لاتّجاه الأول: الصّحة في المنزل
أنتجت جائحة كوفيد-19 أنماطًا مختلفة من الاحتياجات الضرورية للأفراد والتي كان على رأسها استخدام أطقم أدوات الاختبار الطبّي المنزلية، ومع استمرار انتشار الجائحة، أصبح الاهتمام متزايدًا بإجراء الاختبارات الطبّية المنزلية، حيث يُقبل 26 في المائة من المستهلكين بالولايات المتّحدة على إجراء اختبارات نقص الفيتامينات والمعادن بالمنزل، و 24 في المائة يهتمون بإجراء اختبارات أعراض البرد والأنفلونزا، بينما يهتم 23 في المائة باختبار مستويات الكولسترول.
كما أظهرت الاستطلاعات أيضًا، ميل المستهلكين بشكلٍ كبير لإجراء اختبارات التشخيص الطبّي في المنزل، حيث ترفع عنهم عناء الذهاب إلى عيادة الطبيب وتمنحهم فرصةً لإجراء الاختبار الواحد أكثر من مرة، بالإضافة إلى الحصول على النتائج بشكلٍ أسرع. بينما أفاد 35 في المائة من المستهلكين في الصّين بأنهم استبدلوا بالفعل المواعيد الطبّية الشخصية باختبارات التّشخيص المنزلية - وهي نسبةٌ أعلى من تلك التي رصدناها في الولايات المتّحدة أو المملكة المتّحدة.
وبالرغم من الاهتمام المتزايد بهذا المجال، إلا أن بعض المستهلكين يُظهرون ترددًا أو حذرًا تجاه هذا الأمر. ففي الولايات المتّحدة الأمريكية والمملكة المتّحدة، تُعد رؤية الطبيب بشكلٍ شخصي أحد أهم العقبات الرئيسية في تبنيهم لنهج الاختبارات الطبية المنزلية، بالإضافة إلى مخاوفٍ من ارتفاع التكلُفة، أما في الصين، فإن دقة الاختبار تُشكل قلقًا لنحو 30 في المائة من المستهلكين، يمنعهم من اعتماد هذه التقنية.
تأثير ذلك على الشركات: يجب على الشركات العمل على ثلاثة اعتباراتٍ حاسمة لضمان تحقيق ميزةٍ تنافسية تكفُل لها النجاح. أولاً: يتعيّن على الشركات تحديد القيمة السعرية المناسبة لأدوات التشخيص المنزلي، حيث يُعتبر ارتفاع التكلفة عائقًا رئيسيًا للعديد من المستهلكين. ثانيًا، يجب على الشركات أن تعزز من أساليب التفاعل مع المستهلكين، وذلك عن طريق قياس ردود الفعل حيث يمكن للشركات أن تشجع المستهلكين على اتخاذ إجراءاتٍ بناءً على نتائج اختباراتهم، وذلك كأن توفر لهم معلوماتٍ وإرشاداتٍ إضافية تتعلق بنتائج اختباراتهم السابقة وتقوم بتشجيعهم على إعادة الاختبار لتقييم تأثير تلك الإجراءات التي اتخذوها. وأخيرًا، مساعدة المستهلكين في فهم نتائج اختباراتهم، حيث يمكن للشركات الاستفادة من وسائل التكنولوجيا المتقدمة مثل الذكاء الاصطناعي التوليدي في تحليل وتقديم نتائج متخصصة، كما يمكن اللجوء لخدمات الصحة عن بُعد وذلك لتقديم الاستشارات الطبية للمستهلكين بناءً على نتائج اختباراتهم.
الاتّجاه الثاني: عصرٌ جديد لمراقبة الصحة عبر ارتداء الأجهزة الذكية
ممّا لا شك فيه أن التطورات التكنولوجية الحديثة ألقت بظلالها على سوق الصحة الشاملة والعافية بشكلٍ ملحوظ، حيث أظهرت استطلاعاتنا الحديثة أن ما يقترب من نصف المستهلكين الذين شملتهم هذه الاستطلاعات قد قاموا في وقتٍ ما بشراء أجهزةٍ تكنولوجية قابلة للارتداء لقياس مستويات اللياقة البدنية، وبينما كانت الأجهزة كالسّاعات الذكية شائعة الاستخدام لسنوات، إلا أن التطورات التقنية الحديثة دفعت بها إلى مرحلةٍ جديدة في مجال مراقبة الأنشطة الحيوية للجسم.
فعلى سبيل المثال، أصبحت الآن الخواتم الذكية القابلة للارتداء مجهزةً بمجموعةٍ من المستشعرات التي توفر للمستهلكين معلوماتٍ حول جودة نومهم من خلال تطبيقاتٍ إلكترونية مرتبطة بهواتفهم الذكية. بالإضافة لأجهزة مراقبة الجلوكوز التي توضع على ظهر ذراع المستخدم، لتقدم قياسٍ مستمر لمستوى سكر الدّم، والتي يمكن من خلالها أن يقدم أخصائيّ التغذية بعض الإرشادات الصحية الشخصية.
كما تكشف استطلاعاتنا أيضا أن ثلث المستخدمين قد أكدوا على زيادة معدلات استخدامهم للأجهزة هذا العام أكثر من العام الماضي، بينما رحّب أكثرُ من 75 في المائة منهم باستخدام الأجهزة الذكية القابلة للارتداء في المستقبل. ومن جانبنا نتوقع استمرار النمو في معدلات ارتداء الأجهزة الذكية خاصةً في ظل توسع الشركات في طرح أجهزةٍ تقيس مؤشراتٍ صحية جديدة.
تأثير ذلك على الشركات: في الوقت الذي تنتشر فيه اليوم مجموعةٌ فعالة من الأجهزة الذكية القابلة للارتداء من أجل قياس ومراقبة مستويات اللياقة البدنية والنوم، يفتقد السوق لمثل هذه النوعية من الأجهزة في مجالاتٍ أخرى مثل التغذية، وإدارة الوزن، والتأمل. وهو ما يُعد فرصةً استثمارية كبرى للشركات لتلبية هذه الاحتياجات وعلاج هذا النقص.
يمكن لصانعي الأجهزة الذكية القابلة للارتداء، ومقدّمي المنتجات والخدمات الصحية في مجالات التغذية واللياقة البدنية والنوم، العمل على بناء شراكاتٍ تسمح بالاستفادة الفورية من البيانات الواردة من هذه الأجهزة، مما قد يعزز من تعديل المسار السلوكي للمستهلكين بشكلٍ أكبر وأسرع. فعلى سبيل المثال، يمكن للمستهلك المهتم بضبط مستويات التوتر لديه، أن يرتدي جهاز تتبعٍ لقياس معدّلات هرمون الكورتيزول. وهنا يمكن للشركات استخدام هذه البيانات في تقديم توصياتٍ مُخصصة لكل مستهلكٍ على حدى باللجوء لمنتجاتٍ معينة متعلقة بالصحة الشاملة والعافية واللياقة البدنية وتمارين الوعي الذهني.
على الشركات أيضًا أن تولي اهتمامًا كبيرًا بخصوصية البيانات وعدم تعقيدها، حيث يُبدي حوالي 30 في المئة من المستهلكين في الصّين والمملكة المتّحدة والولايات المتّحدة استعدادهم لاستخدام أجهزةٍ قابلة للارتداء، شريطة أن تتم مشاركة البيانات معهم شخصيًا وبشكلٍ حصري. كما أن كثرة البيانات المدخلة يدويًا وعدم وضوحها، قد يُقوّض تجربة المستخدم و يهددها بالفشل. لذا فإن ضمان شفافية جمع البيانات بشكلٍ واضح ومفهوم سواءً المتعلقة منها بصحة المستهلكين أو المخاطر الصحية التي قد يتعرضون لها تعد عوامل حاسمة في جذب المستهلكين المحتملين.
الاتّجاه الثالث: دفعةٌ نحو تخصيص الذّكاء الاصطناعي التوليدي
لم تكن منتجات الصحة الشاملة والعافية المصممة خصيصًا تلقى رواجًا في السنوات السابقة، مقارنةً بوقتنا الحالي، حيث أن واحدًا من بين كل خمسة مستهلكين في الولايات المتّحدة وواحدًا من كل ثلاثة مستهلكين من جيل الألفية في الولايات المتّحدة، يُفضلون المنتجات والخدمات المُخصّصة، وعلى الأرجح فإن ذلك يرجع إلى أن المستهلكين قد أصبحوا أكثر انتقائيةً فيما يتعلق بالمنتجات والخدمات المخصصة التي يستخدمونها .
إنّ التقدم التكنولوجي واستخدام البيانات التي يتم جمعها من المستخدمين مباشرةً يمنح تخصيص الخدمات ميزةً جديدة. حيث يبحث حوالي 20 في المائة من المستهلكين في المملكة المتّحدة والولايات المتّحدة، و30 في المائة في الصّين، عن منتجاتٍ وخدماتٍ مخصصة تعتمد على البيانات "البيوميترية" (التعرف الآلي على الأفراد استنادًا إلى سماتهم البيولوجية والسلوكية. هذا يعني أن البيانات البيومترية بمثابة توقيعات بشرية فريدة يمكن قياسها، وقد تشمل بصمات الأصابع ومسح قزحية العين ) التي تتضمن معلوماتٍ عن الجوانب البيولوجية للأفراد مثل معدّل ضربات القلب ومستوى النشاط البدني والنوم وغيرها ، و ذلك بهدف تقديم توصياتٍ أكثر دقة وفقًا لاحتياجات كل فرد، بالإضافة إلى ذلك توجد فرصةٌ لربط أدوات التخصيص الشخصي مع تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي لتحقيق معدلاتٍ أعلى من الدقة. وبالفعل ، لقد تم استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي في مجال الأجهزة الذكية القابلة للارتداء وتطبيقات الهواتف، فعلى سبيل المثال فإن بعض الأجهزة الذكية القابلة للارتداء تستخدم الذكاء الاصطناعي التوليدي لتصميم تمارين مخصصة للمستخدمين استنادًا إلى بيانات لياقاتهم البدنية.
تأثير ذلك على الشركات: تتمتع الشركات التي تُقدم خدماتٍ تخصُ الصحة الشاملة والعافية والقائمة على البرمجيات بإمكانية دمج تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي في منتجاتها المخصّصة. يمكن للشركات الأخرى اللجوء لعقد شراكاتٍ مع مؤسساتٍ أخرى تعمل في مجال الذكاء الاصطناعي التوليدي لاستخلاص توصياتٍ مخصصة للعافية.
الاتّجاه الرابع: تفوق المنتجات الإكلينيكية على مثيلاتها النظيفة
في العام الماضي، لاحظنا تحولًا واضحًا في اتجاهات المستهلكين، حيث بدأوا في العُدول عن استخدام منتجات العناية بالصحة الشاملة والعافية التي تحتوي على مكوناتٍ نظيفة أو طبيعية، لاستخدام تلك التي تعتمد على مكوناتٍ مثبتة علميًا وخاضعة للأبحاث الإكلينيكية، واليوم بات هذا التحول أكثر وضوحًا. حيث أكد ما يقترب من نصف المستهلكين في المملكة المتّحدة والولايات المتّحدة أن الفعالية الإكلينيكية تُعد أحد أهم العوامل التي تؤثر في قراراتهم عند شراء منتجات الصحة الشاملة والعافية. ومن ناحيةٍ أخرى ذكر نحو20 في المائة فقط من المستهلكين تفضيلهم لشراء المنتجات التي تحتوي على المكونات الطبيعية أو النظيفة، ويَظهر هذا الاتجاه بشكلٍ أكبر في الأدوية التي يتم تداولها بدون وصفةٍ طبية والفيتامينات والمكملات الغذائية، كما هو موضح في (الشكل3).
بينما أعرب المستهلكون في الصّين، عن تفضيلهم المتساوي تقريبًا للمنتجات المثبتة إكلينيكيًا وتلك النظيفة بشكلٍ عام، على الرغم من تسجيل بعض الاختلافات بين فئات المستهلكين، حيث أظهر البعض تفضيلهم للمنتجات ذات الفعالية الإكلينيكية، عند استخدامهم للأدوية الهاضمة وعلاجات الجلد ومنتجات العناية بالعيون، بينما يُفضل آخرون المكوّنات الطبيعية والنظيفة عند شرائهم للمكمّلات الغذائية وأطعمة الطاقة ومنتجات العناية الشخصية.
تأثير ذلك على الشركات: ونظرًا للطلب المتزايد من المستهلكين على المنتجات المثبتة إكلينيكيًا، يصبح على بعض الشركات والعلامات التجارية التي تعمل في هذا المجال أن تعمل على زيادة منتجات مَحافظها، في الوقت الذي قد يضطّر فيه البعض الآخر إلى إعادة النّظر في تركيبة منتجاتها والاستراتيجية الخاصة بها. وبالرغم من أن شركات الصحة الشاملة والعافية التي قامت ببناء علامتها التجارية على المنتجات النظيفة أو الطبيعية – وخاصةً تلك التي لديها بالفعل قاعدة عملاء مخصصة - قد لا ترغب في الابتعاد عن القيمة الحالية لمُنتجاتها، فيمكن لهذه الشركات في هذه الحالة الاستعانة بشهاداتٍ من جهاتٍ مستقلةٍ عنها باعتبارها "طرف ثالث" لتدعم بذلك منتجاتها للوصول إلى المزيد من المستهلكين.
يمكن للشركات أن تعزز من مصداقية منتجاتها عن طريق مجموعةٍ من الإجراءات، منها استخدام مكوناتٍ تم اختبارها إكلينيكيًا، وكذلك الاستعانة بدراساتٍ بحثية عن منتجاتها من هيئاتٍ وجهاتٍ خارجية، بالإضافة للحصول على توصياتٍ من العلماء ومقدّمي الرعاية الصحية، كما يمكنها تأسيس هيئةٍ طبية تشارك في عملية تطوير المنتجات.
الاتّجاه الخامس: توصيات الأطباء
بات دور المؤثرين ملحوظًا في عمليات التسويق، الأمر الذي أدّى إلى ظهور مصادرٍ جديدة للمعلومات بدرجاتٍ تتفاوت في مصداقيتها حول صناعة الصحة الشاملة والعافية، وبينما يسعى المستهلكون لتجنب ما يُعرف اليوم بعملية "غسل الصحة" (وهي تلك العملية التي تعني التسويق المُضلل الذي يُصوّر منتجًا على أنه صحيٌ أكثر مما هو عليه في الواقع)، وهنا تعود توصيات مقدّمي الرعاية الصحية لتتصدر المشهد وبقوة.
في الولايات المتّحدة، تأتي توصيات الأطباء في المرتبة الثالثة من حيث التّأثير في قرارات الشراء التي يتخذها المستهلكون في مجال الصحة الشاملة والعافية، كما هو موضح في (الشكل 4). وأكّد المستهلكون أنهم يتأثرون بالفعل وبشكلٍ كبير بهذه التوصيات عند البحث عن منتجات الرعاية الصحية المتعلقة بالوعي الذهني، والنوم، والصحة الشاملة، والتي تشمل استخدام الفيتامينات والأدوية المُباعة بدون وصفةٍ طبية ومنتجات العناية الشخصية ومنتجات العناية بالمنزل.
تأثير ذلك على الشركات: تحتاج العلامات التجارية والشركات إلى العمل بجدٍ عند صياغة رسائلها الموجّهة للجمهور المستهدف من المستهلكين، كما يجب أن تنتقي بعنايةٍ فائقة من سيعمل على إيصال هذه الرسائل، فعلى سبيل المثال ، لاحظنا أن الشركة التي تقدم منتجاتٍ متعلقة بالوعي الذهني تلجأ لاستخدام توصيات الأطباء والإعلانات عبر وسائل التواصل الاجتماعي بشكلٍ رئيسي، بينما تميل الشركات التي تُقدم منتجاتٍ خاصة باللياقة البدنية للاعتماد بشكلٍ أكبر على أسلوب التسويق عبر الأشخاص أنفسهم من خلال توصيات الأصدقاء والعائلة والمدربين الشخصيين.