كما أن الاهتمام بتجارب العلامات الفاخرة، مثل السفر الفاخر والرفاهية، أصبح يتزايد، وهو ما يعني أن العملاء أصبحوا يفضلون تجربة فاخرة على حساب شراء السلع. وهذا يفرض تحديًا جديدًا على شركات السلع الفاخرة، حيث يجب أن تتفوق على توقعات العملاء المرتفعة أكثر من أي وقت مضى لتتمكن من جذب إنفاقهم، والتفوق على تجارب السفر والرفاهية التي أصبحت تنافس منتجات العلامات الفاخرة.

لكن معاناة قطاع العلامات الفاخرة ليست ناتجة فقط عن عوامل خارجية، بل هي أيضًا نتيجة لبعض الأخطاء التي ارتكبها القطاع نفسه. فقد أدت التوسعات السريعة التي شهدها القطاع خلال السنوات الخمس الماضية إلى تعرضه للمخاطرة بشكل مبالغ فيه، مما أضعف وعده التقليدي بالحصريّة والإبداع والحرفية. قامت العديد من العلامات التجارية بزيادة الأسعار، إلا أن بعضها فشل في تعديل استراتيجياته الإبداعية وسلاسل التوريد لتلبية متطلبات التوسع الجديد، مما أثر سلبًا على القيمة الأساسية التي تقدمها هذه العلامات. وفي النهاية، فشلت تلك العلامات في الوفاء بوعدها للعملاء. حتى العلامات التجارية التي تطورت خلال السنوات الماضية أصبحت تحت ضغط متزايد، حيث بدأ العملاء في التشكيك في الوعد بالعلامات الفاخرة—الذي كان يعني جودة استثنائية للمنتجات وتجارب شخصية لا تُضاهى—وطالبوا بمزيد من الابتكار.

نتيجة لهذه الخيارات الاستراتيجية والضغوط الاقتصادية، من المتوقع أن يتباطأ نمو قطاع العلامات الفاخرة في السنوات القادمة، حيث يُتوقع أن يتراوح النمو السنوي بين 1 و 3 بالمئة عالميًا بين عامي 2024 و2027 (اطلع على الشكل 2). على الرغم من ديناميكية وسرعة تحرك الأسواق الناشئة مثل منطقة الشرق الأوسط والهند وبعض مناطق آسيا والمحيط الهادئ، إلا أن هذه الأسواق لن تكون قادرة على تعويض النمو الضعيف المتوقع في الأسواق الرئيسية للعلامات الفاخرة مثل الولايات المتحدة وأوروبا والصين. ومع هذه التوقعات، يمكن للصناعة أن تستغل هذه المرحلة كفرصة لإعادة التفكير والتقييم. لذا يجب على قادة صناعة العلامات الفاخرة أن يعيدوا ضبط استراتيجياتهم بشكل شامل ويركزوا على المستقبل البعيد، بدلاً من الاعتماد على حلول سريعة لمعالجة التحديات الأكثر إلحاحًا.

لم يعد هناك مجال للتردد؛ فاللحظة الحالية تُلزمنا بتبنّي قرارات جريئة، وإعادة بناء جسور التواصل مع العملاء، والاستثمار في المحاور الحيوية للأعمال—حتى لو تأخرت ثمار هذه الخطوات. وفي هذا السياق، نرى أن هناك خمسة محاور استراتيجية لا غنى عنها، يجب أن تكون في صدارة أولويات قادة قطاع العلامات الفاخرة خلال الفترة المقبلة.

1. إعادة هيكلة الإستراتيجية

• تحديد القيم الأساسية للعلامة التجارية بشكل واضح، واختيار العملاء الأكثر أهمية لضمان نجاح الاستراتيجية طويلة المدى. هذا يتطلب تعزيز العناصر التي تجعل العلامة فريدة، مثل: تنويع المنتجات، وتحسين طرق التواصل مع العملاء، ووضع هيكل أسعار مناسب، وتقديم تجربة مميزة للعميل.
• تقييم الفرص التي يمكن تحققها المجموعات الكُبرى من خلال التعاون في إطلاق مبادرات مشتركة، سواء كانت هذه المبادرات تهدف إلى تسريع وتيرة النمو أو تحسين الكفاءة التشغيلية وخفض التكاليف.

2. إحياء التميز وتحسين المنتجات

• الاستمرار في استثمار الموارد لصنع منتجات استثنائية تترك أثرًا لدى العملاء، وتجسد بوضوح التزام العلامة الفاخرة بتقديم الجودة العالية والقيمة الحقيقية.
• إعادة تنظيم حجم الأعمال بما يتناسب مع تاريخنا العريق في الحرفية والجودة. إذ يمكن تحقيق ذلك من خلال تعزيز استقرار سلسلة التوريد على المدى الطويل، مثل امتلاك مراحل الإنتاج بدلًا من الاعتماد على موردين خارجيين (ما يُسمى بالتكامل الرأسي)، بالإضافة إلى تطبيق أفضل الممارسات في اختيار المواد الخام وعمليات التصنيع.

3. إعادة تصور استراتيجية التواصل مع العملاء

• الاستمرار في تصميم تجارب استثنائية وغير تقليدية، داخل المتاجر وخارجها، تستهدف العملاء الأكثر ولاءً وأولئك الذين لم يحظوا بالاهتمام الكافي رغم إمكاناتهم العالية. يجب أن تكون هذه التجارب انعكاسًا حقيقيًا لهوية العلامة التجارية وقيمها، وليست مجرد تقليد للموضة العابرة.
• الاستثمار في التكنولوجيا، والذكاء الاصطناعي، وقدرات تحليل البيانات لاكتشاف رؤى قوية حول العملاء، مما يساعد على تخصيص تجاربهم بشكل أفضل ويدعم اتخاذ القرارات الاستراتيجية في جميع أنحاء المؤسسة.

4. سد فجوة المهارات والمواهب المطلوبة

• استقطاب أفضل المواهب وتطويرها والاحتفاظ بها عبر جميع الوظائف الأساسية، وليس فقط في الأدوار الإبداعية. لذا يتوجب على القادة التنفيذيين أن يدركوا أن بناء علامة تجارية قوية لا يقتصر على العملاء، بل يشمل أيضًا الموظفين، مما يستدعي وضع استراتيجية متكاملة لإدارة المواهب. يتطلب ذلك تطوير أنظمة متقدمة لاستقطاب الكفاءات وصقل مهاراتها، إلى جانب إعادة ابتكار نماذج التشغيل وتعزيز ثقافة مؤسسية تحفّز الأداء العالي، مما يخلق بيئة عمل تُلهم الأفراد الموهوبين وتساعدهم على النمو والابتكار.
• من الضروري تحسين العمليات في الوحدات التجارية الرئيسية مثل التحول الرقمي، والبيانات، والتكنولوجيا، وسلاسل الإمداد، والمشتريات، من خلال الاستفادة من أفضل الممارسات التي تتبعها قطاعات أخرى. يجب أيضًا تبني أساليب مبتكرة لسد الفجوات في القدرات داخل هذه المجالات، مع البحث عن مواهب متخصصة من خارج قطاع العلامات الفاخرة، حيث يمكن أن تساهم هذه الخبرات في تعزيز الكفاءة وتحقيق النجاح المستدام.

5. ضمان استدامة المحفظة والاستعداد للفرص المستقبلية

• تحليل مدى تواجد العلامة التجارية في قطاعات العلامات الفاخرة المختلفة (مثل الأزياء، والمجوهرات، والساعات) والمناطق الجغرافية المتنوعة. ثم تحديد دور واضح وأهداف استراتيجية للتوسع في مجالات قريبة من الأعمال الحالية، (مثل السفر والضيافة)، لزيادة تفاعل العملاء مع الحفاظ على قيم العلامة التجارية. في نفس الوقت، يجب توجيه الموارد والاهتمام لهذه الفرص الجديدة دون إهمال الأعمال الأساسية التي تشكل قلب النشاط التجاري.
• يجب تقييم المحفظة الاستثمارية بشكل شامل، والتفكير في بيع الأصول غير المناسبة عند الضرورة، أو البحث عن عمليات استحواذ تكميلية لتعزيز المرونة وضمان التفوق في سوق أكثر تنافسية. ستستمر حجم وسرعة هذه التغييرات في تشكيل مستقبل الصناعة خلال السنوات القادمة.

تقف صناعة العلامات الفاخرة عند مفترق طرق مصيري. أمام القادة فرصة ذهبية لقيادة علاماتهم نحو النجاح المستمر من خلال رؤية طموحة، وإبداع لا يعرف الحدود، والتزام قوي بالتميز. عليهم أيضًا أن يركزوا على بناء مؤسسات استثنائية تجذب أفضل الكفاءات. لكن إن فشلوا في تبني هذه التغييرات الحيوية، فقد يفقدون مكانتهم في السوق ويتراجعون لسنوات عديدة.

قم بتنزيل التقرير الكامل وضع قطاع العلامات الفاخرة, والذي يستند إليه هذا المقال.