يواجه قادة خدمة العملاء اليوم أصعب تحدي لهم خلال العقود الماضية، حيث يجدون أنفسهم أمام مسؤولية هائلة وهي إعداد شركاتهم لتبني تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في المستقبل، وفي الوقت ذاته تحقيق أهداف تجارية صعبة وتلبية توقعات العملاء وتطلعاتهم المتزايدة. ووفقًا لأحدث استطلاع عالمي، يبدو أن الكثير من الشركات تواجه صعوبة في مواجهة هذه التحديات الثلاثة.
إن التحولات الجوهرية في الصناعات غالبًا ما تكون مصحوبة بتحديات كبيرة، حيث يشكل انتقال قطاع خدمة العملاء إلى اتباع نهج تقليدي يعتمد بشكل رئيسي على الأشخاص إلى استراتيجية قائمة على تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي أحد أبرز التحديات التي قد تواجه هذا القطاع عبر تاريخه. ويطرح هذا التحول سؤالًا مهمًا يتعلق بقدرة الشركات على ابتكار طرق تمكنها من تقديم خدمة العملاء بكفاءة وفعالية من خلال استخدام التكنولوجيا، مع الحفاظ في الوقت ذاته على التواصل البشري والاستجابة الفورية التي تُعد ضرورية لتلبية احتياجات العملاء وتوقعاتهم.
حاليًا، يجد قادة خدمة العملاء أنفسهم في موقف صعب وذلك نتيجة للتأثير المتنامي للتكنولوجيا على هذا القطاع. فقد فتح التقدم التكنولوجي آفاقًا جديدة لتطوير عملياتهم وتحسينها بشكل ملحوظ، مما أدى إلى تراجع الاعتماد على بيئة مراكز الاتصال التقليدية. بيد أن النماذج الجديدة المعتمدة على الرقمنة غالبًا ما تواجه صعوبات في تحقيق الأداء المتوقع، مما يُيلزم الشركات بالسعي نحو ابتكار طرق جديدة ومختلفة تمامًا لتحسين الأداء وإتقانها. وهذا يعني أنه، بالإضافة إلى الاحتفاظ بالأدوات والأساليب التقليدية، يتعين على الشركات أيضًا تبني استراتيجيات مبتكرة تتماشى مع التغييرات التكنولوجية السريعة بهدف ضمان تقديم خدمة عملاء متميزة وذات كفاءة عالية وتلبية توقعات العملاء.
ما زالت التحديات التي يواجهها قطاع خدمة العملاء مستمرة ومتفاقمة، حيث يؤكد المديرون التنفيذيون أن المشكلات التي أشرنا إليها في استطلاعنا السابق ما زالت قائمة وتؤثر على القطاع حتى اليوم (يُرجى الاطلاع على العمود الجانبي بعنوان "خدمة العملاء تحت دائرة الضوء"). وتتضمن هذه التحديات زيادة عدد المكالمات التي يتلقونها وارتفاع معدلات ترك الموظفين لوظائفهم وصعوبة العثور على الكفاءات والمواهب المناسبة. بالإضافة إلى ذلك، تمكنت بعض أبرز الشركات التكنولوجية المتخصصة في التعامل المباشر مع العملاء في العالم من تقديم خدمة عملاء قائمة على التكنولوجيا الرقمية، مما أسهم في رفع سقف توقعات العملاء بصفة عامة. ويخلق هذا التقدم ضغوطًا إضافية على موظفي خدمة العملاء وقادتهم في الشركات الأخرى للبحث عن سبل جديدة ومبتكرة لتحسين أدائهم وتطوير خدماتهم لمواكبة هذه التوقعات المتنامية.
المزيد من الرؤى والتقارير من ماكنزي باللغة العربية
شاهد مجموعة المقالات الخاصة بنا باللغة العربية، واشترك في النشرة الإخبارية العربية الشهرية
ويكشف استطلاعنا عن عدة نقاط رئيسية يركز عليها قادة خدمة العملاء، حيث يتجهون نحو تقييم أولوياتهم لتشمل ليس فقط تحسين تجربة العملاء، بل أيضًا تحقيق أهداف مالية محددة والتحول نحو تبني التقنيات التكنولوجية الجديدة. وفي هذا السياق، يبذل قادة خدمة العملاء جهودًا مكثفة تهدف إلى إنشاء أنظمة عمل مدعومة بتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي والتي تهدف إلى رفع مستوى الكفاءة والاستعداد لمواجهة التحديات المستقبلية. علاوة على ذلك، يسعون إلى تنمية مهارات موظفيهم من خلال برامج لتطوير المهارات والعمل على بناء علاقات قوية مع الشركاء الخارجيين كجزء من استراتيجية شاملة من أجل ضمان تقديم خدمة عملاء عالية الجودة.
إعادة ترتيب العمليات الأساسية
عندما بدأنا في رصد آراء قادة خدمة العملاء عام 2016، كانت أولوياتهم واضحة المعالم. فقد أتت تجربة العملاء في المقدمة، يليها بفارق كبير جهود تحسين العمليات والتحول التكنولوجي، وأخيرًا توليد الإيرادات حسب هذا الترتيب.
وخلال الأعوام السبعة الأخيرة، لوحظ تقارب في أولويات قادة خدمة العملاء (شكل 1). فقد ازدادت أهمية جهود توليد الإيرادات على نحو مستمر والتي أشار إليها واحد من كل 20 قائد لخدمة العملاء في الاستطلاع الأول، حيث ارتفعت نسبة القادة الذين يتصدر هذا الأمر أولوياتهم إلى حوالي الثلثين. ومن جهة أخرى، اكتسبت التطورات التكنولوجية وتحسين العمليات قدرًا كبيرًا من الأهمية خلال العامين الماضيين. ويعكس هذا الاتجاه التوقعات المتنامية بأن يكون قسم خدمة العملاء قادرًا على أداء جميع المهام بمستوى عالٍ من الكفاءة والتميز.
ويدرك القادة أيضًا ضرورة التفاعل مع عملائهم لإرضائهم. وفي الوقت الحالي، ذكر 11% فقط من المشاركين في الاستطلاع أن تقليل حجم الاتصالات يعتبر عاملاً مهمًا لهم، ما يعني انخفاض قدره 20 نقطة مئوية خلال 12 شهرًا. في الواقع، يتوقع 57% من القادة زيادة حجم المكالمات بنسبة تصل إلى خُمسين في المئة خلال العام أو العامين القادمين.
وتشير دراسات أخرى إلى أن قادة خدمة العملاء لديهم الحق في التركيز على التفاعل الشخصي المباشر، وذلك على الرغم من أن العديد من عملائهم ينتمون إلى "الجيل الرقمي". وأشار استطلاع أجراه معهد ماكنزي مؤخرًا على 3500 مستهلك إلى أن المشاركين من جميع الفئات العمرية ذكروا أن المكالمات الهاتفية المباشرة تعتبر أفضل الطرق للتواصل مع الشركات للحصول على الدعم والمساعدة. وقد أثبتت هذه النتائج صحتها لدى المستهلكين من "الجيل زد" الذين يميلون إلى استخدام الرسائل النصية ومواقع التواصل الاجتماعي للتواصل الشخصي.
إلى جانب ذلك، ثمة دلائل تشير إلى أن العملاء الأصغر سنًا يشعرون بالملل من نمط الخدمة الذاتية الرقمية المستخدم بكثرة. وأفاد تقرير صادر من إحدى شركات الخدمات المالية بأن العملاء من "الجيل زد" أكثر ميلاً بنسبة تتراوح بين 30 و40% نحو الاتصال بالهاتف مقارنة بعملاء "جيل الألفية"، ويلجأون إلى استخدام الهاتف كثيرًا كعملاء "جيل الطفرة". بالإضافة إلى ذلك، يفضل عملاء "الفئة الراقية" من جميع الفئات العمرية استخدام الهاتف، حيث يرون أن الدعم المباشر عبر الهاتف يشكل جزءًا أساسيًا من الخدمة المتميزة التي يدفعون ثمنها.
وتشير هذه النتائج إلى أن الاتصالات الهاتفية لن تكون الخيار الوحيد المتاح في المستقبل، حيث يتطلع العملاء إلى توفر المزيد من الخيارات والمرونة في طرق التواصل مع الشركات. وعلى الرغم من أن العملاء من جميع الأجيال يرون الدعم من الأشخاص الحقيقيين عنصرًا مهمًا، إلا أنهم يبحثون أيضًا عن وسائل رقمية توفر لهم الراحة والسهولة في التواصل وتناسب احتياجاتهم. وقد لاقت خدمات المحادثة الرقمية قبولاً كبيرًا لدى مختلف الأجيال، ولا يزال البريد الإلكتروني يحتفظ بأهميته، خاصة بين المستهلكين الأكبر سنًا، كما هو موضح في (الشكل 2).
يواجه قادة خدمة العملاء المزيد من الضغوط نتيجة الرغبة في تقديم خدمات متميزة وذات جودة عالية عبر مجموعة متنوعة من القنوات، وهذا يعتبر تحدي كبير لا سيما أن الميزانيات محدودة. وكشف استطلاعنا أن 37% من المشاركين يرون أن التكلفة لا تزال أحد الأولويات الرئيسية. وتدفع هذه الضغوط الشركات نحو استكشاف سُبل جديدة وفعالة للتحكم في تكاليف خدمة العملاء والتي تتجاوز تقليل حجم المكالمات، حيث يعد التشغيل الآلي والتعاقد مع الشركاء الخارجيين أكثر السبل شيوعًا المذكورة كوسائل فعالة لذلك.
إنشاء منظومة متكاملة للذكاء الاصطناعي تلبي متطلبات المستقبل
تعكس التحديات الراهنة التي يواجهها قطاع خدمة العملاء توجهات الشركات نحو استخدام التقنيات الرقمية المتطورة على نحو ملحوظ. ويشير استطلاعنا إلى أن التحول الرقمي قد أصبح ركيزة أساسية بالفعل تفصل بين الشركات الرائدة وتلك التي تكافح من أجل البقاء. ويُلاحظ أن أكثر من نصف المشاركين الذين ذكروا أن عملياتهم تحقق أداءً يفوق التوقعات بشكل ملحوظ لديها مستويات عالية من الاندماج الرقمي. وتظهر النتائج أن هناك بعض القطاعات، مثل البنوك والاتصالات والسفر والخدمات اللوجستية، تقف في طليعة هذا التحول الرقمي.
مع ذلك، تعتبر الشركات التي تتميز بأداء استثنائي في خدمة العملاء أقلية. فقد ذكر 8% فقط من المشاركين في الاستطلاع في أمريكا الشمالية بأنهم حققوا مستويات أعلى من رضا العملاء، بينما تنخفض هذه النسبة إلى 5% في أفريقيا وأوروبا ومنطقة الشرق الأوسط. من جهة أخرى، ذكر أكثر من 80% من الشركات التي ترى أن أدائها في خدمة العملاء مطابق للتوقعات أو أدنى منها أن مستوى دمجها للتقنيات الرقمية كان منخفضًا أو جزئيًا. هذا يعني ببساطة أن هناك علاقة واضحة بين تقديم خدمات عملاء فعالة ومدى استخدام الشركات للتكنولوجيا الرقمية في عملياتها.
ويتفق القادة على ضرورة إتقان التقنيات الرقمية باعتبارها عنصر حاسم للنجاح في المستقبل. وتُظهر النتائج أن أكثر من نصف المشاركين في الاستطلاع يتوقعون ارتفاع معدل استخدام القنوات الرقمية للتواصل مع العملاء، حيث يرون أن نسبة الاتصالات الداخلية قد تتجاوز الـ40% خلال الأعوام الثلاثة المقبلة.
وسوف يكون للذكاء الاصطناعي دور حاسم في تشكيل أنظمة خدمة العملاء في المستقبل. ويستخدم المشاركون في استطلاعنا بالفعل أدوات الذكاء الاصطناعي في تطبيقات متعددة، مثل الدردشة الآلية وأنظمة الرد التلقائي على البريد الإلكتروني، بالإضافة إلى تدريب موظفي مراكز الاتصال وتقديم الدعم لهم وتحليلات عمليات المكتب الخلفي وعمليات صنع القرار.
إلى جانب ذلك، ساهم ظهور أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي المتقدمة في العام الماضي، خاصة النماذج اللغوية الضخمة التي تستطيع تحليل النصوص والخطابات غير المنظمة والرد عليها، في فتح آفاق جديدة لاستخدام التكنولوجيا في مجال خدمة العملاء. وأشار أكثر من 80% من المشاركين في الاستطلاع إلى أنهم يستثمرون حاليًا في أو يخططون للاستثمار في تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي في المستقبل القريب. ويسلط القادة في هذا المجال الضوء على تنوع الاستخدامات المحتملة لهذه الأدوات، مشددين على دورها الرئيسي في تطوير خدمة العملاء.
وقد أجرى فرع أوروبي لبنك عالمي مؤخرًا تحديثًا لنظام الدردشة الآلية الذي يستخدمه للتواصل مع العملاء، حيث استبدل نظام الدردشة القديم القائم على قواعد محددة بتقنية جديدة مدعومة بالذكاء الاصطناعي التوليدي. وخلال سبعة أسابيع فقط من تفعيل هذا النظام، أظهر تفوقًا بنسبة 20% في الإجابة بفعالية على استفسارات العملاء مقارنةً بالنظام القديم. ولم يتوقف البنك عند هذا الحد، إذ يعمل على تطوير خطة شاملة لإجراء تحسينات استراتيجية تهدف إلى مضاعفة أداء النظام الجديد في الأشهر القليلة المقبلة.
ويبدي أوائل المتبنين لأدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي حماسًا ملحوظًا تجاه الفرص المستقبلية التي تقدمها هذه الأدوات. فقد ذكر أحد المدراء التنفيذيين المسؤولين عن خدمة العملاء في إحدى الشركات العالمية الكبرى أنه يتوقع أن تعتمد جميع تفاعلات العملاء على تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في الأعوام القليلة القادمة. وأضاف أن شركته تعتزم تحقيق ذلك من خلال توظيف مجموعة من التقنيات الحديثة والمبتكرة، منها المساعدين الافتراضيين الجدد والأدوات المساعدة للموظفين وتحليلات الصوت القائمة على الذكاء الاصطناعي، ما يؤكد على الدور البارز للذكاء الاصطناعي في تحسين تجربة العملاء.
رغم ذلك، ترى معظم الشركات أن ثورة الذكاء الاصطناعي التوليدي في مجال خدمة العملاء لا تزال في مراحلها الأولى. وأشار القادة في هذا المجال إلى عدة تحديات تعيق دمج هذه التقنيات في العمليات والأنظمة الحالية في شركاتهم. وتشمل هذه التحديات مشكلات تقنية تتعلق بتطبيق هذه التكنولوجيا وتوسيع نطاق استخدامها، إلى جانب التحديات المرتبطة بالأمن والسلامة والحوكمة. كما يواجهون صعوبة في تحديد الأهداف المنشودة وبناء حجة عمل قوية للاستثمار في تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي، مما يدل على ضرورة البحث عن حلول مبتكرة لتجاوز هذه الصعوبات، اطلع على (الشكل 3).
تطوير المهارات
تواجه شركات خدمة العملاء في الوقت الراهن تحديًا كبيرًا يتمثل في نقص المهارات الأساسية اللازمة لتقديم خدمات استثنائية في ظل بيئة تتسم بالتحول الرقمي السريع والاعتماد المتزايد على تقنيات الذكاء الاصطناعي. ويعود هذا التحدي جزئيًا إلى بذل قادة خدمة العملاء جهود هائلة من أجل الحفاظ على مستويات الخدمة الحالية دون السعي لإحراز تقدم ملحوظ. وازداد هذا الوضع سوءًا في أعقاب جائحة كوفيد-19، حيث أدت إلى ارتفاع معدلات دوران الموظفين، مما أجبر الإدارات على تخصيص معظم وقتها لإجراء مقابلات العمل وتدريب الموظفين الجدد بدلاً من الاستثمار في تطوير مهارات الفرق الحالية وتوجيهم. كما أن اعتماد أنظمة العمل عن بعد والهجينة قلل من فرص التواصل المباشر بين المدراء وفرقهم، ما نتج عنه أن الكثير من الموظفين وقادة الفرق يقضون فترات طويلة في العمل دون تلقي التوجيه أو التدريب الكافي من مدرائهم.
وشهد معدل دوران الموظفين تراجعًا ملحوظًا في الآونة الأخيرة. ويرى ثلثي القادة، وفقًا لاستطلاعنا الأخير، أن صقل المهارات الحالية وإعادة تشكيل مهارات الموظفين هي من الأولويات الرئيسية. وأشارت الشركات إلى عدة فوائد لبرامج صقل المهارات الحالية وإعادة تشكيل المهارات الفعالة، منها رفع معنويات الموظفين وزيادة معدل الإنتاجية وتعزيز عملية تطبيق التقنيات الجديدة وتبني أساليب العمل الحديثة. كما أن التكنولوجيا تلعب دورًا مهمًا في تحديث برامج صقل المهارات، حيث ذكر 21% من القادة أنهم بدأوا بالفعل في استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي لتدريب موظفي خدمة العملاء وتقديم الدعم لهم.
أصبحت أنظمة دعم موظفي خدمة العملاء القائمة على الذكاء الاصطناعي أداة أساسية للشركات التي تسعى إلى تحسين جودة خدماتها وتقديم خدمات شخصية فعّالة لعملائها الذين يتطلعون إلى أعلى مستويات الجودة. وتسهم هذه الأنظمة في تمكين موظفي خدمة العملاء من إيجاد الحلول للمشكلات والاستفسارات المعقدة من المرة الأولى، ما يؤدي إلى تقليل تكاليف الخدمة بشكل ملحوظ وتعزيز تجربة العملاء.
على سبيل المثال، تُطبق إحدى الشركات العالمية المتخصصة في معدات البناء نظامًا متقدمًا قائمًا على الذكاء الاصطناعي لمساعدة موظفي مركز الاتصال في تصفح آلاف الصفحات من وثائق الدعم الفني. ويستطيع هذا النظام اختيار الإجراءات المناسبة لحل مشكلة العميل بسرعة من خلال الأسئلة الحرة التي يطرحها الموظف والمعلومات الأساسية المتاحة، مثل الأرقام التسلسلية للمركبات والقطع. وقد وأسهمت هذه الأداة في تقليل متوسط زمن تقديم الحلول أثناء المكالمات من حوالي 125 دقيقة إلى بضع ثوانٍ فقط، وبالتالي توفير ما بين(150،000 و 300،000) يورو يوميًا للعملاء من خلال تقليل وقت تعطل الأصول.
وتلجأ بعض الشركات الأخرى إلى استخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي من أجل تحسين طريقة إدارتها ودعمها لموظفي خدمة العملاء، حيث تستخدم هذه الشركات أدوات جديدة قائمة على الذكاء الاصطناعي لتحسين التنبؤ بحجم المكالمات. وقد ساهم هذا النهج في تحسين دقة التنبؤ بمقدار سبع نقاط مئوية، إلى جانب تقليل العمل اللازم لإدارة قدرات الفرق والجداول الزمنية إلى النصف. وأدى هذا التغيير إلى تحسين مستويات خدمة العملاء بأكثر من 10%، مع تقليل تكاليف العمالة والساعات الإضافية بنسبة تتجاوز 5%.
وتتجه الشركات نحو البحث عن طرق واستراتيجيات مبتكرة لسد النقص في الكفاءات وتنمية القدرات المطلوبة. وفي هذا الإطار، شهدت عملية الاستعانة بمصادر خارجية تحولًا جوهريًا، حيث تحولت من كونها أداة لخفض التكاليف إلى اعتبارها مصدر فعال لاكتساب مهارات أخرى وتحفيز الابتكار. ووفقًا لنتائج استطلاع أجريناه مؤخرًا، تبين أن 55% من الشركات تعتمد حاليًا على الاستعانة بمصادر خارجية لإدارة جزء من عملياتها المتعلقة بخدمة العملاء. بالإضافة إلى ذلك، يتوقع 47% من هذه الشركات زيادة حجم الأعمال التي تعهدها لشركات خارجية خلال العامين المقبلين. وهذا يدل على توجه ملحوظ نحو الاستعانة بمصادر خارجية كجزء لا يتجزأ من استراتيجية شاملة لتعزيز الابتكار لدى الشركات.
كما تشهد الشراكات القائمة على الاستعانة بمصادر خارجية تطورًا متناميًا نحو تعميق التعاون وتوسيع نطاق الخدمات المقدمة، متجاوزةً بذلك الأطر التقليدية المتمثلة في إدارة المكالمات والرسائل الإلكترونية. ووفقًا لما ذكره المشاركين في الاستطلاع، تسعى الشركات حاليًا إلى توسيع نطاق شراكاتها مع مزودي الخدمات الخارجية لتشمل خدمات متنوعة، منها إدارة المحتوى والتسويق الرقمي وسداد المدفوعات وتطوير أدوات خدمة العملاء المعتمدة على تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي. علاوة على ذلك، تسير بعض الشركات على خطى الشركات الرائدة في قطاعات مختلفة، مثل الإنتاج الصناعي والأجهزة الطبية والبرمجيات والتجارة الإلكترونية، حيث تتعاون هذه الشركات مع الجهات الخارجية من أجل إنشاء مراكز ابتكار عالمية. والهدف من هذه المراكز هو دفع عجلة تطوير تقنيات تكنولوجية جديدة في مجال خدمة العملاء.
ويكشف استطلاعنا عن تباين واضح بين شركات خدمة العملاء؛ فبعضها يتقدم بخطى سريعة بينما تسير شركات أخرى بوتيرة أبطأ. فمن جهة، تمكنت الشركات ذات الأداء العالي من الاستفادة من التقنيات الرقمية المتقدمة، حيث إنها تعطي أولوية قصوى لاستثماراتها من أجل تعزيز الكفاءة وتقديم خدمات متميزة في جميع مراحل التواصل مع العملاء. والجدير بالذكر أن الشركات الرائدة في هذا المجال قد خطت خطوات كبيرة نحو إعادة تشكيل بنيتها التنظيمية من خلال الاعتماد على منصات رقمية متكاملة للغاية. ومثال على ذلك، تعتزم إحدى الشركات الرائدة في هذا المجال التي لديها أكثر من 5000 موظف خدمة عملاء إدخال 75 تحسينًا في تجربة العملاء الرقمية خلال هذا العام.
وهناك بعض الشركات التي لا تزال تتخلف عن الركب وتجاهد في محاولة لدمج حلول رقمية مختلفة ضمن أنظمة خدمة العملاء التقليدية القائمة لديها. وتواجه هذه الشركات عدة صعوبات في تحديد الطرق الأمثل لتوجيه استثماراتها على نحو فعّال. وبالتالي، تجد نفسها محاصرة في حلقة مفرغة من إدخال التعديلات على أنظمتها بشكل مستمر دون وجود خطة واضحة أو استراتيجية محددة توجه جهودها.
في عام 2024، يتعين على جميع الشركات، سواء كانت تتخذ خطوات سريعة أو بطيئة لتحسين خدمة العملاء، إعادة تقييم استراتيجياتها، حيث إن الذكاء الاصطناعي التوليدي يضع معايير أعلى للأداء والإنتاجية والتخصيص في خدمة العملاء، ما يعني أن شركات خدمة العملاء القائمة بالكامل على الذكاء الاصطناعي التي ستظهر في المستقبل ستجري عملياتها بشكل مختلف تمامًا عن الأساليب الحالية. ويدفع هذا التحول الشركات إلى استكشاف أنظمتها المتعلقة بخدمة العملاء من منظور جديد ومبتكر. ويجب عليها صياغة رؤية مستقلة بشأن تغير توقعات العملاء وتقييم دور تقنيات الذكاء الاصطناعي المتطورة في تحسين عملياتها. إن مستقبل خدمة العملاء يستدعي إجراء تحولات جديدة وجذرية، وعلى القادة الاستجابة لهذه الدعوة من خلال وضع خطة جريئة ومدروسة وجدول زمني طموح لإجراء التغييرات اللازمة.